الناسخ و المنسوخ
بحثا عن محمد في القرآن [ 25 ٍ

امارير امارير في الخميس ٢٦ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

[ القرآن ] هو [ الوحي ] ، و الوحي هو [ السنة ] ، هذه هي النتيجة الأولى التي ننطلق منها عبر طريقنا المحفوفة بالمخاطر ، و نحن ملزمون بالمسير بموازاة ما انتجته المؤسّسات الدينيّة الواضحة كما الخفيّة ، فرغم عدوم وجود كيانٍ [ كنسيٍّ ] في الإسلام الفقهي ، كما هو الحال في الحالة المسيحيّة على سبيل المثال ، فإن هذه الظاهرة الكنسيّة موجودةٌ كجزءٍ من ثقافة التسلّط [ الفقهي ] و البابوية الغير معلنة خارج النص [ المُحكم ] عبر بقيّة النصوص [ الظنيّة ] التي أنتجت المذاهب ، فالأحاديث النبويّة كما هو حال كتب التناحر الفقهي بين المدارس الطائفيّة المختلفة أنتجت ما يشبه الحالة [ الإنجيليّة ] تماماً ، مع اختلاف التفاصيل لا غير ، و عبر سبر أغوار النصّ من الداخل نستقرأ نتائج لم تكن يوماً بعيداً عن نظر الجميع مفادها أن القرآن : ]تِبْيَاناًلِّكُلِّ شَيْءٍ [  ، بالإضافة الى كونه : ]هُدّىًو َرَحْمَةً و َبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل 89  ، إذ يحوي القرآن داخله [ القواعد العامّة ] ، و أساسيّات معرفة [ التوحيد ] ، [ التشريع ] ، [ الحلال ] و [ الحرام ] المقيّدة داخله ، بالإضافة الى [ علم الغيب ] الممتّل [ بالقصص الماضية ] بالدرجة الأولى ، أما علم الغيب الذي يُخبر بالأحداث [ المستقبليّة ] فهو مجهولٌ داخله بشهادة النّص على لسان الرسول نفسه : ]قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام 50، لا مجال لإنكار هذه الحقيقة  ، فكل أخبار الغيب في النّص القرآني هي أخبار الماضي : ]نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف 3 ، ]ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف 102 ، و في الحالات النادرة التي ينتقل فيها الحديث عن حالةٍ مستقبليةٍ أو حدثٍ متوقّعٍ ، فإن تفاصيل الأرقام و المواعيد تبقى مجهولةً غير مُعلنٍ عنها : ]غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ [الروم 2-4 ، بل أن النص الأكثر صراحةً على عدم إخبار الرسول بأخبار المستقبل أو غير المكشوف من المعرفة حتّى يُعلم بها الناس ، قوله تعالى على لسان الرسول نفسه ، في حديثٍ صحيحٍ قطعاً : ]قُللاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف 188 ، لكن انتحال شخصيّة الرسول عبر رسم هالةٍ من [ الأسطورة ] تتجاهل حقيقة كونه ، و هو ما يرد في حديثٍ صحيحٍ آخر داخل النصّ على لسان الرسول ، بشر مثلهم : ]قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف 110 ، لا يمثّل الشخصيّة المركزيّة داخل النّص ، خلاف التوراة حيث [ شعب الله المختار ] ، و الإنجيل حيث [ الإبن / المسيح ] هما مركز النّص على التوالي ، منتزعين مركزية [ الله ] في النّص الديني التي عادت في النّص القرآني و بقوّة ، لتنهي القطيعة التي أعلنها رجال الدين بين العباد و ربّ العباد ، و  يبقى باب [ الإفتراء ] على الله ، بتمرير مشاريع [ الساسة ] و هواة [ الأسطورة ] و [ الخرافة ] داخل النصوص الدينيّة ، لكن دائماً خارج [ النّص ] ، مُشرعاً لتلج مفردات [ التراث ] المختلفة ، بل و حتّى [ الشعائر الدينيّة ] و [ المعتقدات الخرافيّة ] السابقة داخل المعتقد المُعلن عنه [ خارج النص ] عبر التراث الفقهي و التسلط [ البابوي ] الغير مُعلن أيضاً ، و هو ما نقرأه صراحةً داخل النّص : ]وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ [الأنعام 93 ، مرّةً أخرى العودة ليست مرهقة البتّة الى جذور الفكر و الأصل في الدين ، القرآن الكريم .

