فى عصرالسلطان المملوكى الأشرف قايتباى : 872 ـ902
صفحات من تطبيق الشريعة

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


مقدمة
1 ـ شريعة الاسلام الحقيقية هى الشريعة القرآنية التى طبقها خاتم النبيين عليه وعليهم السلام. هذه الشريعة الاسلامية الحقيقية تخالف ما ساد فى العصر الأموى وما تلاه من عصور ساد فيها الظلم والاستبداد باسم الاسلام.
هذه الشريعة الاسلامية القرآنية يمكن فهمها اذا توجهنا للقرآن الكريم وحده طالبين من الله تعالى الهداية وتدبرنا آياته وقرأناه وفق مصطلحاته قراءة موضوعية، وهذا ما فعلناه ونفعله فى مؤلفاتنا.
هذه الشريعة القرآنية يمكن تطبيقها الآن ـ خصوصا ـ لأن العصر الراهن هو عصر الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المواطنة ، وهى نفس القواعد الأساسية للشريعة الاسلامية الحقيقية. حقيقة الأمر أن النظم العلمانية الديمقراطية فى الغرب ـ خصوصا فى الشمال الأوربى : سويسرا واسكندنافيا ـ هى أقرب النظم الى الشريعة الاسلامية الحقة ، بينما تقع النظم الاستبدادية الشرقية ـ القائمة على الظلم والقهر ـ فى تناقض هائل مع الشريعة الاسلامية. وهى فى حاجة ماسة لاصلاحها ـ سلميا وتدريجيا ـ من داخل الاسلام ..
وهذا أيضا ما تثبته كتاباتنا.
2 ـ الاخوان المسلمون ضد هذا الاصلاح ،وهم مع التطبيق الفورى للشريعة المتوارثة بالقفز الى السلطة بكل الوسائل . انهم يتحدثون عن تطبيق الشريعة دون تحديد ماهية الشريعة المراد تطبيقها؛ يرفضون اجتهادنا فى توضيح الشريعة القرآنية ، وهم فى نفس الوقت عاجزون عن الاجتهاد فى تقديم اجتهاد فكرى يلائم العصر ويثبت صلاحية الاسلام وشرعه لكل زمان ومكان. وحتى لو اجتهدوا فى تقديم فكرة جديدة ـ كما فعل الترابى مؤخرا ـ لانهالت عليهم اتهامات السلفيين الماضويين بانكار السّنة وانكار ما هو معلوم لديهم بالضرورة ، أو ما يسمونه بالثوابت أو ما وجدوا عليه آباءهم.
يقولون بتطبيق الشريعة على اطلاقها بالتعميم ، وقد جعلوها شعارا سياسيا مبهما مطلقا بدون تحديد مثل شعار ( الاسلام هو الحل) فاذا طالبتهم بالتحديد والتوصيف وترجمة الشعار الى خطة سياسية وبرنامج عمل ودراسات جدوى بالأرقام والبيانات والمشاريع العملية القابلة للمناقشة والأخذ والرد والاعتراض والتغيير والتبديل والاحلال والتجديد ـ بادروك بالتكفير واهدار الدم كما فعلوا مع صديقى الراحل الدكتور فرج فودة.
بعضهم يخرج من المأزق قائلين ان الشريعة كانت مطبقة طيلة العصور السابقة ، وهم يريدون بتطبيق الشريعة العودة بنا للتطبيق القديم .
3 ـ حسنا فلنقدم لهم هذه الصفحات من تطبيق الشريعة فى حياة السلطان قايتباى الذى اشتهر بالورع والتدين وأنه كان أتقى وأفضل سلطان مملوكى حكم مصر. وما ننقله يأتى من مؤرخ عاصر السلطان قايتباى وكتب تاريخ عصره باليوم والشهر ، وكان يعمل قاضيا ، أى كان متفاعلا مع الحياة اليومية والناس مع قربه من السلطة المملوكية وعمله فى خدمتها. انه المؤرخ القاضى ابن الصيرفى فى كتابه ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) والكتاب حققه الدكتور حسن حبشى، وهو منشور ومتداول.
ولنفهم الموضوع دعنا نبدا بلمحة تاريخية سريعة للتوضيح ..
لمحة تاريخية:
فتح عمرو بن العاص مصر فصارت ولاية اسلامية خاضعة للولاية الراشدة ثم للخلافة الاموية ثم للخلافة العباسية في عصرها الاول .
واتيح لمصر ان تكون ولاية تتمتع بالاستقلال الذاتي في اطار الخلافة العباسية وذلك في عصر الدولتين الطولونية (254-292هـ) و الاخشيدية (323-358ه).
ثم اصبحت مصر مقرا للخلافة الشيعية تناوئ بغداد مركز الخلافة السنية بل وتحاول نشر الفكر الشيعي و النفوذ الفاطمي (358-567هـ).
ثم استولي صلاح الدين علي مصر وارجعها للخلافة العباسية و أسس الدولة الأيوبية التي اضطلعت في عصره بالجهاد ضد الصليبيين ،الا ان خلفاءه تقاعسوا في الجهاد وتنافسوا فيما بينهم مما اضعف شأنهم وجعل لمماليكهم سطوة علي حسابهم .وبازدياد ضعف السلاطين الأيوبيين في مصر والشام تمكن مماليكهم في مصر من إقصائهم عن الحكم وتأسيس الدولة المملوكية التي ورثت عرش الأيوبيين والعباسيين وغيرهم من (648-921هـ).
وكان السلطان قايتباي (872 –902)هـ من ابرز السلاطين المماليك خصوصا في عصرهم الأخير .
المصريون وظلم الحكام :
والثابت تاريخيا ان المسلمين رحبوا بالفتح الإسلامي علي امل ان يخلصهم من ظلم الروم البيزنطيين خصوصا وقد كان هناك نزاع ديني بين الأقباط المصريين والمذهب الرسمي للمسيحية البيزنطية .
وظل الأقباط بعيدين عن المنازعات السياسية العربية التي أسفرت في النهاية عن قيام الدولة الأموية .
وقد اشتهر الأمويون بالتعصب والقهر والظلم ضد غير العرب فأصابوا الأقباط بالنكال .
وقد عدد المقريزى الشدائد التي أنزلها الامويون بالاقباط ،ففي ولاية عبد العزيز ابن مروان صادر البطريرك مرتين وفرض الجزية علي الرهبان ،ثم تولي بعده عبد الملك بن مروان ولاية مصر فاشتد علي النصارى واقتدى به فيما بعد الوالي قرة بن شريك الذي انزل بالنصارى شدائد لم يبتلوا بها من قبل وزاد عليهم الخراج فثار الأقباط بالحوض الشرقي ( شرق الدلتا )فهزمهم الأمويون وقتلوا منهم الكثيرين .
ثم اشتد عليهم الوالي أسامة بن زيد التنوخي و أوقع بهم واخذ اموالهم و وشم ايدي الرهبان –-أي رسم عليها علامة –ومن وجده منهم بغير وشم امر بقطع يده وضرب أعناق بعض الرهبان وعذب آخرين حتى ماتوا .
وتبعه في طريقة الوشم الوالي حنظلة بن صفوان الذي عمم الوشم علي كل الاقباط ومن وجده بغير وشم قطع يده .
