.....
القرآن والفيزياء-الجزء الأول

نبيل هلال في الإثنين ٢١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 للقرآن الكريم مهمتان: أولاهما كانت في بداية الدعوة , وهي مخاطَبة جيل الدعوة الأول ومعالجة مشاكله والرد على استفساراته بما يناسب ظروفه وحصيلته الثقافية والمعرفية , فالقرآن ينطوي على حلول ظرفية كانت ضرورية في واقع محدد هو واقع معاصري البعثة النبوية. وثانيهما : الرد على الآخرين حتى آخر الدهر بما يناسبهم ولا يتناقض ( في الأسس والمبادئ ) مع ما سبق بيانه لجيل الدعوة الأول .

وهذا ما يجب النظر إليه عند تأمل القرآن . فإذا قال القرآنُ إن الأهِلَّة لحساب الزمان, كان ذلك ما يفهمه الجيل الأول المعاصر للنبي , وهو جواب يَرُد على تساؤلاتهم بما يكفيهم , ولم يكن ليفهموا إن حُدِّثوا عن أطوار القمر من الوجهة الفلكية (وهي أطوار يعرفها التلميذ في المدرسة الإعدادية الآن), فلو حدّث القرآنُ البدويَّ الساذج بحقائق علمية مركبة غير معروفة في وقتها , لكذَّب النبيَ(ص) في سائر الدين ومنها الأمور العقائدية أيضا وما كان النبيُ(ص) ليصدم العقل العربي الساذج بما لا يطيق الإحاطة به .

 والمعنى في القرآن له طبيعة خاصة , فهو غير جامد بل متجدد بحسب الزمان , فليس لمعناه مبتدأ أو منتهى مثل كروية سطح الكرة لا نهاية لها , وهو يناصر ما جاء في الكتب المقدسة المنَزَّلة وينطق بحقائق القرون القادمة . وما من حاجة لأن يكون القرآن كتابا في العلوم , فهذه ليست وظيفته , فليس له أن يضع لك خطة للبحث العلمي مثلا , فالكشوف العلمية - لمن لا يعرف - تبدأ بالفروض والمقدمات وتنتهي بالنتائج والحقائق, وليس العكس . وهي مباحث على الإنسان أن يسعي إليها في نطاق أمور دنياه والضرب في الأرض . وهذه ليست وظيفة القرآن كما أسلفنا.

 لكن ذلك لا يمنع أن يحتوي هذا الكتاب المعجز على شيء من حقائق الكون المخفية , فهو كون الله وقرآن الله . وكان على القرآن الكريم أن يشمل حقائق صحيحة وشديدة التعقيد مع ضرورة وضعها في صيغة واحدة لكن متعددة المعاني, وَلادة لتفاسير مختلفة مع تنامي معارف الناس بمرور الزمن , على أن هذه التفاسير لا تتعارض مع بعضها البعض وتكون كلها في اتجاه واحد , فهي مصمَّمة لتجيب عن تساؤلات الإنسان في كل عصر وأوان .فالنص القرآني لا يطلعك مباشرة على الحقيقة المطلقة المركبة التي قد لا تستوعبها معارف العصر , ولكن يضعك بالقرب منها , فهي نسبية ولا يسع الإنسان المتلقي في أي جيل أن يستوعب فوق الجزء (المخصص)له في زمانه. .

 أما بعد : اليوم الذي نعرفه هو الزمن الذي تقطعه أرضنا في دورانها حول محورها مرة واحدة, وهو يوم رهن بحركة كوكب الأرض وحده . وكل كوكب من كواكب مجموعتنا الشمسية له يوم مختلف عن يوم كوكب الأرض , فإن قلت (يوما) فعليك تحديد الكوكب (المكان)الذي يختص به زمن الدورة . فكوكب عطارد مثلا (وهو أقرب كواكب المجموعة الشمسية إليها ) يدور حول الشمس في 88 يوما من أيامنا الأرضية ,أي أن مدة السنة لراصد في كوكب عطارد هي نفسها 88 يوما لراصد في كوكب الأرض . لذا فالقول عن يوم ما (زمن ما )لا يكتمل وصفه ما لم نحدد (مكان)هذا اليوم .فإذا سمعنا قول الله تعالى إنه خلق الأرض في يومين اثنين (خلق الأرض في يومين )فصلت 9 , لا يكون من الصحيح الظن أنهما يومان من أيام كوكب الأرض , فالأرض لم تكن قد خُلقت بعد . ولا معنى للقول بمفهوم الزمان قبل خلق الكون.انتهى الجزء الأول.

يُتبع

اجمالي القراءات 11503