الحلف بالله جل وعلا كذبا:( 8 )
التشابه بين الاخوان ومنافقى الصحابة فى حرب الاشاعات

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٦ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

أولا : تطور حرب الاشاعات

1 ـ دخل العالم فى نوعية جديدة من الحرب ، هى الحرب الاعلامية بالصورة ، ولقد كان معروفا استخدام الصورة الصحفية ، ولكن عصر الانترنت الذى جعل الكرة الأرضية غرفة محكمة الاتصالات بين أفرادها دخل بالحرب الاعلامية منعطفا هائلا . صورة الراحل خالد سعيد بعد قتله تعذيبا حرّكت الملايين وأججت الثورة فى مصر، ومثلها فى تونس صورة ابو عزيزى وهو يحترق احتجاجا ، وبينما نجا حافظ الأسد بعد مذابح حماة وحلب فقد أصبح مستحيلا أن ينجو بشار الأسد بعد أن فضحته (الصورة ) على الانترنت . ويأتى قرين الصورة ( الخبر ) الذى يتم تداوله فى نفس اللحظة بين مئات الآلاف من الأشخاص بعيدا عن سيطرة المستبد الذى أفقدته ثورة الاتصالات والمعلومات عصره الذهبى حين كان يحيط شعبه بسور ظاهره الرحمة وباطنه العذاب. الآن سقطت الأسوار ، ودارت الحرب على المكشوف بين الثوار والمستبدين فى فضاء الانترنت وفى الشوارع أيضا.

2 ـ ومن ملامح حرب الصورة وحرب الخبر يأتى تزوير الصورة وتلفيق الخبر .أى هى العودة لحرب الاشاعات،وهى حرب قديمة لا تزال عميقة التأثير فيما يسمى بالحرب النفسية ،ولكنها تطورت الآن لتدخل فيها فنون التآمر وبالونات الاختبار ، والتصريحات المجهّلة المصدر والأخبار المصنوعة المفبركة ، والتصريحات التى يمكن التراجع عنها بعد أن ينتهى مفعولها أو تضر صاحبها . حرب الاشاعات هذه يجيدها فى مصر طرفان : المجلس العسكرى وأجهزته المخابراتية بحكم التخصص ، جماعة الاخوان والسلفيين وأتباعهم بحكم دينهم الأرضى المؤسس على الثقافة السمعية والخرافات والأكاذيب المقدسة .  

ثانيا : الدولة الاسلامية لا تعترف بحرب الاشاعات

1 ـ ليس فى الاسلام استخدام لحرب الشائعات الكاذبة ، فليس فى دين الله جل وعلا القائم على الصدق أن يستخدم الكذب والافتراء ، وليس فيه مبدأ ميكافيللى ( الغاية تبرر الوسيلة ) ففى الاسلام : الغاية شريفة ولا بد أن تكون وسيلتها أيضا شريفة . وطبقا للتقوى الاسلامية فى التعامل مع الله  ـ الواحد ألحد الذى لا شريك له ولا ولد ـ يجب على المؤمن المتقى أن يتعامل بصراحة واستقامة مع الناس متوكلا على الله جل وعلا. وحتى لو تعرض للخداع فإن توكله على الله جل وعلا سينجيه طالما كان تقيا:( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )( الطلاق 2 : 3 )

2 ـ وفى حروب خاتم النبيين الدفاعية واجه أعتى المكائد فقابلها بالاستقامة ونجح . أمره ربه جل وعلا بالبر بالعدو المخالف فى الدين طالما لا يعتدى:( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وأن يقصر العداء على المعتدى فلا يواليه ولا يناصره: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ( الممتحنة 8 ،9 ). وبالنسبة للعدو الخائن المتأمر أمره ربه أن يتعامل معه بشفافية واستقامة فيعلن خيانته ويفضحه لا أن يقابل الخيانة بالمثل :( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ) أن يعدّ ما استطاع من قوة للدفاع ، لا ليعتدى، ولكن ليردع من يفكر بالاعتداء عليه :(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) ولو عرض العدو السلام فلا بد أن يسالمه متوكلا على الله جل وعلا :( وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ )، ولوأرد العدو المعتدى خداعه بموضوع السلام فإن توكله على ربه جل وعلا يحميه :(وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) (الانفال  58 ، 60 ، 61 ، 62 ).

