الإهلالة الأولى لأعماق التدبر السبع
أعماق التدبر السبع- الإهلالة الأولى

محمد خليفة في الخميس ٠٣ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أعماق التدبر السبع

 

مقدمة :

أعماق التدبر السبع ، لاتعدو أن تكون إلا إعمالا للفكر، في قراءة مابين السطور   في محاولة لفهم ما لم يصرح به النص، وهي لا تخرج عن كونها إلا مجموعة من الإجتهادات العـقلية ، والوقفات التأملية ، للغوص في كلمات آيات  كتاب الله في محاولة لاستجلاء أبعاد معانيه، واستخراج بواطن  مراميه، والقدرة على إدراك جمال النص، والتقدير الوجداني لمشاهد التصوير الفني فيه، في نظرات جديدة ومتجددة، بل ودائمة التغير والتحول إلى الأحدث والأقرب إلى القبول الذهني،  لمواكبة تطور العلوم  والمعارف والأعراف بل والمفاهيم  في مجالات العلوم التجريبة والإنسانية.

وما حدا بنا إلى أن ننحو هذه الناحية، تلكالإشارات الربانية والتي تبدت في الآية الكريمة
 { وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87)} سورة الحجر
ومعها الآية الكريمة
 {
 سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)} سورة فصلت

والجدير بالذكر أننا قد ذهبنا في محاولة تأويل آية المثاني كل منحى، ولنا في هذه الجزئية مبحث أود من الباحث المهتم أن يرجع إليه في موقع أهل القرآن لمن يود الإطلاع عليه ( السبع المثاني ليست هي الفاتحة ).

إلا أننا سوف نـُفرد هنا مبحثا خاصا لأحد المعاني المهمة للسبع المثاني والتي وردت في ذلك المبحث، وهي تلك التي تومئ إلى أن الحق يشير بالآية (87) من سورة الحجر إلى أن المعاني في آيات القرآن لا تعنى فقط المعنى الأول والذي نستنبطه للوهلة الأولى ، والذي هو في الأغلب شديد البساطة والتسطيح مع كونه حق، إلا أنه يناسب ذوي الإدراك المتدني، من العامة والبسطاء، من غير المتعمقين، وأولئك الباحثين عن الدعوة المباشرة الصريحة،  والحدوتة والأقصوصة، والأمثلة الجلية دون حيود ولا قيود ولا فلسفات متقعرة.

 وحقيق بنا أن نضع في إعتباراتنا أن ذلك يمثل أولى الأبعاد التي وضعها الله في تلك المعاني، أو هي العمق الأول - إذا  ما أجزنا هذا التعبير-  حيث أنه هو المفهوم الذي سوف يصل أول ما يصل إلى ذهن المتلقي القارئ للقرآن أو ذلك الذي يستمع إليه من أول وهلة ، لكن يحدث في بعض الأحيان أن تقف بالفكر عند كلمة بذاتها أو تركيبة لفظية خاصة،  وكأنك تسمعها لأول مرة ، مع أنك قرأتها مئات المرات من قبل ، لكنها إرادة الله شاءت آنذاك أن تجتاحك تلك الومضة المتساءلة
 ماذا يعني الحق بتلك الكلمة في هذا الموضع ؟
 ولماذا استخدم هذه اللفظة في هذا المقام ولم يستخدمها في مثل هذا المقام في السابق أو في اللاحق ؟
لماذا لم يستخدم لفظة شائعة الإستخدام وأبدلها لفظة نادرة الظهور؟
لماذا اختلف شكل الكتابة القرآنية عما هو شائع الإستخدام في مكتوباتنا ؟

ألف ماذا ولماذا  تدور في سرعة خاطفة في الذهن حين تأتيك تلك اللمسة الربانية ، والتي لا تأتي إلا لمن يستحقها  فذهنه جاهز بالتساؤل وإدراكه على أهبة التلقي وعقله يـُفـَعـِل إمكاناته وعلومه ومعارفه وثقافته للإجابة على مثل هذه اللمحات، وقد يفتح الله عليه بالإجابة، وقد تكون الأخرى.
فإذا ما فتح الله عليه بالإجابة فسوف يرى -  بنور الله -  وعلى الفور عمقا جديدا وأبعادا شتى غير الذي اعتاد تعاطيه من قبل، ويتحتم عليه بعدها أن ينقل هذا العلم الذي وصله إلى إخوانه وإلى الدنيا بأسرها.

هذا هو ما أرمي إليه من وجوب التدبر، والذي أشار إليه الحق في الآيات
{
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَوَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} سورة النساء
{
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَأَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) } سورة محمد

ثم في الحض على التفكر وردت عدة آيات نذكر منها على سبيل المثال
{.......
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) } سورة البقرة
{ .......كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) } سورة يونس

ويشير الحق في آيات قرآنية متعددة وجوب التفقه في آياته نسوق منها
{.........
انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)}
{ .......
قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)} سورة الأنعام


وهكذا نلمس بوضوح جلي، أهمية التفكر، وضرورة التفقه، ووجوب التدبر، فهكذا.. وهكذا.. فقط  نحاول أن نقترب من مراد الله ، فإن وافقت مشيئته كان الفوز، وإن كانت الأخرى كان علينا أن نحاول ونحاول ولا نتوقف عن المحاولة، إلى أن يمن الله علينا بالفهم، وإن شاء الله هو فاعل.

وعود إلى بدء نعود فنقول أن ذلك يمكن أن يتكرر حدوثة للمتفكرين بالقرآن المتدبرين له، بل أنه يمكن أن يحدث لذات الكلمات وذات الآية، مرات ومرات وبذلك يضاف إليك بعدا جديدا، وأعماقا متعددة، وقد أذن الرحمن لتلك الأعماق أن تتعدد إلى أن تصل إلى سبعة أعماق، أو هكذا ذهب بي الفكر في تأويل آية المثاني .
ولتدبر القرآن عدة طرق، وكثير من المنهجيات ، إلا أن أبرزها هو البحث الموضوعي، بمعنى أن نجمع الايات التي تحدثت عن موضوع بذاته ، ونضعها جميعا تحت البحث المجهري، ولا أقصد بالمجهر هنا بالطبع تلك الآلية التي تكبر صغير الأشياء، لكني أرمي إلى ضرورة وأهمية فحصها فحصا دقيقا ومتأنيا لاكتشاف العلاقات والروابط التي تربط ذلك بتلك.