وثار الاقباط فيما بين 121:132هـ في الصعيد وسمنود ورشيد واخمد الامويين ثوراتهم بقسوة. وحين قدم مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية هاربا الي مصر من العباسيين بعد هزيمته فى موقعة الزاب لم يحاول استمالة الأقباط بل اشتد في الإيقاع بهم الي ان قتله العباسيون في ابو صير سنة 132.
ونتابع المقريزي وهو يروى ثورات الأقباط في العصر العباسي وإخمادها بالعنف ،وكانت آخر ثوراتهم في عهد الخليفة المأمون وقد أوقع بهم قائده الافشين ،وانتهت بذلك ثوراتهم المسلحة .
يقول المقريزي (فرجعوا عن المحاربة الي المكيدة واستعمال المكر والحيلة ..)
اذن كان الظلم احد الرموز الاساسية في سياسة الحكم في العصور الوسطى يسري ذلك علي الاستبداد الرومانى او العربي ـ عدا لمحات سريعة من العدل ـ فان الشعب المظلوم اذا عجز عن المقاومة الايجابية ركن الي المقاومة السلبية والي استعمال المكر والحيلة على حد قول المقريزى .
وكان اعتناق الأقباط الإسلام من اساليب النجاة من الظلم ودفع الجزية الباهظة .وقد فطن الأمويين لذلك فالزموهم بدفع الجزية حتي لو اسلموا ، وقد انكر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ذلك علي والي مصر وكتب اليه ( ان الله بعث محمد هاديا ولم يبعثه جابيا )وتم رفع الجزية عمن اسلم من الأقباط .الا ان الحال عاد الي اسوأ مما كان عليه بعد موت عمر بن عبد العزيز .
لقد كانت المجتمعات في العصور الوسطى تخضع لمنطق الدين الذي يفسره الحاكم علي هواه ومن خلاله يمارس الظلم ويجد من يبرر له افعاله . وعدا فترات قليلة تمتع فيها المصريون بالعدل فان السمة العامة هي استمرار الظلم مع التمسك الشكلي بالدين .
كان اعتناق المصريين للاسلام ظاهرة فردية يقوم بها الفقراء للتخلص من دفع الجزية أو يقوم بها الكتبة الاقباط في الدواوين كي تنفتح لأحدهم أبواب الترقي في المناصب . وبعد اعلان اسلامه يتمتع بالمناصب والنفوذ وحينئذ يتم له تصفية حساباته القديمة من المسلمين الذين يقعون فى دائرة نفوذه ، أو علي حد قول المقريزي (..فصار الذليل منهم باظهار الاسلام عزيزا يبدي من اذلال المسلمين والتسلط عليهم بالظلم ما كان يمنعه نصارنيته من إظهاره .)
دخول المصريين التدين الاسلامى افواجا منذ العصر الفاطمي :
ثم بدأ المصريين في التدين بالاسلام افواجا في العصر الفاطمي . لم يدخلوه فى عصر النبى محمد حيث كان التدين العملى وقتها أروع ما يكون. ولكن تعلموا الاسلام وفق التطبيق الشيعى أو التدين الشيعى المخالف للتدين السنى أو التطبيق السنى للاسلام.حدث هذا منذ منتصف القرن الرابع الهجرى ، حيث كان الآزهر الشيعى بوابة الدخول فى التدين الشيعى .
كان الفاطميين الشيعة اصحاب مذهب يحظى بإنكار العرب المسلمين في مصر في ذلك الوقت ولم يكن العرب المسلمون في مصر الا أقلية ، وكانت الأغلبية من المصريين الأقباط . وقد فطن الفاطميون الي العداء المستحكم بين العرب المسلمبن والاقباط . وكان من المنتظر ان يستميل الفاطميين اليهم هذه الأغلبية الصامتة المظلومة فهم الأكثرية وهم اهل البلاد وهم اكثر الناس تشوقا لرفع الظلم عنهم .
وعمل الفاطميون علي نشر الاسلام بين المصريين بالطريقة الشيعية بطبيعة الحال .ولم يجد المصريون وقتها فارقا اساسيا بين العقيدة الشيعية وبين ما توارثوه من عقائهم القديمة حيث يضاف التقديس الي البشر من الائمة أو الاولياء او رجال الدين . وفتحت الدولة الفاطمية ابواب المناصب امام المصريين خصوصا اذا اعتنق أحدهم الاسلام والدعوة الشيعية ، فأصبح اليهودي المصري يعقوب بن كلّسِ الرجل الثاني في الدولة الفاطمية بعد الخليفة الفاطمى نفسه ، وكان حكيم الدعوة الشيعية والذي قام بعبء نشرها في داخل مصر وخارجها .
وجذب الفاطميون المصريين لهم عن طريق الاحتفال بالأعياد الشيعية الإسلامية بل واحتفلوا بالاعياد القبطية والفرعونية ، وتحت عنوان (ذكر الايام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها اعيادا ومواسم تتسع بها احوال الرعية وتكثر معهم )تحدث المقريزي بالتفصيل عن احتفال الفاطميين ومعهم عوام الشعب المصري وخاصته بمواسم واعياد رأس السنة ويوم عاشوراء وعيد النصر وليالي الوقود وشهر رمضان وعيد الفطر وعيد النحر وعيد الغدير وفتح الخليج والنوروز وميلاد (المسيح)والغطاس وخميس العهد وطقوس صلاة الجمعة .
ولازلنا ـ نحن المصريين المسلمين ـ نحتفظ ببعض الطقوس الدينية في تلك الاعياد مثل شم النسيم والسحور والاطعمة ذات المناسبات الدينية مثل الكنافة والقطايف وعروس المولد . ونشر الفاطميون لعن عمر بن الخطاب وكراهيته حتى أصبح اسمه يذكر فى صيغة السب أو " الردح " فى الأحياء الشعبية ، وهو ما زال ساريا فى وصلات الردح الشعبية النسائية الى وقت قريب حين تصرخ احداهن تسب الأخرى قائلة بلهجة خاصة تجمع بين التحقير والتحدى : "نعم نعم يا عمر .."..
الا ان اهم ما توارثناه من العصر الفاطمي خصوصا هو تقديس الأضرحة خصوصا ما انتسب منها الي آل البيت مثل السيدة نفيسة الذي اقامة الخليفة المستنصر سنة 482هـ.وكانت السيدة نفيسة كانت قد توفيت سنة 208هـ .وتم دفنها في قبر عادي فلما جاءت الخلافة الفاطمية اقامت علي قبرها قبة وضريحا واحاطته بالدعاية والاساطير حتى صار احد المواضع المعرفة عند المصريين باستجابة الدعاء علي حد قول المقريزي .
