الباحثون عن الموت

شادي طلعت في الخميس ٢٢ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

قد يلوم البعض منا كل من يحاول الإنتحار سواءاً فشل أو نجح ! فمجرد المحاولة هو كفر بالله عز و جل، و لكن أسألنا أنفسنا لماذا يقوم الإنسان بالإنتحار، و هل لا يضع نصب أعينه أن الإنتحار كفر ؟ أم أنه يعلم أنه كفر و مع ذلك يقدم عليه ؟ ما الذي يجعل الإنسان يترك الدنيا و ملذاتها و جميع إغراءاتها و يفضل أن يلقى عليه التراب ليتحلل و يصبح جزءاً في يوم ما من هذا التراب ليكون فيما بعد تربة خصبة لزرع شجرة أو يتحول لأدوات من أسمنت أو رمل يستخدم في البناء أو يتحول إلى مجرد رماد يدوس عليه بشر آخرون في المستقبل ؟ ما هي الدنيا و لماذا أتينا و أين كنا و كيف سنمضي ؟ و بأي طريقة سنذهب ؟ هل لنا أن نختار أم أن طريقة الموت قد فرضت علينا ؟ لطالما كان يثور في نفسي سؤال و حاولت أن أبحث له عن إجابات، و لكني في كل مرة أجد الإجابات تنتهي و لا تكفي لإجابة هذا السؤال الذي حيرني منذ عقود و السؤال هو ما هي متع الدنيا و كيف تكون الجنة في الآخرة ؟

إن جسد الإنسان مكون من عدة أجهزة، و لكل جهاز متع خاصة به و يجمع تلك الأجهزة جميعاً متعة واحدة و هي الصحة، فهي تاج على رؤس الأصحاء لا يدركه إلا المرضى، ولكل إنسان طبيعي له حواس خمس و كل حاسة لها متعة منفردة فكل منا يستمتع في أن يشم روائح زكية، و أن يلمس الجمال بيديه سواء في النساء بالنسبة للرجال أو حتى الحيوانات فقد يجد الإنسان متعة في لمس قطة صغيرة، و كل منا يستمتع لرؤية الطبيعة الخلابة و الجمال بشكل عام، و جميعنا يستمتع لسماع الإطراء و أيضاً للأصوات العذبة، و من منا لا يحب أن يستمتع بأكل أفخر أنواع الطعام ! و تأتي متعة الجنس لتطفو فوق سطح المتع الدنيوية فهي متاحة للأغنياء و للفقراء أيضاً، و لكن هل سأل أحد نفسه ماذا لو توافرت كل تلك المتع فهل سنجد السعادة ؟ إن حالات الإنتحار في بلد مثل مصر دائماً ما تكون بسبب الفقر أو الديون إذا ما تعددت ! فقلة المال تجعل الإنسان يشعر باليأس من حياته و لا يفكر بالإستمرار فيها إن الفقر قد يجعل الإنسان أكثر إيماناً من جانب و يجعله كافراً من جانب آخر، فمن يقدم على الإنتحار و لديه زوجة و أبناء يكون مؤمناً بأن الله لن يترك زوجته أو أبنائه بدون رعاية و بسبب إيمانه هذا يقرر الرحيل و لكنه يعلم أيضاً أن الإنتحار كفر و مع ذلك يقدم عليه ليس لشئ إلا أنه قد باع دنياه و آخرته ليضمن لأهله الدنيا و الآخرة، فهل سيعتبره الله كافراً أم سيغفر له أنه قد  خالف أوامره ؟ الإجابة عند الله وحده و ليست عند البشر.

بينما في دولة مثل السويد نجد أن حالات الإنتحار سببها الأول يكون في الرفاهية، فأي إنسان طبيعي لو توافرت له كل المتع من صحة و مال و بنون و جنس، قد يصل إلى مرحلة الملل و يقرر الإنتحار، بينما في بعض الدول العربية و أسرها الحاكمة يكون المال لديهم أكثر و قد يحصلون على أكثر مما يتحصل عليه الناس في السويد على سبيل المثال، إلا أن الناس في تلك الدول العربية المالكة للمال الوفير تقرر أن تخرج عن الطبيعة الإنسانية، بسبب الملل ! فقد يقرر رجالها و نساءها أن يكونوا شواذاً في ممارسة الجنس و ينتشر اللواط و السحاق، فهل يرضى الله عن أي من الأمثلة التي ذكرناها.

