القبضة هي القبضة حريرية كانت أم حديدية!

د. شاكر النابلسي في الأربعاء ٢٨ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

القبضة هي القبضة حريرية كانت أم حديدية.

فسرعان ما تتحول القبضة من حريرية الى حديدية، ما دام القابض هو الجهاز البوليسي، وما دام المقبوض عليه هو الشعب المطالب بالحرية، ومحاربة الفساد، والكشف عن اللصوص، والسارقين لأراضي، وأموال الوطن.

وفي واقع الأمر فليس هناك قبضة حريرية بقدر ما يوجد قبضة حديدية دائمة، إذا كان النظام من القابضين، وكان الشعب من المقبوض عليهم.

فالنظام يلبس أحياناً قفازات حريرية فوق القبضة الحديدية، لكي يظهر للرأي العام المحلي، والعربي، والعالمي، بأنه يتيح للمعارضة حرية الرأي والتعبير بحرية عن هذا الرأي دون داع لإرسال (شبيّحته) للاعتداء على المتظاهرين ورميهم بالحجارة، و(فشخ) رؤوسهم كما جرى في عمان، قبل مدة في ميدان جمال عبد الناصر، أو ما يطلق عليه "ميدان الداخلية". ودون الحاجة لإرسال (شبّيحة) النظام الى تكسير سيارة المعارض الأردني ليث الشبيلات، ومنعه من إلقاء محاضرته في بلدة ساكب (قرب جرش). ودون لزوم لتفريق مظاهرة كان يقودها المعارض الأردني أحمد عويدي العبادي وسجنه. ودون حاجة لسجن معارضي الطفيلة، مما دفع المعارضين من (الطفايلة) الى الدبكة أمام سجن جويدة. وغيرها من الحوادث التي تثبت استعمال القبضة الحديدية، وارتداء القفازات الحريرية فوقها لدواعي "الربيع العربي"، ولبدء تفتح "الدحنون" (شقائق النعمان) الأردني، إعلاناً لقدوم الربيع الأردني.

 

 

لولا "الربيع العربي" لكان الحساب مختلفاً

فلولا هذا "الربيع العربي" الزاهر الآن، لما رأينا القفازات الحريرية هذه. وأنا أتذكر أنني كنت شاباً (15 سنة) في عام 1955 ، عندما اشتركنا مع زملاء لنا في مظاهرة ضد دخول الأردن في "حلف بغداد"، فكلَّف النظام "قوات البادية" للتصدي لهذه المظاهرات. وفعلاً نزلت "قوات البادية"، وقمعت المظاهرات، وقتلت زملاء لنا، على مرأى مني في هذه المظاهرات. ولكن يبدو أن أكثر من نصف قرن مضى، كان يسمح باستعمال القبضة الحديدية. أما اليوم فـــ "الربيع العربي" يحول دون ذلك، ويكتفي الجنرال حسين المجالي مدير الأمن العام الآن بالتهديد، والوعيد، حتى الآن، ولا نعلم ماذا سيحصل غداً.

 

هتافات اخترقت الأسقف

قالت الأخبار، أن الأمن العام أخذ يلوّح بالخشونة الأمنية ، ويُحذِّر من تغيير قواعد اللعبة، بعد أن قام "أحرار الطفيلة"، وهتفوا في الشارع هتافات تخترق "السقف" (والمراد بالسقف هنا هو الملك) في عمان.  
وطالب حسين المجالي مدير الأمن العام الأردني، بعدم تغيير قواعد اللعبة وترشيد الهتافات. فتساءل المعارض الأردني أحمد عبيدات: كيف نُرشِّد الهتافات، ما دامت الأجهزة لا تضع حداً للبلطجية؟!

