المقال السابع من سلسلة الاستنعاج
المشرب العذب كثير الزحام

نبيل هلال في الجمعة ٢٠ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

وإذ حفل تراثنا الديني وموروثنا السياسي بعظيم التحذير من الخروج على المستبد  ,ففيه قتال المسلم لأخيه المسلم , وتوعَّدا المخالفين بالثبور وعظائم الأمور , فما بال من خرجوا بالسيف من كرام المسلمين على كرام المسلمين ؟ مع علم الجميع أن القاتل والمقتول كليهما في النار! فقد خرج طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأم المؤمنين عائشة علَى عليّ بن أبي طالب وهو الحاكم الشرعي للبلاد وكلهم مبَشرون بالجنة : قَتَلة ومقتولون!  كذلك خرج معاوية بن أبي سفيان علَى عليّ بن أبي طالب , وكان هدفه المعلن هو الانتقام من قتلة عثمان , بينما كان هدفه الحقيقي هو السلطة  والخلافة .                                     ولما قَدِم معاوية المدينة بعد توليه الخلافة , دخل دار عثمان بن عفان , فقالت عائشة بنت عثمان : وا أبتاه وبكت , فقال معاوية : يا ابنة أخي إن الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أمانا , وأظهرنا لهم حلما تحته غضب , وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد , ومع كل إنسان سيف , وهو يرى مكان أنصاره , فإن نكثناهم نكثوا بنا , ولا ندري أعلينا يكون أم لنا , ولأن تكوني بنت عم أمير المؤمنين خيرا من أن تكوني امرأة من عرض المسلمين : ابن حمدون ( 495 – 562 هجرية ) : كتاب التذكرة الحمدونية .

ولا جديد تحت الشمس , فسنن طلاب الدنيا المستترين وراء الدين ماضية في كل زمان ومكان ,  .  

وكان من تداعيات الانقلاب الأموي إنكار الحقوق السياسية للمواطن وإقصائه عن مواقع توجيه مصيره ومصير الأمة, وتُرك ذلك كله للخليفة وعائلته . وتم تبرير مصادرة الحقوق السياسية للمواطن بمعاذير فقهية لفّقها بمهارة فقهاء السلطان , فاستكان الناس . وما دام وعي ا لناس لم يبلغ حد الشعور بالظلم والإيمان بضرورة رفضه , فلا تغيير .  

ولم تضع الحرب أوزارها بين المسلمين بأيلولة العرش والأموال إلى معاوية , ولكنها استمرت تحرق المسلمين بلهيبها , فكانت معارك الأمويين والخوارج والزبيريين  والعباسيين , وغيرها مئات من المعارك على السلطة والمغانم تطاحنت فيها أرستقراطيات سياسية ودينية , فالمشرب العذب كثير الزحام .  

واستمر هذا الصراع على السلطة والمال إلى أيامنا تلك . وذلك كله بين تعظيم المؤرخ المنافق لكل من شارك في هذه المجازر والصراعات على الحكم , وبين غياب اعتراض  مشايخ السلطان عليها إذ يرونها  اجتهادا  من الأطراف المتقاتلة , بقصد إبراء ذمة القتلة من دم المقتولين فكلهم حَسِنُوا  النية , اجتهدوا جميعا , فمنهم من أصاب , ومنهم من أخطأ , ولم يقل لنا أحد من فقهاء السلطان ما دام الأمر على ذلك التفسير , فما الحكم في دماء من قُتل؟  

أليس من المراوغةتعليل حروب طاحنة راح ضحيتها الكثيرون , بأنها اجتهادات ؟ ولماذا لا يجوز اعتبار الخروج على ولي النعم المستبد بأنه اجتهاد أيضا ؟ ذلك لا يجوز في نظر فقيه السلطة الذي يفتي بأن خروج المسلم - المقهور المنهوب الجائع - بسيفه على المستبد طلبا للقمة العيش يؤمِّنها لأولاده , هو كفر بواح يوجب الرمي في قعر الجحيم , هكذا كان تواطؤ  كهنة الإسلام. نبيل هلال هلال



 

اجمالي القراءات 9236