3 ـ بهذه الاستقامة المفرطة وإفتراض الصدق وحسن النية حتى مع الخصوم كان عليه السلام يتعامل مع المنافقين . أقاموا مسجدا للضرار والتآمر خداعا فصدّقهم وكان يصلى معهم فى هذا المسجد ،ألى أن نهاه الله جل وعلا:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا )(التوبة  107 : 108)، ومع كل فضائح المنافقين التى ذكرتها  آيات القرآن الكريم فقد كان يستغفر لهم،فقال له الله جل وعلا:(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( التوبة 80 ).  قابل عليه السلام عدوا متمرسا بفنون الاشاعات والحرب النفسية فقابلهم بالاعراض عن أذاهم مع بتقوى الله جل وعلا والتوكل والاعتماد عليه: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ) (وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ) ( الأحزاب 1 : 3 ، 48 )، أى كان عليه السلام يواجه المكائد والاشاعات باستقامة مع تقوى الله جل وعلا والتوكل عليه وأتباع القرآن الكريم . وهى وصفة سحرية لكل مؤمن .

4 ـ وقبلها قاسى عليه السلام حرب الاشاعات من مشركى مكة ، كان يضيق صدره من المكائد والأقاويل، فكان يأمره ربه بالتسبيح والعبادة:( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(الحجر97 :99)، أو يأمره بالتقوى والعفو والاحسان:( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ )(النحل  127 : 128 )، أو يأمره بالصبر والتسبيح :( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ) ( طه 130 ) (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)( ق 39 : 40 ). وفى هذا درس عظيم للمؤمن فى السمو الخلقى حيث تتداخل العبادة مع حسن الخلق. وهذا ما يهجره أتباع الأديان الأرضية المسلمون خصوصا السنيين منهم ، فليس بالقرآن يتمسكون بل هم بسنّة منافقى الصحابة يقتدون .

ثالثا : أمثلة لحرب الاشاعات التى قام بها منافقو الصحابة   

1 ـ كانت المدينة فى  معظم عهد خاتم النبيين عليهم السلام فى حالة طوارىء ، يحيطها الأعداء من كل مكان ، ويعيش داخلها طابور خامس قوى وهم المنافقون. ولم ينقطع تآمر المنافقين ، فشمل وقت الحرب ووقت الاستعداد للحرب على السواء. ومهروا فيما نعرفه الآن بالحرب النفسية بالاشاعات والنجوى ، ولولا نزول القرآن يفضحهم ويحبط كيدهم لانتهى الاسلام والمسلمون فى المدينة مبكرا جدا . ونعطى أمثلة عن حرب الاشاعات بالذات .

2 ـ سبقت الاشارة الى إشاعتهم الاتهام للنبى بأنه ( أذن ) أى يعطى أذنه يسمع للناس ونزل القرآن يدافع عن النبى ( التوبة 61 ) ، وسبقت الاشارة الى أنهم كانوا يدخلون عليه يقدمون له فروض الطاعة ثم يخرجون يتقولون عليه كذبا ويطلقون عليه الاشاعات ( النساء 81 ). ويهمنا الآية التالية التى تعظهم ودعوهم الى تدبر القرآن : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) ثم تتحدث الاية التالية عن تعمدهم نشر أخبار آتية من الخارج ـ بقرب هجوم مثلا ـ لتخويف أهل المدينة دون الرجوع الى أولى الأمر أى أصحاب الشأن المسئولين عن أمر الأمن والاستعداد الحربى ومعهم الرسول نفسه القائد:(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ )(النساء 82 : 83 ).

