الاسلام والاستسلام

سامر إسلامبولي في الثلاثاء ١٦ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الإسلام والإستسلام

لقد شاع في الأدبيات الاسلامية تعريف الإسلام بأنه الاستسلام والانقياد التام لله عز وجل .وهذا التعريف إنما هو من باب ذكر مآل الأمر وليس تعريفا له،ولكن هكذا جرت العادة في التراث ، وترتب على هذه العادة ضياع حقيقة معرفة الأمر، وانتشار ماسمي مفهوم الترادف بين الناس خطأ وهو إمكانية وجود عدة كلمات مختلفة لفظا متفقة بالمعنى ، أي متطابقة في الدلالة رغم اختلافها في المبنى، ومن المعلوم أن أي اختلاف أو زيادة في المبنى يؤدي إلى اختلاف في المعنى ضرورة .

فماذا تعني كل منهما ، وما الفرق بينهما ؟

الإسلام :

إن كلمة الإسلام من أسْلَمَ التي تدل على قيام فعل من الإنسان نفسه نتيجة محاكمة عقلية يصل بواسطتها إلى وجوب عملية الإسلام لما ظهر له من أحقية فيقوم بهذا الفعل طوعاً . قال تعالى : [ وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكَرها وإليه يرجعون] آل عمران 83 ويظهر الإسلام في الواقع بصورتين متداخلتين أحدهما ( وهي الأصل والأكبر ) : علم الإنسان بأنه يعيش ضمن نظام واحد كلي متماسك ومنسجم مع بعضه لا يتبدل أو يتغير فيُسلم له كَرْهاً لعجزه عن مخالفته . أما الصورة الثانية :الصورة الثانية : فهي العلم بأن رب الخلق قد أنزل للإنسان كجنس نظاماً منسجماً ومتكاملاً مع النظام الأول ( الكوني ) ينظم به علاقة الإنسان بالحياة الدنيا والكون وعلاقتهم ببعضهم بعضاً ، وعلاقته بما قبل الحياة الدنيا وبعد الحياة الدنيا . أي عرض جواب الأسئلة الفطرية الثلاثة : [ كيف ، لماذا ، أين] حيث يصير الجواب عنها هو القاعدة الفكرية التي ينبغي أن يعتمد الإنسان عليها في بناء نظام حياته ، وطلب من الإنسان أن يقوم بعملية الإسلام لهذا النظام الرباني طوعاً يضيفه إلى عملية إسلامه الأول كَرْهاً ليصير مسلماً ظاهراً وباطناً ، عقلاً وسلوكاً . ويتحرك في عمارة الأرض على الصعيد الإنساني والبيئي ( آفاق وأنفس ) حركة منسجمة ومتناغمة مع النظام الكلي للوجود فيكتمل الإسلام في نفس هذا الإنسان بصورتيه الطوعية ( النظام الإنساني ) والكرهية ( النظام الكوني ) ويحقق بذلك مهمة عمارة الأرض والخلافة فيها ويعيش باطمئنان واستقرار نفسي واجتماعي ويصير من المسبحين بحمد الخالق طوعاً وكرهاً .

قال تعالى : [قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ] الحجرات 14 أدرك الأعراب أحدية الخالق وأدركوا أن الوجود يسير بنظام واحد كلي منسجم وهم جزء منه قهراً فأسلموا لذلك كَرْهاً ، ولكن لم يضيفوا إلى إسلامهم هذا عملية الإسلام الطوعي لما أنزل الله عز وجل ، فلذلك نفى الله عنهم عملية دخول الإيمان ( الإسلام الطوعي ) إلى قلوبهم ، وأمر النبي أن يُظْهِرَ خداعهم وكذبهم [ قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ] أي اعترفنا بصورة الإسلام الكوني كَرْهاً لانتفاء مقدرتنا على الخروج عليه, فأسلمنا له . قال تعالى :

[ الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله] .... التوبة 97

فالإسلام الطوعي هو الأفكار التي تدخل إلى قلب الإنسان قناعة وصدقاً ويحولها إلى مفاهيم يكيف سلوكه بحسبها عندئذ يصير مؤمنا . أما إذا بقيت أفكاراً مجردة كمعلومات لا واقع لها أبداً في حياة هذا الإنسان فلا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً ولا يفعل واجباً يصير مثل الأعراب تماماً [ قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ] لم يدخلوا إلى دائرة الإسلام الطوعي ، وإنما بقوا في دائرة الإسلام الكَرْهي ! .

