القيم العليا و الدين

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٩ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
هلى يمكن للانسان ان يصل الى حقيقه العدل او حقيقه الحق او حقيقه القيم العليا من ذاته دون ان يحتاج الهدايه من الله ؟؟؟؟؟واذا كان من الممكن ذلك فما فائده الرساله السماويه التى جاءت تهدي الناس الى الحق ؟
آحمد صبحي منصور
خلق الله تعالى الانسان على اساس الفطرة السليمة ، والتى لا يمكن للانسان طمسها أو تبديلها (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) ( الروم 30 ) ولكن يمكنه تغييبها وتجاهلها وتغييرها بفعل الوسوسة والاغراء الشيطانى والاضلال الابليسى ووحيه الضال المضل (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ ) ( النساء 119 ). ومع تناسى هذه الفطرة إلا إنها تقفز داخل الانسان عندما يحيق به خطر فيدعو الله تعالى تائبا نادما ، والتفاصيل فى فتوى سابقة عن الفطرة منشورة هنا.
القيم العليا تقع ضمن هذه الفطرة السليمة النقية داخل كل انسان. وفى إمكان أى إنسان أن يتعرف على تلك الفطرة النقية و ما فيها من قيم عليا إذا رجع مخلصا الى ضميره و احتكم له باخلاص ، فمثلا فى موقف ما يمكن للانسان أن يسأل نفسه لو كان فى نفس موقع الشخص الاخر فكيف كان سيتصرف ، او هل يرضى على نفسه ما يرضاه لذلك الشخص ؟ هل يرضى أن يحدث له نفس ما حدث لذلك الشخص ؟ كل هذه الأسئلة التى تحتكم الى قيمة العدل منبعها الفطرة وهى ليست فى حاجة الى رسالة أو رسول.
الرسالة ـ أو الرسول ـ أمر إضافى لاقامة الحجة على البشر ـفبعد ارسال الرسل لا تبقى لأى عاص معاند حجة ـ طالما بلغته الرسالة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) ( الاسراء 15)
المشكلة ليست فى الرسالة ولكن فى تحريفها و إقامة أديان أرضية على أنقاض الدين السماوى ـ تحمل إسمه وتناقضه فى عقيدته وفى شريعته.
وذلك أساس البلاء.
فالمسلمون لهم أديان أرضية تناقض حقائق الاسلام فى العقيدة و الشريعة و الأخلاق و القيم العليا ، وهم ينسبون أنفسهم الى الاسلام و يرتكبون تحت اسمه كل الرذائل و يحسبون أنهم مهتدون.
لذلك قبل ألأن نجيب على هذا السؤال ، أو قبل أن نسأل هذا السؤال لا بد من تحديد ماهية الدين .. هل هو الدين السماوى ( القرآن ) أم هو أديان أرضية بخارية وكهربائية و مغناطيسية ..!!
المثال المؤلم هو فى باكستان و الهند .
الزعيم غاندى لم يكن مسلما ولكنه كان أحد العلامات الانسانية النبيلة فى مضمار القيم العليا . أى قام بتطبيق السلوك الاسلامى مع أنه رسميا لم يكن مسلما . وبجهاده السلمى تحررت الهند ، ثم ما لبث مسلمو الهند أن انفصلوا وتقسمت الهند بانفصال المسلمين عنها حيث أقاموا دولة باكستان وتلك إحدى الأخطاء العظمى فى تاريخ القرن العشرين .
قامت باكستان على أساس الدين ( الاسلامى ) من حيث الظاهر طبعا ، فانشغلت فى حرب مع الهند بسبب كشمير ، ثم فى حرب داخلها بين باكستان الشرقية ( البنغال ) وباكستان الغربية ( البنجاب )وأسفر الصراع الداخلى عن انقسام باكستان الى بنجلاديش و باكستان ، ولم تتوقف النزاعات الداخلية فى هذه وتلك ، وباكستان ( الغربية ) تتعرض لاحتمال تقسيم آخر إن لم تدخل فى أتون حرب أهلية. والسبب هو فى قيامها على تزوير فى هويتها . فالمسلمون فى باكستان يدينون رسميا و ظاهريا بالاسلام ، ولكن فى الواقع يدينون بأديان أرضية تتناقض مع الاسلام من سنة و تشيع وتصوف . يقدسون مع الله تعالى النبى محمدا و الأئمة والأولياء و الكتب و الأسفار و الأضرحة ، ثم تسيد عندهم التطرف السنى الوهابى الارهابى فالتهبت باكستان بالحديد والنار ، ومنذ نشأتها وهى تعانى من تخلف و فقر و انقلابات و فوضى ودماء. هذا التزوير أسقط باكستان فى هوة لن تخرج منها إلا بملايين القتلى .
على العكس من ذلك تجد الهند قد حددت بوضوح اتجاهها مع القيم العليا من الديمقراطية والعدل والمساواة ، فتمتع المسلمون فيها بأمن وأمان لا يعرفه مسلمو باكستان ، وتفرغت الهند للتنمية وهى الآن تتاهب لتصبح إحدى القوى العظمى فى العالم بعد أن أصبحت تتمتع بالاكتفاء الذاتى فى الحبوب و الطعام و تصدر بعد استيراد وتنتج أكثر مما تستهلك وهى ثانى أكبر عدد من السكان فى العالم.
الدرس المستفاد هو الرجوع للفطرة ، أى القيم العليا داخل كل نفس بشرية.
أما الدعوة السياسية بالرجوع الى الدين فهى مشكلة ، لأن الدين الأرضى ارتدى زى الدين الالهى ، وأصبح العثور على الدين السماوى وملامحه الأصيلة مغامرة محفوفة بالمخاطر. والدليل هو ما يحدث لنا نحن المسلمين الدعاة للاصلاح . هذا مع أن الدين الاسلامى الحقيقى قد حفظه الله تعالى فى القرآن الكريم وأمر بالاحتكام اليه . ومع ذلك فنحن نعانى الاضطهاد لمجرد أننا ندعو الى تطبيق ما أـمر الله تعالى به حين قال (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) ( الأنعام 114 )
وتخيل أن الله تعالى لم يحفظ القرآن ؟ عندها كانوا سيحرفونه وسيحذفون كل ما يعارض تقديس البشر و الحجر ، وسيصبح ما تبقى من القرآن مؤكدا لما جاء فى البخارى .



اجمالي القراءات 15032