الحلف كذبا (15) شريعة قريش والوهابيين السلفيين رفضت القرآن الكريم

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٧ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 أولا : قريش رفضت الرسول والرسالة

1 ـ ( العظمة البشرية ) فى القرآن الكريم هى فى السّمو الخلقى ، وبهذا فإن أعظم البشر هم أنبياء الله جل وعلا ورسله . (العظمة البشرية ) فى عرف البشر ينال أغلبها عتاة المجرمين من المستبدين قتلة الشعوب لأنهم أصحاب الجاه والثروة والسلطة والنفوذ وخدمهم.من هذا المنظور إحتجّت قريش الكافرة على أن القرآن نزل على شخص ليس عظيما لديهم:(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )(الزخرف 31 ). حقيقة الأمر إنهم حسدوه لأن الله جل وعلا إختاره دونهم : (أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا )(ص 8). وشأن مجرمى كل قرية ـ أى مجتمع ـ إنطبق عليهم قوله جل وعلا: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ  وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )( الأنعام  123 ـ ).

ملاحظة : تنطبق الآيتان الكريمتان من سورة الأنعام (123 ـ ) على عصرنا ، فلو قام داعية يعظ بالقرآن سيتصدى له كبار المجرمين من أصحاب الجاه والسلطة ومن أتباعهم من فقهاء السلطان ، يدبرون له المؤامرات ، يدفعهم الاستكبار ، لماذا لا يكتشف هو دونهم حقائق القرآن ؟ ولماذا يتفوق هذا الداعية عليهم ويثبت جهلهم أمام الناس؟ . وحدث لى شخصيا هذا فى جامعة الأزهر عندما أحالونى للتحقيق فى الخامس من مايو عام 1985 متهما بانكار شفاعة النبى وانكار عصمته خارج الوحى وأنكار القول بأنه عليه السلام سيد المرسلين . وقال لى وقتها د . سعد ظلام عميد كلية اللغة العربية : ( لماذا أنت الذى تقول هذا الكلام ؟ نحن أقدم منك فى الجامعة ؟!).عندها تذكرت قوله جل وعلا هاتين الآيتين من سورة الأنعام .

2 ـ الله جل وعلا هو الأعلم أين يضع رسالته ومن يختاره رسولا،أى هو الأعلم بأعظم البشر ليصطفيه لهذه المهمة، أما قريش المشركة ومن خلال رؤيتهم للعظمة فقد سخروا من النبى محمد، فهو رجل عادى المظهر ليس من أثرياء قريش ومترفيها،وليس من أصحاب السطوة فيها. نظروا اليه فى إستخفاف وعندما يرونه كانوا يشيرون له باستهزاء من هذا الشخص العادى الذى ينتقد آلهتهم(وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) (الانبياء 36 )، أو يسخرون من هذا الذى بعثه الله رسولا ،ويتعجبون من هذا الشخص العادى الذى كاد أن يصرفهم عن آلهتهم لولا أن تمسكوا بها عنادا:(وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا)(الفرقان 41 : 42).

ملاحظة :تخيل لو بعث الله جل وعلا محمدا عليه السلام من قبره وجاء الى جامعة الأزهر وضريح الحسين يتهم الشيوخ بعبادة الرجس من الأضرحة والأوثان وتقديس كتب ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان ، وقال لهم ما جاء فى سورة ( الجن : 18 ـ ) وأنهم أظلم الناس لرب الناس . سيسخرون منه أولا لأنه سيرونه رجلا عاديا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، ثم سيتهمونه بالكذب والجنون، ثم سيحاكمونه بانكار السّنة وازدراء الدين . ولو كان فى عهد مبارك اللعين سيقضى فى السجن بضع سنين،أو سيقيمون عليه حدّ الردّة  لو كان فى دولة الاخوان والسلفيين ..!

3 ـ رفضت قريش محمدا رسولا ، ورفضت القرآن ،وصبروا على التمسك بالعناد ، يقول رب العزة:(وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا)(ص 4: 8).

ملاحظة : تكرر قولهم لى فى محنتى فى جامعة الأزهر( 1985 : 1987 ):( لم يقل أحد مقالتك من شيوخنا الكبارفأين أنت منهم ؟ومن انت حتى تقول هذا الكلام؟). وهى نفس مقالة قريش:( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ). زعموا أننى  سأدّعى النبوة فى الخطوة القادمة. وزعموا أننى أنكر ختم النبوة، مع أننى لا أصف محمدا عليه السلام فى كتاباتى إلا بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.