 

أكثر بنود الإفتراء تأتي [خرافة ] القول [ بالناسخ و المنسوخ ] داخل القرآن ، بمعنى أن القرآن ينسخ نفسه ، و آياته تمحي آياته ، فعبر هذه النظريّة الوهميّة ابتعد الفقهاء عن التفكّر و التدبّر في كتاب الله : ]أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد 24 ، فتشابه الآيات لا يعني أنّها تنسخ بعضها بعضاً ، فالقول بالنسخ يعني أن هؤلاء يقولون بتضارب الآيات ]وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [النساء 82 ، ]الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر 91 ، لكن على جانبٍ آخر نجد أن هؤلاء النقليّون يتعمّقون في فهم الأحاديث المنسوبة للرسول الكريم و يحاولون تبريرها و شرحها و إخراجها وفق ألف طريقٍ رغم كونها منقولةٌ بطريقةٍ ظنيّةٍ ، خلاف القرآن الكريم ، فينفي هؤلاء النسخ عنها و يؤكّدونه عن القرآن ، رغم كونه لم يرد عن الرسول انّه قال بنسخ آيةٍ لآيةٍ عبر كل ما تراكم من كتبهم المنقولة عبر التاريخ ، فالفقهاء يختلفون في الأساس في عدد الآيات المنسوخة ، فبعضهم يقول أنّها [ 5 ] ، و آخرٌ يقولٌ أنها [ 9 ] ، و بعضهم يقول أنّها [ 20 ] و بعضهم يقول أنّها [ 70 ]  كما يقول ابن عربي المالكي في كتابه الناسخ و المنسوخ في القرآن ، و آخر يقول أنّها تجاوزت [ 144 ] موقعاً كما يقول إبراهيم الإبياري في كتاب تأريخ القرآن الكريم ، بل أكثر من [ نصف القرآن ] لدى آخرين ، أو كما يرد في كتاب الناسخ و المنسوخ لأبي جعفر النحاس مع الكثير من التفاصيل : [ ... السور التي فيها ناسخ و ليس فيها منسوخ 6 سور ، السور التي فيها ناسخ و منسوخ 25 سورة  ، السور التي فيها منسوخ و ليس فيها ناسخ 40 سورة ، السور التي لا تحوي ناسخاً و لا منسوخاً 43 سورة ] ، مما ينتج في واقع الأمر [ أكثر من قرآن ] ، إذ هنالك [ القرآن المنسوخ ] الذي لا يعني شيئاً ، و تختلف مساحته و حجمه من فقيهٍ إلى آخر ، و هنالك [ القرآن الغير منسوخ ] المسيطر على ما نسخه نافياً ولاغيّاً له حسب فهمٍ و تأويلٍ ظنّيٍّ لا يُغني عن الحق شيئاً  .

 

في طريق إلغاء الزخم الفقهي التراكمي [ الإسلام التاريخي ] المستند على لغة الخرافة ، مبدأ الخوف و التمسّك بالشكليّات ، و الذي يخفي ورائه حقيقة الإسلام [ إسلام النص ] المستند على لغة العقل و مبدأ الشك ، بلغةٍ بعيدةٍ عن الحشو و اللغط الفقهي الذي يسيطر خلاله الفقيه على لسان الأمة ، مجبراً إيّاها على الحديث بلغته البكماء ، فالنسخ في القرآن خرافةٌ من خرافات النصوص الفقهيّة ، نضعها موضع البحث لغرض استقصاء الحقيقة :  

 

النسخ [ لغةً ] هو (1)[ الإزالة ] : ]مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة 106 ، أو (2): [ النقل ] بمعنى التكرار و التأكيد  : ]هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية 29 ، أمّا ما اصطلح عليه الفقهاء فهو خلاف المعنى اللغوي المتّسق و الدلالة التي يحملها اللفظ داخل النّص و هنا تبدأ رحلة الخداع حقيقةً ، فهو : [ إزالة أو رفع  حكمٍ شرعيٍّ أو إبطاله  بدليلٍ شرعيٍّ يأتي بعده متأخرٍ عنه ] ، و أدلّة النسّخ من داخل [ النّص ] كما يقول به من يدّعيه هي فقط [ 3 ] آيات  :

 

1)   ]مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة 106 .