أما عن الحال حين تدبر الألفاظ فعلينا الرجوع إلى جذره اللغوي، ثم استخراج كافة اشتقاقاته اللغوية، بعدها تستعرض كافة استخداماته القرانية، ومن ثم تتضح المعاني المختلفة والتخريجات المتعددة لذات اللفظة، والتي منها سوف نقف على المعنى المناسب للفظة في الموقع قيد البحث.
ولنا في تفاصيل تلك المنهجية  مبحث خاص هو قيد الطبع.

أما عن البعد الرقمي والإحصائي للقرآن فحدث ولا حرج، فبعد ظهور الحاسبات الآلية وامكاناتها الحسابية الجبارة، أمكن الباحثين الإسلاميين من سبر غور هذا البعد القرآني الجديد، وصار اكتشاف رمز التحقق اليقيني القرآني والذي به سوف نتحقق من صحة واثبات فرضيات رياضية متنوعة تربط عدديات القرآن ( كل ما هو عددي في القرآن مثل ترتيب السور التوقيفي والتنزيلي، ثم عدد آيات كل سورة ، وعدد الكلمات في كل آية ، بل وعدد حروف تلك الكلمات، وعلاقات الزوجية والفردية بينهم وبين بعضهم وأيضا الأعداد التي وردت في كتاب الله على  الصورة العددية، فضلا عن أساليب تحويل الحروف والكلمات إلى عدديات باستخدام نظام المقابلات العددية للحروف طبقا للأبجدية العبرية – انظر أسرار الله في الكناب
 د مهندس/ ابراهيم مصطفى كامل الناشر شركة صرح القاهرة 2012- ،
 أو طبقا لترتيب خاص للحروف الهجائية - مستنتج من فرز ترتيب ظهور تكرارات الحروف في القرآن الكريم تنازليا  مرجع ذلك كتاب المعجزة الكبرى للمهندس السوري / عدنان الرفاعي - ، ولكل منهما له منهجه ومنهجيته وكلاهما قد تمكن من الوصول إلى حقائق رياضية مبهرة، وهذا يعني أن الله قد منَّ علينا من كرمه بإضافة هذا  العمق الجديد للمعاني القرآنية،  وجعلنا نقترب أكثر من السقف السابع لأعماق التدبر القرآني.

وجاء الدور الآن على  ضرب الأمثلة وهي تعد بالآلاف، ولسوف تنشر تباعا بإذن الله في إهلالات متعددة، في محاولات جادة  لتوضيح ما ذهبنا إليه من تعدد الأعماق التي يمكن لنا أن نتوصل إليها عند تدبر القرآن، ذلك بعد إعمال الفكر واعتصار العقل وشحذ منافذ الإدراك، والله المستعان.

الإهلالة الأولى  :   سورة الكهف
المثال الأول والثاني :
                  { فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) }

الناظر لهذه الآية، يرد إلى ذهنه المعنى البسيط وهو أن الله قد ضرب على آذانهم، بمعنى أنه قد أوقف خاصية السمع لديهم، فلا يوجد شئ يمكن أن يزعجهم، أو أي صوت يمكن أن يصل إليهم
، هذا هو المعنى البدهي .
والسؤال الذي يفرض نفسه، إن كان السمع هو السر في الضرب على الأذن فلماذا لم يأت الحق بعبارة وضربنا على أسماعهم  بدلا من وضربنا على آذانهم ؟


السر يكمن في أن للأذن وظيفة ثانية، وهي حفظ الإتزان، وعليها تقع مهمة الحفاظ على توازن الجسم في أي وضع يكون عليه، ويكون والحال كذلك الأنسب أن يذكر الضرب على الأذن لا على السمع وحده، لأنهم إن أفاقوا نتيجة أي مؤثر خارجي، فإنهم لن يستطيعوا مجرد التحرك من وضع الرقود إلى وضع الجلوس، فضلا عن أنهم لن يستطيعوا التحرك من الوضع جالسا إلى الوضع قائما .

وثالثة الأثافي تكمن في أن للأذن وظيفة ثالثة، لم تكتشف إلا منذ عدة سنوات قليلة، وهي أن الأذن وفي حالة نفسية خاصة ( حالات الخوف والفزع والهلع أو الألم غير المحتمل أو الفرح الشديد أو الإشتياق الجامح )  تـُصدر ذبذبات صوتية عالية التردد تصل إلى أرجاء الكون، ويستقبلها من هم متآلفون ومتوالفون مع الشخص صاحب الآذان، مثل الأم والتوأم والأخ والصديق اللصيق، وهذا ما يدفع الأم أحيانا إلى الصياح فجأة  بأن ولدها البعيد في خطر، حيث تفسر حينها بأنها حاسة الأم، أو قلب الأم، وكذلك يفسر أن يخطر في ذهن أحد أن صديقه الغائب قد صار له وقت طويل لم يتواصل معه، وعلى غير المتوقع يرتفع رنين الهاتف ويكون على الخط الثاني هذا الصديق بالذات، أو يجده طارقا عليه الباب،  كلنا بالطبع مر بهذه التجربة أو طاف به هذه الطائف.

من هذا يتضح أن ثمة وظيفة ثالثة للأذن، ألا وهي نداءات الإستغاثة، كي يمكن أن يغيثه مغيث.

