أين شباب الثورة فى معركة الرئاسة؟

سعد الدين ابراهيم في السبت ٢٤ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

من الأقوال المأثورة فى علم اجتماع الثورات:

١- إن كُنت دون عُمر الثلاثين ولست ثائراً، فأنت لا قلب لك.. وإن كُنت فوق الأربعين، ومازلت ثائراً، فأنت لا عقل لك!
٢- الثورات يقوم بها «المثاليون»، ويختطفها «الانتهازيون»!
وهناك شواهد صارخة فى خبرات شعوب تؤكد صحة هذين القولين المأثورين، من ذلك أن شباباً وطنيين فى روسيا قاموا بثورة أسطورية وأسقطوا آخر قياصرة أسرة «رومانوف»، التى حكمت روسيا لعدة قرون، وكان ذلك فى شهر فبراير ١٩١٧. وكانت إحدى الفصائل الصغيرة فى تلك الثورة، مجموعة من الشيوعيين الروس، مُتناهية الصغر، أطلق عليها «المناشفة»، أى الفصيل الهامشى، ولكن هذه المجموعة الهامشية، استطاعت بقيادة زعيمها «فلاديمير لينين» مع شهر أكتوبر، من نفس العام، أى بعد سبعة أشهر، أن تُهيمن على الساحة، ويصبحوا «بلاشفة»، والتى تعنى باللغة الروسية «القوة المُهيمنة»، وأطلقوا على الانتفاضة اسمهم، فأصبحت فى كُتب التاريخ، معروفة باسم «الثورة البُلشفية».
وحدث شىء مُشابه تماماً فى «إيران»، حيث ثارت مجموعات وطنية من الشباب الإيرانى ضد الأسرة البهلوية الحاكمة، فى أوائل سبعينيات القرن العشرين، كان أهمهم مجموعة «المُجاهدين الشيعيين»، أو بالفارسية «مُجاهدى خلق»، بقيادة عباس رجوى، وانضم إليهم فى السنة الأخيرة من الثورة مجموعة من رجال الدين، منهم «آية الله الخومينى»، والذى كان يعيش فى المنفى بالعاصمة الفرنسية باريس، وبدأت الوقائع الحاسمة بين مُجاهدى خلق والشاه محمد رضا بهلوى فى يناير ١٩٧٩. وكان كاتب هذه السطور شاهد عيان على اليوم الأول لتلك الثورة، الذى فتح فيه الحرس السرى الإيرانى، المعروف باسم «السافاك» النار على المُتظاهرين فى الساحة الكُبرى، أمام فندق، «سميراميس» بالعاصمة طهران، حيث سقط العشرات، وجُرح المئات، وكانت مذبحة بشعة لم تشهد لها طهران مثيلاً فى تاريخها.
وفى ذكرى «الأربعين» لمذبحة أول يناير، خرجت مُظاهرات حاشدة، لا فى طهران وحدها، ولكن فى كل المُدن الإيرانية الكُبرى- مثل مشهد وتبريز، وارتكبت قوات الحرس الإمبراطورى نفس الحماقة بإطلاق النيران على المُتظاهرين، فاستشهد أضعاف من استشهدوا فى يناير. لقد كسر الإيرانيون حاجز الخوف، ففى الأربعينية التالية لشُهداء الثورة، تكرر ذلك فى الأربعينية الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، وبدأ رجال الأعمال الإيرانيون يُهرّبون أموالهم، وتبعهم وزراء الشاه وكبار العائلات. ولكن بداية النهاية كانت فى التغييرات الوزارية المُتتالية، ثم فى رفض قوات الجيش الإيرانى أن تقوم بدور الشُرطة أو «السافاك» فى إخماد المُظاهرات.. ثم فى الشهر العاشر، حينما رفض الحرس الإمبراطورى أن يستمر فى إخماد المُظاهرات بالقوة، حينها أدرك الشاه أخيراً، أن تلك هى النهاية، خاصة أن الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، الذى كان قد زاره فى نهاية العام السابق، تخلى عنه، فبدأ يبحث عن ملجأ لنفسه ولأسرته، وحاشيته. واعتذرت كل الدول الأوروبية، وكذا الولايات المُتحدة، ولم ينجده فى تلك المحنة، وطائرته فى الهواء، إلا الرئيس المصرى الراحل، أنور السادات، فلجأ، ومرض، ثم توفى بمستشفى القوات المُسلحة بالمعادى، ودُفن فى مسجد الرفاعى بالقاهرة.
فى اللحظة التى كانت فيها طائرة الشاه تُقلع به من مطار طهران لآخر مرة، كانت طائرة أخرى من باريس، وعلى متنها آية الله الخُومينى تُحلق فوق نفس المطار، استعداداً للهبوط. وتوجه الخومينى، يُحيط به الآلاف من أنصاره، إلى قلب العاصمة طهران، حيث أعلن ميلاد «الجمهورية الإسلامية لإيران».
فماذا حدث لشباب مُجاهدى خلق، الذين كانوا يُقاتلون الحرس الإمبراطورى إلى اليوم السابق؟
فى خلال أيام من عودته إلى طهران، أمر آية الله الخومينى، بتكوين ميليشيات خاصة، سماها «الحرس الثورى»، وفى خلال أسابيع كان هذا «الحرس الثورى» يقوم بنفس الدور الذى كان يقوم به كل من الحرس الإمبراطورى الشاهنشاهى والبوليس السرى «السافاك». وبعد أن تخلص من فلول الشاه، بدأ فى مُطاردة شباب الثوار، من «مُجاهدى خلق»، فقتل منهم عدة آلاف، وشرّد عشرات الآلاف منهم إلى خارج إيران، حيث مازال يعيش مُعظمهم فى مُعسكرات لاجئين فى كل من الحدود العراقية والتركية، ويُسمى أكبر هذه المُعسكرات باسم «مُعسكر أشرف»، الذى يعيش فيه الآن جيلان من مُجاهدى خلق، وصل مجموعهم إلى حوالى المليون.
