ربما أكل الكلب مجوِّعه
جوِّع كلبك يتبعك- أو الخليفة آكل السحت

نبيل هلال في الخميس ٠٨ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

ما عُصي اللهُ بشيء كما عُصي بالاستيلاء على قوت الفقير, وما ضُرب الناسُ بسوط أوجع من الفقر, ولم يعانوا بعد الكفر شرا من الفاقة . كانت سياسات الحاكم تصب موارد البلاد في خزائنه , فكان فقر الناس محتوما , وهو فقر وإن لم يستطع الحاكم تجنبه , إلا أنه يخدم غايات الخليفة آكل السحت , إذ يبقي الفقير مشغولا دائما بعوزه ولقمة عيشه فلا يفكر في السياسة أبدا . وفقر الناس محمود  لدى الحاكم , إذ  يرسخ تدني وعيهم السياسي ويزرع في نفوسهم اللامبالاة والسلبية , ولعله أخطأ في ذلك خطأ من يرى أن "جوِّع كلبك يتبعك", فربما أكل الكلبُ مُجوِّعَه إن لم ينل شبعه . وكانت ثورات العوام والعيَّارين والشُّطار بدافع من القهر المادي والسياسي والاجتماعي وتعبيرا عن رفضهم لهذا الواقع . وكانت هذه الانتفاضات مرفوضة سلطويا ومقبولة اجتماعيا إذ كانت موجهة ضد أرباب السلطة والمال .

وفي ظل الخلفاء "الكرام" انتشر الفقر بين الناس , وفتكت بهم الطبقية , وأُُُخذت الجزية من الموالي, ولم تُكفل حقوق المواطنة التي كفلها دستور المسلمين الأول الذي أعلنه النبي في المدينة .   

وعند تفسير التاريخ يجب النظر إلى كيفية توزيع الثروات , فقصة الأديان يقع جانب منها في منطقة الصراع على الثروة والمصالح الاقتصادية , وفي الجانب الآخر يقع الصراع مع الموروث الديني , وكلاهما - الثروة والموروث- من آليات صنع التاريخ : فالثروة من نصيب الراعي , والموروث الديني من نصيب الأنعام التي يسوقها بعصاه , أقصد سيفه .  

وقد يقول قائل : تلك من آفات أي نظام للحكم  فلمَ نحمِّل نظام الخلافة وحده وزر ذلك ؟

نرد بأنه كان لدى المسلمين- دون غيرهم - كتاب الله المبرأ من  التحريف- وبه الدستورالإسلامي (الإنساني) الذي أُرسيت فيه دعائم العدل والمساواة , وعلَّمهم- من خلال الحكومة النبوية المثال ( في آخر وأنضج مراحلها )- كيف يحكم الناس أنفسهم , وأوردت لهم المبادئ التي يقوم عليها حكم الناس , وهي المبادئ التي ضرب بها الخلفاء عرض الحائط , فحاق بالمسلمين ودولتهم ونظام حكمهم ما حل بغيرهم من البوار, ومع ذلك لا تعدم من لا يمل من الطنطنة بالخلافة وأمجادها واعتبارها جزءا من الدين نفسه .  

والطبقية دلالة أكيدة على إبطال فعالية الأديان.وانظر فلاتجد فوارق طبقية في أيام النبوات( لا طبقية أيام الحكومة النبوية المحمدية) إذ تبدأ هذه الطبقية في التنامي تدريجيا مع البعد عن زمن عصرالنبوة وقيمه . وبعد أن يتمكن المستبدون من إحكام قبضاتهم على رقاب الناس تفرز الطبقية  نتائجها المحتومة من فقر وطغيان وظلم وقهر, وذلك مؤشر شديد الصدق على إبطال أثر الأديان ونجاح مساعي تحريفها وتعطيلها والحيلولة دون تحقيق غاياتها وهي العدل والمساواة , وتقويض كل من الظلم والأرستقراطيات والامتيازات واستقطاب الفرص والاستيلاء على الأموال دون وجه حق .

وتستغل الطبقةُ الحاكمة والصفوة المميَّزة سائرَ الناس في المجتمع الطبقي ,فبدلا من استرقاق الناس بشخوصهم يتم الاستحواذ على ناتج عملهم دون امتلاكهم.ومن المدهش فعلا أن المستفيدين من الطبقية ينجحون في حشد المتضررين منها للدفاع عن النظام الذي يسترقهم ويرسخ الظلم الطبقي الذي يقاسون منه .

وليس اللص من يسرق بضعة دراهم ليطعم عياله , وإنما هو من  ينهب بيت المال لينفق على شعرائه ومادحيه ووسائل إعلامه والقصاصين والبصاصين وتكاليف حرسه الخاص .

واللص أيضا من يستولي بدون وجه حق على فائض جهد الناس وإن لم يكن فائضا عينيا , بل يسخِّرهم من أجله ولمصلحته .

وفي ظل النظام الطبقي تستولي الأقلية على حاصل إنتاج الأكثرية, ويعيش الأغنياء في ترف شديد وبذخ خيالي , بينما غالبية الناس يموتون جوعا , يحدث ذلك في كل المجتمعات التي أمكن فيها طمس دين الله فهو وحده ضامن حقوق الأغلبية ومقلم أظفار  الطبقية , حدث ذلك منذ أيام مصر القديمة مرورا بكل الأزمنة والعصور , بما فيها أيام الحكم الموصوف بأنه إسلامي .  

 

 



 

اجمالي القراءات 10315