فالإيمان ( الإسلام الطوعي ) هو انقياد وعمل وليس مجرد التصديق بالأفكار .

قال تعالى : [ فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك .... ] محمد 19

فمجرد العلم بالأمر لا يعني بالضرورة أن صاحب العلم أسلم لما عَلِمَ ، لأنه ممكن أن لا يسلم لما علمه ويكفر به ( التغطية والإنكار ) فالعلم هو الخطوة الأولى لعملية الإسلام الطوعي ، وهو الباب للدخول منه إلى الإسلام دين الله عز وجل . إذاً يلزم لعملية الإسلام ( الطوعي ) العلم والإرادة الواعية الحرة ابتداء ، فإذا أسلم الإنسان صار مؤمنا ، وإذا لم يسلم صار مجرماً كافراً بالعلم بنوعيه الآفاق والأنفس . قال تعالى : [أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ] فمقابل الإسلام يكون الإجرام ، ومقابل الإيمان يكون الكفر .

أما الاستسلام فهو عملية تأتي بعد الإسلام وليس قبله أو معه ، وإنما نتيجة لفعل الإسلام ،فيكون الاستسلام الانقياد التام لما أسلم له ابتداءً . وإذا حصل الاستسلام ابتداء دون إسلام يكون عملية انقياد ناتجة عن قهر وعجز أو عن انتفاء العلم وغياب المسؤولية, ومن ذلك الوجه نقول : استسلم الأعداء في المعركة . إذا انقادوا قهراً وعجزاً وضعفاً . أما الاستسلام ابتداء لفكر أو قائد دون أن يسبقه عملية الإسلام فهو انقياد أعمى مذموم قد يورد بصاحبه المهالك غالباً .

قال تعالى : [فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ] فعملية الاستمساك بالعروة الوثقى أتت نتيجة الكفر بالطاغوت انطلاقاً، والإيمان بالله عز وجل ابتداءً ، والكفر موقف براء وانخلاع ، والإيمان موقف ولاء وانتماء ، وإذا حصل هذا الأمر في الإنسان يكون قد استمسك بالعروة الوثقى . نحو أن نقول : من أمسك بالإيمان فقد استمسك بالعروة الوثقى. فتكون عملية الاستمساك بعد فعل ( أمسك ) وليس قبله أو معه . فالاستسلام نتيجة للإسلام ما ينبغي أن يَسبقه ، لأنه إذا سبقَهُ صار الإنسان منقاداً بصورة عمياء دون علم ووعي لما استسلم له . والخالق تبارك وتعالى طلب من الناس فعل الإسلام وليس الإستسلام .

قال تعالى : [ فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين ] الحج 34

وقال : [ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ] البقرة 131

وقال : [ وأمرت أن أسلم لرب العالمين ] غافر 66

وقال : [ فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ] آل عمران 20

وقال : [ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ] النساء 125

وقال : [ إن الدين عند الله الإسلام ] آل عمران 19

وقال : [ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق إلها واحداً ونحن له مسلمون ] البقرة 133

لنصل في النهاية إلى أن من أسلم لله عز وجل فقد استسلم لأوامره وانقاد له بصورة واعية وإرادة حرة . بينما من استسلم ابتداء دون إسلام يكون قد انقاد بصورة عمياء دون علم أو إرادة واعية . وشتان ما بين الإسلام والاستسلام .

اجمالي القراءات 29768