سبحان الله.. فكأن ذكر الضرب على الأذن هو الأقرب والأشمل والجامع لكل وظائف الأذن، فبالضرب على الأذن انقطع أهل الكهف عن الدنيا فتوقف الأذن عن السماع عزلهم عن الدنيا، وتوقف الأذن عن القيام بوظيفة حفظ الإتزان لن يمكنهم من التحرك متوازنين، أما عن الوظيفة الثالثة فالضرب عليها سوف يمنعهم من اصدار نداءات استغاثة لإستدعاء أحد من ذويهم ليوقظهم ومن الجائز أن يخرج علينا العلماء بوظيفة رايعة أو خاصية خامسة للأذن، فلا يستطيع كائن من كان أن يدعي أنه قد قال الكلمة الأخيرة في القرآن ، أو أنه توصل لمعرفة مراد الله في ذكر هذه العبارات.

ثم تأتي في عجز الآية    "....
سِنِينَ عَدَدًا "
لماذا لم تأتي " عدة سنين " ، أو  "سنين متعددة
"
ذلك لأن ذلك يشير إلى أن العددية المذكورة سوف تكون عددية صحيحة دون أي كسور، فالعددية التي تشير إلى مدة اللبث بالسنين الشمسية هي عددية صحيحة  (300 سنة شمسية )
 {
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ ....... }
وكذلك العددية التي تشير إلى مدة اللبث بالسنين القمرية أيضا عددية صحيحة دون أي كسور ( 309 سنة قمرية )
 "
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا"

وهكذا تجئ الإشارات العددية المذكورة في هذه الآية بصورة تشير إلى  عدديتها الصحيحة.

والمدهش في الأمر، أن هذه اللفتة الرياضية تشير إلى أسلوب التعليم الرباني للبشر، ولمن يستمع منهم إلى التوجيهات الإلهية المنظورة، فضلا عن من يصطفيه الله منهم بالعلم اللادني، فمن تلك الأعداد نستطيع أن نستخرج قانون التحويل الحسابي من التقويم الشمسي إلى التقويم القمري
[  300  سنة شمسية تساوي تماما 309 سنة قمرية ] .

ملمح آخر أود أن ألقي الضوء عليه، ألا وهو الإحكام العددي والإحصائي فمن الثابت أنه يوجد نظام رقمي محكم يحكم القرآن،  وبهذا يكون استخدام تركيبة لفظية بذاتها فضلا عما تقدمه من أبعاد متعددة للتدبر فهي في ذات الوقت جاءت على الصورة التي تجعلها منتظمة في هذه التركيبة الرقمية الفذة.

فإن تفحصنا الإشارة  الربانية في الآية
{
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)} سورة الكهف

وبإحصاء عدد كلمات الآيات بدءا من الآية (9) والتي تبدأ بها قصة أصحاب الكهف، إلى الآية (24) منها فسوف نجد أنها ( 305) كلمة فإذا استمر العد في الآية (25) حتى نصل إلى لفظة  " 
ثَلَاثَ  "
فيزداد العدد بذلك بمقدار أربعة كلمات ، كي تصل العددية الإجمالية للكلمات
 ( 309) أي ثلاثمائة وتسع وهي مطابقة لمدة لبث أصحاب الكهف في كهفهم ، كما أخبر الحق بذلك في محكم كتابه.

 ملمح آخر أود  لفت النظر إليه وهو أننا لو استعرضنا التساؤلات وارتباط الإجابة بـ  " قل "  أو بـ "  قالوا "  التي وردت في قصة أصحاب الكهف لوجدناها أربعة

أولها : {   وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) }

ثانيها :  { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) }

ثالتها : {  سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) }

رابعها : {  وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
 قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}

لـ لاحظنا الآتي :
جاءت الإجابة في أول التساؤلات     "...
قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ..."
وجاءت في الثانية                        "...فَقَالُوا... رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ.."
كما جاءت في الثالثة                  "...قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ........"
ووردت كلها بصيغة الربوبية
أما الرابعة فوردت مخالفة لهم فقد جاءت بصيغة الألوهية
{   قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ......."

سنلاحظ  أولا أن الصيغ الأربع قد سبقتها لفظ القول، وأردفتها لفظة العلم
ففي الثلاث آيات  الإول جاءت على تركيبة  قول..و .. ربوبية....ثم علم ..
وفي الرابعة فقط  وردت على الصورة       قول ..و .. ألوهية...ثم علم.

والسؤال الآن ما هو السر في اختلاف الصيغتين ؟
بل أن هناك تساؤل ثان  أكبر يظهر في الآية الأخيرة  ألا وهو
 لماذا أورد  الحق هذا التساؤل عن مدة اللبث في حين أنه قدم الإجابة عليه مسبقا في الآية التي سبقت هذه الآية مباشرة...  !! ؟؟

إجابة السؤال الأول  تكمن في طبيعة مفهوم اللفظين ، فلفظ الربوبية يظهر حين يكون الحديث عن الأرزاق وعن التربية وعن الدنيوات في عالم الخلق والشهادة عموما، وهي مما يتصور الإنسان أن يكون له دخل فيها أو يستطيع بقدراته المحدودة أن يؤثر فيها أو يتوقع نتائجها، مما سوف يسمح الله لهم بمعرفته أو فعله.

"...
مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ..."  سورة الكهف
{
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) } سورة آل عمران

فذكر لفظ الألوهية ورد هنا في هذه الآية من سورة آل عمران
 في مطلق الغيب "..
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّااللَّهُ.."
أما لفظ الربوبية فقد ورد على لسان البشر المتدبرون قي آيات الكون العظيم والقرآن الكريم،  والدائبون على تحصيل العلم، وهو مما سوف يسمح الله لهم ببلوغه  " ..
.وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا..."

