حماة
لن ننسى....1982

زهير قوطرش في الجمعة ٠٣ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بين الثمانيات والربيع العربي  .....تتكرر القصة ...وتتغير وجوه الأبطال .

 

مارسيل عبد المسيح –

يرى البعض أن الثورة السورية الحالية هي الجزء الثاني من ثورة الثمانينيات ضد نظام الأسد الأب، ويوم واحد يفصلنا عن موعد الذكرى الثلاثين لمجزرة حماة التي قام بها النظام السوري بقيادة حافظ الأسد بحق الشعب السوري، فقبل المجزرة، وبعد أن تفرّد البعث في السلطة ومارس الديكتاتورية بشتى أشكالها، وكبت الحريات وجعل من الشعب جواسيس على بعضهم، لم يبق للمثقفين والمعارضين أي دور في العملية السياسية، وأصبحوا مهمّشين تماماً، فأجمع المثقفون ورجال الفكر والسياسة والقانون على المطالب التالية:

  1. رفع حالة الطوارئ، وإلغاء المحاكم العرفية الاستثنائية.

  2. إعادة جميع صلاحيات التقاضي إلى القضاء المدني.

  3. استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.

  4. احترام مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فعلاً وممارسةً وعدم الاكتفاء بالقول، واعتبار كل نص تشريعي مخالف لمبادئه ملغى ولو توافرت فيه الشروط الشكلية.

  5. إجراء انتخابات حرة يختار الشعب بها رجال السلطة التشريعية.

وصارت منابر دور العبادة والندوات العلمية لدى نقابات المهن العلمية، مراكز للإعلام ومجالاً لطرح الأفكار وللمطالبة بالإصلاح، ولنقد الممارسات الخاطئة واللاإنسانية.

وتم الاتفاق بين كافة قطاعات الشعب على إعلان الإضراب العام يوم 3131980 تأييداً لهذه المطالب، فأضربت النقابات، وأغلقت الأسواق، وتوقفت الحركة في المدن والأرياف، وطبعت عشرات الآلاف من النشرات، تبين المطالب المتفق عليها، ووزعت في أنحاء القطر، وترافقت هذه الاحتجاجات الشعبية بمظاهرات تتفق مع هذه المطالب، مما جعل النظام السوري أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستجابة للمطالب وهذه سيفقده امتيازات كثيرة يحظى بها وعصابته، أو استخدام العنف لقمع هذه الحركة الاحتجاجية، وبالطبع اختار النظام الطريق الثاني، فبادر إلى حل النقابات العلمية، ومجالسها وفروعها، ومؤتمراتها العامة، واعتقل أعضاءها، كما اعتقل عدداً كبيراً من أساتذة الجامعات والمحامين والأطباء والصيادلة والمدرسين وعلماء الدين، وآلافاً من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية، وقتل المئات منهم، وألقى بجثثهم في الشوارع، من أمثال:

  • الدكتور الشهيد أدهم سفاف الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة حلب

  • المربي الأستاذ الشهيد عبد القادر خطيب مدرس الرياضيات في ثانويات حلب

وأغلق عدداً كبيراً من دور العبادة ودمر قسماً منها، وبدأ بارتكاب المجازر واحدة تلو الأخرى أذكر منها:

  1. مجزرة جسر الشغور: قامت قوات وحدات الخاصة التي يرأسها العميد علي حيدر بتطويق مدينة جسر الشغور وقصفها بمدافع الهاون، ثم اجتاحها في العاشر من آذار 1980 وأخرج من دورها 97 مواطناً من الرجال والنساء والأطفال، وأمر عناصره بإطلاق النار عليهم. وقد شهد هذه المجزرة وشارك فيها توفيق صالحة عضو القيادة القطرية لحزب الأسد، كما أمر حيدر وصالحة بتدمير البيوت وإحراقها فدمروا ثلاثين منزلاً.

  2. مجزرة سجن تدمر: في ظل التعتيم، قام النظام السوري بارتكاب أفظع الجرائم في سجن تدمر (الصحراوي) يوم 27/6/1980 عندما أمر رفعت الأسد عناصره من سرايا الدفاع بتنفيذها، لقد كلف رفعت صهره الرائد معين ناصيف باقتحام سجن تدمر وقتل من فيه من المعتقلين، فقتلوا أكثر من ألف ومائة معتقل في زنزاناتهم.

