حروب الفقــهاء

يحي فوزي نشاشبي في الأربعاء ٠٤ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بسم الله  الرحمن  الرحيم

حروب  الفقهاء

من  أثـّر  يا  ترى  على الآخر ؟

هـــل المؤثر، هو " الربيع  العربي " على الفقهاء المسلمين ؟ أم العكس هو  الفاعل ؟

لقد راج  في  هذه الأيام  الحديث  وبإسراف، عن العلماء أو الفقهاء، وعن  اختلاف وجهات نظرهم  وتقاطع  فتاواهم  وتضاربها ،  تلك  الفتاوى  التي  تبدو غريبة. ولعلّ متأمل هذه الفتاوى يصاب بمفاجأة  مدهشة  عندما  يعلم أنها  فتاوى ذات أصول  وجذور ضاربة  في عمق بحر الفقه،  بل  يقال إن هناك  فتاوى لحالات  افتراضية  محضة ،  وافتراضية  بسذاجة  أو  حتى  ببلادة.

وإن الحيرة التي تتملك المرء  المخلص  المنصف هي  في تلك الخيبة  وتلك المرارة التي  يتجرعها  وهو  يسمع  ويشاهد  ويقرأ  ماذا  يحدث  هنا  وهناك من  ضجيج  " وصهيل " تلك الهويات ،  أو هويات تلك  المعتقدات  المختلفة المتناحرة  والمتنابزة  العدوانية  المهددة  المتوعدة ، بل القاتلة،  بين شتى المذاهب وبين  مختلف التيارات داخل  كل مذهب  ذاته ،  بلـه  ما  يكون سائدا  بين  مختلف  المذاهب.

فهناك عناوين  صادمة ومتصادمة  لا  تحمل  أية  سمة  من  سمات  التسامح  والرحمة ،  ولا  تتمتع  برحابة  الصدر :  فمن  عنوان  فوضى  الإفتاء ، وتغيب  العلماء ،  وشيوخ  يثيرون  الجدل ، وسكوت  العلماء  يعتبر رضا، وفقهاء  ذوو طموح  سياسي ، وشيعة  من  الظل  إلى  العلن ،  وجعجعة  لأجل  البقاء  وحكايات أشخاص عادوا  من  عالم  التشيع ،  وصيحات  من هنا  وهناك  تقول ما دمنا  كلنا مسلمين فلماذا لا  تترك  لكل  منا  حريته  الخاصة  في  ممارسة  الدين  كما  يراه ؟  .

نعم هذه هي الصورة المهزوزة  للدين  الإسلامي  السائد حاليا،  بل  إن  الراجح  أن صورته هي في حالتها  الإهتزازية  المضطربة  منذ  القدم  وما  زالت  سائدة  في  تلك  الحالة  غير  المستقرة.

*فإن السؤال الكبير الذي قد يعتبر صغيرا وتافها  وغير  مقبول وغير  مسموح به عن الحل  المنصف هو التالي :

ألا يكمن الحل المنصف في تلك الكلمة الصغيرة حجما وشكلا، والكبيرة  موضوعا  وجوهرا ،  أي  في  كلمة  الحريــة؟

*وقبل أن نسارع إلى رد الفعل، الرجاء منا أن نبذل جهدا  ونفتح  نافذة  أو  الباب  الواسع على مصراعيه وهو  باب  الإفتراض  أو  الخيال  ونتساءل :

*لنفرض أن بلدا ما يعيش به متدينون على اختلاف أطيافهم : يهود ، مسيحيون ، مسلمون، بوديون ، ملحدون ، وغيرهم ،  ولنفرض دائما  فرضا  أن كل مذهب وكل فرقة  وكل  طائفة  تمارس طقوسها  وما تراه ،  بكل  حرية واطمئنان ، ولنفرض أن كل مذهب وكل طائفة  بما فيها غير المتدينين  أصلا ،  لنفرض  أن كرسي  كلّ منهم رحبَ ويسع  كل  الفرق والنحل  والملل  الأخرى  بدون  أدنى  ضيق أو اصطدام    وحرج  أو  أية  عرقلة  أو  أدنى  انتهاك  لأية حرية .