ثانيا : رفضهم القرآن بطلب ( آية ) بدل القرآن

1 ـ هناك آيات (معجزات ) للأنبياء ليست للتحدى،منها ما كان للإنقاذ مثل إنقاذ ابراهيم من الحرق ، ومنها التكريم كالآيات التى منحها الله جل وعلا لداود وسليمان ، ومعجزة الاسراء لخاتم النبيين.(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)( الاسراء1). كان الاسراء آية له عليه السلام أراها الله جل وعلا له وليس لقومه (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ). حديثنا هنا عن الآية التى للتحدى التى كانت لبعض الأنبياء السابقين مثل صالح وموسى وعيسى عليهم السلام . وهى آيات مادية حسية محلية موقوتة بقومها وزمنها ومكانها وتنتهى بهلاك جيلها. أما خاتم المرسلين فقد كانت آيته الوحيدة هى القرآن الكريم . ولأنه خاتم  النبيين المبعوث رحمة للعالمين الى قيام الساعة فإن آيته القرآنية على قدر رسالته، أى آية عقلية وعالمية وعلمية ومستمرة متجددة الى قيام الساعة. ولأن القرآن الكريم آية للتحدى فقد تحداهم رب العزّة أن يأتوا بحديث مثله: (الطور 34)،وتحدّاهم بأن يأتوا بعشر سورمثله:(هود 13)،أو حتى بسورة مثله أومن مثله:(يونس 38 ، البقرة 23). وأكّد رب العزة استحالة قدرة الإنس والجن معا على الاتيان بمثل هذا القرآن الذى لا مثيل له: (الاسراء 88).

ملاحظة : يكفر السنيون بقوله جل وعلا :( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )(الاسراء :88) تمسكا منهم بحديث أبى هريرة فى البخارى الذى يزعم أن النبى أوتى القرآن ومثله معه . أى للقرآن مثيل . وهنا تناقض مع كلام رب العزة الذى يؤكد أنه لامثيل للقرآن ، كما أنه لامثيل لله جل وعلا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )(الشورى 11). فإمّا أن تكذّب البخارى وسنته وأما أن تكذّب الله جل وعلا وقرآنه ، إما أن تكون عدوا لله ورسوله وفى موالاة البخارى ودينه السّنى ، وإما أن تكون مواليا لله جل وعلا ورسوله وكتابه وعدوا للبخارى وأبى هريرة . . وأنت وما تختار لنفسك . ونسأل : أين هو هذا المثيل للقرآن الذى يزعمه أبو هريرة ؟ ولماذا لم يبلغه الرسول ؟ تأتى الاجابة فى حديث آخر مضحك لأبى هريرة ذكره البخارى هو أن الرسول أودع عند أبى هريرة أحاديث محفوظة فى جراب. ويأتى نفس السؤال : فأين هو هذا الجراب؟ فيقول ابو هريرة أنه لو أذاعه لقطع منه البلعوم .أبو هريرة كذّاب وبهلوان أيضا .!  ونعود لقريش ، وهم فى عجزها أمام تحدى القرآن إخترعت طريقة طريفة هى طلب آية حسّية بديلا عن القرآن.ونزل الرفض الالهى،وتكرر الطلب وتكرر الرفض. ونعطى بعض التفاصيل.   

ثالثا : أنواع الآيات الحسية التى طلبوها

1 ـ فى سورة الإسراء يقول جل وعلا فى إعراضهم عن القرآن وفى أنواع الآيات الحسية الى طالبوا بها:( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93)) أى طلبوا عيونا تتفجر لهم فى الصحراء، وبدلا من أن يكون النبى شخصا عاديا لماذا لا يكون ثريا يملك بساتين وقصرا مزخرفا ، وطلبوا أن يصعد الى السماء ويعود ومعه كتابا يقرؤه عليهم . وجاء الرد بإيجاز بالرفض :(قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً ).

ملاحظة : فى اسطورة المعراج التى إفترها زعموا أن النبى صعد للسماء . وهنا فى سورة الاسراء رفض لهذا ، فقد طلبوا منه أن يرقى الى السماء ،وجاء الرفض:(أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93).   

