مشروع قانون الجمعيات الجديد هو جريمة إزدراء للمصريين !

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٠ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

 هذا المشروع لقانون الجمعيات فضيحة بكل المقاييس ، تتكون هذه الفضيحة من 78 مادة بتفصيلاتها وتفرعاتها لاجهاض العمل التطوعى ، بحيث كان من الأفضل الاكتفاء باعلان رفض قيام الجمعيات أصلا وتحريم  العمل العام توفيرا لكل هذه المواد وذلك العناء ، فهذا أفضل من تعقيدات هذا القانون وتحكمه فى المصريين وإرعابهم وارهابهم بعقوبات الحبس والغرامة .

ثانيا : رد إجمالي على هذا المشروع :

1 ـ  آن الأوان لتطهير التشريع المصرى دستوريا وقانونيا لإقامة نظام ديمقراطى حقوقى لا مركزى ، يتيح الفرصة واسعة للمواطنين المصريين للتحرك الايجابى ونزع خمول السلبية ، مع تطهير قانون العقوبات من مظالم قانونية كثيرة تنتهك حقوق الانسان ، وإضافة قانون جديد يعاقب بالحبس المشدّد كل من يزدرى الشعب المصرى ، مع تحديد جريمة الإزدراء بأنها وضع قانون ينتهك الحرية والكرامة المصرية ويتعارض مع حقوق الانسان . وأن يكون هذا القانون واجب التنفيذ لردع البروقراطية المصرية وترزية القوانين من ممارسة ساديتهم فى تعذيب وقهر وتكبيل الشعب المصرى ، كما يتضح فى مشروع هذا القانون الذى يحتقر المصريين ويزدريهم ويكرههم كراهية شنيعة .

2 ـ  عموما ، فإن صناعة تشريع قانون ما تعبّر بصراحة عن طبيعة النظام القائم .

لو كان نظاما ديمقراطيا فالتشريع ليست فيه ( حكومة ) أى حاكم ، ولكن فيه إدراة للخدمة العامة ، أى تخدم الشعب ، وينتخبها الشعب وله حق إزاحتها ومحاسبتها . هنا يكون تشريع قانون الجمعيات الأهلية قائما على التيسير والترحيب وتدعيم حق المواطنة فى المشاركة المجتمعية ، بل وشكره لأنه يخفف من اعباء الادارة .

أمّا إذا كان النظام استبداديا فهو ( حكومة ) تحكم الشعب وتستعلى على الشعب وتحتقره وتستعبده ، وتنكر حق أفراده فى المشاركة وفى التصرف باستقلالية بعيدا عن (حكم ) و( تحكم ) السلطة المستبدة. من هنا فحين تضطر تلك السلطة المستبدة الى إقرار قانون للجمعيات الأهلية فلا بد أن يعبر عن وجهة نظرها فى إحتقار الشعب  وإخضاع العاملين فى الجمعية للروتين المعقد وتعريضهم للسجن والغرامة لو خالفوا تلك التعقيدات. أى يصبح القانون فخّا للايقاع بمن يريد المشاركة فى بناء وطنه ، فخّ تمّ إعداده مع سبق الاصرار والترصّد والتعمد ، من جهاز بيروقراطى عتيد متخصص فى التنغيص على المصريين ومصّ دمائهم وتكبيل حركتهم .

وهذا ما يتجلى فى هذا المشروع  الذى تفوق فى تعقيداته ومحظوراته على القانون رقم  32 لسنة 1964قانون والقانون رقم 48 لسنة 2002 .وننتظر آراء الخبراء القانونيين فى توضيح عوار هذا المشروع وخطورته .

3 ـ ان العمل الطوعى لا يمكن ان يضع ضوابطه موظف حكومى لا يفهم إلا فى الروتين ، ويكره بطبيعته وجود جمعيات غير حكومية تخرج عن سلطانه . وبالتالى فأى مشروع قانون للجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى لا بد أن يضعه ويوافق عليه المشتغلون بالعمل التطوعى فى تلك المنظمات والجمعيات والمراكز . ومن السخف أن تضم منظمات المجتمع المدنى خبراء فى القانون والتشريع وخبراء فى نطاق عملهم ثم يعهد الى موظفين حكوميين لتأليف قانون يسرى عليهم ويكبّل حركتهم .

4 ـ إن الثورة المصرية الراهنة هى جهد تطوعى ، أسفر ويسفر عن قيام منظمات جديدة للمجتمع المدنى ، وبالتالى فلا بد من قانون جديد يواكب التغيرات الجديدة ويتصالح معها لا أن يكبلها ويقيدها .

5 ـ بعد فشل الحكومات المركزية فى أحراز التنمية برغم تدخلها فى كل شىء ، وبعد سقوط الأنظمة الشيوعية فى الاتحاد السوفيتى الذى كان وفى أوربا الشرقية ، وبعد حركات الاصلاح فى الصين وغيرها إتضح فى دول العالم الثالث أهمية تنسيط العمل الاجتماعى وإستغلال رأسماله البشرى فى تحقيق التنمية. وبهذا ظهر نمور آسيا فى سنغافورة وماليزيا وكريا الجنوبية وتايوان تنافس اليابان ، وكلها مع تحجيم التدخل الحكومى وتشجيع العمل الفردى وتجميع الأفراد فى جمعيات مدنية متنوعة ، يعبّر من خلالها الأفراد عن توجهاتهم ويخدمون مجتمعهم ، وذلك تخفيف عن الحكومة ومساعدة لها . أما البيروقراطية المصرية فلها شأن آخر ، فقد تعودت على التحكم والتسلط والفشل وكراهية المواطن المصرى والاستعلاء عليه و التدخل فى حريته والحدّ من فاعليته ، وبذلك يكون من غير المقبول أن يسند اليها تقنين عمل الجمعيات والتحكم فيها. 