وقد دخلت الدولة الفاطمية في دور الضعف ووقع علي وزيرها ( الافضل ) عبء تقويتها امام الخطر الصليبي فى الشام والخطر السني السلجوقي فى العراق .وكان من وسائله اقامة ضريح الحسين فى القاهرة ليستميل اليه المصريين بعد ان انفضوا عن الدعوة الشيعية .وخطط لذلك بمهارة ، وعليه اثناء عودته من عسقلان أعلن الأفضل انه عثر علي رأس الحسين وتبع ذلك اساطير وتجهيزات لنقل الرأس ـ المقدس ـ الى القاهرة، وترتيبات أخرى لبناء المشهد الحسينى ومواكب لافتتاحه ، وبذلك انشأ ضريح الحسين بعد بناء القاهرة بنحو مائتين وخمسين سنة .وكان الافضل يخطط لتقوية الدعوة الشيعية من خلال اقامته لضريح الحسين ،ولكن سرعان ما انتهت الدعوة الشيعية والدولة الفاطمية بعد انشاء ضريح الحسين . ولكن استمر تقديس ضريح الحسين حتى الآن بعد ان دخلت الدولة الفاطمية متحف التاريخ . استمر تقديس مشهد الحسين فى قلوب أغلب المصريين ـ بدون خلفيات سياسية فاطمية لأنه يعبر عن عقيدة فرعونية اصيلة عادت تحت اسماء عربية ورموز جعلوها اسلامية. وبذلك لم يعد الفارق كبيرا بين الدين الفرعونى المتوارث داخل قلوب المصريين طيلة الآف السنين ـ والاسلام ، بعد أن اصبح التدين بالأسلام يعنى تقديس الأضرحة وعبادة الألهة الموتى.
وانهى صلاح الدين الايوبي الخلافة الفاطمية وحاربت الدولة الأيوبية الدعوة الشيعية بتنمية التصوف السني واقامة الخوانق وبيوت الصوفية والأضرحة لهم. وورثت الدولة المملوكية الاهتمام بالتصوف وأوليائه ،وحل التصوف بأوليائه وأضرحته محل التشيع كطريقة تدين عرفها اجدادنا المصريين حين اعتنقوا الاسلام ظاهريا منذ العصر الفاطمي فالأيوبي والمملوكي ..ومع زحف هذا التدين المنسوب رسميا وظاهريا الى الإسلام زحفت اللغة العربية وتوارت أمامها اللغة المصرية القديمة الي اقصى جنوب الوادي .

استمرار ظلم الحكام بعد انتشار الاسلام :
اصبح المسلمون المصريون اغلبية تدين بدين الحاكم، وكان ذلك هو الاسلام من حيث الشكل والرسميات، ولكنه فى حقيقة الأمر عودة للعقائد القديمة الأصيلة تحت اسماء وشعارات اسلامية ـ هذا من ناحية المحكومين ـ أما من ناحية الحاكم فهو استغلال للاسلام فى اخضاع الناس وظلمهم . ولذا لم ينقطع ظلم الحكام ،لأن ظلم الحكام في العصور الوسطى كان شريعة سيئة لا تتوقف علي نوعية التدين الذي يدعي الحاكم التمسك به .
وكان الظلم ابرز مظهر للحياة الدينية في العصر المملوكي بالذات.والمماليك كانوا خدماوعبيدا للايوبيين ولكن تمكنوا من الوصول الي الحكم .وكي يعززوا موقعهم الجديد فقد استطالوا علي الشعب المسكين قتلا واضطهدا ..يقول المقريزي في حوادث 648التي شهدت قيام الدولة المملوكية البحرية (وفيها كثر ضرر المماليك البحرية بمصر ،ومالوا علي الناس وقتلوا ونهبوا الاموال و سبوا الحريم وبالغوا في الفساد حتي لو ملك الفرنج ما فعلوا م فعلهم ..).أي انه لوحكم الصليبيين مصر فانهم –في رأي المقريزي –لن يظلموا المصريين بالقدر الذي فعله بهم المماليك المسلمون .!!
ويقول المقريزي في ترجمة السلطان ايبك اول سلطان مملوكي (وكان ملكا حازما شجاعا سفاكا للدماء ،قتل خلقا كثيرا وشنق عالما من الناس بغير ذنب ليوقع في القلوب مهابته ،واحدث مظالم ومصادرات عمل بها من بعده ).أي ان السلطان ايبك استن سنة سيئة عمل بها من بعده من المماليك حتى من اشتهر منهم بالعبادة والتدين مثل السلطان قايتباي صاحبنا في هذا المقال .
مقاومة الشعب للمصري لظلم المماليك :
على ان الشعب المصرى لم بعرف الخنوع المطلق والاستسلام المستمر للعسف المملوكى .كان المماليك هم القوة الحربية الوحيدة التي يؤيدها جمهور من رجال الدين وعلماء السلطة الذين يطبقون الشريعة وفق ما يرتضيه السلطان" صاحب النعمة " ..
ولذلك ثار الشعب المصري في العصر المملوكي ثورات صاخبة وأقام مظاهرات غاضبة كانت تؤرق الحكم العسكرى المملوكى وخدمهم من الفقهاء والقضاة والمشايخ والعلماء الذين كانوا جزءا من السلطة المملوكية الجائرة .
والامثلة كثيرة نكتفي منها بتلك اللوحة الناطقة للمؤرخ المملوكي الاصل المصرى النشأة ابو المحاسن {ابن تغرد بردي ) يقول فى كتابه {النجوم الزاهرة } : " اضطرب الناس وابطل السلطان موكب ربيع الاول من القصر وجلس بالحوش ودعا القضاة الاربعة والامراء والاعيان .ووقف العامة اجمعون في الشارع الاعظم من باب زويلة الي داخل القلعة ،واجتاز بهم قاضي القضاة علم الدين البلقيني وهو طالع الي القلعة ، وقد انفض المجلس في الحال ونودي بعدم معاملة الزغل (أي بعدم التعامل بالعملة المغشوشة التي اصدرها السلطان )فلم يسكت ما بالناس من الرهج ولهجوا بقولهم (السلطان من عكسه – أي من سوء حظه – ابطل نصفه ) ((أي ابطل العملة الذهبية التى اصدرها )) (واذا كان نصفك اينالي فلا تقف علي دكاني ))(أي اذا كانت العملة التي تتعامل بها قد اصدرها السلطان المملوكي اينال لا تقف علي دكاني )وبعدها في العصر العثماني كان احفادهم يقولون فى مظاهراتهم ( ايش تاخد من تفليسي يا برديسي ..)ويستمر المؤرخ ابو المحاسن معلقا علي هذه المظاهرة الشعبية وتلك الامثال الشعبية التي اخترعها جموع الشعب فيقول (واشياء كثيرة من هذا بدون مراعاة وزن ولا قافية ، وانطلقت الالسنة بالوقيعة في السلطان وارباب الدولة ، وخاف السلطان من قيام المماليك الجلبان بالفتنة وان تساعدهم العامة وجموع الناس فرجع عما كان قصده ،وقد افحش العامة الي ناظر العامة ورجموه وكادوا يقتلونه ..)
حدثت هذه المظاهرة في سلطنة الاشرف اينال الذي توفى سنة865هـ. بسبب انه أصدر عملة ذهبية مغشوشة وساعده على ذلك الظلم الفقهاء الابرار فى عصره ، بل وجعلوه ضمن الشريعة المطبقة . الا أن الشعب ـ او الحرافيش أو الزعر كما كان الفقهاء يطلقون عليهم للتحقير والآستعلاء ـ اقام مظاهرات ردد فيها شعارات وهتافات يعبر فيها عن رأيه .
وقد تولى صاحبنا قايتباي السلطنة سنة 872هـ وقبلها كان من شهود هذا الحادث اذ كان من كبار الأمراء المماليك وقتها..