  3. مجزرة سوق الأحد بحلب: بتاريخ 13/7/1980 هاجمت عشرون سيارة عسكرية محملة بالعناصر (سوق الأحد) المزدحم بالناس، وأخذت تلك العناصر المسلحة تطلق النار عشوائياً على الناس، فسقط منهم /192/ مئة واثنان وتسعون قتيلاً وجريحاً.

  4. مجزرة تدمر النسائية: هذه المجزرة فريدة بين المجازر التي ارتكبها الطغاة عبر التاريخ ففي 19/12/1980 حفرت (بلدوزرات) نظام الأسد أخدوداً كبيراً. سيقت إليه مئة وعشرين امرأة، كانت سلطات الأسد اعتقلتهن كرهائن من أمهات الملاحقين وأخواتهم، وأودعتهن في سجن تدمر الصحرواي، ثم أطلقت عليهن النار، وهنّ على حافة الأخدود، فوقعن فيه، ثم أهال المجرمون التراب عليهن. وبعضهن يعلو أنينهن. إذ لم يفارقن الحياة بعد.

  5. مجازر مدينة حماة: في 2441980 طوقت المدينة بالدبابات وبقوات كبيرة من الوحدات الخاصة. مدعومة بمجموعات كبيرة من سرايا الدفاع وأعملوا بالمواطنين قتلاً وتعذيباً، فاستشهد من أبناء حماة ثلاثمائة وخمسة وثلاثون مواطناً ألقيت جثثهم في الشوارع والساحات العامة، ولم يسمح بدفنهم إلا بعد عدة أيام.

وفي تشرين الثاني 1981 عمدت السلطة إلى تفجير البيوت بألغام الديناميت على أثر وشايةٍ أو تقرير من أي عميل يفيد أن أحد المعارضين زار البيت أو تردد عليه. ويتم التفجير بلا إنذار لإخلاء البيوت أو السكان المجاورين، بل يطلقون على الجيران النار رشاً لأنهم لم يبلغوا على وجود عناصر معارضةٍ للسلطة، وفيما يلي نورد عدداً من أسماء البيوت التي فجرت قبل شهر شباط:

  • تفجير بيت عبد الكريم قصاب في حي الشيخ عنبر .

  • تفجير بيت لآل مريوما في حي الشيخ عنبر .

  • تفجير بيت نزار عمرين في حي العليليات .

  • تفجير بيت أحد قنفوذ في حي الفراية .

  • تفجير بيت حمدو الخرسة في حي السخانة .

  • تفجير بيت الشيخ أحمد بوظان في حي العليليات .

  • تفجير بيت هاني الشققي في حي الباشورة .

  • تفجير بيت بشر الشققي في حي الباشورة .

  • تفجير بيت هاني علواني في حي العليليات .

  • تفجير بيت الشيخ نافع علواني في حي (شارع الشيخ علوان(.

  • تفجير بيت عبد الرزاق خطاب البارودي في بساتين حي البارودية .

  • قصف بيتين آخرين في حي الصابونية .

  • تفجير بيت لآل دبش في حي العليليات .

  • تفجير بيت الحاج عبد الحمد حواضرية في حي العليليات .

  • تفجير بيت نعسان عرواني في حي البارودية .

ومع تهديم بيتٍ لآل علواني تهدمت أربعة بيوت لآل العلواني والصمصام والغرابيلي والنجار وثلاثة بيوت أخرى تضررت أيضاً، كما أصيبت زاوية الشيخ علوان (التي تضم ضريحه) وتهدم جدار منها.