قبل أن نبحث عن الإجابة تعالوا معاً ننظر إلى اليهود و كيف يتعاملون مع الحياة و لماذا لا ينتحرون مثل باقي الأمم، ثم تعالوا لنرصد المجتمع الأمريكي و كيف يتعامل شعبه مع الحياة ؟ إن اليهود لهم رسالة في الدنيا و لهم أطماع في الحياة و كل فرد فيهم يعلم أنه قد لا يلحق باليوم الموعود إلا أنهم جميعاً يؤمنون بأن كل منهم ما هو إلا قطعة حجر يجب أن توضع في مكانها حتى تتحقق دولة إسرائيل الكبرى، و بالتالي كل ما ذكرناه من متع الدنيا مطلوب بالنسبة إلى أي إنسان، بينما هو ينظر إليها كأدوات مساعدة له حتى يتم دوره و رسالته تجاه قضيته الكبرى، فهو في النهاية صاحب قضية، و لا تلهيه الدنيا بمتعها إن توافرت و لا تجره للبحث ورائها إن لم تتوافر ! بينما المجتمع الأمريكي له قضية أخرى و هي أن الشعب الأمريكي قنوع بأنه الأرقى بين شعوب العالم، و قنوع بأنه الشعب الأكثر إحتراماً للإنسان، إنه شعب مؤمن بأنه لو إنفرد بإمتلاك مصادر القوة فإنه سيكون عادلاً في محاسبة للآخرين و سينصف المظلوم و يعاقب الظالم، و سبب قناعاتهم تلك تأتي من عدة أمور فالأيادي العاملة الأمريكية هي الأغلى على مستوى العالم كله، و الواقع أنها تستحق لأنها بالفعل تتقن العمل الذي تقوم به غاية الإتقان ! كما أن لهذا الشعب سياسة فريدة في التكافل الإجتماعي، و هم الشعب الأوحد الذي شرع دستوراً يسمح لهم بمناصرة الديمقراطية خارج أراضيهم، و من هنا شعروا بأنهم أصحاب رسالة و هي الوصاية على ابشر الذي قد لا يعرف من وجهة نظرهم أين تكون مصلحته ! و بالتالي أصبحت أوقاتهم مشغولة بالعمل بالشكل الذي قد يطغى على إهتماماتهم بمتع الدنيا، من هنا يشعر الفرد الأمريكي بأن له دور في الحياة عليه أن يؤديه و أن عمل هذا الدور و الإنتهاء منه يتطلب عمر أطول مما قد يقدره لنفسه، فيظل طوال حياته يعمل لإتمام ما خلقه الله من أجله.

أما البحث عن الموت في مصر أو في باقي الدول العربية أو الخروج عن الطبيعة التي خلقها الله، فهو أمر طبيعي جداً فالفقر بالفعل قد يكون ذريعة لمن يصيبة بأن يفكر بالإنتحار، إلا أن من يقدم عليه حتى و إن كان فقيراً فإنه لا يعلم لماذا أتى إلى الدنيا و لا يعلم أين كان ؟ و لا يجد لنفسه دوراً قد يكون خلق من أجله ! و قد سمعت يوماً الراحل الدكتور/ يوسف إدريس عندما سأل سؤالاً و هو لماذا تركت الطب بعد أن أتممت دراستك به و إتجهت إلى كتابة القصة القصيرة ؟ فكانت إجابته .. لأنني عرفت ماذا أريد و ما هو دوري في الحياة فأنا لم أخلق لأكون طبيباً، بل حلقت لأكون كاتباً، و أنا أحمد الله أني عرفت ماذا أريد في مرحلة مبكرة بينما غيري قد لا يعرف دوره في الحياة إلا و هو على فراش الموت، و غيري قد يموت و هو لم يعرف ما هو الدور الصحيح الذي كان مطلوباً منه ! إجابة كانت غاية في الروعة و فيها الكثير من المعاني، إنها إجابة فيلسوف ليس بالعادي، و ما قاله يعلمه الأمريكيون على سبيل المثال، فالإنسان الأمريكي يؤمن بأن خلقته التي خلقه الله عليها هي الأفضل حتى و إن كان قبيحاً إلا أنه يؤمن بأنه بخلقته تلك يختلف عن أي إنسان آخر على وجه الأرض، لذلك لا يحاول تغيير خلقة الله إلا في أضيق الحدود، و من يعتقد أن مايكل جاكسون قد غير من خلقة الله لمجرد أنه أراد أن يصبح شخصاً أبيض فهو مخطئ، لأن مايكل جاكسون قام بتغيير لونه بعد أن أصيب بمرض البهاق و الذي جعل من شكله مخيفاً للآخرين، و حتى لا نذهب بعيداً عن موضوعنا الأصلي فإنني أعود و أقول ينقصنا في مصر و العالم العربي أن يعلم كل منا دوره في الحياة فإذا ما آمنا بأن لكل منا دور لا يستهان به مهما كانت المهن رفيعة أو دنيا، و مهما كان الشكل أبيض أم أسود، و مهما تعددت اللغات و اللكنات، إلا أن لكل إنسان خلقه الله ميزة ليست موجودة في غيره، فبقي إذاً أن يعلم كل منا ما هو الدور الذي خلق من أجله، و إذا ما سعي كل منا إلى ما خلق إليه فلن يجد أي منا رغبة في الإنتحار سواء في فقر أم في غنا، لأننا ساعتها سنعلم أننا بحاجة إلى حياة أخرى إن أردنا أن ننجز ما خلقنا من أجله.

 

أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم

شادي طلعت  

اجمالي القراءات 10941