2 ـ ووجدوا فى رقّة حاله وكونه رجلا عاديا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق مادة للسخرية وطلب آية معا ، فقالوا حسبما جاء فى سورة الفرقان :( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) ) وجاء الردّ من رب العزة :( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9)). وتكرر نفس الرد فى سورة الاسراء عن موقفهم من القرآن : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (48)

ملاحظة : فيما بعد إفترى البخارى أن النبى مسحور،سحره يهودى.أى هو منطق الكفر.

رابعا : أسباب الرفض الالهى لارسال آية حسية للتحدى مع القرآن :

كانت الآيات السابقة التى نزلت على الأنبياء السابقين تناسب وضع عصرالأنبياء وحالة أقوامهم ، كانت الآيات حسية مؤقتة مادية يشهدها القوم بأنفسهم ولا تفلح فى هدايتهم فيأتيهم الهلاك، وذلك ما حدث مثلاً لقوم ثمود حين طلبوا آية، فخلق الله لهم ناقة من الصخر فعقروا الناقة، فأهلكهم الله. والآية كانت تأتى نذيراً بالهلاك لمن يطلب ألآية ثم يكفر بعد أن يأتى بها النبى. واختلف الوضع بالنبى الخاتم المبعوث للعالم كله من عصره وإلى أن تقوم الساعة، وقد أنزل الله عليه آية عقلية مستمرة متجددة الإعجاز لكل عصر، يتحدى بها الله الأنس والجن إلى قيام الساعة، ألا وهى القرآن الكريم. وقد رفض المشركون القرآن وطلبوا آية حسية مادية كالتى جاء بها موسى وعيسى. ورفض الله أن ينزل عليهم آية للتحدى سوى القرآن.ونعطى بعض التفاصيل لأسباب الرفض الالهى لانزال آية حسية.

1 ـ إن الآيات السابقة لم تفلح فى هداية الأمم السابقة ، فقد طلبوها عنادا ، ولما جاءت ظلوا على عنادهم . فى سورة الأنبياء يقول جل وعلا :(بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)) أى اتهموا القرآن بأنه أضغاث أحلام ، وأن محمدا إفتراه وإنه شاعر، وطلبوا آية حسية كما حدث للرسل السابقين . وجاء الرد بأن الأمم السابقة لم تؤمن مع وجود تلك الآيات فأهلكها الله جل وعلا ، فهل ستؤمن قريش لو جاءتها الآيات التى تطلبها. وأوضح رب العزّة فى سورة الحجر أنه لو جىء لهم بآية حسية بأن أصعدهم الى السماء وعرجوا أى سبحوا فى الفضاء فلن يؤمنوا بل سيقولون أن محمدا قد سحرهم ،يقول جل وعلا:(وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)). وردا على طلبهم نزول كتاب من السماء يقول جل وعلا: ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ )( الأنعام 7 ). أى لو نزل الكتاب ولمسوه بأيديهم سيقولون إنه سحر مبين. ويقول جل وعلا فى نفس السورة : (وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)( الانعام  109 : 111 ). أى أقسموا بالله جل وعلا أغلظ القسم أنه لو جاءتهم آية ليؤمننّ بها ، ويأتى الرد الالهى بأنهم لن يؤمنوا إلا إذا شاء الله ، أى لن يؤمنوا بإختيارهم . والمطلوب هو الايمان الاختيارى. وأوضح رب العزة للرسول أنهم لن يؤمنوا حتى لو جاءتهم آية، إلى أن يأتيهم العذاب بعد الموت ﴿إِنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلّ آيَةٍ حَتّىَ يَرَوُاْ الْعَذَابَ الألِيمَ﴾ (يونس 96،97).