*ولنفرض أن اسم الله يذكر في كل منها، ولنفرض  أن اسم الله  يذكر مع اختلاف كبير بين ذكر وذكر، بل حتى بأسلوب وبطريقة  مشوبة  بالشرك بالله ،  لنفرض ونتصور كل ذلك لكن  في إطار القانون الواسع الرحب من الحرية العادلة  السمحة  المنصفة لنفسها  ولغيرها .

* لنفرض أن كل هذا يمكن الوقوع  وواقع  فعلا،  فأين يقع الخلل ؟  أو الضرر؟

*وقبل أن نسارع إلى غلق باب الخيال والإفتراض، وقبل أن نوصد الباب  حتى بإحكام  إذا شئنا ،  لنتساءل : هل يبقى للآيتين القرآنيتين التاليتين محلّ  من الإعراب  ؟ :

1) (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) .

2) (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ.

*وهكذا، وبعد أن أغلق باب الخيال وتبخر كل افتراض،  فتحت أمامي نافذة يمكن اعتبارها بارقة أمل حيث ختم كاتب سعودي مقالا له  بهذه  الخاتمة  التي  أراها  منقذة  ومخلصة  صائبة  بل  ومخلّــصة  حيث  قال :

وستظل  السياسة مشروع  حياة يقوم على المراوغات واللعب والتحايل ،  فيما  يتميز الدين بكونه  مقدسا  وجسراً  للآخرة  يقوم على النقاء  والوفاء  والصدق  غير  قابل للبرغماتية. يظل  الدين  دينا ،  والسياسة  سياسة ، ولن  يلتقيا حتى  يصطرعا  بسبب  التعصب  الممقوت ، ولن نـأتي  بجديد ما لم ننتزع  أنفسنا  من  تراكماتنا  السلبية  الماضوية...( انتهى قول الكاتب).

* لماذا لا  نجاهد في سبيل  أن  يعيش الجميع في ظل هذه  الآيات  وغيرها من التعاليم  الربانية  الرحيمة .؟

ولنتأمل  هذه  الأقوال  والآراء :

3)  إن الذي يؤمن أكثر هو إنسان يتعصب  ضد الإنسان ويعاديه أكثر.

 إن الناس يتعصبون لمذاهبهم ومعتقداتهم ونظمهم  بقدر ما يكرهون الآخرين ويعادونهم، أو لأنهم يكرهون الآخرين ويعادونهم، ولا يتعصبون لها لأنهم يحترمونها، أو بقدر ما يحترمونها.

  14)  إنك لن ترى منظرا ساخرا ومهينا أبلغ من أن ترى رجلين أو  طائفتين مختلفتين على المذهب أو العقيدة أو النظام ، تدخلان في حوار حاد، هذه الطائفة ترى أنها هي الحق كل الحق ، وأن المخالفة لها هي الباطل  كل الباطل ،  ثم  تدعي الطائفة الأخرى نفس الدعوى !إن الرجلين أو الطائفتين لتستحقان كل الرثاء  بدل  الغضب  أو  الكره. 

       15)  إنه مباح  لك وعدل أن تدين بآرائك  مهما كانت سخيفة وغير معقولة، ولكن عليك أن تفعل ذلك مبتدئا من حدودك منتهيا عندها، لأنك لست كل العالم ، ولأن في الفضاء  الذي تتحرك فيه آخرين يريدون أن يتحركوا فيه أيضا مثلما تريد  أنت ، ويريدون أن يعيشوا الجنون والحماقات التي تعيش أنت مثلها .

  17)  كيف لا يخجل أي إنسان من سذاجته حينما يرى الله في مرآته أجمل مما يراه في مرائي الآخرين؟

  25)  ...  ولست أرى  فضيلة  في  أي  إنسان  أروع  من أن يشك  في أن دينه ، أو مذهبه ، أو وطنه ، أو  رأيه ،  أو  موقفه ،  أفضل  أو  اصدق من دين عدوه ، أو  من مذهبه ، أو من رأيه ،  أو  من موقفه .

 

 

 

 

 

 

 

       

 

اجمالي القراءات 9603