قراءة لسورة ( هود ) بحثا عن وسائل لتفادى الهلاك:( الجزء الثانى)

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٩ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر  ).

الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى  )

الفصل الأول : (  الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا  )

سادسا : إصلاح الأغلبية الصامتة لتحاشى هلاك المجتمع 

  قراءة لسورة ( هود ) بحثا عن وسائل لتفادى الهلاك : ( الجزء الثانى ):

 بعد هذا التوضيح لمواقف البشر من القرآن عند وبعد نزول القرآن يأتى الجزء التالى من السورة يحكى قصص أقوام نوح وعاد وثمود ولوط ومدين وقوم فرعون والاهلاك الذى حدث لهم  .وقد إحتلّ هذا القصص فى سورة هود من آية 25 الى آية 99 . 

أولا : موجز القصص    

1 ـ كل نبى كان يدعو قومه بنفس الدعوة : لا اله إلا الله .  لايقتصر على القول لهم ( إعبدوا الله ) ، لأن ذلك يعنى أن يعبدوا الله ويعبدوا غير الله ، ولكن يقول لهم باسلوب القصر والحصر ( لا تعبدوا إلّا الله ) أو ( إعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ، ونقرأ هنا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ ) ، (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ   61)،   (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ).  فى عقيدة المشركين أنه يكفى أن يكون الله جل وعلا معترفا به وأن يكون الاهامعبودا   لأن الالوهية شركة عندهم بين الله وآلهة اخرى أتخذوها لتقربهم الى الله زلفى أو لأنها آلهة مستقلة بذاتها وليست واسطة. الاسلام هو كفر بكل اله غير الله وإيمان باله واحد هو الله ، لذا تأتى شهادة الاسلام (الواحدة ) لتقول باسلوب القصر والحصر ( لا اله إلا الله ) ، أى ليس هناك أله سوى الله .

2 ـ  كان نوح يدعو قومه بنفس الدعوة ( لا اله إلا الله ) فيرفض الملأ ، ويؤمن الأقلية ، وأكثرهم مستضعفون ، ويأتى الاهلاك للكافرين ، وينجو المؤمنون ، ولا يلبث الشيطان أن يضل الذرية فيعود تأليه وتقديس البشر ، ويأتى نبى جديد لقوم مستخلفين بعد قوم نوح هم قوم عاد . ويقول النبى الجديد لقومه (عاد ) يذكّرهم بما حلّ بالسابقين من قوم نوح وكيف زادهم الله جل وعلا نعمة : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) ويردون عليه برفضهم عبادة الله جل وعلا وحده وتمسكهم بعبادة ما وجدوا عليه آباءهم ويطلبون آية علىسبيل العناد ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (70)( الأعراف ) .وينتهى الأمر بهلاكهم ، ومجىء قوم آخرين هم قوم ثمود ، ولا يلبث أن يضلّهم الشيطان فيرسل الله جل وعلا لهم النبى صالح ، فيعيد وعظهم بلا إله إلا الله ، وأيضا يذكّرهم بما حدث من هلاك لقوم عاد، وكيف أنعم الله جل وعلا عليهم :( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)( الأعراف ). وتتكرر القصة الى أن نأتى لقوم مدين ، ويقول لهم النبى شعيب يذكّرهم بما حدث للسابقين (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)(هود ) ويردّون عليهم بغلظة وبالتهديد بالرجم (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)( هود ). ونصل الى فرعون وقومه لنرى مؤمن آل فرعون يعظ قومه يذكّرهم بما حدث من هلاك للسابقين : (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (31) ( غافر ).

