أسماء الأشياء
أعضاء جسم الإنسان فى القرآن

أحمد الجَحَاوى في السبت ١١ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

   

     هذه اول مقالة لى فى هذا الملتقى المبارك، أود اولاً أن أتقدم بالشكر للأستاذ الدكتور أحمد منصور لأدبه الجمّ ولأنه أتاح لى هذا الشرف وكذلك الدكتور عثمان، شكر الله تعالى لكل من قام على التعريف بكتاب الله وتدبّره مخلصا له الدين.

وأرجو الله أن اكون من النافعين المنتفعين بعلمه سبحانه.

 

    الجدير بالفهم والمعرفة أن المخلوق سواءاً كان كائناً حياً أو عضو من أعضائه، عندما يحمل إسماً فإنه قد يستمد ذلك الإسم من الصفة التى يعبر عنها هذا المخلوق أو هذا العضو أو الجزء من الجسم، وهذا الإسم يُستعار أو يُؤخذ من معنى حقيقي أشمل وأعم، فنقول مثلاً "الطير" وهذا تعبير عن المخلوق الذى هو من أبرز صفاته أو خصائصه الطيران، وقد إستمد إسمه أو أطلق عليه ذلك الإسم من الصفه التى يحملها أو التى إختصه الله تعالي بها،  وأن هذا الكائن أو هذا العضو فى الجسم لا يستأثر بهذا الإسم أو بهذه الكلمة، بمعنى أنه عندما تُذكر مثلا كلمة "يد"، فيتم مباشراً فى الأذهان إستدعاء معناها أنها اليد التى هى احد مكونات جسم الإنسان، وأن الأصل لهذه الكلمة هو إسم ذلك العضو فى جسم الإنسان الذى يأكل به ويمسك به الأشياء، ثم يحاول المرء أن يُسقط فهمه الشخصى لكلمة يد على كل كلمة "يد" تُذكر امامه على أنها شيئ عضوى مثل الذى بجسم الإنسان.

 

والحقيقة أن العكس هو الصحيح، أن كلمة "يد" هى كلمة لها معناً أشمل وأعم، وهو معنى إعتبارى ذهنى، ثم تم إستعارته أو إستخدامه لإطلاقه كإسم على هذا العضو بجسم الإنسان، وإذا إقتصر مفهوم المرء لكلمة "يد" على أنها المقصود بها المعنى الحسّى لذلك العضو بجسم الإنسان فقد ضل عن مقصده فى فهم حقيقة المعنى المراد. فكلمة "يد" هى كلمة مستقلة بذاتها ليست لها علاقة بذلك العضو بجسم الإنسان ولها معناها الحقيقى ودلالاته الذى أراده لها المولى عز وجل، ثم إستمدت يد الإنسان – ذلك العضو من جسده – إسم يد من هذا الإسم الأصلى والأعلى والأشمل والأعم فى معناه ودلالاته لأنها هى العضو الذى يُعبر عن هذا المعنى من الناحية الحسية أو الفيزيائية. 

 

وبالمثل، فإن هذا المفهوم فى المثال السابق لكلمة "يد" ينطبق على أسماء أخرى من أعضاء جسم الإنسان، فكلمة قلب لا تعنى فى مفهومها المطلق ذلك العضو بجسم الإنسان الذى يضخ الدم ولكنه إستمد إسمه من كلمة "قلب" لأنه يعبر عن أحد - وليس كل - دلالات هذه الكلمة فى معناها الحقيقى الذى إختصه الله تعالى لهذه الكلمة لتعبر عن مقصده سبحانه وذلك فيما يقوم ذلك العضو من دور داخل الجسد فى إطار المفهوم الحسّى أو الفيزيائى فقط.