وهؤلاء هم أجدادنا الذين لم يسكتوا علي ظلم السلطان اينال . فكيف كان حالهم مع السلطان قايتباي الذي كان مشهورا بالتدين عمل الخير ؟
لم تحدث مثل هذه المظاهرة لأسباب كثيرة ليس منها أنه كان أقل من السابقين ظلما، ولكن لأنه كان أكثرهم دهاءا ومكرا فعمر فى السلطة اكثر من غيره. وكان أهم ملمح من ملامح دهائه أنه اشاع انه متدين يقوم الليل متعبدا بالأوراد . وصدقه الناس فسكتوا على ظلمه وصبوا لعناتهم على اتباع الظالم ناسين رأس الأفعى . والسؤال الآن كيف كان ذلك السلطان الورع يطبق الشريعة فى عهده ؟
بعيدا عن اشعارات النبيلة التى تتمسح بالاسلام زورا وبهتانا وضحكا على الذقون ـ ذقوننا نحن بالطبع ـ دعونا نرجع للواقع الحى والمعاش والمسجل فىالتاريخ. وهنا نختار اتقىسلطان مملوكى ـ قايتباى ـ من خلال ما كتبه عنه أحد القضاة المؤرخين ـ ابن الصيرفى ـ الذى كان يسجل تاريخ عصره باليوم والشهر والحول ، أى بما يعرف بالكتابة الحولية للتاريخ والتى تعطى تقريرا حوليا سنويا لأحوال المجتمع فى ذلك الوقت.

ملامح من تطبيق الشريعة المملوكية فى عصر السلطان قايتباى

1-نحن الان في عصر السلطان قايتباي الذي حكم مصر والشام و الحجاز في الربع الاخير من القرن التاسع الهجري ،وننقل ما كتبه عن عصره القاضي المؤرخ ابن الصيرفي في كتابه " انباء الهصر بابناء العصر." الذى كان يؤرخ لعصره باليوم و الشهر وفق منهج التاريخ الحولى.
وكان المؤرخ ابن الصيرفي يعمل قاضيا حنفيا في دولة السلطان قايتباي ،وملأ كتابه نفاقا للسلطان يقول عنه (وفي الواقع فسلطان مصر الملك الاشرف ابو النصر قايتباي نصره الله سلطان عظيم شجاع فارس معدود من الفرسان ،ديّن (أي متدين ) عفيف الفرج لا يلوط ولا يزني ولا يسكر ،وله ورد في الليل من صلاة وقيام )
أي ان السلطان المملوكي قايتباي امتاز عن غيره من المماليك السلاطين والامراء بالعفة بحيث لا يقع في الزنى او الشذوذ الجنسي ،بل انه متدين يقوم الليل يقرأ الاوراد الصوفية ويصلي .وبالتالي كانت الشريعة المطبقة في العصر المملوكي علي افضل حال لها في زمن السلطان المتدين قايتباي ،خصوصا وان السلطان قايتباي المتدين كان يختار اعوانه من الامراء المماليك المتدينين ..ومن المنتظر ان يراعي السلطان وامراؤه احوال الشعب . فهل كان يحدث ذلك ؟
تعالو بنا نلجأ الي نفس المؤرخ ابن الصيرفي في كتابه "انباء الهصر بأبناء العصر " لنتعرف بعض احوال تطبيق الشريعة في عصر ذلك السلطان الورع مع ملاحظة اساسية , هى أن بعض الضحايا كانوا مظاليم , والظالمون منهم كان اكثرهم اتباعا للسلطان وهو الظالم الأكبر ولكن غضب عليهم لسبب ما ,أو لم يغضب عليهم وأراد فقط استخلاص اموالهم بالتعذيب , وبعضهم كان مذنبا ولكن عقوبته كانت لا تتناسب مع جرمه ولا تتفق مع التشريع الاسلامى الحق.
2-كان الضرب هو الوسيلة المثلي للتفاهم مع المتهم في أي جناية حتي لو كان بريئا مظلوما ..ففي يوم السبت 21/صفر /886 ضربوا الشريف الاكفاني المتهم بقتل زوجته ضربا مبرحا نحو خمسمائة مقرعة وعصيا، ثم امر قايتباي فحبسه بسجن المقشرة . وبالضرب والتعذيب المملوكى كان المتهم سرعان ما يعترف بالجريمة حتى لو كان بريئا.
وكان الضرب احيانا يفيد ،ففي يوم الاثنين 20/صفر 877 شكوا تاجرا الي الدوادار الكبير يشبك من مهدي انه اخذ من التجار بضائع الي اجل، وحين جاء الاجل رفض ان يدفع ما عليه بسبب ما عليه من ديون فأمر الدوادار بضربه ،ولما ذاق التاجر المرفه الضرب المملوكي صار يصرخ ويقول :ادفع الحق ..فأمر الدوادار ان يعمل في الحفير ويدفعوا اجرته لمن له في ذمته شئ .وهناك نماذج للضرب -كإحدي العقوبات – في ما كان يفعله المحتسب مع التجار وفيما يفعله السلطان مع بقية الامراء ومع الناس وارباب الوظائف ،ولكن لم يكن الضرب هو العقوبة الوحيدة.. فالتكنولوجيا المملوكية في التعذيب كانت رهيبة ..!!
3-ونبدأ باهون العقوبات وهي كشف الرأس ،وقد كان كشف الرأس في العصر المملوكي عيبا كبيرا واهانة فظيعة هائلة،اذ يكشف احدهم رأسه عند المصيبة الكبري التي لا يستطيع تحملها .
ونرجع للوراء مئتي عام حين مات ابن السلطان المملوكي المنصور قلاوون ليلة الجمعة 4/شعبان/679 هـ.وكان المتوفي وهو علي بن قلاوون اثيرا لدي ابيه فحزن عليه حزنا كبيرا –وكان من مظاهر ذلك الحزن الهائل ان رمي السلطان كلوتته –أي عمامته – من علي رأسه . ونذكر النص التاريخي الذي ذكره المقريزي في هذا الشأن (اظهر السلطان لموته جزعا مفرطا وصرخ بأعلي صوته : وا ولداه ، ورمي كلوتته من رأسه للأرض . وبقي مكشوف الرأس، الي ان دخل الامراء اليه وهو مكشوف الرأس يصرخ وا ولداه !! فعندما عاينوه كذلك القوا كلواتتهم عن رؤوسهم ،وبكوا ساعة ثم اخذ الامير طرنطاي النائب شاش- أي عمامة- السلطان من الارض وناوله للامير سنقر الاشقر فأخذه ومشي وهو مكشوف الرأس وباس الارض وناول الشاش للسلطان وقال :أيش اعمل بالملك بعد ولدي وامتنع من لبسه، فقبل الامراء الارض يسألون السلطان في لبس شاشه، و يخضعون له في السؤال ساعة حتي اجابهم وغطي رأسه )!! أي كانت عمامة السلطان الملقاة ورأسه المكشوفة هي الدليل الساطع علي الحزن الشديد , كما كان السجود للسلطان هو تحية الاسلام عندهم فى ذلك الوقت . اذ كان صفوة الدولة من كبار الأمراء و القضاة الاربعة وشيوخ الاسلام هم الذين يحظون بالدخول على السلطان فيسجدون بين يديه بل ويقبلون التراب الذى تمشى عليه قدماه غير الكريمتين. وكل ذلك برضى قضاة الشرع وشيوخ الاسلام وقتها ـ لا رضى الله تعالى عنهم.