2ـ وبعض الآيات الحسية التى طالبوا بها كان مستحيلا الاتيان بها ، مثل طلبهم نزول ملك من السماء . يقول جل وعلا (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) (الانعام 8: 9 ). هنا سببان لعدم نزول ملك :الأول : إن الملك حين ينزل ليراه البشر سيكون متجسدا فى هيئة البشر،أى فى نفس المجال الاهتزازى المادى للبشر، أى أن يجعله الله جل وعلا رجلا ويلبس مثلما يلبس القوم ،أى لن يكون ملكا . الثانى : إن نزول الملائكة معناه القضاء بالموت وبالآخرة،إذ لن نرى الملائكة إلا عند الاحتضار وعند القيامة. وعندئذ سيكون قد قضى الأمر وانتهى الاختبار. وقد شرح رب العزة السببين ، فقال فى سورة الاسراء عن إستحالة رؤيتنا الملائكة فى هذه الأرض وفى تلك الحياة الدنيا:( قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (95)). أى لو كان فى الأرض ملائكة متجسدين يمشون كالبشر بسرعة الاهتزاز نفسها لأنزل الله عليهم ملكا مثلهم .وعن رؤية الملائكة عند الموت وهو اليقين الذى لا تأخير له يقول جل وعلا فى سورة الحجرردا على طلب المشركين :( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8). وفى سورة الفرقان يقول جل وعلا:(وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً(21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22). أى حين الاختضار وحين البعث والنشور والحساب لا بشرى لهم .

2 ـ إن إرسال الآيات للأمم السابقة كان مقترنا بإهلاكها ، لأن معنى إرسال آية أن يؤمنوا ، وإلّا فمصيرهم الهلاك :(مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ )؟ (الأنبياء 6). وقوم ثمود هم أبرز دليل، فقد طلبوا آية حسية يرونها عيانا فكانت آية الناقة،ثم عقروا الناقة كفرا فأهلكهم الله جل وعلا، ولذلك كان المنع من إنزال آية حسية للعرب وقريش، فالآية تخويف بهلاك قادم  يبيد أولئك القوم جميعا، يقول جل وعلا فى سورة الاسراء:(وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (59)).والهلاك ليس واردا هنا لأن القرآن ليس لقريش وحدها وليس لعصرها فقط ، بل هو رسالة عامة للجن والانس والى قيام الساعة . ولهذا كانت قريش تطلب الهلاك العام والتام فلا يستجاب لها.فى سورة الكهف يقول رب العزة عن القرآن ورفض قريش له وطلبها الهلاك الذى حدث للامم السابقة:(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ قُبُلاً (55)). وبعد أن ردّ عليهم رب العزة بأن يكتفوا بالقرآن بدلا من الآية الحسية قال جل وعلا عن إستعجالهم للعذاب ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمْ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ يَوْمَ يَغْشَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)( العنكبوت: ـ 55).أى تأجيل العذاب ليوم القيامة.

خامسا: من الردود ما كان يشير الى القرآن وآياته وأعدائه :

1 ـ منها قوله جل وعلا:(وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)(الأنعام 37 : 38). هنا إشارة للقرآن الكريم الذى ما فرّط فى شىء يكون تركه تفريطا ، ثم إشارة علمية قرآنية عن دواب الأرض ، أى كل ما يتحرّك ويدب على الأرض من جراثيم وبكتيريا وحشرات وطيور وحيوانات وبشر .. كلها أمم ومجموعات مثلنا .

2 ـ على أن أهم الردود فى موضوعنا هو ذلك الردّ على طلبهم آية حسية بالاكتفاء بالقرآن الكريم ، وشهادة رب العزة على أن القرآن كاف لا يحتاج الى آية معه ، يقول رب العزة جلّ وعلا :( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ) ثم يصف رب العزة كتابه فيقول مؤكدا:( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ثم يؤكد هذا رب العزة بشهادته:( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) ( العنكبوت 50 : 52 ). والجزء الأخير فى شهادة رب العزة يؤكد على خسران وكفران ذلك الذى لا يؤمن بأن القرآن كاف ولا يحتاج الى آية معه أو الى مصدر آخر معه ، ونعيد قراءة الآية الكريمة : ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)( العنكبوت 50 : 52 ).

