هل يستطيع دهاء "معاوية" انقاذ النظام من السقوط؟

د. شاكر النابلسي في السبت ٠٣ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

لا شك أن الضغوط على النظام السوري قد تضاعفت الآن، بعد إعلان الاتحاد الأوروبي الحجر الاقتصادي الكامل على سوريا لكي يفلسها اقتصادياً معتبراً أن المنفذ الاقتصادي الوحيد لسوريا الآن هو المساعدات الإيرانية والتسهيلات الائتمانية العراقية التي يقوم بها البنك المركزي العراقي والإيراني من ورائه لدعم الاقتصاد السوري المنهار والذي حسب تقارير اقتصادية كثيرة لا يستطيع الصمود أكثر من ثلاثة أشهر قادمة.

 

مهزلة الدستور السوري الجديد

ومقابل هذه الضغوط الاقتصادية القاتلة، ومحاولة لتجنب سكين الاتحاد الأوربي وقبلها سكين أمريكا يحاول النظام السوري قراءة تاريخ معاوية بن أبي سفيان، وكيف استطاع الانتصار على المعارضة التي تمثلت قبل مئات السنين بالخليفة علي بن أبي طالب ونجليه الحسن والحسين. ومن المعروف أن معاوية الداهية استطاع الانتصار على الخليفة الراشدي الرابع بالحيلة والخداع في موقعة صفين (37ه) بين الشام والعراق. فرفع معاوية المصاحف على أسنة الرماح عندما تيقن أنه هالك لا محالة أمام جيش علي بن أبي طالب. فخدع علي وجيشه بهذه الحيلة وكان لديه السياسي الداهية عمرو بن العاص الذي أخذ برأي القائد مالك بن الأشتر، ونفَّذ خطته في رفع المصاحف على أسنة الرماح.

واليوم في سوريا التي كان واليها معاوية بن أبي سفيان.

فهل بشّار الأسد في دهاء معاوية بن أبي سفيان؟

وهل فاروق الشرع في دهاء عمرو بن العاص؟

وهل علي أيوب في دهاء مالك بن الأشتر؟

وهل حيلة الانتخابات السورية ووضع دستور جديد بمثابة رفع المصاحف على أسنة الرماح؟

وهل برهان غليون في تسامح وسماحة علي بن أبي طالب الذي سمح لجيش معاوية باستعمال الماء الذي كان ممنوعاً على جيش علي كرم الله وجهه؟

وهل شام اليوم كالشام عام 657م ؟

وهل المعركة بين بشّار الأسد وبين المعارضة محصورة بين هذين الفريقين فقط كما كانت محصورة بين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب؟

ونحن هنا لا نريد أن نثبت التماهي بين ما يجري في الشام الآن وما جرى قبل 1500 سنة تقريباً. ولكن صورة ما جرى في تلك السنة لا بد وأنها في مخيال بشّار الأسد.

 

دهاء "معاوية" في القرن الحادي والعشرين

والسؤال الملح الآن هو:

هل بشّار الأسد في دهاء معاوية بن أبي سفيان؟

وهل مثل هذا الدهاء يمكن أن ينقذ النظام السوري المتهاوي الآن، تحت ضربات المعارضة السورية، وتحت الضربات السياسية والاقتصادية التي يوجهها الاتحاد الأوروبي وأمريكا الى النظام السوري، إضافة الى موقف دول الخليج الى جانب المعارضة السورية؟

 

فينومينولوجيا الثورة العربية

من الواضح أن فينومينولوجيا (علم الظواهر) الثورة العربية يقول لنا الآن أن الثورة العربية قد اندلعت في أقطار مختلفة من العالم العربي ليس بسبب الفقر والفساد ونسبة البطالة المرتفعة، ونسبة السرقة من المال العام، ونسبة الأمية، ونسب أخرى مكشوفة ومطمورة. فهذه النسب موجودة في الواقع العربي منذ أكثر من نصف قرن، ومنذ رحيل الاستعمار عن العالم العربي في الخمسينات من القرن الماضي وبعد الخمسينات.. ولكن فينومينولوجيا الثورة العربية تقول لنا أن الثورة العربية اندلعت بسبب انتهاء صلاحية الأنظمة السياسية القروسطية العربية. بحيث لم تعد هذه الأنظمة قادرة على الإصلاح. بل أصبح وجودها يُشكَّلُ ضرراً كبيراً على الصحة العامة، كالطعام أو الدواء الفاسد الذي انتهت صلاحيته، وأصبح تناوله بمثابة السم في جسم الإنسان الذي يتناوله.