2)   ]وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [النحل 101 .

3)   ]يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُوَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد 39 .  

 

أولاً يجب قراءة الآيات في السياق العام للسورة ، فالآية الأولى : ]مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا [البقرة 106 ،  لا تتحدّث عن نسخ القرآن بعضه لبعض ، لثلاث أسبابٍ نستنتجها عبر قراءة سياق النص القرآني من الداخل و بعيداً عن لغة الفقهاء ، وفق مبدأ كون النصّ القرآني [ يفسّر نفسه ] :

 

الأول: سياق الآيات من الآية [ 40 ] الى الآية [ 123 ] في سورة البقرة يتحدّث عن أهل الكتاب ، و اليهود بالخصوص و [ التوراة ] تحديداً ، فالآيات المقصودة بالناسخة هي [ القرآن ] و الآيات المنسوخة هي [ التوراة ] : ]يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة 40 ،  ]مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [البقرة 105 ، ]الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة 121  .  

 

الثاني: قوله تعالى : ]أَوْ مِثْلِهَا[دليلٌ على كون المنسوخ ليس من نفس مكان الناسخ ، فلو قلنا أن النسخ من القرآن بالقرآن ، فإن القول بأن الله يغيّر الآية القرآنيّة [ بمثلها ] معناه أن النسخ [ لا معنى له ] ،فما معنى أن تُنسخ الآية القرآنيّة بآيةٍ قرآنيّة مماثلةٍ لها ؟ ، هذا التفسير لا علاقة له بسياق الآية أو نصّها أو دلالتها المتّصلة وسياقها العام، و هو اتّهام للنص القرآني بالعبثيّة .

 

الثالث: نسيان الرسول للقرآن ، و هو ما تقوله الآية بنسيان النص وفق مبدأ القول بنسخ القرآن للقرآن ]أَوْ نُنسِهَا[، منفيٌّ في النص نفسه : ]سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى[الأعلى 6 ، و سياق الحديث في هذه الآية تحديداً يتحدّث على طرفين ، الأول ينفي نسيان الرسول للقرآن وفق كون النص محفوظ ، وفق لغة النص نفسها : ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر 9 ، و على الطرف الآخر يثبت كون الرسول بشرٌ غير منزّه عن النسيان : ]إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى [الأعلى 7 ،  ]قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ [الكهف 110 ، و بناء عليه فإن القول [ بنسيان النص ] غير مقبول داخل [ النص ] نفسه ، لأن الحديث عن النسيان جاء مفصولاً عن الحديث عن النّص ، بلك ان في عموم الحديث عن كنهة الرسول كبشريٍّ لا يمتلك خوارق تفصله عن عموم الناس ، و عبر نفس المنهجيّة ، نصل الى الآية الثانية و التي يستند عليها القائلون بالنسخ ، و هي آية ]وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ[النحل 101 ، و هذه الآية لا تمت بصلةٍ لقصة النسخ في الأساس ، لسببين اثنين :

 

 الأول : سورة النحل [ مكيّة ] ، و النسخ المزعوم عند القائلين به مقصورٌ في [ الأحكام ] إذ لا نسخ في [ العقائد ] ، و الآيات المكيّة كلّها تخص العقائد ، إذ لم تنزل آيات الأحكام بعد ، و بناءً عليه و بناء على فهم النسخ في سورة البقرة ، نجد أن المقصود بهذه الآية ليس نسخ آيات القرآن ، رغم اختراع الفقهاء نصوصٍ عبر رحلة التنصيص الفقهيّ ، تقول بأسباب النزول تأوّل سبب النزول بالنسخ ، رغم كون النسخ لم يبدأ بعد ، [ السورة مكيّة و النسخ كلّه مدني ] .

 

الثاني: الآية في سياق النص القرآني لا تعني آية القرآن بالتحديد المطلق ، بل المقصود بها هو [ المعجزة ] ، عبر الحديث عن إبدال [ الإعجاز النبوي ] ، من المعجزات [ الملموسة ] الى [ معجزة القرآن ] لا غير التي لم يأت نبيّ بها سابقاً ، و في أكثر من [ 70 ] موقعاً ترد الآية بمعنى المعجزة داخل النّص : ]وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [البقرة 118 ،  ]وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ [الأنعام 4 ، ]فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس 92 ، ]وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف 105.