ونرجع الي خمسين عاما تقريبا قبل عصر قايتباي..في سلطنة الاشرف برسباي ،وفي يوم السبت 25/شعبان 830هـ يقول المقريزي (وفيه اتفق حادث فظيع ) ونتأهب عند هذه المقدمة الي الاستماع الي كارثة مما كان يحدث في العصر من اوبئة ومجاعات وحروب مهلكة ..ولكن نفاجأ بشئ طريف ..يقول المقريزي (وفيه اتفق حادث فظيع وهو ان بعض المماليك السلطانيه الجراكسة انكشف رأسه بين يدي السلطان فإذا هو اقرع، فسخر منه من هنالك من الجراكسه، فسأل السلطان ان يجعله كبير القرعان ويوليه عليهم، فأجابه الي ذلك ورسم ان يكتب له به مرسوم سلطاني ،وخلع عليه، فنزل وشق القاهرة بالخلعة في يوم الاثنين سابع عشرينه (27 شعبان )وصار يأمر كل واحد ان يكشف رأسه حتي ينظر ان كان اقرع الرأس ام لا، وجعل علي ذلك فرائض من المال ،فعلي اليهودي مبلغ ..وعلي النصراني مبلغ ..بحسب حاله ورتبته ،ولم يتحاش من فعل ذلك مع احد، حتي لقد فرض علي الامير الاقرع عشرة دنانير ،وتجاوز حتي جعل الاصلع والاجلح في حكم الاقرع ليجيبه مالا، فكان هذا من شنائع الفضائح وقبائح الشنائع، فلما فحش امره نودي بالقاهرة :معاشر القرعان لكم الامان ) . المهم ان المقريزي اعتبر كشف رؤوس الناس من شنائع القبائح وقبائح الشنائع ..وليس الامر بهذه الشناعة ،ولكنه ذوق العصر المملوكي ..
و المحتسب يشبك الجمالي جعل كشف الرأس من بنود العقوبات والاهانات التي كان ينزلها بالتجار المساكين الذين لا يستطيعون دفع المعلوم لأعوانه المرتشين ..يقول ابن الصيرفي (ثم تحضر اعوانه له بمن لم يعطونهم المعلوم المعهود عندهم فيضربهم ثلاث علقات واحدة علي مقعدته واخري علي رجليه واخري علي اكتافه , ويشهرونه بلا طرطور، بل يكشفون رأسه . وهو الذي احدث كشف الرأس ،مع ان جماعة كثيرة مما فعل بهم ذلك عميوا وطرشوا , فان الواحد يكون ضعيف البصر او به نزلة فيكشفون رأسه ويدورون به القاهرة , فلا يرجع الا ببرد ،و امثال ذلك كثر .)وابن الصيرفي يعتقد ان كشف الرؤوس جعل اولئك الضحايا المساكين يصابون بالعمي والطرش لأنه لا يتخيل ان يسير واحد مكشوف الرأس ويرجع الي بيته معافي وفي صحة جيدة ..!!
وصارت عادة سيئة ان يكون التشهير مرتبطا بكشف رأس الضحية اهانة له ليزداد ايلامه ..فالمحتسب يشبك الجمالى سالف الذكر ضرب جماعة من التجار واشهرهم بالقاهرة بنفس الطريقة في المحرم 874 . وامر الدوادار الكبيرواسمه ـ ايضا ـ يشبك بتشهير شاهدي زور (ومروا بهما في شوارع القاهرة مكشوفي الرؤوس )وحدث ذلك يوم الاربعاء 7/ربيع الاول /877 هـ.
وابن الصيرفي الذي عهدناه في كتابه رفيقا في نقده للماليك كان اكثر كراهية للمحتسب يشبك ،وربما يرجع ذلك الي عقوبة كشف الرؤوس .فقد كان كشف الرأس عيبا كبيرا واهانة عظمى..ونفترض ان المؤرخ ابن الصيرفي رجع حيا وسار في شوارع القاهرة وشاهد رؤوسنا الجرداء تعكس اشعة الشمس امام الحيارى ..ترى ماذا كان سيفعل ؟اغلب الظن انه سيعتقد ان المحتسب يشبك صار سلطانا علي القاهرة المحروسة .
ونقفز من كشف الرأس الي ما هو افظع ..
4-فالدوادار الكبير يشبك من مهدي ظفر باحد مشايخ الاعراب من بني عدى فضربه بالمقارع وامر بأن يشوى بين يديه بالنار وهو حي . فصار يستغيث ولا يغاث .واخر الامر اطلقه بعد ان قيل للامير الدوادار :لا يعذب بالنار الا خالقها !!وحدث ذلك يوم الخميس 14 ربيع الاول 874 هـ
ومن الشي بالنار الي السلخ للاحياء !! ففي يوم الاربعاء ذي الحجة 873 هـ امر السلطان قايتباي بسلخ ابن سعدان احد مشايخ الاعراب من مدينة فوة .وفي يوم الخميس 5/جمادى الاخر 875 قبض الدوادار الكبير علي عيسي بن بقر احد مشايخ الاعراب وامر بسلخه ،ثم امر السلطان بالتشفع فيه اذا دفع عشرة الاف دينار وجاء البشير الي الضحية وهو يسلخونه فوجدهم قد قطعوا قطعة من رأسه، فقال :انا اوزن ـ أي ادفع الدنانير ـ وانقذ نفسه .
واحيانا كان السلخ مرتبطا بالتشهير أي يطاف بالمسلوخين المساكين في شوارع القاهرة ليتفرج عليهم الناس وينادي عليهم المشاعلي هذا جزاء من يفعل كذا ،وفي النهاية يتم صلبهم حتي يموتوا امام اعين الناس !! . وفي يوم السبت 29 ذي الحجة 876 هـ طافوا في شوارع القاهرة بثلاثة مسلوخين من اكابر اعراب بني حرام كان قد قبض عليهم الامير منصور من جوار غيط الشيخ ابراهيم المدبولي فسلخهم وجهزهم – علي حد قول مؤرخنا –وبعد ان طيف بهم في القاهرة ارسلوا الي خارجها ليصلبوا اياما .
وتفنن المماليك في جريمة السلخ ،فأحيانا كانوا يسلخون الضحية المسكين ثم يحشون جلده تبنا او قطنا ويطوفون به مع جلده المحشو في الشوارع . ففي اواخر جمادى الاول 875 هـ وصل ابن زوين كاشف الغربية ت أى حاكم وسط الدلتا ـ وصحبته شخص من العربان يسمى عبد القادر حمزة مسلوخا وقد حشي جلده قطنا ومعه عدة رؤوس آدميين مقطوعة، وسار يشهرهم الي ان وصل بهم الي بيت الدودار الكبير، وتصادف ان الامير تمراز الشمسي رأى الضحية المسلوخ عبد القادر حمزة فعرفه وكان تمراز كاشفا للغربية قبل ابن زوين وكان يحمي عبد القادر حمزة وصاحبا له , فلما رآه في ذلك الحال ـ مسلوخا يطاف به فى القاهرة مع جلده المحشو قطنا والرؤوس المقطوعة لأصحابه ـ هجم علي ابن زوين وضربه .
5-والجبروت المملوكي لم يكتف في القتل بقطع الرقبة وانما ابتدع التوسيط، وهو قطع الضحية نصفين !!
وطريقة التوسيط ان يعري المحكوم عليه بالاعدام من الثياب ثم يربط الي خشبتين علي شكل صليب ويطرح علي ظهر جمل، وربما يطاف به في شوارع القاهرة علي هذا الحال ،وهذا هو التشهير، ثم يأتي السياف فيضرب المحكوم عليه بقوة تحت السرة، فيقسم الجسم نصفين من وسطه فتنهار امعاؤه الي الارض .
