فتاوى السياسة

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠١ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
لا بد من مرجعية موحدة للفتوى كما كان فى العصر العثمانى ، حيث تخصص شيخ الاسلام باصدار الفتاوى التى تسير عليها الدولة العثمانية فى سياستها. الان أصبح من حق كل من هب ودب الافتاء ـ سواء كان من العلماء الرسميين أو من العلماء الشعبيين أو من المتطرفين والمهوسين. ما رأيك ؟
آحمد صبحي منصور
* الدولة العثمانية هى الملهم الأكبر لدعاة الدولة الدينية المتطرفين فى عصرنا البائس.وفي تاريخنا الحديث تعتبر الدولة العثمانية أكبر دولة استخدمت الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية..وبعد سقوطها عام 1924 أصبح حلم الاخوان المسلمين ـ بعد إنشاء حركتهم عام 1928 إعادة الخلافة ( الاسلامية ) على منوال الدولة العثمانية.
* لنأخذ فكرة سريعة عن الدولة العثمانية وموقع الفتوى فيها باستخدام الاسلام والاساءة اليه. وفى ذلك الرد الشافى على سؤالك:
*السلطان سليمان القانوني هو آخر السلاطين العثمانيين العظام , ووالده هو السلطان سليم الأول الذي فتح مصر والشام وحولهما إلى ولايات عثمانية, وقد اكتسب ابنه سليمان لقب القانوني لأنه الذي أعطى الغطاء القانوني للدولة العثمانية, ومن بينها التحديد النهائي لمنصب " شيخ الإسلام" إذ جعله رئيس هيئة العلماء وأكبر شخصية في الهيئة الإسلامية, وكان يرجع إلى فتاويه أو بمعنى آخر يستصدر منه الفتاوى التي تصبغ سياسته بالصبغة الإسلامية ..
* و مع أن السلطان سليمان القانوني هو آخر السلاطين العثمانيين العظام إلا أنه وقع في شيخوخته في قصة غرام عنيف مع جاريته الروسية الفاتنة روكسلانة فأعتقها وتزوجها وخضع لها خضوعاً تاماً كان له تأثيره البشع على السياسة العثمانية الداخلية والخارجية..
فقد تمكنت روكسلانة من ابعاد الزوجة الأولى للسلطان وهىّ أم ولي العهد الأمير مصطفى, ثم ما زالت بالسلطان حتى قتل الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) ابراهيم باشا صهر السلطان, وفعلت كل ذلك حتى تجعل ابنها سليم ولياً للعهد بدلاً من الأمير مصطفى أكبر أبناء سليمان القانوني .. وجاءت خطوتها التالية فافتعلت حرباً بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية الإيرانية وخرجت منها بنتيجة ملفقة هىّ اتهام الأمير مصطفى بأنه يتآمر مع الدولة الصفوية ضد أبيه, وما زالت تزين بالمؤامرات والمكائد لزوجها حتى اقتنع فعلاً بأن ابنه الشاب البريء يتآمر ضده لعزل أبيه واستغلت حب الانكشارية والجيش للأمير الشاب فأخافت السلطان من تآمر ابنه عليه, وخشىّ السلطان أن يبادر بقتل ابنه فيثير عقب الانكشارية الذين يحبون الأمير مصطفى ويرونه قائداً فذاً وأملاً في مستقبل أعظم .. وتغلب السلطان بسهولة على تلك المشكلة بان استصدر فتوى من شيخ الإسلام تجيز له قتل ابنه البريء !!
وكالعادة سأل شيخ الإسلام في حكم عبد يعمل عند تاجر ثري وثق فيه التاجر واستأمنه على ثروته وحريمه ثم سافر فكان أن خان العبد الأمانة وتآمر على سيده وعلى زوجة سيده وأبنائه .. فحكم شيخ الإسلام - وهو يعرف المقصود- بأن ذلك العبد يستحق القتل ..
* وبعدها بعث السلطان لابنه الأمير مصطفى يستدعيه, وعرف الأمير الشاب وأركان حربه المقصود وحاول أصدقاؤه إثناءه عن الرحيل لابيه, ولكنه قال لهم : إن طاعة الوالدين فرض وأنه لم يرتكب عملاً يخشى منه غضب والده, وحتى إن قتله والده فهو أبوه على كل حال .. ودخل الأمير مصطفى على أبيه في خيمته فانقض عليه ثلاثة من الجلادين – بإذن أبيه – وقتلوه ..