 

أمّا الآية الثالثة : ]يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ [الرعد 39 ، فهي متّصلةٌ [ بالوعد و الوعيد ] ، و لا علاقة لها بنسخ الآيات لا من قريبٍ و لا من بعيد  ، و لا مبرّر للحديث عنه بعد أن أثبتنا عدم صحّة ما قبلها ، لكن الكارثة الحقيقيّة ليس هو سوء فهم و تفسير الآيات ، بل هو التصنيف الفقهي الذي استند على رواياتٍ تصنّف الناسخ و المنسوخ عبر ثلاث فئاتٍ :  

 

1: ما نُسخ حُكمُهّ ، و نُسِخَ لفظُهُ :

2: ما نُسخ حُكمُهّ ، و بقي لفظُهُ :

3: ما نُسِخً لفظُهُ ، و بقي حُكمُهّ [ نَسْخُ التلاوة ] :

 

 

النوع الأول من النسخ : [ ما نُسخ حُكمُهّ ، و نُسِخَ لفظُهُ ] ، لا وجود له [ النصّ غير موجود و الحكم ساقط ] ، فما نُسخ لفظاً و حُكماً غير موجودٌ لا لفظاً و لا حُكماً ، و لا يُمكن الحديث عنه بما أنّه [ نُسخ ] ، لكنّنا نفاجئُ أن يُنسب لزوج الرسول قولٌ يتحدّث عن هذه الآيات في روايةٍ تقول [ بتحريف القرآن ] بعد وفاة الرسول يرد : [ حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة ؛ أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن [ عشر رضعات ]  معلومات يحرّمن ، ثم نسخن [ بخمس معلومات ] ، فتوفي رسول الله ، و هن [ فيما يقرأ ] من القرآن ] ، و الكلام في كتاب صحيح [ مسلم ] تحديداً  ، و النسخ هنا حدث وفق هذه الرواية  بعد وفاة الرسول ، فالآيات نُسخت بعد وفاة الرسول ، بمعنى أن هنالك يداً خفيّةً حرّفت كتاب الله و أزالت الآيات ، رغم معرفتنا أن الرسول هو الوحيد الذي يمتلك صلاحيّات الإعلام [ بالنسخ ] في حال صدّقنا وجوده في الأساس ، لكن ما نُسِخَ حُكمه و لفظُهُ حدث بعد وفاة الرسول ؟ ، و هذا حديثٌ باطلٌ لا يصح ، رغم أنف الفقيه مرّة أخرى ، و في تفسير سورة الأحزاب في تفسير [ ابن كثير ] يتحدّث عن [ آية الرجم ] المنسوخة و المشهورة في عديد كتب الفقه التي تكرّرها لتبني [ هرم صحّة القول بكثر العدد ] لا غير ، فيقول  : [ قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدّثنا خلف بن هشام ، حدّثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة ، عن زر قال : قال لي أُبي بن كعب : كأين تقرأ سورة [ الأحزاب ] ، أو كأين تعدها ؟ ، قلت : [ ثلاثاً و سبعون ] آيةً ، فقال : قط ، لقد رأيتها و إنها [ تعادل سورة البقرة ] ، و لقد قرأنا فيها [ الشيخ و الشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتّة ، نكالاً من عند الله ، والله عليمٌ حكيم ] ] ، لكن أليس مؤنث الشيخ في لسان القرآن
هو العجوز : ]قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً [هود 72،و ما دام رجم الزاني المُحصن منسوخٌ حُكماً و لفظاً ، لماذا يطالب الفقيه بتطبيقه ؟ ، و كيف يقول الفقهاء بأنه منسوخٌ لفظاً و اللفظ كاملاً موجود بين أيديهم ؟ ، و لماذا لم يتذكّر قائل القصّة من كم المفقود الضخم الذي يدّعيه من سورة الأحزاب سوى هذه الآية ؟ ، وكيف يقول الفقيه بنقص القرآن و نسخ آياته [ لفظاً و حُكماً ] ، رغم كون القرآن ينفي النقصان أو الزيادة عن نفسه  ؟ ، بالإضافة الى كون [ الرجم ] في كل السياق القرآني هو فعلٌ [ مذمومٌ ] و حُكمٌ [ غير إنسانيٍّ ] ، يقوم به في كل الآيات التي يرد فيها [ المشركون ] فقط : ]قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [يس 18 ، ]قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ [هود 91 ، ]إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً [الكهف 20 ، ]قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً [مريم 46 ، ]وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ [الدخان 20 ، و القرآن كما يرد داخل نصّه : ]هُوَ الْحَقُّ [الأنعام 66 ، و أصل الشرع الذي يصبّ في خدمة : ]النَّفْسَ [التي كتب الله حمايتها و الحفاظ عليها ، هذه النّفس التي أمر الله بعدم قتلها إلا في حدود هذا الحق : ]َلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ [الأنعام 151 ، و بناءً عليه تكون : ]النَّفْسَ بِالنَّفْسِ[المائدة 45 ، و لا يجوز قتل النّفس خارج إطار تطبيق القصاص إلا في حالة الدفّاع عن النفّس ، كما يبيّن النّص نفسه : ]وَقَاتِلُواْفِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة190 ، و هو ما خالفه الفقهاء الذين اخترعوا نصّاً ضمن ضوضاء الناسخ و المنسوخ ، و نسبوه الى الرسول يقول بأن النفس تُقتل في ثلاث : [ ... القاتل ، المرتد عن دينه المفارق للجماعة ، و الزاني المحصن ] ، و هو مخالفةٌ صريحةٌ للحقّ منهج الصدق ، القرآن الكريم : ]وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً [الإسراء 33 . 

