آه يا بلد .!!
طار فوق عش المجانين .!!

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٠ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا :

1 ـ استيقظت القرية علي دق الطبلة التي تؤذن بأن فلانا توفي .. وتجمع أهل القرية حول بيت المتوفى وافترشوا القش في انتظار تشييع الجنازة . كان المتوفى في حياته ابن حظ . وكان يحظى بصداقة الكثيرين . وربما أدي إسرافه في الحظ إلي وفاته الفجائية إثر جرعة حشيش ضخمة . وكان " أصدقاؤه " حريصين علي أن تتطهر صحيفته من الشوائب أمام أهل القرية البسطاء . خرج النعش من باب البيت يحمله " الأصدقاء " وبمجرد خروجه توقف .!!. صاروا يحاولون زحزحته فلا يستطيعون . هلل الرجال وكبروا .!. وصرخت النسوة وزغردن !: " المرحوم صعبان عليه بيته وأولاده " .. تمتمت إحدى النساء وهي ترمق النعش في غلّ:" يا منافق ... يا راجل يا نمس ..!! صعبان عليك تفيدة وأولادها .. طيب وأنا " ؟!!

 2 ـ   تحرك النعش وسار يتهاوى فوق أكتاف " الأصدقاء " . أمام أحد البيوت توقف فجأة ولم يتزحزح ..! انطلقت الهتافات من الرجال والزغردة من النساء !!.." الله أكبر " بركاتك ياسي مرزوق . حتي وهو في النعش لا ينسي أصحابه .!!.. نظرت المرأة إياها إلي النعش في رجاء وهمست " أنا في عرضك يا مرزوق .. إياك  تقف أمام بابي .. استرها يارب من الفضايح"...

3 ـ     وعاد النعش يسير . وقد سارت الجنازة نحو المسجد الذي يتوسط الساحة في القرية . وفوجيء أهل القرية بالنعش يجري.ويدور حول المسجد !!.. وانقطعت أنفاس الرجال وهم يحاولون اللحاق به ، وحاملوا النعش " من الأصدقاء " يجرون تحته وهم يصرخون يوصي بعضهم بعضا ألا يترك مكانه وأن يتشبث بقوائم النعش حتي لا يسقط علي أقدام المهرولين خلف النعش .. وأصبحت فوضي .. وصراخ .. وعويل .. وزغردات وتكبير ، والجميع يلهثون خلف النعش . ظل النعش يدور حول المسجد إلي أن أتم سبع دورات .. ثم هدأ .. وتوقف .!. واستعاد الحاملون للنعش أنفاسهم ، انكبوا عليه يبكون ، وانطلق أهل القرية ـ بعد أن استردوا جأشهم ـ في هتاف وتكبير منظم ..!!..وجاء خطيب المسجد بنفسه واقسم أن يشارك في حمل النعش إلى داخل المسجد . وأمر أهل القرية بأن يصلوا عليه جميعا بعد أن يؤدوا ركعتي شكر لله تعالي لأنه وهبهم هذا الولي المبارك ..!!

4 ـ  وخرج النعش من المسجد يحوطه أهل القرية وقلوبهم . وتنازل " أصدقاء " المتوفى عن شرف حمله .. وتباري الجميع في حمل النعش أو لمسه تبركا وتقديسا..

5 ـ  وفي الطريق الطويل إلي المقابر كان الناس يسيرون جماعات يتجاذبون أطراف الحديث قال أحدهم لرفاقه : " أظهر كرامة .. وشيخ الجامع إعترف بأنه ولى بعد ما كان بيسخط عليه .!!" .. ورد عليه رفيقه: الحمد لله إن شيخ الجامع اعترف .. كان المرحوم سيأخذها جريا إلي الجبانة ويقطع أنفاسنا .. وقال ثالث : عجبي .. الشيخ حسونة إمام الجامع يعترف أخيرا بكرامات الأولياء " ورد عليه شخص آخر :" كرامة تانية للمرحوم .. اقرأوا له الفاتحة " وأغمضوا عيونهم في خشوع وهم يقرأون الفاتحة للشيخ مرزوق..