3 ـ وقبل الاشاعات الخاصة بالأمن والحرب بدأ المنافقون بما يعرف بحديث الافك ، والذى يقول فيه رب العزة جلّ وعلا :(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) بدأه المنافقون إشاعات سامة وسرعات ما انتشرت: ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ )( النور 11 : 18  ). وفى كتابنا (القرآن وكفى ) وفى برنامج ( فضح السلفية ) خصصنا حلقة فى إثبات أن حديث الافك لا شأن له بالسيدة عائشة ، وإنما كان إتهامات مفتراة لنساء مؤمنات غافلات نتج عن توطين المهاجرين والمهاجرات بين الانصار ، واحتياج المهاجرين والمهاجرات الى العون ، وهذا التعاون النبيل أوجد اختلاطا إستغله المنافقون فى نشر إشاعات تمس شرف المؤمنات العفيفات .

4 ـ وفى وقت الحرب اشتدت حربهم النفسية بالاشاعات ، خصوصا فى حصار الاحزاب ، وقد فصّلت سورة الآحزاب أحوال سكان المدينةوقتها من مؤمنين صادقين ومنافقين ، واوضحت تنوع المنافقين وتخصص بعضهم فى نشر الاشاعات وأقاويل التخذيل والتثبيط والتعويق عن الحرب عن الدفاع عن المدينة فى وقت عصيب . ونقتطف الآيات التالية:(إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا)( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ). بل فى هذا الوقت العصيب ظهر أنهم كانوا يريدون انتهاز الفرصة للقيام بعصيان مسلح ،وهذا منتظر ومتوقع ،ولذا هددهم الله جل وعلا إن لجأوا الى الصدام الحربى بالمؤمنين (أو الثقف بالتعبير القرآنى ) فقال جل وعلا:( لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا )(الأحزاب:10 : 20 ، 60 ـ  ).

5 ـ وتكررت حربهم النفسية فى غزوة ذات العسرة، فلم يشاركوا فيها سوى بنشر الاشاعات والاستهزاء بالمجاهدين الفقراء الذين كانوا يتجهزون للخروج بأموالهم وأنفسهم:( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(التوبة 79 ). ولو خرجوا مع الجيش ما زادوا المجاهدين إلا خبالا ، يقول جل وعلا:(وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(التوبة 46 : 47 ).أى من المؤمنين من أدمن سماع المنافقين : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ). والله جل وعلا هو العليم بهم : (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ).

6 ـ وتخصصت بعض الاشاعات فى إيذاء النبى عليه السلام والمؤمنين، فقال جل وعلا :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )(الاحزاب 57 : 58 )، ولكن استمرار هذه الاشاعات المؤذية شجعت بعض الصحابة المؤمنين غير المنافقين على إيذاء النبى محمد أيضا فقال لهم جل وعلا يحذرهم من الوقوع فى نفس ما فعلته عصاة بنى اسرائيل بموسى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ) ( الاحزاب 69 : 70 )  

7 ـ وانتشرت الاشاعات لتجعل المدينة خلية نحل تطنّ بالهمس والتناجى بين الناس حتى أصبحت (النجوى) عادة وقتها مما إستلزم ان ينزل فيها تشريع يبيح التناجى بالخير :(لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) ويقول جل وعلا عن التناجى الحرام المنافق الاثم : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)(النساء 114: 115). وفى تناجى المنافقين جاء وصفهم بالعداء لله جل وعلا ورسوله:( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )، ونعرف من الآية التالية أنهم صمموا على عصيان الأمر بترك التناجى الآثم تحديا لله جل وعلا ، بل يواجهون النبى بتحية غير تحية الاسلام تهكما: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ). ولأن النجوى أصبحت عادة لدى بقية الصحابة خارج مجتمع المنافقين ، فقد أعاد الله جل وعلا تحذير المؤمنين،وأمرهم بان يكون التناجى فى الخير وليس فى الشّر وعصيان الله تعالى ورسوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).وأكّد رب العزة أن نجوى الشّر هى من الشيطان لايقاع الضرر بالمؤمنين : ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ). وتنتهى الآيات بالتأكيد على أن المنافقين المتناجين هم حزب الشيطان:( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ)( المجادلة 5 : 20 )

رابعا : تأسيس الدين الأرضى على الشائعات الكاذبة  

1 ـ دين الله جل وعلا هو الحق ، ولكنّ أديان البشر المصنوعة تطغى وتبغى على هذا الحق بالافتراء والكذب ، وصناعة الأديان هى عادة سيئة للبشر يرعاها الشيطان بوحيه المستمر ، ويتلقى الناس هذا الوحى ويصغون اليه ويرتضونه وبه يرتكبونه العصيان على أنه دين الله جل وعلا: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً)(الأنعام 112 : 114 ).