في يوم السبت 13/ذو القعدة /875 امر السلطان قايتباى بتوسيط ستة اشخاص من قطاع الطرق وان يتم توسيطهم بقليوب ،فأشهروهم علي الجمال تحت قيادة الامير يشبك بن حيدر صاحب الشرطة، وذكر صاحب الشرطة عنهم (انهم قتلوا رجلا بقليوب لأخذ ماله وحرقوه بمستوقد ،وامثال ذلك من التهجم والقتل وقطع الطريق )ويستطرد مؤرخنا قائلا (وذاك ذنب عقابه فيه، ووسطوا بقليوب او قربها، وعلقت جثتهم ليرتدع امثالهم عن هذه الافعال المنكرة .رب سلم )
وفي يوم السبت او الثالث من ذي القعدة 876 هـ امر السلطان بتسمير اربعة من العربان والمفسدين علي الجمال ،اثنان بالجيزة واثنان من غيرها ،واشهروهم بالبلد ،وسطوا منهم اثنين بباب النصر بالقاهرة لقربهم من اعراب بني حرام، ووسطوا اثنين بمصر لقربهم من الجيزة .
وحيكت اساطير عن موضوع التوسيط ،يقول مؤرخنا ابن الصيرفى :"بلغني ان شخصا من العربان يسمي ابن زعازع غضب عليه الدوادار الكبير لما بلغه من الجرائم والمفاسد فأمر بتوسيطه ،فضربه المشاعلي بين يديه نحو سبعة عشرة مرة فلم يقطع فيه السيف بل ينقلب ،وزعموا انه معه حرزا يحميه من التوسيط "".
وحمل التاريخ المملوكي بعض المآسي الدرامية للمحكوم عليهم بالاعدام .قبل عصرقايتباى بنحو قرنين أي في شهر جمادى الاول 680 هجريا يروي المقريزي انهم قبضوا علي قاطع طريق مشهور اسمه الكريبي فسمروه علي جمل ـ اى دقوا اطرافه بالمسامير وعلقوه على جمل ـ وقاموا عليه اياما يطوفون به في اسواق مصر والقاهرة، وتعاطف معه الجندي الموكل به، فقطع عنه الطعام والشراب، فلما جاع طلب كسرة خبز فقال له الجندي الموكل به :انما اردت ان اهون عليك لتموت سريعا حتي تستريح مما انت فيه ،فقال له لا تقل هذا فان شر الحياة خيرمن الموت !!،فناوله الطعام والشراب، فاتفق انه وقعت فيه شفاعة فأطلقوه وسجنوه ،وعاش اياما في السجن ثم مات ،واغلب الظن انه مات بعد ان تسممت جراحاته من التسمير !!
6-وتفنن المماليك في التعذيب وايقاع العقوبة وصل الي مناطق لا تخطر علي البال ..في سنة 879 امر قايتباي بقطع خصيتي مملوك يقال له شاهين ،وقد كان خازندار الامير اينال الاشقر لارتكابه جريمة خلقية ،وصادفت هذه العقوبة وجود شخص يهودي خبير بالاخصاء بمصر العتيقة فقام بقطع خصيتى المتهم.
والاتراك -ومنهم كان اكثرية المماليك –كانت لهم معرفة بهذه النوعية العجيبة من القتل والتعذيب، وبدأ ذلك قبل عصر قايتباي بستة قرون أى فى العصر العباسى الثانى..ويذكر الطبري ان الاتراك المتغلبين علي الخلافة العباسية وقتها ثاروا علي الخليفة المهتدي وقتلوه ، ويحكي الطبري كيفية قتله فيقول (امروا من عصر خصيته حتي مات )وذلك في سنة256 هـ،
واحيت الدولة المملوكية ذلك التقليد العجيب في القتل فمات بهذه الطريقة اول سلطان مملوكي وهو عز الدين ايبك. فقد بدأ العداء بين ايبك وزوجته السلطانة السابقة شجرة الدر ،وعزم ايبك علي ان يتزوج عليها احدي الاميرات، واعاد المياه الي مجاريها بينه وبين زوجته الاولي ام علي ،مما جعل زوجته شجرة الدر تخطط لاغتياله . فبدأت تراسله وتبعث له من يصلح بينه وبينها ويحلف عليه ليعيد الحب المفقود بينه وبينها، مما ألان قلبه وجاء للقاء زوجته شجرة الدر في القلعة .وكانت قد خططت لقتله بالطريقة التركية !!
وفي يوم الثلاثاء 24 ربيع الاول 654 ترك السلطان المعز ايبك باب اللوق ودخل القلعة اخر النهار . و بعد ان قضي ليلة من ليالي العمر مع زوجته الجميلة وجد مفاجأة سيئه ،كانت شجرة الدر قد اعدت لقتله في الحمام خمسة من القتلة منهم محسن الجوجري ونصر العزيزي والمملوك سنجر . ويصف المقريزي ما حدث ،فيقول (ودخل الي الحمام ليلا فأغلق عليه الباب محسن الجوجري وغلام كان عنده شديد القوة ، ومعهما جماعة وقتلوه ،بأن اخذ بعضهم بأنثييه وبعضهم بخناقه ،واستغاث المعز بشجرة الدر فقالت: اتركوه !!فأغلظ لها محسن الجوجري في القول وقال لها : متي تركناه لا يبقي علينا ولا عليكي .ثم قتلوه ..!!)

استغاث المسكين من شياطين الظلام الذين اخذوا بخناقه من هنا وهناك ،فأضاعوا عليه الحلم الجميل الذي كان يعيش في خياله .. واستيقظت السلطانة من ذكريات اللحظات الجميلة علي صوت حبيبها يستغيث بها ..وكانت في هذه اللحظة تعيش مشاعرها كأمرأة عاشقة لا تزال تجتر ذكرياتها الممتعة ..وحين استغاث بها كان قلبها خاليا من الحقد والكراهية وفنون المؤامرات ،فأمرت بأن يكفوا عنه ..لكن القتلة لا شأن لهم بكل هذه المشاعر الجميلة، وهم يعلمون ان هذه المشاعر مهما بلغ جمالها فهي الي نهاية ،نهايتها الموت بعد ان يعود الزوج الولهان سلطانا متحكما ،لذا امر قائد القتلة بأن يجهزوا علي السلطان قبل ان يقتلهم ،وشخط في شجرة الدر فكتموا انفاسه من هنا وهناك ..وبهذه الطريقة قتلت العاشقة الفاتنة زوجها اول سلطان مملوكي، وذاق السلطان ايبك قبل موته امتع اللحظات واشدها عذابا ..لا رأيتم مكروها في عزيز لديكم ..