وأدت تلك الجريمة الشنيعة إلى حرمان الدولة العثمانية من كفاءة سياسية وعسكرية مرتقبة تتمثل في الأمير مصطفى , كما أدت إلى قيام حرب أهلية في الجيش العثماني, إذا أن الأمير سليم المرشح لولاية العهد كان يتمتع باحتقار الانكشارية ، وانتهز الفرصة أخوه الأصغر أبو زيد فاعلن الثورة على أبيه يريد ولاية العهد , واضطر السلطان الشيخ لأن يحارب إبنه المنشق عليه .. وانهزم الأمير وأمر أبوه بقتله وقتل أولاده .. وتولى العرش العثماني السلطان سليم الثاني المشهور بالمجون والخمور والفسوق وهوـ بالمناسبة ـ ابن روكسلانة ، وهو الذي افتتح صفحة السلاطين التنابلة في تاريخ الدولة العثمانية .والسلاطين التنابلة ـ إن كنتم لا تعرفون ـ هم سلاطين الانحلال و الخمر و الشذوذ والمجون..وبذلك انتقمت روكسلانة الروسية من الدولة العثمانية. وكانت روسيا والدولة العثمانية فى حالة عداء دائم.
ومن الطريف أن الدولة العثمانية حين هزمتها روسيا ـ وأجبرتها على التنازل عن اليونان ومقاطعات رومانيا في معاهدة أدرنة سنة 1829 م ـ عززت موقفها المتخازل باستصدار فتوى من شيخ الإسلام تجيز هذا التصرف . وكان ذلك في عهد السلطان محمود الثاني.
وقد استصدر محمود الثانى فتوى توجب محاربة محمد على باشا والى مصر ،ثم استصدر فتوى أخرى من نفس شيخ الإسلام تجيز له العدول عن حرب محمد علي , والفتوى الأولى كانت سنة 1831م , والثانية سنة 1833م .
*وتبقى لنا كلمة ..
فالمسئول عن هذا هو الدين الأرضى الذى يستخدمه أصحابه فى أغراضهم الدنيوية و السياسية. وليس للاسلام دخل بذلك. الاسلام مظلوم فى هذا الاستغلال لاسمه العظيم فى الصراع على حطام الدنيا وفى التلاعب السياسى.
* ونسأل :
1 ـ ماذا لو ظل الإسلام بعيدا عن مكائد السياسة أما كان ذلك أفضل ؟
الاجابة هى أنهم كانوا و لا يزالون يستخدمون اسم الاسلام ولكن يمارسون الدين الأرضى. هذا الشيخ ( شيخ الاسلام ) يحمل اسم الاسلام ولكن ثقافته وعلمه لا تمت الى الاسلام باى صلة. انها مستمدة من التصوف السنى وهو الدين الأرضى الفعلى للدولة العثمانية ، و إن كانوا يحملون اسم الاسلام رسميا. هذا الخلط هو أكبر ضرر يلحق بالاسلام. وهو الذى يعطى لعلماء السلطة وغيرهم فرصة توظيف فتاواهم للأغراض السياسية المختلفة،دون أن يقول أحدهم هذا رأيي الشخصى أو هذا ما أراه, ولكنه يقول هذا هو رأي الإسلام أو رأي الدين .. فيلحق بالإسلام كل أنواع الخزي الذي يستحقه ذلك الشخص وحده ..
2 ـ ماذا لو ابتعد شيخ الإسلام عن تلك الفتوى الفاسدة وقال كلمة حق للسلطان العاشق ؟..
والاجابة : مستحيل عليه أن يفعل ذلك لأن وظيفته التى أختير لأجلها هو أن يلبى رغبات السلطان باصدار فتوى ترضيه وتجعل رغبات السلطان تتمتع بمرسوم دينى أرضى. وهذه هى وظيفة الدين الأرضى لدى أصحابه.
وهم لا يزالون يفعلون هذا ..ولكن تحت اسم الاسلام .!!
*وفى النهاية نقول :
ليفت كل منكم بما يراه ، وليقل كل منكم ما يريد ، ولكن لا بد أن ينسب فتواه لنفسه ليظل الاسلام العظيم بعيدا عن جهلنا و حمقنا و مكرنا و تخلفنا و رغباتنا و طموحاتنا… وأدياننا الأرضية
* إرحموا الإسلام .. يرحمكم اللـــــه..
اجمالي القراءات 17120