هل يمكن تحويل مختطفى الثورات العربية إلى إسلاميين ديمقراطيين؟

سعد الدين ابراهيم في الجمعة ١٧ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

فى عام 1840 أصدر بابا الفاتيكان فتوى (Edict) مفادها أن الثورات الديمقراطية التى كانت تشهدها أوروبا هى تحدٍ للعناية الإلهية، وللنظام الكونى المقدس. فالديمقراطية رجس من عمل الشيطان. وبعد ذلك بقرن كامل، وتحديدا فى عام 1946 أصدر الفاتيكان فتوى على النقيض تماما، فحواها أن الديمقراطية من «طيبات» ما رزقتنا به العناية الإلهية (Providence)، وأن على المؤمنين أن يلتفوا حولها فى كل مكان.

فما الذى حدث بين لحظتى 1840 و1946 لكى يُغير الفاتيكان موقفه هكذا من الإدانة والازدراء إلى المباركة والاحتفاء؟

فى اللحظة الأولى كانت أوروبا لا تزال تعيش تداعيات الثورة الفرنسية (1789-1815)، التى كانت أهم قواها من «اليعاقبة» يُعادون الدين، ولا يتسامحون مع تحالف الصليب والتاج (Alliance of Crown and Cross) فشنّوا على الكنيسة، وعلى الكهنوت الكاثوليكى حملة شرسة، ودعوا إلى بدائل راديكالية إنسانية علمانية Secularist. وكان طبيعيا أن تردّ الكنيسة على هجوم اليعاقبة بهجوم مُضاد على كل شعارات ومبادئ الثورة الفرنسية، لكن المئة سنة التالية لتلك الثورة كشفت للكنيسة أن الأخطار عليها خصوصا، وعلى الأديان عموما لم تكن «الديمقراطية»، لكن التيارات الفوضوية والمادية – الماركسية، والقومية الجامحة، متمثلة فى شيوعية روسيا، ونازية ألمانيا، وفاشية إيطاليا، وأن هذه الأخيرة هى التى جلبت الحروب والدمار والخراب للبشرية.

وفى ندوة مثيرة بمدينة الحمامات التونسية، وعلى مقربة من البقعة التى أحرق فيها محمد بوعزيزى نفسه، وتفجّرت ثورات الربيع العربى جرت مناقشة الدين والثورة والديمقراطية. كان من ضمن ذلك أن الشباب العربى الذى همّشته الأنظمة الحاكمة، مع أنهم الشريحة الاجتماعية الكبرى، والأهم، والأكثر قلقا وحرمانا. فى هذا السياق تقاطعت معه مُتغيرات اجتماعية عديدة -منها الطبقة، والطائفة، والنوع، والمنطقة الجغرافية، والجيرة الإقليمية، والبُعد الدولى، والسيولة الإعلامية من خلال الفضائيات – العربية منها والخارجية الناطقة بالعربية.

وكان من ضمن الهواجس التى عبّر عنها عديد من المشاركين، هو اختطاف الثورات العربية بواسطة إحدى القوى التى جاءت إليها متأخرة، أو حتى لم تشارك فيها، بل وحرّضت ضدها.

كان السؤال فى هذا الصدد: ما إمكانية تحول بعض هذه القوى المختطفة إلى النهج الديمقراطى؟

هنا ضُرب المثل بمشاركة حزب النهضة التونسى، وفوزه فى الانتخابات البرلمانية، وقبوله الضمنى بدستور تعددى علمانى، واستعداده لقبول نفس المبادئ فى الدستور الدائم. وتكرر ذلك فى الحالة المصرية (الإخوان المسلمون)، وترسى هاتان التجربتان تقليدا عربيا جديدا، يُنتظر أن يتكرر فى اليمن وليبيا، بل وربما فى سوريا بعد سقوط النظام البعثى لبشار الأسد. ولأن الحركات الإسلامية المعاصرة هى الأقدم على الساحة العربية، ولأنها الأكثر تنظيما، وصرامة وثراء، فلم تكن مفاجأة أن تفوز أحزاب هذه الحركات بالأكثرية أو بالأغلبية فى أول انتخابات بعد ثورات الربيع العربى خلال عام 2011.

فهل يعنى ذلك احتمالات تبلور نموذج عربى «لإسلام ديمقراطى» على شاكلة المسيحية الديمقراطية، أو الأحزاب الديمقراطية المسيحية Christian Democrats فى أوروبا؟

اعترض بعض المشاركين على التشبث بأوروبا كمرجعية للعرب والمسلمين فى كل شىء، حتى فى حديثنا عن التحول الديمقراطى العربى. ورد آخرون على هذا الاعتراض بأن الديمقراطية التى ننشدها هى نفسها مفهوم غربى، وقد عرفناها فى الممارسة من أوروبا، خلال عصر النهضة العربية، حينما أرسل حكامنا البعثات إلى أوروبا فى القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين.

هذا فضلا عن أن العرب يستوردون معظم غذائهم ودوائهم وسلاحهم من الغرب، فلماذا نستنكف الحديث عن استيراد الخبرة الأوروبية فى بناء مؤسسات الدولة الحديثة؟

ودخل فريق ثالث على الخط ليقول إن العبرة ليست فى استيراد مفاهيم أو التعلم من ممارسات الآخر الأوروبى أو الغربى، لكن أن نفعل ذلك بكفاءة، ودون تشويه ما نستورده. كذلك أشار آخرون إلى أن هناك نماذج للتحول السياسى فى بلدان العالم الثالث، مثلما هو الأمر فى أمريكا اللاتينية، بل وفى بلدان ذى أغلبية مسلمة، مثل أندونيسيا وماليزيا وتركيا، ويمكن التعلم من تجاربها.

أما مقولة إمكانية تحول الحركات الإسلامية إلى أحزاب ديمقراطية، فقد كانت الأكثر إثارة. فقد قيل إن ذلك قد بدأ بالفعل فى كل من تونس ومصر. فقد ارتضى حزبا النهضة التونسى، والحرية والعدالة الإخوانى اللعبة السياسية الديمقراطية، بدخول انتخابات تنافسية فازا بها. فبعد سنوات طويلة ردد فيها الإسلاميون أن الديمقراطية هى «سلعة غربية مستوردة»، وصدّقهم فريق كبير من العرب والمسلمين، فإذا جاؤوا اليوم وشاركوا فى العملية الديمقراطية، فإن ذلك يكشف أنهم غير معصومين من الخطأ. وأهم من ذلك أنه يعنى دخولهم المعترك السياسى، بكل ما ينطوى عليه ذلك من «ألاعيب» و«أكاذيب» و«مُدنّسات»، فالسياسة لا تعرف المقدسات.

ولذلك فعلينا وعلى كل من يدعون إلى الديمقراطية أن نرحب بهذا التطور الهام، ونشجعهم على الاستمرار فيه، حتى لو كنا نختلف معهم فكريا وسياسيا، ولنرحب بغيرهم من الإسلاميين أن يكوّنوا أحزابهم. وحسنا فعل السلفيون بتأسيسهم حزب النور. يبقى أن تسير على نفس الدرب بقية الجماعات الإسلامية الأخرى، وقد زاملت بعضهم فى السجون، ولا أشك فى وطنيتهم، ولا جدارتهم للعمل فى المجال العام. فلندع ألف زهرة تتفتح فى هذا الربيع العربى المبارك.

والله أعلم

اجمالي القراءات 8770