 

أمّا النوع الثاني : [ ما نُسخ حُكمُهّ ، و بقي لفظُهُ ] ، و القول بهذا الأمر يعني أن هنالك آياتٍ من القرآن سقطت و لا يجوز تنفيذ أحكامها ، و هذا باطلٌ لقوله تعالى : ]كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود 1 ، و قوله : ]وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [النساء 82 ، فالقول بنسخ الحكم من آيةٍ لوجود آيةٍ تناقضها ، إثباتٌ لهذا التناقض و هذا مُنكر ، فالنسخ هو [ إبطالٌ ] للحكم ، و القرآن : ]لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ[فصلت 42 ، و إلغاء الحكم لا يجوز عند القول عن القرآن الذي : ]لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ[البقرة 2 ، و النسخ يُثبت الريب و الشك لاختلاف القول في المنسوخ و غير المنسوخ من طائفةٍ لأخرى و من فقيهٍ لآخر ، لعدم اتّفاق بين جميع الفقهاء على وجود آيةٍ منسوخةٍ واحدةٍ متّفقٍ عليها ، و هو ما يُفيد بوجود إجماعٍ ضمنيٍّ بين الفقهاء على عدم وجود نسخٍ بناءً على قولهم : [ لا يجوز القول بالنسخ طالما أمكن القول بالإحكام ] .

 

النوع الثالث : [ ما نُسِخً لفظُهُ ، و بقي حُكمُهّ  ] ، وهو ما يسمّى [ نَسْخُ التلاوة ] ، و هذا يناقض النص القرآني : ]وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً [الكهف 27 ، فالقول بنسخ التلاوة ، قولٌ بالتبديل و التبديل منفيٌّ عن القرآن ، و نضع هنا خمس أمثلةٍ لبعض الآيات التي قيل بنسخها [ و هي من الآيات القليلة التي أجمع عليها جلّ الفقهاء القائلين بالنسخ ] ، رغم كون النسخ و الذي يُشترط فيه أن يكون الناسخ قد نزل بعد المنسوخ أمرٌ غير ممكنٌ لعدم إمكانيّة معرفة المتقدّم من المتأخر لعدم وجود دليلٍ أو مرجعٍ يقولٌ بتسلسل نزول الآيات ، و النسخ مبنيٌّ على التعارض و هو ما ينفيه النص القرآني ، و هذا في واقع الأمر حقيقيٌّ فقط وفق قراءةٍ تعمد إلى جعل الآيات [ خارج مسارها ] و [ سياقها الدلالاتي ] داخل النّص ، مما يجعل بعض الآيات يصطدم ببعضها الآخر : ]هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران 7 .  

 

المنسوخ :

الناسخ : 

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء 43 .

]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة 219 .