 

والحقيقة التى يجهلها كثير من الناس أن الكثير من كلمات القرآن ينطبق عليها ما سبق الإشارة إليه من مفهوم لمعانى الكلمات، وليس فقط فيما يتعلق ببعض مكونات جسم الإنسان المذكورة فى القرآن. فمثلا كلمة "بيت" هى كلمة إختصها الله تعالى لتعبر عن مراده فى معنى حقيقى له خصائصه ودلالاته، وعندما تقابل تحقيق جزء من هذا المعنى وخصائصه فى التكوين الحسّى أو المادى للبناء الحجرى الذى يعيش فيه الناس فقد سُمّى بيتاً أو إستمد إسمه من هذه الكلمة، وليس العكس هو الصحيح، أى ليست كلمة بيت هى البناء الحجرى الذى يقيم فيه الأشخاص ثم يتم إسقاط هذا المفهوم الضيق المادى على دلالات آيات الله النصية فى كتابه العزيز فتكون المفاهيم غير مكتملة فى الأذهان أو مغلوطة .

 

وكمثالاً آخر يوضح كيف تنشأ المفاهيم المغلوطة فى الأذهان عندما يقرأ البعض كتاب الله، وكنتاج لإسقاط المفاهيم المغلوطة لمعانى الكلمات على ما يُخبر به النص القرآنى، كلمة "أُمىّ"، فالأمىّ عند أغلب الناس – بل فى قواميس اللغة – تعنى الذى لا يقرأ ولا يكتب – وعندما يسقط البعض هذا المفهوم على دلالات قول الله تعالى فى كتابه، فإن ذلك يعنى أن الله تعالى فى أول كلمة يأمر بها الرسول "إقرأ" ومع ذلك الرسول لا يفعل ما يأمره به الله ويبقى أمياً لا يقرأ ولا يكتب!!، كذلك فلا يعقل أن يبعث الله تعالى فى الأميين (الذين لا يقرؤن ولا يكتبون فقط) رسولاً ليتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب و الحكمة، أما الذين يعلمون القراءة والكتابة ويبحثون عن العلم و المعرفة فلا يستحقون أن يبعث الله فيهم هذا الرسول، فهو لم يرسل إليهم ولكنه أرسل لمن لا يقرأ ولا يكتب فقط!!، ومصداقأ لهذا الهُراء، الحديث النسوب إلى الرسول إفتراءاً وكذباً عليه (ص) "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" – فهؤلاء يدللون على فهمم الخاطئ لكلمة "أمية" أى لا يكتبون ولا يحسبون، وهم يفتخرون ويتباهون بجهلهم، ثم يعودون فيفتخرون ويتباهون بعلمائهم فى علوم الطبيعة الذين يقرؤن ويكتبون!! 

 

وعندما يسقط المرء مفاهيمه الشخصية لمعانى الكلمات التى يعرفها – وإنتبه إيها القارئ والتى قد يختلف الكثير منها عن معناها الحقيقى المراد من المولى عز وجل والذى إختصه لهذه الكلمات لتعبر عن مراد الله تعالى بها، أو قد تتقابل بعض هذه الكلمات فى شيئ من المعنى الحقيقى للكلمة أو فى أحد دلالاتها ولكن ليس بمعناها الأوسع والأعم والاكثر تفصيلا فى ذات الوقت - عندما يقع المرء فى هذا الخطأ – وما أكثرهم أولائك – فإن المعنى فى المجمل لا يستقيم امامه ولا يضع الكلمات فى نصابها الصحيح، ومن ثم يجد نفسه متخبط فى فهمه للآيات ولا يقدر على إستنباط  مراد الله تعالى منها، ثم يذهب فيصوغ الأحكام والمفاهيم المغلوطه والمتعارضة فيما بينها والمتناقضة مع صريح مراد الله تعالى من السياق القرآنى والمتناقضة مع المنطق والحكمة، ثم - ويالها من كارثة – يزعم ويُصرّ أن الله تعالى قد أمر بها فيَضل ويُضل الناس بغير علم ويقول على الله الكذب وهو لايعلم. وهو بذلك لا يتبع القرآن وقد أُمر بإتباعه كما قال تعالى:

 

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170] 

{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام : 50]

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الشورى : 7]

{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة : 18]

 