3 ـ الأهم أيضا هو تلك الإشارات القرآنية عن الوحى الشيطانى الذى يجعله أعداء الأنبياء بديلا للقرآن. فبعد الرد على طلبهم آية حسية يتحدث رب العزة عن أعداء الأنبياء من شياطين الانس والجن الذين يخترعون زخرف القول ، ليصغى اليه من لا يؤمن بالآخرة وليقترفوا الجرائم متشجعين بالشفاعات الزائفة التى يذيعها أرباب الأديان الأرضية ، ونقرا الايات فى سياقها، يقول جل وعلا فى رفض طلبهم آية غير القرآن :(وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ثم يقول جلّ وعلا معقبا على موقفهم يفضح أئمة الأديان الأرضية من أصحاب الوحى الشيطانى فى كل زمان ومكان : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) ويقول جل وعلا عن الغوغاء من أتباعهم فى كل ومان ومكان الذين يدمنون سماع الباطل المزخرف الذى يستجيب لأهوائهم :(وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) ويأمر رب العزة رسوله الكريم بالاحتكام لله جل وعلا وحده فى كتابه وحده الذى أنزله مفصلا وكافيا :( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ويقول عن القرآن وتمامه وعدم حاجته لمصدر آخر معه : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )، وحتى لا يحتج بعضهم بأنّ الأكثرية من الغوغاء والحكام وعلماءهم والأغلبية البكماء الصامتة ضد الحق القرآن يأتى الرد من الله جل وعلا مسبقا يصف هذه الأغلبية بأنها قادرة على إضلال النبى نفسه لو أطاعها، فهى لا تتبع سوى الظن والافتراء والكذب:(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) ( الانعام 109 : 116 )

ملاحظة : ألا تنطبق الآيات الكريمة على أئمة السوء فى الأديان الأرضية أصحاب الأحاديث والسنن والتشريعات البشرية التى نسبوها ظلما وعدونا لله جل وعلا ورسوله ؟

4 ـ وانتقل خاتم المرسلين الى المدينة واستراح من جدل قريش وأحاديثها اللهو واللغو ، وطلبها عنادا آية حسية بديلا عن القرآن الكريم . ولكن وجد فى المدينة كفار أهل الكتاب يكررون مقالة قريش بطلب آية حسية . وكالعادة، أوضح رب العزّة استحالة أن يؤمنوا مهما جاءتهم آيات ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ بِكُلّ آيَةٍ مّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنّكَ إِذَاً لّمِنَ الظّالِمِينَ﴾ (البقرة 145). فالواقع أنهم رفضوا القرآن حسداً وهو نفس الموقف الذى وقفه مشركو مكة.

لذا يقول تعالى عن بعض أهل الكتاب والمشركين ﴿مّا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْكُمْ مّنْ خَيْرٍ مّن رّبّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (البقرة 105). ثم تقول الآية التالية ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة 106). أى ما نثبته وما نكتب من آية أو معجزة- أو ننسها والمقصود انتهاء ونسيان زمنها لأنها معجزة حسية وقتية تنتهى بانتهاء زمانها- فيأت الله بخير منها أو مثلها، لأن الله على كل شىء قدير. فالله هو الذى أنزل الآيات المختلفة على الأنبياء السابقين، يثبت اللاحقة ويجعلها تنسى الناس السابقة، واللاحقة إن لم تكن مثل السابقة فهى خير منها. ويبدو أن بعض المؤمنين طلب من النبى فى المدينة أن يأتى بآية حسية كما كان يحدث لموسى وواضح أن ذلك بتأثير يهود المدينة لذا قال تعالى فى نفس الموضع ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىَ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلّ سَوَآءَ السّبِيلِ﴾ (البقرة 108). ثم توضح الآية التالية أثر بعض يهود المدينة فى ذلك ﴿وَدّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتّىَ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة 109). وهذا هو النسق القرآنى لقوله تعالى ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا﴾. إذن فالمقصود بكلمة آية فى قوله تعالى ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا﴾ هى المعجزة التى ينزلها الله على الأنبياء. وقد كانت آية محمد عليه السلام خير بديل للناس، وفى ذلك يقول الله تعالى ﴿وَإِذَا بَدّلْنَآ آيَةً مّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ قَالُوَاْ إِنّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (النحل 101). فالله تعالى أبدلهم بالآيات الحسية آية عقلية هى القرآن ولكنهم اتهموا محمداً بالافتراء، لذا تقول الآية التالية توضح لنا المقصود ﴿قُلْ نَزّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رّبّكَ بِالْحَقّ لِيُثَبّتَ الّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىَ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل 102). فالقرآن هو آية النبى محمد عليه السلام نزل به جبريل ليثبت الذين آمنوا.. وكل فقرة من القرآن هى آية فى حد ذاتها. فإذا كان أحد الأنبياء قد آتاه الله آية حسية أو آيتين فإن الله تعالى أعطى خاتم النبيين آلاف الآيات وهى مجمل الآيات فى القرآن الكريم. والمهم أن كلمة ننسخ فى آية ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ هو بمعنى الإثبات والكتابة وليس الحذف. وأن الآية المقصودة هنا هى المعجزة التى يأتى بها كل نبى، وقد كانت معجزة النبى خير الآيات، ولأن الحديث هنا عن معجزات يتلو بعضها بعضاً فى تاريخ الأنبياء كان تذييل الآية بتقرير قدرة الله على كل شىء ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. كما كان بدء القصة بموقف أهل الكتاب والمشركين من معجزة القرآن وحسدهم لها..ولنقرا ألايات كلها فى سياقها الخاص من سورة البقرة : (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)

