برافو لمحاكمة الذهبى ولكن ماذا عن البلاتينى ؟

د. شاكر النابلسي في الإثنين ١٣ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

انشغل الرأي العام الأردني بسجن مدير المخابرات السابق (محمد الذهبي)، وسينشغل أكثر فأكثر غداً عندما يُحاكم الذهبي، ويُحكم عليه بالسجن المؤبد "المُنعَّم"، ولكن سيتم عليه العطف الملكي "السامي" بعد وقت قصير، كما هي العادة في الأردن، وغير الأردن من البلدان العربية التي تحكمها الملكية القروسطية الإلهية المطلقة، ولا يحكمها القانون.

 

نحن في العقد الثاني من القرن 21!
ولكن الرأي العام الأردني لم يعد طفلاً كما كان في الخمسينيات من القرن الماضي، أو في السنوات التي بعدها. فقد ظهرت أجيال اليوم تقرأ وتفهم وتتواصل عبر الانترنت، وما ثورة الشباب في أنحاء مختلفة من العالم العربي إلا الدليل على ذلك.
فالرأي العام الأردني الآن، ليس مجموعة من الأطفال التي يمكن إلهاؤهم بحبة (ملبَّس) أو قطعة من (الشيكولاتة) أو قطعة (الكعكبان) التي يمثلها اليوم "الذهبي".
والرأي العام الأردني الذكي و(الناصح)، يدرك أن ما يمكن أن يكون الذهبي قد سرقه، واختلسه، وغسل من أموال كان في العهد الملكي القائم الآن. وكان العهد "السامي" يعلم به، ويباركه، وربما شجعه لو اعترف به الذهبي في محكمة دولية، وليست أردنية أو عربية. وإن لم يكن العهد يعلم به فالمصيبة أعظم.
والرأي العام الأردني الذكي و(الناصح)، يعلم أنه لولا "الربيع العربي" وتداعياته الثورية الآن، وما يجرى في الجارة الكبرى والقوية (سوريا) من ثورة عارمة، ضد حكم كان أقوى من الملكية الهاشمية وأشد رسوخاً منها، لما تمَّ جرّ الذهبي إلى المحكمة، ولكانت قصوره ودنانيره حلالاً زلالاً عليه، كما هي حلال زلال على طغمة حاكمة في الأردن، وعلى رأسها "البلاتيني"، الذي استولى على المليار دولار المُحوّل من دول الخليج، وسجلَّ باسمه أكثر من 4000 دونماً من أراضي الدولة منذ 2005 (أثناء حكومة عدنان بدران) إلى الآن، دون أن يعلن عنها إلا البارحة، بعد أن فاحت فضيحتها الكريهة، وزكمت الأنوف.
والرأي العام الأردني الشاطر والفصيح، يعلم تمام العلم، بأن "الذهبي، وقبله "المعاني" (أمين أمانة عمان الكبرى) ما هما إلا من كباش فداءٍ "إسماعيل" القابع في (الحُمَّر) الآن.
والرأي العام الأردني، يعلم أن محاكمة الذهبي وسجنه، وربما الحكم عليه غداً بالسجن المؤبد المُنعَّم، وكذلك الأمين (المعاني)، ما هي إلا لإلهاء الثورة ضد الفساد العام، والفقر العام، ونسبة البطالة المتزايدة، ومصاريف العائلة المالكة الباهظة في بلد فقير، و(مزسّخم) كالأردن.

محاسبة السواطير قبل النواطير
لقد سبق وقلنا في مقالنا (ضرورة محاسبة السواطير قبل النواطير) (17/12/2011) :
أن المحاسبة، يجب أن لا تتم لعمر المعاني (أمين مدينة عمان السابق) فقط. ولا يجب أن تتم لأي مسئول أردني، بقدر ما يجب أن تتم أولاً للملك، رأس النظام، وللأمراء من العائلة المالكة، وللأشراف، ولعائلة الملكة رانيا، وعلى رأسهم شقيقها مجدي الياسين، الذي اعترف مؤخراً، بأنه لا يملك غير شقة في عمان مساحتها 180 متراً فقط وحوالي 34 دونماً. وذلك استهزاءً بالشعب الأردني، وبالرأي العام الأردني، وكأن هذا الشعب مجموعة أطفال في مدرسة الروضة، والياسين يُلقي عليهم بعض النكات، والنوادر المضحكة!
فيجب أولاً، محاكمة هؤلاء جميعاً، وفي محكمة دولية، وليست أردنية، تحقيقاً للعدالة والشفافية.
فالقضاء في الأردن مُباع للديوان الملكي.
والقضاة في الأردن خدم في القصر الملكي، والقصر هو من عيَّنهم، وعيونه عليهم.
والعدالة في الأردن، هي ما يقوله القصر الملكي.
وقلنا كذلك في المقال نفسه:
"لقد أسعدني نبأ شك المعارضة قي حملة مكافحة الفساد لمسئولين سابقين، ورجال أعمال نافذين، حيث قالت المعارضة: أنها "ليست كافية".
ولكني حزنتُ لركون المعارضة لما قيل عن جدية "تحويل الفاسدين الى القضاء، دون أي تردد أو محاباة".
فلتسأل المعارضة نفسها:

من هم الفاسدون الحقيقيون؟
هل هم فقط مجموعة من الموظفين، مهما عَلَتْ مراتبهم، أم هم "السواطير" من الأمراء، والأشراف، والحواريين، والأنسباء، وموظفي القصر الملكي؟
لا لكباش الفداء!

 

فلماذا (نَدُقُ) الآن في كباش الفداء؟
لا لكباش الفداء!
وعلينا أن نبدأ بالرؤوس الكبيرة، صاحبة الأمر والنهي، والذين يقولون للشيء كُنْ فيكون!
أما إلهاء الرأي العام، بشعارات مثل (حبات الجوز الفاضي) بأن "لا أحد فوق القانون، ولا حصانة لأحد"، فهذه جريمة أخرى، تُرتكب حين يتم إخفاء "السواطير" السارقين الحقيقيين للدولة، ومحاكمة "النواطير" فقط!
فهل الملك، والعائلة المالكة، والأمراء، والأشراف، وما لفَّ لفهُمُ، هم من "اللا أحد"، وهم بالتالي فوق القانون؟

اشرحوا لنا؟
وإلى متى يبقى الملك، والملائكة، والحواريون، من حوله، وهو كالإله، الذي لا يُحاسب ولا يُعاقب بموجب الدستور، الذي وضعه الملوك الهاشميون السابقون.

 

يكفينا أعراس الدم الماضية
إن الأمل كبير في تنظيم الإخوان المسلمين وقادته وفي تنظيم كافة الأحزاب الليبرالية والوطنية في أن لا يركنوا إلى ما يجرى من ألاعيب السياسة الحمقاء التي جربتها المعارضة الأردني السابقة وحاربتها ووقفت ضدها وكان (الأراجوز) فيها دائماً أحد رؤساء الوزارات السابقين الذي لهط (اللهطة) وهرب، وجاء غيره ، وهلمجرا. وكل هذا في سبيل أن يبقى العرش واقفاً وباقياً.
ولعلنا لا ننسى موقف النظام الأردني من عدوان صدام على شرق السعودية والكويت، وموقفه من تحرير العراق والقبض على صدام، وتأييده ومباركته لأعراس الدم التي كانت تقام للإرهابيين الأردنيين في السلط والزرقاء وغيرها من مدن المملكة، وكانت وصمة عار في جبين كافة الأردنيين العبيد منهم والأحرار.

اجمالي القراءات 8488