7- و المحتسب في الاصل وظيفة مدنية كان يقوم بها الفقهاء ،وتشمل الاشراف علي الاسواق والموازين والمكاييل والتسعيرة . وكان المحتسب هو الذي يقرر العقوبة وهو الذي ينفذها ،أي كان الخصم والقاضي والجلاد معا . وكان الامير المملوكي يشبك الجمالي مشهورا بالتدين فعينه السلطان قايتباي اميرا للحج يوم الخميس 25 ربيع الاول سنة 873 ،ثم اضيفت له وظيفة الحسبة يوم الاثنين 24 ربيع ثاني سنة 873 ،ولأنه امير متدين – بمقياس العصر –فقد استنكف ان ينزل الي الاسواق بنفسه و اوكل المهمة الي اعوانه الذين حازوا علي ثقته ،فانفردوا بالاسواق يفرضون الاتاوات علي التجار ،ومن يرفض دفع الاتاوة يحملونه الي يشبك الجمالي فيعاقبه اشد العقوبة .وكان القاضي المؤرخ ابن الصيرفي شاهدا علي ما يحدث ،فكتب عنه الآتي (وباشر يشبك المذكور الوظيفة المذكورة ، ولم يكشف البلد بنفسه ولا مرة واحدة ،ولا يعرف احوال الرعايا والمسلمين الا من اعوانه الذين في خدمته، فصاروا ارباب اموال واقمشه ودور وخيول وبغال وحمير وهو ماسك البقرة وغيره يحلبها ،فانه لا يتعاطي شيئا ،ولكن ما احسن قول الشاعر:
ورابط الكلب العقور ببابه فأسصل ما بالناس من رابط الكلب
وهذا (أي يشبك )في غاية الشماخة والترفع ان يقف علي سوقي او وازن اوبياع ويعتبر -أي يختبر -اوزانهم وسنجهم وامثال ذلك …بل يحضر اعوانه له بمن لا يعطونه من معلوم المعهود عندهم فيضربهم ثلاث علقات :واحدة علي مقاعده واخري علي رجليه واخري علي اكتافه ويشهرونه .واما احكامه فبالبخت وبالنصيب ، واما اخلاقه ففي غاية الشراسة .. هذا مع دينه المتين ومحافظته علي الصلاة والصيام ،ولكنه عنده تعصب ..والله يعامله بعدله سريعا)
وهذا المحتسب المأفون ظن ان الصلاة والعبادات هدف في حد ذاتها واذا قام بالعبادة فهذه نقرة ولا عليه بعدها ان ظلم وافسد في الارض .وهذا يناقض تشريع الاسلام حيث تكون العبادات وسيلة لهدف اعظم هو التقوى وحسن الخلق" البقرة 21،177،183،197،267 العنكبوت 45،.
ولكن لا يزال التدين السطحي السلفى يعتبر العبادات اهدافا فاذا صليت فلا عليك مهما ارتكبت من المخازى واذا أديت الحج رجعت كيوم ولدتك أمك ـ ليس عريانا مكشوف العورة ـ ولكن مغفورا لك مهما ارتكبت من آثام .وبذلك تتحول العبادات من وسائل للتقوى الي وسائل للعصيان والارهاب . و انظر حولك الى بعض الملتحيين وقارن بين صلواتهم و سوء سلوكهم .
8- وهذا المحتسب المملوكي المأفون قاسي منه شعب القاهرة عذابا وغلاءا في الاسعار كما يذكر ابن الصيرفي، ففي يوم الثلاثاء 16 صفر سنة 875 رفض بائع تين غلبان ان يدفع الرشوة لزبانية المحتسب فحملوه الي ذلك الطاغية ،فضربه الثلاث علقات المعهودة ثم صلبه علي باب دكانه في هيئة فظيعة ، يقول ابن الصيرفي (ضرب المحتسب شخصا من السوق يبيع التين ثلاث علقات علي مقاعده واخري علي رجلية وواحدة علي اكتافه ،واشهره في المدينة علي عادته التي يفعلها عريانا مكشوف الرأس ، ثم رسم بصلبه بذراعه علي حانوته ،وقررت يده الاخري الي ظهره ،ولطخه عسلا واوقفه في الشمس فتسلط عليه النحل والذنبور والذباب ،وقاسي من العقوبة ما لا يوصف وسبب ذلك ان رسله الذين هم من جهته واقامهم كانوا اذا طلبوا البلص (أي الرشوة )من فقير وامتنع ،ذكروا لأستاذهم عنه ما ارادوا ،وهو سريع الحدة سريع الغضب لا يتثبت في الاحكام فيطلبه ويفعل به ما ذكر )!!
هذا ماكان يفعله بالفقراء العاجزين عن دفع الرشوة ،اما الاغنياء من التجار فكانوا يبيعون بأزيد من التسعيرة ويدفعون المعلوم لزبانية المحتسب ،يقول عنهم ابن الصيرفي (حتي اذا نودي علي الجبن بسبعة دراهم للرطل يبيعونه بثمانية ،بزيادة درهم ،وكذلك في باقي البضائع حتي اللحم )ثم تحدث بعدها ابن الصيرفى عن الثراء الفاحش لأعوان المحتسب ..
9 ـ وكان السلطان الورع قايتباي يصادر اموال الاحياء , ويأكل اموال اليتامي والارامل ..
في يوم الاربعاء 17/رجب /876 هـ امر السلطان بمصادرة ممتلكات ابن زوين الكاشف والي الغربية، ويقول في ذلك مؤرخنا(وارسل السلطان الي الغربية بالحوطة علي موجود ( أي ممتلكات)ابن زوين الكاشف بها، من صامت وناطق(أي جواهر واموال ومواشي وخيول) احضروه فأخذ احسنه ورد عليه اخسه).
وبعضهم كان يحتال لاخفاء امواله او النفيس منها حتي لا تضيع كلها في المصادرة اذا حصلت، وكان السلطان يلعب معهم في نفس اللعبة فيحتال بالاعتقال والضرب للحصول على كل الأمول الظاهرة والخفية ؛فقد امر السلطان باعتقال عبد كان للاستادار زين الدين، كما امر باعتقال سكرتيره عبد الوهاب وباعتقال جاريته قمر، وكان السبب في اعتقال الثلاثة هو ارغامهم ليدلّوا علي الاموال المخبأة عند زين الدين الاستادار، وظل الجميع في السجن عدة اشهر حتي تم اطلاقهم في عيد الفطر 876 هـ.
وقد ترتبط المصادرة للمال بالمصادرة للحرية أي السجن للشخص المصادر ـ بفتح الدال.في يوم الثلاثاء 21/جمادى الاول /876 امر السلطان بالقبض علي صيرفي جدة واسمه ابن عبد الرحمن وامر بأن يؤخذ منه عشرون الف دينار، والسبب في سجن الصيرفي المسكين ان السلطان اراد اقتراض عشرة الاف دينار من احدي السيدات كانت اما لاستاذ المحتسب وشاهين والي جدة ،وقد طلب السلطان من المحتسب وشاهين والي جدة التوسط لدي السيدة ليقترض منها العشرة الاف، ولكن السيدة اعتذرت واظهرت العجز والفقر، فغضب السلطان وامر باعتقال صيرفي جدة ،وطلبه في خلوة ليعرف منه اسرار ومدخرات والي جدة، ولما لم يحصل منه علي طائل صادر منه عشرين الف دينار. وابن الصيرفي بعد ان ذكر الحكاية قال يدافع عن السلطان (وفي الواقع فهذا السلطان اخر الملوك العادلة ،فإنه خول ـ بتشديد الواو ـ المحتسب وشاهين في البلاد المصرية و الحجازية ..( !!
ولم يقنع السلطان باعتقال صيرفي جدة ،فقد جاءته معلومات بأن المحتسب وزوجته وشاهين نائب جدة وام استاذهم الصاحب جمال الدين قد وضعوا ايديهم علي جواهر واموال وتقاسموها، فهدد السلطان الموظفين الاخرين الذين لهم اتصال بالموضوع ،وهدد السيدة فأرسلت الي السلطان خمسة الاف دينار فردها اليها، وحدث الجفاء بين السلطان والمحتسب يشبك الجمالي بسبب ذلك.

