هناك أوامر تشريعية مرتبطة بدواعيها ، ومذكورة تلك الدواعى أو علة التشريع فى صلب التشريع مثل شهادة المرأتين فى الديون والمعاملات التجارية ، وجاء التشريع متضمنا دواعيه أو حكمته : ( وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى )( البقرة 282 ). وهنا يمكن عدم تطبيق الأمر لو لم تعد تلك الدواعى موجودة ،أى يمكن التثبت والتوثيق بدون وجود امرأتين .
وهناك أوامر تشريعية مطلقة وقائمة بذاتها وغير مرتبطة بدواعى معينة مثل عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ( البقرة 234 ). هنا يجب التنفيذ بلا قيد ولا شرط ولا تبرير ولا تأويل ولا اجتهاد . ولكن يمكن التفكير فى العبرة و الحكمة من ذلك التشريع الالهى هنا لعدة الأرملة ولماذا تحدد بهذا الشكل القاطع ؟ وهل له صلة بنفسية الأرملة وسيكيولوجيتها وارتباط ذلك عضويا أو فسيولوجيا ؟
أما عدة المطلقة فهى بالحيض ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) ( البقرة 228 ) (وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ( الطلاق 4 )
والحيض هنا ليس للتأكد من عدم الحمل أو عدمه ، لأن تشريع الطلاق كله له حكمة هو أن يكون وسيلة لعودة الحياة الى مجاريها واستتئناف العلاقة الزوجية وتصحيحها وعدم هدم بيت الزوجية ، على نحو ما أوضحناه فى بحث الطلاق المنشور فى الموقع . أى إن الطلاق ليس نهاية العلاقة بل هو الانفصال التام بالسراح والفراق. وليس الطلاق سوى مرحلة للتوفيق بين الزوجين واعطائهما فرصة أخيرة .
من هنا ننظر الى موضوع العدة وارتباطها بالحيض ونتعلم كم هو ضرورة حيث يتحتم بقاء الزوجة مع زوجها فى بيت الزوجية بنفس حقوقها أملا فى العودة و الصلح بينهما .
وبالتالى فلا محل هنا الى الاسراع بالتحليل الن=معملى لاثبات الحمل من عدمه لأن القصد هو حماية بيت الزوجية أولا وأخيرا .