وقالت الأخبار: "الخيارات الأمنية التي لجأت لها السلطات الأردنية مؤخراً في مواجهة تنامي الحراك الشعبي، وتحديداً في مدينة الطفيلة جنوبي البلاد، قد لا تقدم معالجات حيوية لتعقيدات الواقع، وارتفاع سقف الاعتراض، بقدر ما تحقق غرضها التكتيكي الرسمي، المتمثل برسالة مباشرة للسلطة، تقول فيها أنها ليست ضعيفة إلى المستوى الذي يتصوره الشارع. ولم ينفذ منها الخيار الأمني عند الضرورة، خصوصاً إذا ما واصل خطاب الحراك صعوده إلى مستويات لا يمكن هضمها من قبل النظام. وهذه الجرعة في الرسالة يمكن تلمّسها سواء من خلال اليد الأمنية التي تحركت فعلاً، فاعتقلت العديد من نشطاء حراك الطفيلة تحديداً، ثم هدمت بالقوة خيمة دائمة للاعتصام."
وبذا خلعت القوى الأمنية القفازات الحريرية، عندما أحست بالحرارة الثورية، لتقبض على الموقف بيد من حديد.

إذن، بدأ "الربيع الأردني" بالزحف، وبدأت أزهار "الدحنون" تتفتح.

 

عين السلطة الحمراء

وقالت الأخبار: إن النظام الأردني قال بلسان مدير الأمن العام: "إن السلطة تحتمل التعبير السلمي إلى أبعد الحدود. وتواصل أسلوبها في عدم التعرض للمسيرات والاعتصامات، حتى عندما يصل الخطاب لمستويات عبثية، لكن السلطة تستطيع أن تكون موجودة وبصلابة، عندما تتجاوز المسألة الاعتراض السلمي، والاعتداء اللفظي، على النظام، ورموزه."

فالنظام يريد أن يحدد للمعارضة اللغة التي تخاطبه بها. أما إذا أصرت المعارضة على خطابها ولغتها الخاصة، فساعتها سوف تكشف السلطة عن قبضتها الحديدية بقوة وصلابة. ولا مجال للتساهل.

 

هبَّة الطفيلة

وكما حدث في تونس وغيرها من البلدان العربية التي شملها "الربيع العربي"، فإن المناطق الفقيرة والمهمَّشة، هي التي أشعلت جذوة الثورة. كذلك الحال في الأردن. فنقلت لنا الأخبار، أن " الهتافات الشعبية في الطفيلة، ثقبت كل الأسقف. ولم تعد محصورة في شوارع المحافظة الجنوبية التي تعاني من التهميش، والفقر، وغياب التنمية، والبطالة، وتتحرك بقوة نيابة عن الشعب ضد الفساد. فقد انتقلت هذه الهتافات الصاخبة، التي تتجه مباشرة، ولأول مرة، لرأس النظام (الملك) ، وإلى عمق عمان العاصمة. وتمَّ بالهتاف تحميل النظام مسؤولية قائمة عريضة من الفاسدين، الذين يطالب الشعب برؤوسهم."

 

حرائر الطفيلة

وقالت الأخبار إن النساء من الطفيلة - ولأول مرة - نزلن الى الشوارع في مظاهرات صاخبة. وأن "تطورات من هذا النوع ما كانت لتبرز لولا مؤشرات الخشونة الأمنية. لكن كل من ينتقد هذه الخشونة من حيث التوقيت، والإجراء، والمبررات، يوجه له السؤال التالي: ما الذي ينبغي أن يفعله النظام عندما يحاول الحراك تجاوز حدود، وخطوط اللعبة، على حد تعبير مدير الأمن العام؟"

إنها الخشونة (القبضة الحديدية) فقط.

وبذا، يعيد النظام سيرته الأولى عام 1955. ومن غير المستبعد أن نرى جنود "حرس البادية"، في شوارع عمان، ولكن هذه المرة بدون قائدهم جلوب باشا (أبو حنيك) ولكن بقيادة حسين باشا المجالي، يقتلون المتظاهرين كما قتلوهم في 1955 ، رغم فارق أكثر من نصف قرن بين تلك الحوادث والآن، ورغم اختلاف المناسبة.

 

اجمالي القراءات 8184