إننا نورد هذا التاريخ ليكون عبرة لشباب ثورة ٢٥ يناير المصرية، والتى سمّاها البعض «ثورة الياسمين»، والذين التحق بهم فى نهاية اليوم الرابع بعض شباب الإخوان المسلمين، وامتنع السلفيون تماماً، عملاً بمُعتقدهم الوهابى بأن «الخروج على ولى الأمر فتنة»، والفتنة عندهم أشد من القتل.. ومع ذلك حينما تنحى مُبارك، كان هؤلاء السلفيون هم الأسرع لاختطاف الثمار.. كما لو كانوا هم آباء الثورة الحقيقيين، وأبناءها الشرعيين!
وهناك قول مأثور هو أن «النجاح له ألف أب.. أما الفشل فهو يتيم أو لقيط!»
ربما أخطأ شباب ثورة الياسمين أنهم تركوا ميدان التحرير مُبكراً، أى غداة سقوط حسنى مبارك- فى صباح يوم ١١ فبراير ٢٠١١، وقبل أن تتحقق بقية مطالبهم السبعة.
ربما أخطأ شباب الثورة أيضاً أنهم لم يختاروا من بينهم قادة يتحدثون باسم الثورة، ويُتابعون مطالب الثوار، التى هى مطالب مُعظم أبناء الشعب المصرى.
وربما أخطأ شباب الثورة فى عزوفهم عن تكوين حزب سياسى، أو جبهة وطنية، يستمرون من خلالها فى المُشاركة النشطة، فى الشأن العام، بما فى ذلك خوض الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية.
إن هذا الزهد فى السلطة، وفى مواصلة المشوار، ثم التردد فى المُشاركة النشطة، هو الذى أغرى القوى الأخرى، التى أتت إلى الثورة فى يومها الخامس، أو التى لم تُشارك فيها بالمرة، على أن تقفز على أكتافهم، وتختطف ثورتهم، ولن نستغرب كثيراً، إذا ما حاول هؤلاء «الخطافون» أن يُعيدوا كتابة التاريخ، وأن يُزيلوا كل أثر للثوار الحقيقيين... وأسرع وأنجح السبل لذلك هو تشريد، أو سجن، أو تصفية الثوار، أو تهميشهم تماماً سياسياً ومجتمعياً، كما حدث مع الوطنيين الروس (بين فبراير وأكتوبر ١٩١٧)، أو مع مُجاهدى خلق الإيرانيين (بين يناير ونوفمبر ١٩٧٩).
لقد كان الفصل الأول لاختطاف ثورة اللوتس هو التعديلات الدستورية، التى أدخلتها لجنة من المُخضرمين الإسلاميين- مثل طارق البشرى وصُبحى صالح، بحيث يُضفى على اختطافهم للثورة رداء (أو جلباباً) «شرعياً». وكان الفصل الثانى هو انتخابات مجلسى الشعب والشورى، التى تعجلوا بإجرائها، وهم الأكثر استعداداً بالخبرة، وبالمال، وبالتنظيم، وبالحشد، وبالتالى فازوا فيها بأغلبية المقاعد.
وهو ما يمكّنهم من التقدم بُخطى ثابتة لإعداد دستور على مقاسهم، وبلونهم، ويضمن لهم استمرار هيمنتهم على مصر المحروسة.
إن هذه ليست دعوة لإقصاء الإسلاميين- إخواناً، وسلفيين، وصوفيين، فهم مواطنون، لهم كل حقوق المواطنة، ولكنها دعوة لشباب الثورة الأصلاء، ليُبادروا لاسترجاع ثورتهم المخطوفة، وأقصر السُبل إلى ذلك هو الطريق المزدوج: الميدان والبرلمان.
إن أولهما، وهو «ميدان التحرير» هو سُلطتهم الشعبية الرابعة، التى تضبط إيقاع وأداء كل السلطات الأخرى فى المجتمع، ومعها بقية الشعب والعالم الذين أيدوهم ودعّموهم فى يناير- فبراير ٢٠١١. أما ثانيهما، وهو «البرلمان»، أو مجلس الشعب، فهو سُلطة التشريع، التى ترددوا فى دخولها، فاختطفها آخرون. ورغم دخولهم المُتأخر، إلا أن هناك ثلث النواب من مؤيديهم، وعليهم أن يعملوا من خلالهم من أجل صياغة دستور يضمن «مدنية المجتمع والدولة»، فى ديباجته، وفى كل مواده الحاكمة، وفى خاتمته.
أليس مما يُجلب الأسى أن نرى أن كل الطامعين والطامحين إلى منصب رئاسة الجمهورية هم من الشيوخ والكهول- أى بين الخمسين والسبعين؟ ومع كل الاحترام للآباء والأجداد، فإنهم ليسوا من قاموا بالثورة، ولم يكن منهم أى شهيد أو جريح.
إن هذه دعوة صريحة للشباب، أى من هم فى عشرينيات وثلاثينيات العُمر، أن يتقدموا الصفوف ويترشحوا لانتخابات الرئاسة، ولن أكف، شخصياً، ومن خلال مركز ابن خلدون، والخمسة آلاف كادر شبابى الذين درّبهم مركز ابن خلدون، على مُراقبة الانتخابات، فى الدعوة لهذا المُرشح، على أمل استعادة الثورة لأصحابها، وإنها لثورة حتى ينتصر الشباب.
وعلى الله قصد السبيل..
اجمالي القراءات 9699