 ثانيا : أئمة الضلال للمسلمين أصحاب الأديان الأرضية

1 ـ وتنتهى مرحلة الاهلاك العام بقوم فرعون ، ويأتى الانذار لنا فى القرآن الكريم لكل من يسير على دأب فرعون : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)( الأنفال )

2 ـ إى لدينا إثنان من أئمة الضلال : الأولون قوم نوح ، والآخرون قوم فرعون . وهما معا يعانيان من عذاب البرزخ لأنهما أئمة الضلال لمن جاء بعدهم . حين كان قوم نوح يسخرون منه وهو يصنع الفلك ، كان يرد عليهم بما نفهم منه إنهم سيكونون أحياء يعذبون فى البرزخ بعد غرقهم : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)( هود ). هم سيعلمون فى عذاب البرزخ من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم ، وسيعلمون من سينجو ومن سيتعرض للسخرية . لو كانوا ماتوا غرقا ودخلوا فى موت البرزخ فلن يشعروا بشىء إلا عند البعث . ونفس الحال مع فرعون وقومه ، سيرى بعد غرقه هو وقومه تحقيق مخاوفه من بنى اسرائيل : (  إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ) ( القصص ). يقول جلّ وعلا إن قوم نوح دخلوا النار بعد غرقهم مباشرة :(مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً (25) ( نوح ) وقال عن فرعون وقومه أنهم فى سوء العذاب الذى يسبق العذاب الأشد  يوم القيامة (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)( غافر  )

ثالثا : المسلمون يكررون سيرة الأمم الهالكة

1 ـ باعتباره رسالة إنذار وبيان تحذير فقد حفل القرآن الكريم بكل هذا وعظا لنا ، وهذا فى حدّ ذاته آية إعجاز لأن المسلمين كرروا كل ما فعلته الأمم التى أهلكها الله جل وعلا . ومن المفهوم عقلا أن ابليس لا يمكن أن يكون قد قدّم استقالته بنزول القرآن الكريم . لقد كان الشيطان يتلاعب بكل قوم ويضلّهم ، وبعد هلاكهم يكرّر نفس الخديعة مع القوم اللاحقين ، وبالتالى فبعد نزول القرآن ـ  وحتى الآن ـ فلا يزال ابليس يمارس وظيفته فى الاضلال .

2 ـ  وبهذا أصبح للمسلمين أديان أرضية تكرر عقائد السابقين وعباداتهم ولكن بلغات مختلفة ، وبأسماء مختلفة . تتفق عقائد المشركين قبل وبعد نزول القرآن ـ فى تقديس وعبادة البشر والحجر ، وإطلاقهم عليها الأسماء ، ثم تقديس الأسماء التى يعبدونها حتى تكون لهذه الأسماء رهبة .

قوم نوح عبدوا آلهة أسموها ( ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ) وتمسكوا بعبادتها 950 عاما :( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) (نوح ) . وقوم عاد رفضوا ترك عبادة الأسماء التى إخترعوها وصمموا على أن تكون شريكة لله جل وعلا فى الالوهية وطلبوا آية حسية : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (70) وردّ عليهم التبى هود بكل قوة يوبّخهم على جدالهم فى أسماء اخترعوها وقدسوها وتوعدهم بالهلاك القادم :( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ (71) ( الاعراف )، ونفس الحال مع مصر فى عهد يوسف عليه السلام ، إذ بدأ يوسف وهو فى السجن يدعو صاحبيه وينتقد عبادتهم لأسماء سمّوها هم وآباؤهم :( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) ( يوسف ) ، وعلى نفس السّنة سارت قريش والعرب تسمّى اللات والعزى ومناة وتعبدها ، فقال لهم رب العزّة:( أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى (23) ( النجم  ).

والمسلمون بعد نزول القرآن عبدوا أسماء ، قاموا بتسميتها بأنفسهم وقدسوها ويرتعبون من المساس بها ، فإبن برزويه المجوسى أصبح إسمه البخارى ، ولو رفعت صوتك تلعن ابن برزويه فلن يلتفت اليك أحد ، ولكن لو تعرضت لاسم البخارى بأى نقد لأصيب السامع بالذعر لأن إسم البخارى مقدس. ونفس الحال مع ( على بن عبد الجبار ) لو لعنته ما اهتم أحد ، ولكن لو تعرضت لأبى الحسن الشاذلى بسوء قامت قيامة الصوفية عليك ، مع أن (المدعو ) على بن عبد الجبار هو نفسه الشاذلى ، ولكن إسم الشاذلى مقدس وقد غطى على الاسم الحقيقى له ، وكذلك الحال فى ( أحمد بن على بن ابراهيم ) وهو ( السيد أحمد البدوى ) ونفس الحال مع ابى حامد الغزالى ، وإسمه الحقيقى ( محمد بن محمد بن محمد بن أحمد )..ألخ .. أى يعبد المسلمون أسماء ما أزل الله جل وعلا بها من سلطان . وإلّا فهل جاءت فى القرآن تلك الأسماء ( المقدسة)؟   

3 ـ كرّر المسلمون نفس الشرك الذى وقع فيه الأمم الضالة المهلكة .