ملاحظة :هذا هو السياق القرآنى لكلمة ومعنى النسخ فى تلك الآية الكريمة من سورة البقرة. وكما نعرف فقد قام أئمة السّوء فى الدين السّنى بإلغاء تشريعات القرآن بزعم ( النسخ ) مع إن النسخ فى مصطلحات القرآن بل وفى اللغة العربية يعنى العكس تماما ؛ يعنى الكتابة والاثبات وليس الحذف والالغاء.

سادسا : لوم النبى بسبب حزنه على عدم وجود آية حسية معه

1 ـ تكرر رفض الله سبحانه وتعالى إنزال آية حسية : ﴿وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ (الرعد 27).. ﴿وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ إِنّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ (الرعد 7).﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يُنَزّلٍ آيَةً وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الأنعام 37).

2 ـ وكان النبى يحزن لإصرار قومه على إنزال آية حسية وتأكيد القرآن على أنه لن تنزل آية حسية اكتفاء بالقرآن وآياته ، فنزل الوحى يخفف عنه بألا يحزن، فما هو إلا نذير والله هو الوكيل على كل شىء ﴿فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىَ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ (هود 12).

3 ـ وفى تفصيل آخر يقول جل وعلا يخاطبه :﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنّهُ لَيَحْزُنُكَ الّذِي يَقُولُونَ فَإِنّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ وَلَـَكِنّ الظّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾ (الأنعام 33). فالمشركون يصدقون نبوته ولكنهم يجحدونها، وما طلبوا آية إلا على سبيل العناد، ثم يخبر القرآن النبى بأن الرسل السابقين صبروا على الإيذاء حتى نصرهم الله وأنه لا تبديل لكلمات الله فلا آية حسية ستأتى وسينصره الله: ﴿وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىَ مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتّىَ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الأنعام 34). ثم تقول الآية التالية للنبى أنه إذا عظم عليه إعراضهم وتصميمهم على آية حسية فعليه أن يتصرف بنفسه؛يصعد للسماء أو يهبط للأرض ليأتيهم بآية من عنده:﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ أَوْ سُلّماً فِي السّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ) ثم يأتيه لوم وتحذير:( وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىَ فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ (الأنعام: 35 ).

ملاحظات (1): كل ما سبق دليل على انه ليس لخاتم المرسلين أى آية حسية (أو معجزة حسية ). ولكن أئمة السوء حين كتبوا السيرة والسّنة زيفوا أحاديث عن معجزات حسية مضحكة . ثم جاء من يقدّس القبور فأضافوا لأوليائهم معجزات حسية أسموها كرامات وبالغوا فيها فى العصرين المملوكى والعثمانى ..وكل ذلك تكذيب للقرآن الكريم .

(2 ) قوله جل وعلا لخاتم المرسلين (﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ أَوْ سُلّماً فِي السّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) فهو جل وعلا يؤنبه بأن يصعد الى السماء ليأتيهم بآية لو استطاع.وهذا  ينفى اسطورة المعراج .

(3 ) قوله جل وعلا (وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ )، تؤكد أنه لا وجود للنسخ بمعنى حذف وإلغاء الأحكام القرآنية .

أخيرا

1 ـ الوهابيون والسلفيون والاخوان المسلمون يؤمنون بأكاذيب الأحاديث والنسخ بمعنى إلغاء تشريعات الله فى القرآن الكريم . هم يكذبون على الله جل وعلا ويكذّبون بآياته ويرفضون كتابه مع استخدامهم الاسلام  ليمتطوا ظهور المسلمين .بهم أصبح الاسلام موصوما بالارهاب والتزمت والتخلف والتطرف والتعصب .

2 ـ ألا يوجد بين مئات الملايين من المسلمين من يقف معنا يجاهد دفاعا عن الاسلام ضد أولئك البغاة الطغاة ؟

اجمالي القراءات 17275