التدين المغلوط
نحن المسلمين في زمن القصعة

نبيل هلال في الثلاثاء ١٤ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

لقد تم فك الارتباط بين الإسلام والسلوك، وتم اختصار الدين إلى العبادات فقط، وتم اختصار العبادات إلى أداء الشعائر والانشغال بها دون غيرها انشغالا أجوف غير فاعل لا يحض على فضيلة حقيقية، أو يؤدى إلى انضباط السلوك. فنرى المسلم يحرص على أداء الصلاة فى موعدها، وهذا حسن، غير أنه يغش فى تجارته ويطفف فى الميزان. تراه يصوم ويستنكر إفطار المفطرين ، وهذا حسن، ولكنه يرتشي، بل يهرب بأموال البنوك بالمليارات إلى خارج البلاد. تراه يحج البيت كل سنة، ولكنه يستولي على أراضى الدولة  بوضع اليد... سلوكيات تبعد كثيرا عن جوهر الفضائل التى يحضنا عليها إسلامنا.  ولما كانت غاية الأديان هي ضبط سلوكيات الناس، لذا فإن وقوع هذه السلوكيات خارج دائرة الأخلاق ومخالفتها للمعايير والضوابط يبطل تأثير الدين ويعطل مهمته. ونظرة واحدة إلى سلوكيات أمة الإسلام المنكوبة تكشف بيسر بُعد الشقة بين الإسلام الحنيف وواقعنا المزري. وانحصرت اهتماماتنا الدينية والحياتية فى بعض قضايا لا تمثل جوهر الدين. ووقع خارج دائرة هذه الاهتمامات العدل والمساواة، والشورى ، وسيادة القانون ، والقضاء على الفقر والجهل والمرض، والتعليم والبحث العلمي . وانشغل وعاظنا بالنقاب واللحى فى زمن تتكالب علينا فيه الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها  . وفى زمن الانسحاق والانكفاء والهزيمة، عمد المستضعفون إلى التفسير الغيبي للأحداث والقول بأن النصر لا يأتى إلا بالدعاء وحسن التدين. وذلك محض تبسيط مخل وضرب من الدروشة الجديدة، فأعداؤنا ليسوا بمسلمين، ومع ذلك هزمونا ويواصلون هزيمتنا. ولو كان الدعاء وحده هو طريق النصر وأداته، أفعدم المسلمون رجلا صالحا واحدا يدعو لهم بالنصر إبان هزائمهم التي دامت مدة قرون؟ ولو صح ذلك ما كان الله تعالى ليقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، ولو كان الأمر بحسن التعبد وحده دون الأخذ بالأسباب، لكان أولى بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يكتفي بالدعاء وهو المجاب الدعوة . ولكنه لم يفعل، بل أخذ بأسباب القوة ولجأ في الحرب إلى الحيلة والخديعة واستخدم السلاح، وأحكم الخطط ، وبث العيون، ثم بعد ذلك دعا الله بعد أن كان قد استفرغ جهده واصطنع الوسائل. وما يقوله وعاظ السلاطين هراء وقلبا للحقائق وصرفا للعقول عن اكتشاف أن تردى الأحوال ليس قضاءً من الله وقدرا مقدوراً، وإنما سببه هو التقاعس عن الأخذ بأسباب القوة، وليس بسبب تقصيرنا في أداء العبادات، وبذا تنسحب أسباب الفشل والهزائم إلى دائرة تقصير الناس في التعبد، أي ليس بسبب الحاكم الذي قصر في الإعداد للحرب وتجييش الجيوش، ولا بسبب غباوة وقلة دراية قادة الجيوش ، أو لنقص موارد الأمة التي نهبها أولو الأمر والمماليك، إنما المسألة تم اختصارها في قلة عدد من يصلون الفجر. وكان أحدهم قد قال إنه لا صلاح إلا إذا امتلأت مساجدنا بالمصلين صلاة الفجر كما تمتلئ بهم في صلاة الجمعة . وهذه نظرة قاصرة لا يقول بها سوى الدراويش الذين يمضون يومهم فى عد حبات مسابحهم ويمضون ليلتهم يزعقون بتراتيلهم في حلقات الذكر، وقد غفلوا أن الأرض تثمر الزرع لمن يحرثها ويسقيها لا من يصلى عليها فقط. فللقوة آلياتها من أخذ بها أصبح قويا عزيزا، ومن أغفلها وتاه عنها بات ضعيفاً مهيناً ولا شأن للدين بهذا. فالهند دولة قوية مرهوبة الجانب يعمل أعداؤها لها ألف حساب مع أن شعبها من الهندوس والوثنيين، والصين واليابان دولتان متقدمتان وهما على غير الإسلام. لقد أمرنا ديننا الحنيف أن نأخذ بأسباب القوة، ولكننا لم نسمع أو نفعل . هم يصنعون "مدنية" ،وليست حضارة . ولكننا بأسباب العلم والقوة وتحت مظلة إسلامنا الحنيف، يمكن أن نصنع "الحضارة" ، فالحضارة تقوم أيضا على البعد القيمى والأخلاقي، وهم بلا دين يصنعون "مدنية" وأسلحة وقوة ، ولكن بلا قيم أخلاقية تردعهم، مثلا، عن التخلص من فائض القمح في البحر بينما يموت الملايين جوعا في إفريقيا وغيرها. وليس لديهم الأخلاق التى تمنعهم من سحق الأطفال والنساء والشيوخ في بلاد خلق الله التي يطمعون في بترولها وثرواتها، ولم تردعهم "أخلاقهم" عن إبادة الهنود الحمر وشعب استراليا الأصليين، أو تحُول دون خطف واسترقاق ملايين الأفارقة، أو نهب ماس أفريقيا وبهارات الهند..

اجمالي القراءات 10709