2 ـ ويزعم أرباب الدين السّنى أن الأحاديث هى ( سنّة ) ووحى من الله جل وعلا . وهذه خرافة مضحكة يضحك منها المكتئب الحزين ، فهل نزل جبريل بالوحى على ( مالك ) فصاغ مالك ( الموطّأ ) بنسخ مختلفة كتبها فلان وفلان ؟ وهل نزل جبريل بعده على الشافعى فى كتابه ( الأم) وكلّف الشافعى تلميذه المزنى بكتابة هذا الوحى حتى لا يضيع ؟ وهل نزل جبريل على إبن حنبل والبخارى ومسلم والنسائى والترمذى ..الخ .. هل تفرغ جبريل بالنزول بالوحى على كل من كتب كل تلك الكتب من الأحاديث مع تضاربها واختلافها وتزايدها فى العدد من مئات الى ملايين ؟ هى كما قلنا نكتة يضحك منها الحزين . ولكن هذه الكوميديا المفتراة أصبحت مقدسة ، وقامت وتقوم على أساسها دول كالسعودية الوهابية ، وتعتنقها جماعات سياسية تسعى الى الحكم،واصبحت منه قاب قوسين مثل الوهابية المصرية ممثلة فى الاخوان والسلفيين ، ومن تبعهم بالسوء الى يوم الدين .!

2 ـ ومن تلك الأحاديث ما يخدم غرضا سياسيا ، فاختراع الأحاديث من البداية كان على هامش الفتنة الكبرى والتطاحن السياسى والعسكرى بين الصحابة فى عهد الخلفاء الراشدين ، ثم استمر بعدهم فى الدولة الأموية برعاية مبكرة من أبى هريرة خادم الأمويين ، وحين بدأ بنو العباس دعوتهم السرية السياسية تحت شعار غامض يقول ( للرضى من آل محمد ) حرصوا على نشر أحاديث تبشر بدولتهم وتتنبأ بها مقدما ، ثم بعد قيام دولتهم الفعلى استمروا ـ و بلا خجل ـ فى صناعة أحاديث تتنبأ بأسماء الخلفاء العباسيين .

3 ـ ثم تنوعت موضوعات الحديث من السياسة الى التشريع والغيبيات وكل أنواع (الهجص )، وكلها أسهمت فى نشر الثقافة السمعية ، فما يسمى بعلم الحديث يقوم على (السماع )، أى (سمع فلان من فلان ). وحتى بعد التدوين وانتهاء فترة الرواية الشفهية ظل السائد  ان يقال فى تاريخ أرباب الحديث إنه ( سمع من فلان ) بدلا من أن يقول ( تتلمذ على يد فلان ). أى إن النجوى المنهى عنها قرآنيا أصبحت منهج حياة وتعلم فى تاريخ المسلمين بعد ان تم تهميش ثم إجهاض العلم الحقيقى الذى قاده فى العالم وقتها علماء مسلمون أفذاذ من الكندى وابن سينا و جابر بن حيان والفارابى ..الى ابن رشد . إحتل فقهاء الحيض والنفاس مكانة الحكماء والأطباء والمكتشفين والمخترعين الذين بهروا العالم ، من الرازى والبيرونى الى ابن النفيس والزهراوى وابن الهيثم . الأفظع هو نشر الثقافة السمعية ، بتصديق أى كلام طالما يقال فى بدايته ( قال رسول الله ). ويحضرنى هنا تعبير ظريف قاله الشيخ محمد غزالى فى كتابه ( تراثنا الفكرى ) إذ سمى الأحاديث بالشائعات العلمية . وهو محقّ فيما قال .

