لماذا يُصر المجلس العسكرى على اضطهاد نانسى عقيل؟

سعد الدين ابراهيم في الجمعة ٢٤ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

سبق وكتبنا فى هذا المكان أنه قبل عشر سنوات كانت المؤسسة العسكرية تحظى بتقدير كبير من الرأى العام المصرى، طبقا لاستفتاء أجريناه فى مركز «ابن خلدون»، حول معدلات الثقة فى مؤسسات المجتمع والدولة.

ولكنه منذ اختطف الثورة هو والإخوان المسلمون، تكوّن منهما ثنائى يُريد السيطرة الكاملة على مقدرات البلاد من ناحية، والبحث عن كِباش فداء لتحميلها مسؤولية فشلهما أو تعثرهما من ناحية أخرى. وإلا فلماذا لم يتم الانتهاء من التحقيق أو إحالة أى متهمين إلى المحاكمة فى أحداث جسيمة وقعت فى إمبابة، أو أسوان، أو ماسبيرو، أو شارع محمد محمود، أو شارع مجلس الشعب، رغم أن إعلام الدولة ادّعى أنها كانت أحداثا طائفية أو طرفا خفيا!

وأقصى ما استطاع إعلامهم أن يقدمه من تفسير، هو أنه ثمة طرف «ثالث» وراء تلك الأحداث، وهو «طرف خفى» حتى أصبح هذا الطرف الخفى «مادة» للتندر والفكاهة بين المصريين.

وكانت آخر تجليات العسكر فى البحث عن كِباش فداء هى:

اقتحام مقرات 17 جمعية مصرية من منظمات المجتمع المدنى، واتهامها فى البداية بأنها تلقت تدريبات فى «صربيا» على كيفية إشغال الانتفاضات والثورات، أسوة بما كان قد حدث فى أوروبا الشرقية، قبل عشرين عاما. ثم اتهامها، أخيرا، بأنها وراء استمرار القلاقل، ومليونيات التحرير، والمظاهرات والإضرابات الفئوية. وأن ذلك أدى بدوره إلى تباطؤ عجلة الإنتاج، وانخفاض السياحة، وتراجع احتياطى مصر من العمله الصعبة إلى ما يكفى بالكاد واردات ثلاثة أشهر.

وقام بالقبض على عدد من العاملين فى ثلاث هيئات أهلية حكومية تعمل فى مصر، من أمريكيين، للتحقيق معهم، ومن المصريين العاملين فى هذه الهيئات وهى: بيت الحرية «Freedom House»، والمعهد الديمقراطى القومى «National Democratic Institute»، والمعهد الجمهورى الدولى «International Republican Institute»، وصدر قرار منع المصريين العاملين فى مكاتب هذه المؤسسات الثلاث من السفر خارج مصر.

وكان ضمن هؤلاء الممنوعين من السفر، الدكتورة نانسى عقيل، التى أعرفها شخصيا، فهى تلميذة سابقة، وتخرجت بدرجة امتياز فى الجامعة فى علم الاقتصاد، وهو ما أهَّلها للحصول على منحة من أعرق الجامعات البريطانية، وهى جامعة «أكسفورد»، حيث حصلت أيضا على الدكتوراه مع مرتبة الشرف. ولم يمنعها هذا التفانى والتفوق الدراسى من ممارسة هوايتها المفضلة وهى «الباليه»، التى تتطلب لياقة بدنية ونفسية هائلة. كما لم يمنعها من العودة إلى مصر، رغم عروض العمل فى جامعات ومؤسسات خارجية.

وكانت قد بدأت تعلُّم ممارسة هذا الفن الرفيع خلال السنوات التى كانت أسرتها تعيش فيها فى موسكو، حيث كان والدها لواء أ.ح. القوات المسلحة، هو مستشار مصر العسكرى لدى الاتحاد السوفييتى.

كما لم يمنعها التفوق الدراسى والهواية الشخصية من الزواج من أحد زملائها وهو د.ضياء صفوان، وإنجاب توأم، هما الآن فى الرابعة من العمر.

ورغم هذه المؤهلات الشخصية والعلمية والأسرية الرفيعة، فإن نانسى عقيل تم مداهمة مكتبها وسط القاهرة، ومصادرة ملفاته وأجهزة الكمبيوتر، وترويع بقية موظفيه.

فماذا وجدت مباحث ونيابة أمن الدولة فى مكتب «فريدوم هاوس» الذى كانت تديره د.نانسى عقيل؟

وجدوا خريطة كبيرة لمصر على حائط قاعة الاجتماعات، بخمسة ألوان لكل من الوجهين البحرى والقبلى، والقاهرة، والإسكندرية، ومنطقتى القنال وسيناء، استعدادا لمراقبة الانتخابات، لا لتقسيم مصر!

وكانت حملات المداهمة تلك بقيادة المستشار أشرف العشماوى، الذى كان هو نفسه ضمن حملة التفتيش والمداهمة لمنزلى يوم 30/6/2000. وكما حدث معى منذ عشر سنوات، سيجد قضاء مصر أن كل ادعاءات الأجهزة الأمنية هى لذر التراب فى العيون، لصرف الانتباه عن فشل السلطات الحاكمة عن الإدارة الرشيدة للبلاد.

وأقول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة: إذا كان بيتكم من زجاج فلا تقذفوا نانسى عقيل وزملاءها فى المجتمع المدنى بالحجارة. فأنتم تلقيتم مساعدات أجنبية بلغت أكثر من مئة مليار دولار، خلال العقود الثلاثة الماضية، التى لم تخُض فيها مؤسستكم أى حروب. فمن الذى يراقب إنفاق تلك الأموال الطائلة؟

إن نانسى عقيل وزملاءها فى المجتمع المدنى يخضعون لرقابة أربع جهات، على الأقل، وهى مصلحة الضرائب، والجهاز المركزى للمحاسبات، ومجلس أمناء المنظمة التابعين لها، والجهة المانحة «مصرية كانت أو أجنبية».

أما أنتم فى المجلس العسكرى، فحتى رقابة مجلس الشعب فقد حصّنتم أنفسكم ضدها طوال ستين سنة. بل وحاولتم أن تستمر تلك الحصانة فى الدستور الجديد «وثيقة السلمى»، لولا رفض شباب التحرير الوثيقة.

وأخيرا، لماذا يعتقد المشير طنطاوى، أو الفريق سامى عنان أو زملاؤهما فى المجلس العسكرى، أنهم أكثر وطنية من نانسى عقيل؟

إن الوطنية ليست مجرد «الذكورة» أو «الزى العسكرى»، فكل مصرى «وطنى» حتى النخاع، إلى أن يثبت عكس ذلك بحكم قضائى باتٍّ ونهائى.

فأرجو من المجلس العسكرى أن يرفع يده عن نانسى عقيل وعن منظمات المجتمع المدنى، وكفى ما أحدثوه من أضرار معنوية لنشطاء المجتمع المدنى فى الداخل، ولسمعة مصر فى الخارج.

اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.

اجمالي القراءات 10708