منبع الفساد

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٥ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة
ترى ما هو منبع الفساد فى مصر ؟
طرحت هذا السؤال وأجبت عليه فى مقال نشرته جريدة الأحرار بتاريخ 7 مارس 1994 . كانت لهجة المقال غاضبة حادة . لم أكن أعرف وقتها أننى سأظل أؤذن فى خرابة . والآن وبعد الثورة المصرية والشروع فى صياغة دستور فإننا نهدى هذا المقال لمن يهمه الأمر .
مـنـبـع الفســـاد
1 ـ يبدو أن المواعظ لم تعد تجدي، والأفضل أن نجتهد في توضيح أسباب الفساد وجذوره
2 ـ إن الأصل في الدولة أن وظيفتها محددة بإقامة العدل وتوفير الأمن . ومن مستلزمات العدل والأمن حراسة الوطن من الخارج والداخل، أى بالجيش والشرطة والعلاقات الدولية وإنشاء جهاز قضائي مستقل عن الدولة وظيفته تحري العدل التام ،ثم قيام جهاز مالي يجعل للضرائب وظيفة اجتماعية تأخذ من الغني لتعطي للفقير ما يعيش به حياة كريمة، يتعلم ويتداوى.. وفيما عدا ذلك تترك الدولة الأفراد ليعملوا وينتجوا ويبدعوا وفق منطق السوق وما يستلزمه من ضوابط تتدخل فيها الدولة لإصلاح الميزان ، خصوصا في أوقات الأزمات منعا للاحتكار والسيطرة الأجنبية ..
3 ـ تلك هى فلسفة الدولة الحديثة. وأقول أنها أيضا فلسفة الدولة الإسلامية التي عرفها عصر الرسول عليه السلام قبل أن تتحول إلى دولة دينية مستبدة تحكم بغير ما أنزل الله تعالى، ويريد التيار المتطرف إرجاعها دون أن يعرف ماهية الإسلام الحقيقي..
4 ـ والعادة أن الدولة الدينية أو الدولة التي يحكمها فرد أو حزب أو يحكمها العسكر تحاول أن تتدخل في كل شيء لأنها تعتقد أنها تملك كل شيء ،وأن الناس أو الجماهير مجرد رعايا يملكهم الحاكم وينفق عليهم. ولكي تدس الدولة أنفها في كل شيء فإنها تحتاج إلى جيوش من الموظفين. وأولئك يكونون بحكم العادة أصحاب مرتبات هزيلة ونفوذ قوي، ومن هنا ينبع الفساد ، فصاحب النفوذ يحتاج للنقود ، وصاحب النقود يحتاج للنفوذ ، وبتحالف الإثنين معاً: ( الموظف والمقاول مثلا) يكون الفساد ..
5 ـ ومهما قلنا من قصائد وعظ تحث على مكارم الأخلاق وتدعو للطهارة فإنها لا تجدى مع موظف لا يكفيه مرتبه الشهري عدة أيام ، ولكن معه صلاحيات يمكن أن تجعله من أصحاب الملايين. كما أن من العبث المطالبة بزيادة المرتبات، فالخزانة العامة تعجز، ثم إن زيادة المرتب عشرة جنيهات ستضيع في حمأة التضخم والغلاء ، ولن تجدي أمام عمليات فساد مضمونة ويربح منها عشرات الألوف في أقل وقت ..
6 ـ إن الحل في تغيير فلسفة الحكم .. بتقليص دور الدولة ورجوعها إلى وظيفتها الطبيعية في إقامة القسط وتوفير الأمن .. صحيح أن ذلك يستلزم وقتاً، فالدولة المصرية عمرها في البيروقراطية والاستبداد الحكومي سبعون قرنا من الزمان ومن المستحيل تغيير ذلك في يوم وليلة ، ولكن المهم أن نبدأ من اليوم .
7 ـ ويقال إن هناك خطوات عملية في الإصلاح ولكن فضائح الفساد تغطي عليها أو تصاحبها .. ولكني أعتقد أن البداية المثلي تبدأ بالصيغة التشريعية القانونية،أى بمراجعة عشرات الألوف من القوانين بعد أن عشنا سنوات من الإسهال التشريعي .
8 ـ إننا نحتاج إلى لجنة من القمم القانونية في مصر لتكون في حالة انعقاد تام ، وتخرج لنا في النهاية بدستور جديد محدد البنود ، صارم في أحكامه ، لا يعطي الحرية باليمين ثم يسمح للقوانين بأن تقيد الحرية إذا شاءت. ونحتاج من هذه اللجنة إلى تنقية القوانين المصرية المتضاربة والمتعارضة والمتداخلة في شتى الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
9 ـ وبعدها نتعلم احترام القانون، ويتعلم المسئول أنه خادم للقانون وأنه يطبق القانون اليوم وهو في السلطة، ثم بعد أن يخرج من السلطة ويصير فرداً يعيش في حماية ذلك القانون . وبذلك يعيش الحاكم في أمن حتى بعد أن يترك المسئولية..
10 ـ إن الإصلاح التشريعي والقانوني هو البداية الحقيقة للدخول في الدولة العصرية، وهو البداية الحقيقة للخروج من سرداب الفساد .. 

اجمالي القراءات 10497