المستنقع الايرانى

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٨ - يناير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
أتذكر انه عندما قامت الجمهورية الاسلامية فى ايران انتشرت دعوتها لتوحيد المسلمين فى مواجهة أمريكا الشيطان الأكبر وقد إحتلت سفارتها فى طهران ، وكانت ايران تريد العرب معها ضد أمريكا ، وفشلت الدعوة بالحرب العراقية الايرانية . نحن الآن فى ظروف متشابهة فهل تعتقد إمكانية إحياء هذه الدعوة لمواجة اسرائيل وأمريكا ، خصوصا مع الدور الفعّال للشيعة فى مواجهة امريكا واسرائيل ؟
آحمد صبحي منصور

شكرا جزيلا على سؤالك ، وأقول :

1 ـ حضرت دعوة التوفيق بين المذاهب التى تبنتها إيران الخومينى . كنت وقتها مدرسا مساعدا أواجه شيوخ الأزهر بسبب رسالتى للدكتوراة التى تعرّى التصوف ، والتصوف والسُّنّة غريمان . كنت وقتها سنيا معتدلا مُصلحا أحاول إصلاح السُنّة من الداخل بغربلة الأحاديث ، وكنت مُقرّبا من الجماعات السلفية والذين يرون لى مستقبلا عندهم . كانت مصر السادات تحت تأثير الوهابية ومركز الثقل فى العالم السُنى ، وإذا كان صعبا وصول دعوة الخمينى بالتقريب الى السعودية معقل الوهابية فمن السهل الالتفات بالتسلل الى مصر . وهكذا وفد دعاة شيعة ايرانيون لمصر ، وحدثت إجتماعات مع قادة الحركات السلفية ، وكان أشهرها جماعة د محمد جميل غازى فى مسجد العزيز بالله فى ضاحية الزيتون بالقاهرة . وقد دعانى ضيف شرف لحضور إجتماع مع شيخ إيرانى يرتدى زيا مدنيا . واستمعنا له وهو يخطب بالعربية الفصحى فى موضوع التقريب بين المذاهب . كان كلامه مقنعا الى درجة أن تحرج الحاضرون على نقده . تكلمت فقلت له : إنك إستشهدت بالآية الكريمة (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) وقلت رؤيتكم الشيعية ، أن نكون مع آل البيت على أنهم الصادقون ، ولكن الآية لم تحدد الصادقين ، لماذا لا تشمل أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم ؟ وقلت له إن كل خطابك ليس فى التقريب بين السنة والتشيع بل هو فى الدعاية للتشيع وتحول السنيين ليكونوا شيعة . وقلت له إن الفاطميين الشيعة الذين أنشأوا القاهرة والأزهر حكموا مصر واسلم معظم المصريين فى عهدهم ، ولكن لم يتشيعوا ، هم حتى الآن يقدسون آل البيت والحسين ويقدسون ايضا الخلفاء الراشدين ، وبالتالى فإن دعوتكم لن تفلح فى مصر خصوصا وأن وراءها دوافع سياسية . بهذا فشل الاجتماع .

2 ـ ما كان مخفيا من أطماع إيران الخمينى أصبح مفضوحا فى عهد خامئنى . تسيطر إيران الآن على معظم سوريا وعلى العراق وعلى حزب الله وغيره فى لبنان ، وعلى الحوثيين فى اليمن ، ولها نفوذ على حماس والجهاد فى غزة . وقبل مأساة غزة الحالية أقام حزب الله مذابح للسنيين فى سوريا تأييدا لبشار الأسد أكبر سفاك للدماء . إيران الآرية لها ثأر تاريخى مع العرب منذ الفتوحات العربية ، ولا تمانع فى التضحية بأتباعها الشيعة العرب لتروى ظمأ إنتقامها من العرب ، فما بالك بالسنيين العرب ؟ من أجل هيمنتها وإرهاب العرب جيرانها تسعى لامتلاك السلاح النووى ، وهى تفتعل العداء لاسرائيل لتزايد على الحكام العرب ولتعطى نفسها موقع الزعامة .

3 ـ بدلا من التدخل فى صراعات العرب وإسرائيل كان الأجدر بحكومة ايران الإلتفات الى مشاكلها الداخلية ، ففيها أقليات عرقية ودينية ومذهبية ،أهمهم السنيون والبهائيون والمندانيون والزرادشتيون واليارسانيون واليهود والمسيحيون ، وفيها أعراق متنوعة من الأكراد والتركمان والبلوش والأرمن والعرب ، بالاضافة الى الفرُس الأغلبية . ولكن تحظى الأقلية العربية السنية باضطهاد أكبر لأنهم عرب سنيون ولأن أرضهم ( عربستان ) التى استولت عليها إيران من أهم مراكز النفط . ولايران علاقات ملتبسة بمحيطها الآسيوى وروسيا ، وتركت ذلك كله لتنغمس فى مستنقع الشرق الأوسط لتشفى غليلها من العرب سنيين وشيعة . فهى كراهية تمتد الى 14 قرنا من الزمان . من عهد ابى بكر وحتى الآن .  كما إن الجيل الفارسى الذى نشأ وعاش فى ظل ما يسمى بالجمهورية الاسلامية أصبح كافرا بالتشيع وبالنظام السياسى على السواء . والمظاهرات التى قاموا بها والتنكيل الذى تعرضوا له كان عناوين الأخبار قبل محرقة غزة . وربما جاء تحريضهم حماس لشغل إنتباه العالم عن الفساد فى ايران ووحشية النظام فى ضرب المحتجّين . الواضح أن إسرائيل تخترق إيران من الداخل ، وتغتال من تشاء من الرموز الايرانية ، ومن السهل على الموساد الاسرائيلى أن يستعين بالناقمين على ايران فى داخل إيران ، وهو نفس الحال فى لبنان .

4 ـ فى العصور الوسطى تزعّم الثورة على الكنيسة الكاثولوكية مارتن لوثر الألمانى وزونجلى السويسرى وكالفن الفرنسى . تقاسم الشُّهرة مارتن لوثر وكلفن . ولكل منهما قوى سياسية تعضّده . جاء إقتراح بتوحيد القوتين الألمانية والفرنسية ضد الفاتيكان ، ولانجاح هذا الاقتراح كان لا بد من أن يجتمع مارتن لوثر وكلفن ويتفقا . وفعلا ،  إجتمعا ولكن لم يتفقا . لأن الأديان الأرضى يملكها أئمتها ، ولا يرضى كلفن أن يكون تابعا لمارتن ولا يرضى مارتن أن يكون تابعا لكلفن . هذا مع وجود عوامل سياسية تتمنى إتفاقهما . فماذا إذا لم يكن هناك إتفاق سياسى ؟ ماذا إذا كانت هناك قوة فارسية تريد أن تتحكم بدينها الشيعى فى محيط عدوها السنّى ؟

5 ـ إيران تعيش فى مستنقع داخلى ، لا تكتفى به بل أغرقت نفسها فى مستنقع أعمق : مستنقع الشرق الأوسط . 

اجمالي القراءات 1090