ولفظ الألوهية عموما،  يظهر حين يكون الحديث عن المنهج والهداية والإيمان وكذلك حين التطرق إلى الحديث عن الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله بنص الآيات،
{
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} سورة الجن


أما إجابة السؤال الثاني والذي طرحناه آنفا،  فتكمن في أن السؤال الذي نطرحه أصلا هو سؤال مغـلوط،، لأن التساؤل الوارد في الآية  لم يكن تساؤلاً عن المدة بـ كم فلم يقل الحق ( كم لبثوا..) وإنما قال
 
{   قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ......."
 والتساؤل بـ  " بما " هو عن الكيفية وليس عن العددية ،
 فكيف تسنى لأهل الكهف أن يبقوا هذه المدة الطويلة وهم أحياء
دون طعام أو شراب ؟

كيف توقف الزمن عندهم فلا تغير أصاب سحنتهم ولا أجسادهم ؟
كيف منعت الأرض من أن  تأكل أجسادهم ؟
ألف كيف و كيف ؟؟
وهذا هو بيت القصيد .. الكيفية.. وهذا هو عين الغيب فكان لابد وأن يأتي
 في هذا المقام الغيبي لفظ الألوهية  لأن الحديث يدور عن محض غيب،
 لذا فإننا سوف نجد أن الحق أردف هذه الحقيقة عقب التساؤل مباشرة في ذات الآية
{
 وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
 قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)} .

المثال الثالث والرابع :  
{ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}

سنلاحظ أول ما نلاحظ أن هذه الآية، تحتوي هزة وجدانية، واشارة تنبيهية إلى وجود شئ خارق للعادة، وكاسر للمألوف، ويجب علينا أن نقف عنده، لنـتـفحصه مليا، ألا وهو ذكر مقطع الآية   " ...
ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ..."
فنحن واقع الأمر في رحاب آية قرآنية نتلو كلماتها ، لكن أن تأتي لفظة الآية ( بأي من صورها مفردة أو جمعا ) محتواه ضمن كلمات الآية المقروءة، فذلك مما لابد وأن يلفت أنظارنا إلى وجود شئ مهم، بل هو غاية في الأهمية لابد من البحث وراءه، وتقصي معالمه.

وقد ورد هذا المقطع في كناب الله في آيات عديدة تربو عن الثلاثة والعشرون موضعا، فضلا عن ورودها في اشارة إلى مفرد لفظة الآية
 ".. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً.." ، مثل ما جاء في سورة النحل
{ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
 إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) }
{ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ
 إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) }
{ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) }
{ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) }
{ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) }




 أو تأتي بغير اسم الإشارة  " ذلك " مثل
{
 إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)
 فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) } سورة آل عمران

ودائما كانت تصاحبها إشارات إلى قوم ( يتدبرون، يتفكرون،  يتفقهون يعقلون، يعلمون ، يفقهون ، يؤمنون ، يذَّكرون ، يسمعون ، للمتوسمين ، توقنون ) مما يؤكد ضرورة إعمال الفكر والبحث فيما وراء هذا الذي نقرأه، ولنا في تلك الجزئية ( ظهور اشتقاقات - آية - في القرآن )
مبحث خاص.
 
الشاهد أن ظهور هذا التنبيه, يحتم - حين قراءته -  علينا أن نشحذ أفكارنا، وأن نستدعي أعلى قدراتنا الإدراكية، لاستعراض الكلمات التي وردت في السابق واللاحق من العبارات، في محاولة إثر محاولة لمعرفة
 ما هو الشئ الخارق للعادة في هذا الحدث، أو التي تومئ إليه هذه الإشارات ؟
 


سنلحظ أيضا أن الحق وصف الشروق بـ   "..طلعت.. "  في مقام أشرقت، وواقع الأمر أنه لم تأت أشرقت للشمس في النص القرآني كله، فدائما كانت تأتي كأحد اشتقاقات ( ط . ل . ع ) مثل الآية قيد البحث  أو مطلع ، مثل
 {
 حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)} سورة الكهف
 وأحسب أن ذلك الإشراق جاء قصرا على نور الله حين قال
 {
وَأَشْرَقَتِالْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)} سورة الزمر
وهذه كانت ملحوظتنا الثانية
 
أما ثالث هذه الملحوظات أن الحق أورد لفظة  "..
كَهْفِهِمْ.." ، ولم يستخدم في هذا المقام لفظة  "..الْكَهْفِ.." ، مع أن ظهور لفظة "..الْكَهْفِ.."وبالألف واللام  الدالتين على التعريف، تحدد كهفا بعينه، حيث وردت في السورة على هذه الصورة أربع مرات، وكانت للإشارة أنه كهف محدد بذاته هداهم الله إليه وليس مجرد أي كهف في المنطقة فلم يكن اختيارهم له عشوائيا، ومرجع  ذلك أنه قد توافرت فيه شروط ومواصفات خاصة وتجهيزات بعينها لإتمام آية الله.
أما ظهور "..
كَهْفِهِمْ.."في ذلك الموضع إنما يعطي انطباعا بالملكية والخصوصية المقتصرة عليهم وحدهم، بمعنى أنه لم يشاركهم فيه أحد،
كما لم يشاركهم به أحد طيلة مدة لبثهم فيه.