 

الآية المنسوخة ليست آية إباحة ، فالنص لم يقل بإباحة الخمر ، كي تكون آية التحريم ناسخةً لها ، بل قالت بعدم قبول صلاة المسلم و هو سكران [ و السكر هنا حسب النص القرآني نفسه لا علاقة له بالخمر ، بل هو غياب العقل في المطلق ] : ]يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج 2 ، بمعنى وجوب حضور العقل أثناء العبادة ، المسلم قد [ يشرب الخمر ] ، لكنّ هذا ليس فيه إباحةٌ للفعل ، فلا وجود لناسخٍ أو منسوخٍ هنا ، إذ لا تحريم مباشر للخمر إلا بعد ربطه بالإثم المحرّم في سياق النّص ، و الذي يسبّب قطيعة و الرابط الإجتماعي : ]قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف 33   . 

 

 

 

المنسوخ :

الناسخ : 

]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة 240 .

]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة 234 .

 

الآيتان هنا لا تحتويان تضارباً ، فلا وجود للنسخ هنا الآية الأولى تتحدث عن حق زوجة المتوفيّ في البقاء في بيت زوجها [ حولاً ] ، و في نفس الوقت تقوم الآية الأخرى بتحديد المسافة الزمنيّة التي يجب على المرأة أن تتربّص بنفسها [ لا تتزوج ] و هي أربع أشهر و عشراً ، و هذه لا تنسخ تلك ، كما أن التضارب الحقيقي و هو ما يثير الإستغراب هنا كون الناسخ يرد في ذات السورة [ مباشرة ] بعد المنسوخ .

 

 

 

المنسوخ : 

الناسخ :

]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة 62 .

]وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران 85 .

الله لا يضيّع أجر من أحسن عملاً ، و الآية الأولى [ إخبارٌ ] بحال من آمن بغير الإسلام سواء قبل البعث أو بعده ،  ]لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ [آل عمران 113 ، فالدين عند الله هو الإسلام ، و المسيحيّة و اليهوديّة دين الله ، و هي الإسلام قبل تحريفها ، و الحديث هنا هو عن  المبادئ العامة المشتركة في كل الأديان و التي يعبّر عنها النّص القرآني ، حيث أن مفردة : ]الدّين [داخل سياقات النّص تأتي بمعنى الشريعة عموماً حتى المنسوخة منها : ]لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون 6    . 

 

 

المنسوخ :

الناسخ : 

]وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً [النساء 15 .

]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍوَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور 2 .

الفاحشة هنا ليست الزنا ، بل المقصود بها [ السحاق ] ، و هو حالةٌ مرضيّةٌ منافيةٌ للفطرة أكثر منها خطيئةٌ ، و لا ينطبق على هذه الحالة شأن حُكم جلد الزاني و  الزانية لعدم وجود [ زانٍ ] ، لا تعارض هنا ، لا نسخ هنا إذاً ، و قوله : ]فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً [يقصد بها التحفّظ بغية العلاج النفسي .

 
 

 

المنسوخ :

الناسخ : 

]أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة 184 .

]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة 185

ليس في هذه الآيات نسخ ، فالذين لا يطيقونه لا يجوز عليهم الصيام ، لأنهم لا يستطيعونه بسبب عارضٍ مرضيٍّ مُزمنٍ على سبيل المثال ، و القول بأن هذه الآيات منسوخة يلغي احتمال عدم قدرةٍ الإنسان على الصوم بسبب أي عارضٍ كان ، و هذا منافٍ للواقع و العقل ، و المثير في الأمر هو إصرار النّص القرآني على تسبيق تأدية [ الواجب ] الإجتماعي على ممارسة [ الركن التعبّدي ] ، في مسألة [ ديّة إطعام المسكين ] بدلا عن صيام عدم المستطيع لسبب صحّيً مثلاُ ، أو لأسباب مرتبطة بالحقائاق الجغرافيّة التى تجعل الصيام مستحيلاً على سبيل المثال في المناطق المحاديّة للقطبين ، حيث ينعدم الشروق و الغروب أصلا لأشهر ، كما أن القول بأن الآية الناسخة توجد في نفس المكان/ السورة ، بل و نفس الآية الذي توجد فيه الآية الناسخة يبقى لغطاً و حماقةً لا مبرّر لها حقيقةً .  

 
 
 
 

 

فالقول بالنّسخ قولٌ بتكذيب بعض الآيات كونها منسوخة و تصديق بعضها كونها ناسخٌ لها ، و في هذا صدق قول المولى عزّ و جل : ]فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [القلم 44 

اجمالي القراءات 8330