 

الثورة بين الخيار والحتمية

إذن، من هنا نقول أن الثورة العربية لم تعد خياراً لأصحاب الحكم، أو للمعارضة، بقدر ما أصبحت حتمية وقدرية كالحياة والموت لا مفر منها، ولا مندوحة عنها. وكل ما نملكه هو أن نخضع لها، ونحاول أن نستجيب لمطالبها، ونتحمل عذابها وآلامها وتضحياتها وثمنها الذي يبدو باهظاً في بعض الأحيان كما هو الحال في مصر وسوريا. ولو دورنا بيت شعر المتنبي الذي يقول فيه: "على قدر أهل العزم تأتي العزائم"، ودورناه ليصبح على قدر أهمية ووزن البلدان تأتي الثورات" لأدركنا أن مصر وكذلك سوريا التي وصفناها من قبل بأنها بيضة "قبان العرب" تستحق كل هذا العذاب وكل هذا الشقاء وكل هذه التضحيات والدماء.

 

لم يعد "بُعْبُعْ" الأنظمة يُخيف الغرب!

لن ينفع بشّار الأسد دهاء معاوية بن أبي سفيان، ولن ينفعه كذلك عمرو بن العاص الجديد (فاروق الشرع). فالنظام السوري ساقط لا محالة، وإن طال الزمان. ومن علامات هذا السقوط أن الغرب لم يعد حذراً وخائفاً، من وصول "جماعة الإخوان المسلمين" الى السلطة قائماً كما كانت تدعي الأنظمة السياسية العربية التي أسقطها "الإخوان" في تونس ومصر وليبيا وغيرها من البلدان العربية الآيلة فيها الأنظمة السياسية الى السقوط.  فقد أظهر "الإخوان" تناقضات وثُغراً في أيديولوجيتهم خلال صراعهم مع حافظ الأسد ، كما يقول المستشرق الألماني كارثتين وتيلاند. "ففي أربعينات وخمسينات القرن الماضي تعاطف الإخوان مع الاشتراكيين ومع المبادئ العَلْمانية للاشتراكيين. وتعاطفوا مع  النظام الاقتصادي الرأسمالي المرتبط بالدعوة لحريات السياسية وحقوق الإنسان. ويقوم الإخوان في كل الدول العربية ذات الحكم الاستبدادي بالكشف عن قضايا عامة ترتبط بنمط الديمقراطية الغربي، ويتقاربون مع حركات المعارضة العلمانية بثلاث قضايا أساسية: الدعوة لحقوق الإنسان، والتأكيد على المبادئ الإنسانية في الإسلام، واحترام التعددية السياسية، والإيديولوجية، وحرية الكلام." (سورية: الاقتراع أم الرصاص؟ ص248). وقد ترجمت "جماعة الإخوان المسلمين" هذه القيم السياسية الحديثة على أرض الواقع العربي في البلدان العربية، التي فازت بانتخاباتها التشريعية، ووصلت إلى السلطة، مما طمأن الغرب الى صدق نوايا هذه الجماعة، وأنها لم تعد "البعبع" الذي يخيف الغرب كما صورتها له السلطات السياسية الساقطة. ولعل الدعم السياسي الذي تلقته الثورة في تونس، والدعم العسكري والسياسي الذي تلقته ليبيا، والدعم السياسي والاقتصادي الذي تتلقاه الثورة الشعبية السورية الآن، مرده الى تيقن الغرب من أن وصول جماعة الإخوان المسلمين لن يخيف الغرب ولن يعيد له كرة الإرهاب الملتهبة كما كان عليه الحال في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي. وهو ما يهدد النظام السوري الآن وينذر بزواله، بعد أن زالت العقبة الكأداء من أمام الغرب في موقفه من الثورة السورية، وبدأ بدعمها بادئاً ذلك بالحصار الاقتصادي للنظام السوري. وأن "الفاشية الإسلامية" التي قال بها أدونيس (مجلة "بروفيل" النمساوية، ونقله راديو ألمانيا، 26/2/2012) وعدم تأييده للثورة السورية لأن – كما يزعم – يقودها أصوليون، هو من باب الخيال المريض، لإرضاء مقرري جائزة نوبل، واليسار الطفولي الغربي والشرقي على السواء.

 

اجمالي القراءات 10709