وقد يتبع أحدهم هواه – وكذلك ما اكثرهم – فيأتى بآية نصية من كتاب الله تعالى ليضعها فى غير محلها ولا معناها وذلك فى خلاف له مع غيره ليصبغ نفسه بصبغة الحق ويكسب نفسه الشرعية والتأييد من الله فى النيل من الآخر ويرميه بالباطل ويحكم عليه بما ليس فيه، وقد يتبعه الآخرون فيما يذهب إليه، وقد يرد عليه الآخر بآية نصية أخرى من كتاب الله ليسوقها ويستشهد بها فى غير محلها ويتبعه آخرون، وتقوم فتنة، ويصدقهم الناس وهم يفترون على الله الكذب بغير علم، وهم بذلك يظهرون أن كتاب الله تعالى به تناقد وهو شاهد عليهم يوم القيامة. ومن يرمى الناس بغير إكتسبوا فهو ردٌ عليه إلا من تاب وآمن، وما أكثر ذلك الأمر نراه بين

الناس.

        

ومن أعضاء جسم الإنسان الحسّية التى وردت فى كتاب الله تعالى ما يلى:

 

العينين واللسان والشفتين:

 

 اللسان– أغلب كلمة اللسان فى القرآن لا تعنى اللسان العضوى داخل الفم، ولكنها تعنى اللغة التى يتكلم بها أبناء كل

 قوم على حدا، عدا ما أتى فى الآية الكريمة "ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين" فهى تشير إلى الشق المادى  والإعتبارى أيضاً أى ما ورائه وهو البصر والشهادة والنطق لينطق بالحق– واللسان والشفتين تشير

           هنا إلى الوسيلة أو الأداة التى خلقها الله تعالى للإنسان لكى يتكلم بها، أى أنه سبحانه وتعالى مكّنه من النطق

           فقال ما شاء.

 

          {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ(9)} [البلد ]

                

الأذن: {{وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف : 179]

          {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة : 12]

 

الجلد: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت21]

          {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج : 20]

          ولم يذكر الله تعالى جلودهم فى الدنيا، والجلد فى الآخرة ليس كالجلد فى الدنيا، لقول الله تعالى:

          {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت : 20]، ولم يقُل عز

          وجل شهدت عليهم آذانهم وأعينهم وجلودهم، ولكن ما وراء الأذن والعين فى معناه المجمل والحقيقى وهو السمع

          والبصر، ولذلك فإن الجلود هى ليست كجلود الدنيا، والجلد فى الدنيا لا يُصهر بفعل الحرارة فينصهر. 

 

الجبين:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات : 103]

 

الوجه واليد والمرفق والرأس والأرجل والكعبين:

         {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } [يوسف : 31]

         {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } [المائدة : 6]

 

العظم واللحم:

         {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون : 14]

 

الأمعاء:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد : 15] – ولكنها الامعاء فى الآخرة، وليست كالامعاء فى الدنيا.

 

الخد   :{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ٍ} [لقمان : 18]

 

الدماء: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} [البقرة : 84]

 

البطن: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران : 35]

 

الظهر: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق : 10] – هى الآية الوحيدة القريبة فى المعنى من ظهر الإنسان

          الحسّى، ولكن الألفاظ المتعلقة بالآخرة ليست كما فى الدنيا، وهى إعتبارية فى معناها قبل أن تكون حسّية، ولكونها

          أمور متعلقة بالغيبيات.

         

          وإرجع على سبيل المثال لكلمة "ضعفاء" فى المصحف الخطّى المطبوع، تجدها ذٌكرت فى القرآن أربع مرات منها

          إثنان لهما علاقة بحال أهل الدنيا، وإثنان لهما علاقة بحال أهل الآخرة، فتجد المتعلقة بحال أهل الدنيا لها طريقة فى

          كتابتها تختلف عن نظيرتها المتعلقة بحال أهل الآخرة، ومن دلالات ذلك أن الضعف فى الدنيا ليس كالضعف فى

          الآخرة. وكذلك، فإن أمور الآخرة ليست كمثيلتها فى الدنيا إلا ما أشار الله تعالى له فى كتابه الذى هو تبيان

          لكل شيئ.  

 

         {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل : 89]

اجمالي القراءات 61019