وعود إلى كلمات الآية
هذه الآية من الوهلة الأولى تقول في مستوى تدبرها الأول، أن الشمس تشرق من يمين الكهف، وحين اشراقها تزاور عن الكهف بما يعني أنها تبتعد عن الكهف كما يشيح المرء برأسه بعيدا محركا رقبته حين يقابل من لا يحب
وعند الغروب ، فإنها تغرب عن شمال الكهف.
وهذا يعني أن الشمس تبتعد صباحا عن الدخول إلى الكهف، وتظل مبتعدة طيلة النهار ، أما عند الغروب فإنها تعطيهم القليل جدا من ضوئها بالغ الضعف .
كان هذا عن المعنى الأول البدهي، لكن قراءة ما بين السطور تفصح عن معنى ثان غاية في الوضوح ، وهو يخص تحديد الإتجاهات الأصلية لمدخل الكهف، فحين تشرق الشمس من عن يمين مكان ما ، ثم تغرب في يساره، فإن البديهي هو أن يكون إتجاه الشمال أمام هذا المكان  والجنوب يكون خلفه، وعليه وطبقا لهذه الرؤية يكون الإتجاه والذي هو عليه مدخل الكهف قيد البحث هو الشمال، وهذا توقع وإن كانت أبعاده صحيحة وتوقيعاته سليمة
إلا أنه تدبر منقوص جانبه التوفيق، وأوقعنا ذلك في خطأ التقدير، ذلك لأننا إعتبرنا الرؤية من داخل الكهف، أو أن أحد الأشخاص يقف على باب الكهف فهو حينها يرى أن الشمس سوف تشرق من يمينه ، وكذلك عند الغروب تغرب عن يساره، وبهذا الوصف يكون المدخل فعلا في إتجاه الشمال.
واقع الأمر أن الكلمات لم تقل بذلك وإنما وردت
{
وَتَرَىالشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ..."
 الحديث هنا عن الرائي من الخارج، أي يامن تقف أمام الكهف من الخارج ووجهك متوجه جهة مدخل الكهف، فإنك سوف ترى الشمس حين تشرق فإنها تشرق من يمينك، وكذلك حين تقف في نفس الموقف عند الغروب ، فلسوف ترى الشمس تغرب عند يسارك..!!
وهذه التخريجة تعكس التصور وتأتي بالموقع الحقيقي لمدخل الكهف، وهو أنه في إتجاه الجنوب.
 ولكن ما الفائدة التي سوف نحصل عليها  بهذه المعلومة المعرفية ؟
والإجابة سهلة ميسورة، ذلك أنه  حين يتنامي إلى علمك أن هناك أربعة كهوف في العالم، يتنازع أهلها شرف أن يكون الكهف المذكور في القرآن هو الكهف الذي هو يقع في أراضيهم، وبهذه المعلومة التي أفصحت عنها القراءة المتأنية لكلمات الآية الكريمة، نستطيع أن نفصل في الحكم في هذا النزاع المختلق..!
هذه الكهوف الأربعة يقع أحدها في ( مدينة أفسوس -  تركيا ) وكذلك يدَّعوا واحدا في العراق وآخر في بلاد السند ( باكستان حاليا)، ورابعهم في الأردن
في بلدة الرجيب ( وهي التحوير اللفظي لكلمة  " ..
َالرَّقِيمِ .."القرآنية  ففيها نطقت القاف جيما كما هو سائد في معظم الدول العربية ، وكذلك بعد قلب الميم باءً إذا ما جاءت في نهاية الكلمة ) .
وحقيقة الأمر أن كهف الأردن هو الذي تنطبق عليه هذه المواصفات تماما  من كون أن مدخلة يقع في الجنوب، فضلا عن تطابق اسم المنطقة مع الإسم القرآني.
كما أنه يوجد ملمح آخر، يضيف إلى ما سبق مزيدا من قرائن التحقق، ويتمثل ذلك  في وجود فجوات جدارية تسمح لعدة أشخاص بالرقاد في كل منها       " ....
وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ..."،
هذه الفجوت تعلو عن أرضية الكهف، بما يعني أن أرضية الكهف واطئة، ذلك مما يرى من استخدام حرف الباء في وصف مكان رقود الكلب المصاحب لهم "...
وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ..."
ملحوظة مهمة :
المعروف من قواعد اللغة العربية أن حرف الباء إذا أضيف إلى مكان، فكأنه يصفه بأنه منخفض
 {
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)} سورة آل عمران

وأيضا قول نبي الله و خليله إبراهيم
 {
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِيبِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} سورة إبراهيم
 فحرف الباء هنا يشير إلى الوصف بأن المكان منخفض.
أيضا من هذه القواعد والتي تخص حرف الباء أنه إذا دخل على موصوف فكأنه يشير إلى تركه أو التخلي عنه
{
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا
 قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ
 اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)} سورة البقرة        أ.هـ                            

وإضافة حرف الباء إلى الوصيد في الآية الكريمة(  وهو يعبر عما يوصد أو المفترض أنه يوصد وحيث أنه لا يوجد باب هنا فهو يعني فتحة الباب أو مدخل الكهف التي تفضي إلى أرضية الكهف ) ، وهي بذلك - الباء  - قد وصفته بالإنخفاض حيث تعلوه فجوات الرقود.

وغني عن الذكر أن تحديد  موقع الكهف، قد أتاح لمجموعة من الباحثين
عمل خرائط  لقطاعات هندسية ( أفقيا ورأسيا وجانبيا )، كما أتاح لهم إعداد جداول خاصة بمواعيد شروق وغروب الشمس، وكذا زوايا دخول ضوء الشمس في كل أيام السنة إلى الكهف، وأثبتت هذه الجداول أن الشمس تدخل على استحياء فقط عند بداية الشروق إلى أرضية الكهف ولا تصل أبدا إلى الفجوات التي تعلو الأرضية وذلك في يومين محددين في السنة، مما يتوافق وكتاب الله في ذكر تزاور الشمس عن كهفهم.
( لمن أراد المزيد إرجع إلى بحث د مهندس / يحي الوزيري في هذا الصدد )