4 ـ والدين الأرضى السّنى حين يؤسس على اكاذيب ، أو على ( شائعات علمية ) فمن المنتظر مع ترسيخ الثقافة السمعية لدى الأغلبية الصامتة أن تتشرب ببطء ما يلقى على أسماعها. الدين الأرضى الصوفى مثلا أشاع ان أولياء الصوفية هم المقصودون بقوله جل وعلا (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)،ويتناسون تكملة الآيات:(الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ )( يونس 62 : 63 ) ، أى إن الولاية لله جل وعلا متاحة لكل من أراد أن يكون طيلة حياته مؤمنا تقيا وليست محتكرة لطائفة أو جماعة . ولكن الالحاح على الأغلبية الصامتة بثقافتها السمعية جعلها تؤمن أن أولياء الصوفية هم أولياء الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون.  والدين الأرضى السّنى أشاع أن السّنّة النبوية هى ما كتبه البخارى وأن البخارى أصدق كتاب بعد كتاب الله جل وعلا، وهذا ما أجمعت عليه الأمّة، والاجماع عندهم من مصادر التشريع.    بل لا يزال يتغنى بعضهم بإجماع الأمة وهو يقرأ كتب ( الملل والنحل ) التى للمسلمين من الأشعرى الى الشهرستانى وابن حزم . بل يجتر حديث ( أفترقت أمتى الى كام وسبعين فرقة ) بل ربما يعرف قول ابن حنبل : (من إدعى الاجماع فى شىء فقد كذب، فما أدراه أن إختلف الناس وهو لايعلم). بل وهو يسمع انفجارات القنابل فى العراق بين السّنة والشيعة. ولكن بالالحاح المستمر آمنت الأغلبية الصامتة بهذا الهراء .

أخيرا : السلفيون والاخوان المسلمون وحرب الاشاعات

1 ـ أتى على مصر حين من الدهر تشربت فيه أغلبيتها الصامتة الشائعات الصوفية فاعتقدت فى خرافات كرامات الأولياء وتقديسهم،واستمر هذا طيلة العصرين المملوكى والعثمانى . وبعد أن اقام عبد العزيز آل سعود إمارته فى نجد وتوسع فيها ليصل الى الأحساء  ثم يحتل الحجاز إضطر للتعامل مع مصر التى أسقطت من قبل الدولة السعودية الأولى عام 1818 . وعمل عبد العزيز على تغيير التدين المصرى الصوفى بانشاء الجمعيات الوهابية تحت اسم السّنة والسلفية وتتوجت بالاخوان المسلمين عام 1928. وبالظروف المواتية قبل وبعد حركة الجيش عام 1952 سياسيا وعالميا وبالبترول وبالحاح الاعلام والتعليم والمساجد والأزهر وخلال  ثمانين عاما استطاع الاخوان المسلمون والسلفيون إقناع الأغلبية الصامتة المصرية أن الاخوان والسلفيين هم الأجدر بحكم مصر باسم رب العالمين. وظهر هذا فى الانتخابات النيابية عام 2012 .  

2 ـ والذى لا شكّ فيه أن مصر قد تحولت أيام الانتخابات النيابية الى دوىّ من النجوى برع فيه الاخوان والسلفيون بأكثر من منافقى الصحابة ، مع فارق أن الأغلبية الصامتة المصرية كانت تفضّل المتناجين بالباطل من الاخوان والسلفيين على غيرهم . نقول المتناجين بالباطل لأنهم كانوا ولا يزالون يقدمون أنفسهم على أنهم المختارون من الله لحكم المصريين ،وأنهم الممثلون للاسلام ، وأنّ من يختار غيرهم فقد ارتضى غير الاسلام دينا. ونجح هذا التناجى الباطل الخادع الأفّاك.

3 ـ ولا يزال ينجح .‍!!

اجمالي القراءات 15356