وقد ترتبط المصادرة للاموال بتعذيب الضحية حتي يعترف بما لديه من كنوز مخبأة، وربما كان الامير يحيى بن عبد الرزاق الاستادار ت 874 افظع مثل للضحايا من كبار الموظفين، فقد صودرت امواله اكثر من مرة ،وتولي الاستادارية مرات، وحين يعزلونه ويولون غيره يعجز فيطلبونه للوظيفة، وعندما يعزلونه يصادرون امواله ويعذبونه ،يقول عنه مؤرخنا ابن الصيرفي (اذكر من لفظه-أي من حديثه لابن الصيرفي- انه صودر تسع عشر مرة، واحتاج حتي باع حوائج بيته وقماش خيوله بعد بيع املاكه، واستمر علي ذلك الي ان صادره الملك الاشرف ابو النصر قايتباي عز نصره، اول مره وثانية ،وهو معذور فيه، فانه يدعي فقرا ..)
ان قايتباي صادر ذلك الشيخ الفقير بعد ان بلغ الثمانين من عمره وبعد ان استهلكته المصادرات السابقة، ولم يترفق به قايتباي في هذه السن ولافي هذا الفقر بل اوقع عليه العذاب الشديد حتي مات .ويقول ابن الصيرفي عن حبسه وتعذيبه حين صادر السلطان قايتباي امواله للمرة الثانية (وفي الثانية حبسه بالبرج من القلعة وطلب المال فلم يوزن –أي يدفع – شيئا ،فأجرى عليه العقوبة الي ان اشرف علي التلف –أي الموت – وحمل الي البرج المذكور، فدام عليلا يتداوي الي ان مات في يوم الخميس ثامن من شهر ربيع الاول وقد جاوز الثمانين من العمر )ويقول ابن الصيرفي عن نهايته تحت التعذيب (وضرب ضربا فظيعا حتي طار لحم جسده عن بدنه، ونزلوا به من القلعة في تابوت وعلي رأسه طاقية كشف، وتوجهوا به الي منزله وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه )
وابن الصيرفي يجد العذر للسلطان قايتباي في مصادرته لهذا الشيخ وتعذيبه يقول (..الي ان صادره الملك الاشرف ابو النصر قايتباي عز نصره اول مرة وثانيه وهو معذور فيه فانه يدعي فقرا )
وواضح ان العزل كان يرتبط بالمصادرة لأموال المعزول مثل ارتباط المصادرة احيانا بتعذيب الضحية ،ورأينا ذلك في قصة او مأساة يحيى ابن عبد الرزاق الاستادار الذي بلغ اوج الرفعة ثم نزل الي حضيض السجن والاعتقال مرات متتالية ولم يكن هو المثل الوحيد ..
وفي يوم السبت 13/ربيع الاول 873 غضب السلطان قايتباي علي قاضي قضاة دمشق ابن الصابوني، وضربه بين يديه بقاعة الدهيشة بالقلعة لأنه لم يدفع للسلطان المال الذي طلبه منه وهو مائة الف دينار، ولم يزل يضربه حتي اذعن فحملوه الي الحبس ليدبر امره في الدفع ،وفي يوم الثلاثاء 14 ربيع الثاني 873 سافر القاضي ابن الصابوني الي دمشق بعد عزله ومصادرته وحبسه بعد ان التزم للسلطان بدفع المائة الف دينار، وسافر معه السيفي جانبك الخاصكي ليحرسه ويرافقه حتي يسدد ما التزم به .
وفي يوم السبت 15 جمادى الثاني 873 امر السلطان باعتقال ابن العيني بالبرج في القلعة بسبب ما تأخر عليه من المال، وظل محبوسا بذلك البرج الي يوم الاربعاء 19 جمادى الثانية، ثم اطلقة السلطان بعد ان حمل المال ،فأكرمه السلطان والبسه التشريفة ورجع لداره مكرما معظما .
وفي شوال 876 تولي الحافظ القطب الخضيري قضاء القضاة بدمشق وكتابة السر بها بعد ان قاسي اهوالا من التعذيب ،وقرر عليه السلطان ثلاثين الف دينار فدفع بعضها والتزم بدفع الباقي واعاده السلطان للولاية بعد ما فرضه عليه ،واكرمه السلطان فأنزله ضيفا في داره التي كان بها حين كان اميرا، وزاره السلطان في تلك الدار فوجده نائما فما اراد ايقاظه، وحين استيقظ وعلم بزيارة السلطان اليه وهو نائم ارسل هدية للسلطان فلم يقبلها السلطان، واخبره انه ما حضر الا ليزوره ،وهكذا تغير حال السلطان من التعذيب الي الاكرام بعد ان دفع له المال !!
وقد سبق للسلطان في شهر رجب من نفس العام ان اصدر مرسوما للشام باعادة القاضي الحنفي اليها عوضا عن القاضي الحلاوي المعزول عن القضاء ،وامر بأن يدفع عشرة الاف دينار فأن امتنع فلابد من ارساله مسجونا للقلعة فأذعن ،وارسل السلطان بالكشف عن اموال القطب الخضيري قاضي القضاة بدمشق وكاتب السر بها ومصادرة ما لديه، فلم يوجدلديه شئ، وعزم علي القبض عليه وارساله الي القلعة لكنه اختفى وحضر للقاهرة سرا ،وكان من امره ان قبض عليه السلطان ولاقي اهوالا ،عاد بعدها لمنصبه مكرما ..
لذا كان خوف موظفي السلطان عظيما حين يستدعيهم للحساب . وكان خوفهم اعظم حين يعزلهم عن الوظيفة ،وقد هرب القاضي تاج الدين ابن المقسي ناظر الاملاك السلطانية (ناطر الخاص )والسبب ان السلطان عزله فبادر بالهرب خوفا من المصادره والتعذيب، وقد عين السلطان بدلا منه ابن الكويز في يوم الخميس 12 /شعبان 874 .
وفي يوم الاثنين 9/ربيع الاخر في نفس العام 874 مات القاضي عبد الرحيم ابن البرزي ،مات خوفا من السلطان!! ،فقد جاء من الشام وارسل هدية للسلطان، فردها السلطان عليه غاضبا وبلغه ان السلطان توعده قائلا (عند من يهرب مني ؟هذا هو وقع في القفص )!! واشتد مرضه بالصرع، فمات ..!!
مات خوفا ..
مات خوفا من السلطان المتدين الذي كان يطبق الشريعة .
ولا يزال مسجد السلطان قايتباي مرسوما علي الجنية المصري , ولا يزال المتخلفون عقليا يدعون الي استئناف تطبيق هذه الشريعة التى تناقض التشريع الحق القرآن والاسلام, واذا اوضحنا لهم التشريع الحق فى القرآن والذى كان عليه النبى محمد عليه السلام ثاروا علينا واتهمونا بانكار السنة, اى سنة البخارى وابن حجر والذين عاشوا فى عصور الاستبداد والظلم وطبقوا شريعتهم المناقضة للاسلام تحت اسم الاسلام . والآن يريدون ارجاعها الى عصرنا أو ارجاعنا الى عصرها .
اجمالي القراءات 17090