ثم بعد أن جبنا في كنف الشمس ومداعبتها المحسوبة للراقدون في الكهف، آن لنا أن ننتقل إلى العمق الثالث من أعماق التدبر، وهو يكمن في مطالعة مقطع الآية  " ......
 وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ....."
لآ أستطيع أن أمنع قلمي من النطق بعظمة الله سبحانه وتعالى هاتفا سبحان الله، بعد قراءة هذه الكلمات البسيطات، والتي أفصح فيها الحق عن آخر مستجدات العلم، والتي جاد الله بها على خلقه، فقد استخدم جل وعلا لفظة
"...
تَقْرِضُهُمْ.." من القرض اي تمنحهم قرضا، (وليس تقرُضهم من القرْضوهو نحت الأشياء بالأسنان الأمامية كأن  تقول قرض الفأر الخشب)
والقرض بمعنى السلفة أي أن الشمس تعطيهم قرضا أو تسلفهم شيئا، والقرض عادة يكون في الخفاء مستترا حتي لا يقع المقترض في حرج افتضاح أمره،
 فماذا يمكن أن تعطيه الشمس لهم في الخفاء قرضا ؟
 بل ماهو الشئ الذي تملكه الشمس مما يمكن له أن يـُقرض ؟
 المعروف أن الشمس قد سخرها الله لإمداد الأرض بالضياء وبالحرارة، ومن المعروف أيضا أن نوعي الطاقة التي تملكهما الشمس، تتحركان في الكون على الصورة الموجية، فإذا ما ركزنا الضوء على موجات الضياء فقد ثبت أنها تنقسم بدورها إلى نوعين من أنواع الإشعاع أولهما مرئي والآخر خفي،
 أي أن أولهما نستطيع رؤية ظواهره بالعين المجردة، أما الآخر فتحس آثاره، وقد استطاع علماء العلوم الفيزيائية تحليل الضوء المرئي إلى سبعة ألوان منظورة ومشاهده ( وهي تلك التي ترى بعد نوبات المطر حيث يظهر في أفق السماء قوس هائل من الألوان يسمونه قوس قزح) ، وذلك بعد إمرار الضوء من خلال منشور زجاجي عادي، وهي ألوان ( الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي )، أما غير المنظورة فكانت الأشعة تحت الحمراء و الإشعاع فوق البنفسجي، وهما يقعان على الأطراف من خريطة التحليل الطيفي فترى الآشعة تحت الحمراء في أقصى اليمين ، وعلى النقيض منها ترى الآشعة فوق البنفسجية تقع في أقصى الشمال...!!!
 ألم يذكر الحق  " ......
 وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ....."
كيف يتسنى لنا أن نصف هذا التوافق العجيب والتبيان الأعجب ؟
وهذا الإشعاع فوق البنفسجي هو بيت القصيد، فهذا الإشعاع إذا سلطت جرعات بسيطة منه على الكيانات الميكروسكوبية  من الجراثيم والميكروبات والطفيليات وحيدة الخلية لقتلته على الفور، ولهذا السبب يستخدم هذا الإشعاع في تعقيم مياة الشرب، أيضا يستخدم لضمان تعقيم غرف العناية المركزة، الله أكبر ، إنما هذا يعني أن جرعات الآشعة فوق البنفسجية والتي تنطلق من الشمس بكميات كبيرة أثناء ميل زاوية سقوط الشمس في رحلة الغروب تكون في أوهن درجات قوتها، وتكون بذلك مناسبة للأجسام البشرية، وهذ يناسب عملية القرض المشار إليها فالقرض يكون دائما قليل من كثير.
نخلص من هذا العرض أن ساحة الكهف وفجواته قد أحيلتا إلى غرفة عناية مركزة، لا تستطيع الكيانات غير المرئية والتي تهلك الأجساد، أن تقترب من هذا الحفظ الآلهي غير المسبوق، كل هذه العلوم في كلمتين اثنتين
" ......
 وَإِذَا غَرَبَتْتَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ....."

  والتحرك من ذات اليمين إلى ذات الشمال يأخذنا إلى المثال الرابع، والذي يظهر من الآية الكريمة
{
 وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}

استخدام اللفظ  "
رُقُودٌ " في هذا المقام يثير حزمة من الأسئلة
لماذا لم يستخدم الحق كلمة نيام بدلها ؟
هل لأنهم لم يكونوا نياما واقع الأمر  ؟
 أم هل هم كانوا في حالة تشبه حالة البيات الشتوي لبعض الكائنات من ذوات الدم البارد ؟
ولماذا لم يستخدم الحق أيضا لفظة الوفاة؟
 حيث جاء في محكم كتابه
{
 اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِيمَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) } سورة الزمر
أسئلة لا جواب لها عندي وتدخل كلها في نطاق الآية الكريمة
{
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوالَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)} .

ثم إلى المقطع الثاني من الآية " ..
وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ.."
لماذا لم تأت ( نقلبهم يمينا وشمالا) ؟
واقع الأمر أن التقليب يمينا وشمالا يعني أن الأجساد تتقلب حول محورها لكنها ثابتة في ذات المكان، أي أنها تتقلب لكنها لا تتحرك، أما ظهور لفظ
" ذات " في الجملة إنما يعني أن هناك مساحة أفقية للتحرك والتقلب يمينا ومثلها توجد مساحة أخري للتقلب والتحرك في مساحة أفقية يسارا.
لكن ما أهمية التقليب ذات اليمين وذات الشمال ؟
سبحان الله .. إن عدم التقليب أثناء النوم يؤدي إلى ظهر تقرحات في الجسم البشري يقال لها تقرحات الفراش، وتتكون لعدم سريان الدم وتوقفه مكتوما ومضغوطا عند وضع بذاته، والحل يكون بالتحرك وعدم الثبات على وضع واحد أثناء الرقود.
فضلا عن أن الجسم البشرى له توازناته الكهربية والمغناطيسية والتي لابد وأن تتوافق وكهربية ومغناطيسية الأرض، وتعريض جانب من هذا الجسم للفيوض غير المرئية من مجال مغناطيسية الأرض، قد يحدث ضررا في دوائر الجسم الكهربائية ذات الأبعاد الثلاثة، مما يستتبع ضرورة تغيير إتجهات الجسم كل فترة حتى يصير توزيع هذه الإشعاعات على الجسم بالتساوي.
وما يقال عن الإشعاعات الكهربية والمغناطيسية، يقال أيضا عن الآشعة الكونية الساقطة من الأجرام السماوية، وقوى الجذب والتنافر المنتشرة في الكون، وتـَوَجب والأمر كذلك أن يتم التقليب المستمر لكي يحدث تجانس وتوازن لهذه المؤثرات جميعا.
وآن لنا أن نلحظ أن الكلب المصاحب لهم لم تسر عليه نفس القوعد الطبية
 وذلك لسببين :
الأول أن الشعر الذي يكسو جلد الكلب له تركيبة لولبية خاصة فهو يكون مثل ( السوستة)، وبهذا الخاصية لن يكون هناك تماس مباشر بين جلد الكلب وبين أرض الكهف.
الثاني أن الكلب أحادي المغناطيسية، ورقوده في أي مكان وفي أي اتجاه لن يؤثر عليه في قليل أو كثير، مما يعني عدم حاجته للتقلب.
 وأخيرا نأتي إلى عجز الآية
{
 وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا ....... لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}

تحـَسـُب اليقظة، إنما جاء ليعبر عن أنهم كانوا غير مغمضين لأعينهم،
لأن ذلك يبقي على حيوية عصب العين ، وإلا أصيب هذا العصب بالضمور مما يستتبع فقدهم القدرة على الإبصار لحظة عودتهم إلى الحياة.
 وعدم إغماض العين أثناء النوم، هو مبعث الرعب فيما لو نظرهم أحد أو أطلع عليهم مخلوق بشري، واللفظ يوحي بالتوجس والحذر في الإقتراب، فجمود حدقة العين وثباتها على نظرة متحجرة لمـُبعث للخوف و إجتياح النفس الإنسانية به،  وملؤها رعبا.