أقوام نوح وعاد وثمود لم يعرفوا الشذوذ الجنسى لأن قوم لوط كانوا أول من مارسه من البشر : (  وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) ( الاعراف )، والمسلمون منذ العصر العباسى وحتى الآن وهم غارقون فى هذه الرذيلة ، بل إن الشذوذ الجنسى يعتبره الدين الصوفى شعيرة دينية .!!.

ولم يرد فى قصص قوم نوح وعاد وثمود أنهم احترفوا الخداع فى الكيل والميزان وأكل أموال الناس يالباطل ، فقد تخصّص فى هذا قوم مدين فيما بعد : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)(هود ). والمسلمون اليوم تفوقوا على قوم مدين .!!. مع  وصايا رب العزة المتكررة  لهم بالوفاء بالكيل والميزان : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ  (152) الأنعام  ) (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)الاسراء ) ( أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) ( الرحمن  )( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) (المطففين  ).

 ولم يعرف قوم مدين ومن سبقهم الاستبداد الفرعونى الذى يجعل المستبد يزعم الالوهية . ولكن تجذّر الاستبداد فى تاريخ المسلمين ، والمستبد السّنى والشيعى يزعم الالوهية ضمنا فى أغلب الأحوال وقد يعلنها صراحة مثل الحاكم الفاطمى .

المستفاد أن كل قوم من الأقوام المهلكة الملعونة قد تخصصت فى رذيلة مع الشرك ، ولكن المسلمين عرفوا كل تلك الرذائل بالاضافة للشرك والكفر ..هذا مع وجود القرآن بينهم .

رابعا : الشيطان هو الاله الفعلى فى أديان المسلمين الأرضية

1 ـ عبادة وتقديس القبور أبرز ملامح الكفر العقيدى العملى . وبعض الصحابة ظل يعبد القبور ( الأنصاب ) ويشرب الخمور ويدمن الميسر ، فكان من اواخر ما نزل من القرآن قوله جل وعلا  لهم ـ ولنا ـ (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91)( المائدة ) أكّد رب العزة أنها صناعة شيطانية ، وقال لهم (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ؟ ولم ينتهوا . وحتى الآن فالتصوف والتشيع لدى المسلمين يقومان على تقديس وعبادة القبور. ونسبة الأحاديث  كذبا للوحى الالهى هى صناعة شيطانية وملمح أساس من الكفر العلمى قام على أساسه الدين السّنى .

 2 ـ وتلاعب الشيطان بعقائد المسلمين فأضلهم وأعاشهم فى خرافات الشفاعات فأصبح من المعلوم لديهم بالضرورة أنهم أصحاب الجنة مهما ارتكبوا من كبائر ، أى حق عليهم وعيد الشيطان إذ قال (وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ ) فلكى ينجح الاضلال فلا بد أن يقترن بأمنيات الشفاعات ،أى يرتكب الانسان الكبائر متشجعا بأنه سيجد النبى يشفع فيه ، أو أنه سيدخل الجنة بمجرد نطقه ( الشهادتين ) بزعمهم . وهكذا ظل ويظل الشيطان يعد ويمنّى أولياءه : ( وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120)، وفى النهاية فمصيرهم الى جهنم : (أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً (121) ) ( النساء  ). وهناك فى جهنم سيتبرأ منهم الشيطان : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ( ابراهيم ).