6 ـ  والنساء اللاتي يشيعن الجنازة في ملابسهن السوداء وجدنها فرصة للثرثرة .. بينما اتجه بعضهن إلي مواساة أرملة المتوفى وبناته ونساء أسرته .. وفضلت المرأة إياها أن تستمع إلي  ما يقال عن المتوفى وابتعدت عن نساء المتوفى ، قالت أحدي النسوة :"حد كان يصدق إن مرزوق يطلع  منه كل ده " ؟ !! ومصمصت إحدى النساء في تأثر بالغ : " سره باتع " وابتسمت المرأة إياها لنفسها " سره باتع بصحيح.. آه لو عرفتوه .!!".. وتذكرت بعض الليالي المثيرة الحمراء مع المرحوم ...

 7 ـ    وفي مؤخرة مشيعي الجنازة كان يسير بعض الشباب الناقم من خريجي الجامعات .. قال أحدهم :" بصراحة دي حركات هبلة .. ولازم فيها سر " وقال آخر " صعبان عليّ أوربا وأمريكا واليابان .. طاروا إلي القمر والمريخ .. ونحن نطير فقط حين نموت "، واندفع شاب ملتحي يقول :" " هذا كفر " .. إن كان ذلك صحيحا فهل معني ذلك إن مرزوق الفاسق أفضل من الأنبياء والصحابة الأبرار ؟.. إن أحدا منهم لم يحدث له أن طار بنعشه." وابتسم أحد الشباب قائلا : قسمتنا هكذا يا أخ عمار .. لا حصّلنا الصحابة ولا حصّلنا أوربا كفاية ..علينا الشيخ حسونة إمام الجامع.. خلاص ..أعطي مرزوق الحشاش رتبة الولاية .. عقبال عندك يا أخ عمار .. " ...وكتم السامعون ضحكاتهم .

8 ـ     وفي هدأة من الليل جلس " الأصدقاء " ( أصدقاء المرحوم ) حول النار يتسامرون وتدور عليهم الجوزة بما عليها ، ويتندرون علي ماحدث وعلي أهل القرية البسطاء ، وسحب أحدهم من الجوزة نفسا طويلا ونفثه في وجه جاره قائلا : " يوم خرجتي " .. أوصيك تعمل لي نفس الحكاية يا شلبى .. نفسي أطير يا جدع زى الواد مرزوق ".

9 ـ     وفي صلاة الفجر جلس الشيخ حسونة إمام الجامع ليفسر لكثيرين من أهل القرية منامات عن الشيخ مرزوق وهو يلبس أبيض في أبيض ، وفي رواية أخضر في أخضر .. "اختلف فيها العلماء" . هكذا قال الشيخ حسونة إمام الجامع وبذلك أفتي ....

 10 ـ  "  آه يا بلد .!! .." هكذا قال الدكتور...أحمد صبحي منصور..!!

  أخيرا

1 ـ بعد  22 عاما من نشر هذا المقال القصصى فى جريدة الأحرار ..ماذا حدث ؟

الشيح حسّونة أصبح من زعماء الاخوان فى المنطقة ، والطالب الملتحى ( عمّار ) أصبح من قيادات التيار السّلفى ، ولحق به زملاؤه طلبة الجامعة الذين كانوا يتندرون عليه ، ثم ما لبث أن ارتدوا اللحية والجلباب . المرأة إياها بعد أن ( تابت) وتنقبت تربى على يديها ( ورجليها )  الشباب الأبرار الملتحون الناجون من النار . وتعاون الجميع فى بناء مسجد يضم رفات الولى الصالح الشيخ مرزوق عليه سحائب الرحمة والرضوان ، وصار أصدقاء الجوزة والحشيش هم سدنة وخدم الضريح وأمناء صندوق النذور .

والآن صار مسجد الشيخ مرزوق بوق دعاية لتولى التيار الدينى حكم مصر .

2 ـ  مرة ثانية .. آه يا بلد .؟؟

اجمالي القراءات 16299