المثال الخامس والسادس :
{
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) }
من الطلة الأولى لهذه الآية سوف يرتسم في أذهاننا على الفور صورة لجماعة استيقظت لتوها من النوم ، وهم لا يزالون يرفلون في نعيم الإفاقة وكسلها الساحر، فمنهم من هو لايزال راقداً، ومنهم من هو في وضع الجلوس والقليل منهم انتصبوا قائمين، وهم في تلك المنطقة الرمادية بين النوم واليقظة، فبعضهم يتثاءب، وبعضهم يتمطع، والأخر يبحث عن شربة ماء تقطع عطشه ، وهذا يبحث عن كسرة خبز تقيم أوده، في هذا الجو يرتفع صوت واحد منهم متسائلا كم لبثتم ؟
فيرد عليه بعضهم  في تقدير يقيني بدهي: لبثنا يوما أو بعض يوم
 فالعادة بين بنو البشر أن النوم لا يزيد عن بضعة ساعات ( بعض يوم ) أو على أكثر تقدير يكون قد تخطى ذلك إلى إمتداد اليوم كله.
هم حكموا هنا على الوقت بأعرافهم، أو هي أعراف البشر العادية تقديراً
ولذلك سوف نطلق عليهم التقديريين.
إلا أن هناك مجموعة أخرى فيهم تختلف عنهم، فهم يتركون أنفسهم لتصاريف القدر، ولا يشغلون أنفسهم بالتفكر،  فجاء جوابهم على السؤال المطروح  من نوع  ما يرتاحون إليه  حيث أجابوا  
  "... قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ.."
 وفي هذه الإجابة عين القدرية، وهؤلاء هم القدريين.

كان هذا هو البعد الأول لمعاني الكلمات، أما العمق الثاني فيتبدى في حقيقة منطقية، وهي أنه طالما نطق أحدهم بهذا التساؤل
 " ... قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ..."،      فمن الطبيعي أن يدور مثله في أذهانهم أو هو يتردد على ألسنتهم، وكان هذا يعني أنه لم يحدث أي تغير في سحنتهم فلا شيب إشتعل في رؤوسهم، ولا أظافر طالت حتى تلولوت ، وليس ثمة تجاعيد في جباههم ولا جلودهم، فضلا عن بقاء ملابسهم على حالتها التي كانت عليها عند دخولهم الكهف، ففيها نفس زهوتها وهي على نفس الجدة فلم يطولها بلى، ولا بهتت ألوانها.

 أما العمق الثالث فسوف يأخذنا إلى تقديرات العددية، ففهم هذه الكلمات سوف يمكنا من تقدير عدد أفراد أصحاب الكهف، فتعالوا معي نستطلع  كيفية وأسلوب الإستنتاج.
نبدأ أولا باستعراض إحتمالات العددية والتي أشار الحق إلى أنها هي التي سوف يقولها الناس في توقعاتهم، ذلك وكما وردت في الآية (22) من آيات سورة الكهف، وهي تتلخص في ثلاثة احتمالات فالمفترض أن يكون عددهم إما ثلاثة أو خمسة أو سبعة أفراد.
ولنبدأ بالإحتمال الأول وهو أن يكون عدد أصحاب الكهف ثلاثة أفراد، وهنا وطبقا لتتابع الكلمات في الآية فسوف نجد أن  المقطع
 "... قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ..."  قد أنقص من عددهم واحد، ويبقى من الثلاثة فردان اثنان، وهذا يعني ضرورة  أن تتحول صياغة الكلمات إلى المثنى، لكن المشاهد أن الصياغة جاءت  " ... كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا..."  أي أنها تشير إلى جمع، مما يسقط من الإعتبار هذا الإحتمال.
وبنفس المنطق سوف نقفز إلى الإحتمال الثاني في احتمالات العددية، ألا وهو أن يكون عددهم خمسة، وبالمثل فإن إنقاص واحد من عددهم فسوف يكون المتبقى منهم هو أربعة، وأيضا هنا سوف نلاحظ أن هناك ثمة مجموعتان تتحاوران
{ ... قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْقَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍقَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ...}
والمعروف أن أقل الجماعة ثلاثة، فالصياغة تحتم أن جماعة أقلها ثلاثة تخاطب جماعة أخرى أقلها ثلاثة، وهكذا نسقط الإحتمال الثاني من حساباتنا، مما يؤكد صحة الإحتمال الثالث المتبقي وهي أن عدد أصحاب الكهف كان سبعة أفراد، وهذا ما أفصح عنه الاستقراء التدبري الحثيث لكلمات الآية قيد البحث.