أما في شباط 1982 فالخطة التي نفذها نظام الأسد في تدمير حماة، يمكن تسميتها بـ (الوأد الجماعي) فقد حوصرت المدينة من كل الجهات، ثم قصفت بالمدفعية الثقيلة قصفاً عشوائياً، تمهيداً لاقتحامها بالدبابات والآليات، في الوقت الذي تخوض فيه عناصر سرايا الدفاع والوحدات الخاصة حرب الشوارع) ضد المواطنين العزل، يرافق ذلك كله تعتيم إعلامي شديد في الداخل والخارج، ليدفع قوى المعارضة إلى ما يشبه اليأس ويضلل الجيش النظامي، ويخفي الحقائق عن أبناء الشعب في بقية المحافظات وعن الرأي العام العربي والعالمي، إلى جانب اعتماد السلطة على البطش الشديد السريع العشوائي، ليكون الأداة الفعالة في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية والنفسية في آن واحد، وكانت نتيجتها حوالي الأربعين ألف شهيداً سورياً.

وفي مقارنة بسيطة لا تحتاج لمؤرخ فذّ أو لمفكر جهبذ، نرى الأحداث متشابهة فمنذ بداية الثورة السورية في 15 آذار كانت ثورة تطالب بمطالب محقة، قدّم بعضها لفاروق الشرع عندما زار درعا في بداية الاحتجاجات، وكانت مشابهة بشكل واضح لمطالب أواخر السبعينات، حتى التعامل الوحشي من النظام مع الاحتجاجات مشابه تماماً لتعامله في تلك الفترة، ولكن المفارقة أن ثورة الثمانينيات لم تصل إلى جميع المدن السورية وكانت منظمة على طريقتين:

  • أولاً الاحتجاجات: كانت عبر إضرابات نقابية ومشروع عصيان مدنيّ

  • ثانياً التنظيم السياسي: كان من جماعة الإخوان المسلمين التي استعملت السلاح كنوع من الدفاع عن النفس أو الهجوم فلا يمكن حصرها بسبب تعدد الروايات والتعتيم الإعلامي.

الجدير بالذكر أن ثورة 15 آذار لم تكن منظمة إيديولوجياً فهي ثورة شعب بأكمله استطاعت أن توصل أفكارها إلى جميع المدن السورية والمحافظات، وإلى عدد كبير من الشعب، وخاصة أنها وبما أنها لم تكن تابعة لأي تيار يميني كان أم يساري، كان من السهل اشتراك جميع شرائح الشعب فيها، وهذا بسبب بنيانها الأساسي التي خرجت به وهو المطالبة بالحقوق بشكل سلمي، وممارسة حرب اللاعنف بشكل يرهق النظام ويسقطه، واستمرارها بهذا النهج لأكثر من أحد عشر شهراً، إلا أن حركة الثمانينيات قُمعت واستطاع النظام إخمادها بسبب تحوّلها إلى ثورة مسلّحة، فكانت له الذريعة اللاشرعية لأن يقصف كل شارع تخرج منه رصاصة، وهاهو سيناريو القصف يتكرر في كثير من المدن السورية، فهل سيستطيع النظام السوري قمع هذه الثورة كما قمع سابقتها في الثمانينيات؟

يقول المعارضون أن الشعب السوري لن يتراجع ومن خرج من بيته اليوم لن يعود إلا بعد أن ينال جميع حقوقه، كما يقول آخرون أنه إذا تفشّت ظاهرة التسليح فسيستخدمها النظام ذريعة لإبادة الثورة، خاصة بعد إعلانه تصعيد العنف وفرط استخدام الحل الأمني.

بينما يرى البعض أن هذا النظام لن يزول إلا بالقوة ..

وبين هذا وذاك، يجتمع مجلس الأمن ليناقش المسألة السورية، رافضاً جميع الخيارات العسكرية ويناقش المبادرة العربية التي يعتبرها الكثيرون خير وسيلة لوقف شلال الدم المتزايد يومياً، بينما تبقى روسيا العقبة الأساسية لأي مشروع يتضمن تخلّي الأسد عن السلطة.

وخلال اليومين القادمين سيتحوّل الرأي العام لداعم للحل السياسي العربي، أو متفرّج على الشعب السوري الذي يباد يومياً دون أي مخرج، فإن لم تطبق المبادرة العربية.. هل ستتكرر مجزرة حماة وتنتهي الثورة السورية بهذه البساطة خاصة بعد الإعلام الجديد المتمثل بمواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب ؟

اجمالي القراءات 10330