3 ـ وبخداع الشيطان فإنّ أصحاب تلك الديانات الأرضية يعتبرون من الجهاد فى سبيل الله جل وعلا أن يتقاتلوا فيما بينهم ، وأن يسفكوا دماء الأبرياء عشوائيا فى الأسواق والشوارع والمساجد والمواصلات . لم يفعل ذلك المنافقون فى عهد خاتم النبيين عليهم السلام ، ومع ذلك قال جلّ وعلا يوبخهم : (  فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ( محمد )

4 ـ وبخداع الشيطان فإنّ أصحاب تلك الديانات الأرضية يعكفون على أوثانهم المادية ( القبور ) والمعنوية ( التراث وأسفاره المقدسة عندهم ) وهم راضون مطمئنون يحسبون أنهم مهتدون (  أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) ( الكهف ) فقد زيّن لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)( فاطر ) .

لذا لم تعد لديهم مشاكل تؤرقهم إلا نشر الاسلام فى مجاهل أفريقيا والقطبين ، وفرض الحجاب والنقاب على النساء ، فقد تمّ بالنسبة لديهم تعمير القلوب بالدين الحق فى نظرهم ولم يعد باقيا إلا المظاهر السطحية فى الداخل ( الحجاب والنقاب ) وفى الخارج نشر الاسلام فى شتى بقاع العالم .

5 ـ وبخداع الشيطان تراهم يعتقدون أنهم فى حصانة من كيد الشيطان وإضلاله ، أى إن الشيطان يمارس عمله بكل كفاءة مع غير المسلمين فقط ، أما المسلمون فهم فى مأمن منه ، أى أن المسلمين إهتدوا تماما بعد نزول القرآن ولا يزالون مهتدين حتى الآن وسيظلون على الصراط المستقيم متمسكين الى يوم القيامة ، وسيظلون الى آخر يوم فى هذه الدنيا وهم خير أمة أخرجت للناس . وانه ليس فيهم ملل ولا نحل ولا مذاهب ولا طوائف ولا  إقتتال ولا تفرق فى الدين ، وأنهم سمعوا وأطاعوا عندما قال لهم رب العزة : (وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) (الروم ) . بعض أنواع الماعز تعتقد هذا وتتصرف على هذا الأساس .

6 ـ تلك الماعز ( البشرية ) تنكر الحاضر والماضى الذى يشهد بأن المسلمين اقتتلوا ولا يزالون ، وأن اختلافهم السياسى أنتج أديانا أرضية لا تزال متحكمة وسائدة ، وبها تخلّف المسلمون ولا يزالون . هذه الماعز تنكر أيضا القرآن الكريم ليس فقط فى أن أديانها تتناقض مع القرآن الكريم ، وليس فقط فى أن أديانهم الأرضية تكرر وبنفس التفصيلات ما قالته الأمم التى أهلكها الله جلّ وعلا ، ولكن أيضا تنكر ما جاء فى القرآن الكريم عن يوم القيامة حين سيقول رب العزة يؤنب بنى آدم : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)( يس ). أى سيظل الشيطان يمارس عمله فى الاضلال مع كل جيل دون يأس ، يأتيهم من كل طريق (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)(الاعراف )، وبالتالى فهو يمارس عمله بكل نجاح مع المسلمين وسيظل يمارس إضلاله لهم الى قيام الساعة ، يخدع كل جيل ، وسيأتى المسلمون وغيرهم ليسمعوا التأنيب الالهى لهم :( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)( يس ).

أخيرا

1 ـ  هذا الواقع القرآنى واضح إنطباقه على أصحاب الديانات الأرضية من المسلمين الذين يموتون متمسكين بعقائدهم الضالة مع وجود القرآن بينهم .ولولا أنّ القرآن محفوظ بقدرة الله جل وعلا لكانوا قد حرفوا ألفاظه ، ولم يكتفوا بحريف معانيه وإبطال وحذف تشريعاته بزعم النسخ .!!

2 ـ إذن ما الذى يمنع حدوث الاهلاك ؟ لقد تكرر الأهلاك الجزئى فى تاريخ المسلمين ، وسنتعرض له فى الجزء التاريخى من هذا المبحث . ولكن لا زلنا مع سورة (هود ) .. وبعد أن عشنا مع جزءيها يبقى أن نتوقف مع دروسها التى يمكن بها تجنب الاهلاك ..خصوصا والمسلمون اليوم على حافة الاهلاك ..

اجمالي القراءات 14069