وطالما تناولنا البحث في عدد أصحاب الكهف، فإنه يجدر بنا الإنتقال إلى المثال السادس، حيث أنه قد آن لنا أن نبحث عن حقيقة هذه العدديات  في تلك الآية التي تناولت عدد أصحاب الكهف صراحة بالنص وبالأرقام،
وعلى التدقيق

{ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) }

 تبدأ الآية أول ما تبدأ بالإشارة إلى أن مجموعة الكلمات لا تخرج عن كونها عبارة عن بعض مقولات أو ادعاءات المتحزلقين ممن يصنفوا
تحت رابع بنود مراتب الرجال وذلك لأن :
الرجال أربعة .. رجل يعلم ويعلم أنه يعلم..   وهم العلماء فاتبعوهم
         ورجل يعلم ولا يعلم أنه يعلم..وهم المتواضعون فصاحبوهم
         ورجل لا يعلم ويعلم أنه لا يعلم......وهم الجـهلة فعلموهم
         ورجل لا يعلم ويعلم أنه يعلم وهؤلاء هم الحمقى فاجتنبوهم

بمعنى أن الحق ينقل إلينا القول -  كما صدر منهم  بخطئه وصوابه -، ذلك لأنه يوجد خطأ تركيبي أو هو خطأ لغوي، فلا يصح في العربية أن نجمع في العددية بين البشر وبين الكلب، وهذا ما سوف نقرأه في المقطعين
{ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ
 "... وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ...}
كانت هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن القولين السابقين، قد حزمهما الحق سويا برفضهما حيث أنهما يعدان ضربا من ضروب الرجم بالغيب،

{ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ
 رَجْمًا بِالْغَيْبِ....}
والذي هو دائما يكون على غير أساس من علم أو قرائن.
 يأخذنا ذلك إلى المقطع المتبقي،
"... وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ
وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُم ْ..."
سوف نلاحظ هنا أن ثمة حرف " واو " قد ظهر فيما بين العدد " سَبْعَةٌ "  وبين الكلمة التي تليها "...ثَامِنُهُمْ .."، مما يعني أن التركيبة اللغوية قد صُحِحت عربيا، فضلا عن أنها أثبتت هذه الإحتمالية، أو هي وعلى الأدق توحي بأن عددهم كان سبعة على الأقل.
 والسبب في هذه الإضافة الأخيرة، أن المقطع التالي مباشرة في الآية
 يقول   ".. قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ.."
مما يعطي انطباعاً بأن العدد يمكن أن يزيد عن السبعة.
 ثم تأتي الإضافة الربانية، بالسماح لبعض قليل من خلقه بالوقوف على هذه العددية حيث أردف الحق ".. مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ.."


ملحوظة مهمة :
 تسمى هذه " الواو " بـ واو الثمانية، وهي تظهر متلازمة مع العد الثامن
للصفات في آيات القرآن مثال ذلك
 ورد في سورة التحريم
   {
 عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ
مُسْلِمَاتٍ  مُؤْمِنَاتٍ   قَانِتَاتٍ   تَائِبَاتٍ   عَابِدَاتٍ   سَائِحَاتٍ    ثَيِّبَاتٍ   
    1          2           3         4          5            6           7     
وَأَبْكَارًا (5) }
      8
فنلاحظ أن واو الثمانية لم تظهر إلا في الصفة الثامنة من صفات الزوجات.  


المثال السابع  :

{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَايْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) }

 وهذه الآية ستكون بإذن الله خاتمة الإهلالة الأولى من الأمثلة القرآنية، والتي تتعدد المعاني لها طبقا لما تفصح الكلمات عنه، وأيضا لما نستقرأ من المعاني الخفية الكامنة بين السطور وبما لم يصرح بة النص.
 وهنا أود الإشارة إلى ملحظين مهمين

أولهما  : أن أسلوب كتابة كلمة لشئ لاتخضع لقواعد الإملاء العربية، وإنما كتبت على شكل خاض يخص قواعد الكتابة بالرسم القرآني، فقد وردت مضافا إليها حرف الألف بعد حرف الشين "...
لِشَايْءٍ... " ، وليس ثمة تفسير لدينا، لكنهم قالوا أن زيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنىأو تؤدي إلى تأكيد المعنى، لكن الملاحظ أن المعنى في هذا المقام ظل على حاله،
والأرجح أن السر في مجيئه على هذه الصورة،  إنما يرجع إلى أن القرآن الكريم يحكمه نظام عددي شديد الإحكام، أحكمت آياته من لدن حكيم عليم، وقد بدأت أسرار هذا الإحكام الإحصائي في التكشف أمام الباحثين القرآنيين
ووجود حرف الألف التي تبدو وكأنها زائدة في هذه الكلمة، في هذا الموقع
 لابد له من سبب كإكمال عددية معينة، أو لينضبط معها تركيبة رياضية خاصة، علم ذلك عند ربي.

ثانيهما : أن القول بتقديم المشيئة مرتبط بالوجود الذاتي لشخصية المتكلم

وهذا ما يفرق واقع الأمر بين استخدامنا للرجاء القولي إن شاء الله
وانتظار العطاء الإلهي بمقولة بإذن الله
فإنشاء الله تأتي حين يكون لك مشاركة فيها،
 كأن تقول سوف أمُر عليك غدا...  إن شاء الله.
أما الأخري فتأتي حين تقول مثلا
الجو سوف يغدو مشمسا صحوا....   بإذن الله.
 
وهكذا يتضح الفرق في وجوب استخدام إن شاء الله وكذا في استخدام
 بإذن الله.

 

الخاتمة :

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) }


كان هذا الذي تقدم هو من عطاء الله، والذي أرجو أن يـُرى فيه الجديد  في اجتهادي وفي محاولات تأويلي للنصوص القرآنية في الأمثلة المعروضة، والذي أرجوه من العلي القدير أن يكون قد وصل إلى أذهانكم ، وتلامس مع مدارككم، أهمية العمل بأمر الله في التدبر، وكذا تفعيل معارفنا في التفكر،
 والحرص على زيادة معلوماتنا بالتفقه، ثم أخيرا إعمال عقولنا فيما نرتله من آيات الله في قرآنه الكريم، حتى نكون قد أخذنا بأسباب العلم في طريق استجلاء الأعماق السبعة للتدبر القرآني والله الموفق،،،.





 إعداد المهندس /          محمد عبد لعزيز خليفة داود
استشاري تصميم وبناء نظم معلومات الحاسبات الآلية
معهد الدراسات والبحوث القرآنية  –  جامعـة القاهرة.
الخميس  3 مايو 2012
الموافق  12 جمادي الآخرة 1433 هـ


اجمالي القراءات 14112