6 ـ والنتيجة لهذا المشروع لو تمّ إقراره قانونا هو شغل مصر بالنزاعات والمحاكم ، فلا بد من قيام الجمعيات برضى أو عدم رضى الحكومة ، ولا يمكن الالتزام الحرفى بكل تعقيدات هذا القانون ، وإذن فسيلجأ الأفراد الى التحايل والالتفاف حول القانون واستغلال ثغراته ، ورشوة المسئولين ، مما يزيد فى حجم الفساد ، بل سيتيح للسلطة فى نفس الوقت التغاضى عن محاسبة من تريد ممن ينتهك القانون، مع تلفيق التهم لمن تريد الايقاع بهم من القائمين على تلك الجمعيات. وهذا سهل جدا ففى القانون الكثير من البنود المعقدة و المبهمة والمطّاطة ،وفيه الحكم بالحبس والغرامة .

ثالثا : نظرة سريعة لمشروع القانون :

بمراجعة سريعة لهذا المشروع نلاحظ الآتى :

1 ـ اسلوب التحكم فى عمل الجمعيات بحيث يجعلها أقرب الى المصلحة الحكومية ،  بل مقيدة ومكبلة أكثر من المصلحة الحكومية. يتجلى هذا فى مواد كثيرة مثل إنسحاب العضو (مادة 20 ) وحلّ الجمعية ( م 34 : 39 ).وتحريم التمويل من الداخل أو الخارج إلا بإذن (م 13 ، م 14 ) مع الاحالة الى اللائحة التنفيذية. وحظر عمل الجمعية فى أكثر من ميدانين إلا بإذن . والطريف ان المادة العاشرة تمنح ميزة للبيروقراطية أن تتوظف فى هذه الجمعيات لتمارس التحكم فعليا .

الأفظع هو المادة الثالثة التى تصادر المراكز المنشأة طبقا للقانون التجارى المصرى للشركات ، مثل منظمات المجتمع المدنى العاملة فى التنوير وحقوق الانسان والتنمية البشرية كابن خلدون ومركز النديم  ، لأن هذه المادة تحرم على تلك المراكز العمل فى مجال الجمعيات ، كما أن هناك مادة أخرى تحظر على الجمعيات العمل السياسى والنقابى .

2 ـ المشروع معقد وملىء بالتفريعات والشروط القانونية و المحظورات و تقديم مستندات لا ضرورة لها كما لو كنا فى عهد عبد الناصر وسيطرة الدولة على كل نشاط .يلاحظ التعقيد فى أغلب مواد المشروع ، ومنها الاحالة الى اللائحة التنفيذية التى تزيد تعقيد القانون المعقّد أصلا ، ويبدأ التعقيد فى النظام الأساس للجمعية ( م 4 ) وتعدد المستندات الخاصة بالجمعية وتعدد نسخها ( م 5 ) ، وإلزام الجمعية بالسجلات الحكومية وتنفيذها ( 15 ) وفى الميزانية ( 17 ) وفى اجتماعات الجمعية العمومية ومجلس الادارة ( م 21 : م 33)..الخ .

3 ـ بالاضافة الى عقوبة الحبس والغرامة ، أو الغرامة فقط ( م 72 ) وذلك عند مخالفة المادة التاسعة التى تحذر من عسكرة الجمعيات ومن الدعوة الى التمييز بين المواطنين وتهديد الوحدة الوطنية  ومن مخالفة النظام العام والآداب . وهى تهم مطاطة لتتيح للسلطة الانتقاء والتفسير حسبما تشاء ـ ومطاردة خصومها مع غض الطرف عن فساد أتباعها من أصحاب الجمعيات . والدليل أن معظم الجمعيات السلفية ومساجدها تحترف تكفير غير المسلم وتنشر فكرها الوهابى الذى يشجع على الخروج على النظام العام ، ومع ذلك فلم يقترب منها قانون الجمعيات الحالى أو السابق لأنه يقف عقبة فقط ضد الجمعيات التى تدافع عن المواطنة وحقوق الانسان والديمقراطية.

4 ـ وفى المشروع بعض إيجابيات تتمثل فى الاعفاء من بعض الرسوم وبعض الضرائب وبعض المستحقات فى النقل واستهلاك الكهرباء والغاز . ولكن هذه المميزات لا تعادل ما فى المشروع من تعقيد وتحكم وتحريم وحظر وتهديد بالحبس .

وننتظر مراجعة من المتخصصين فى القانون أكثر إحكاما وإلماما.

رابعا :  مقترحات بديلة

1 ـ بدلا من هذا التعقيد لماذا لا نستفيد من القوانين الأمريكية والغربية فى تقنين عمل الجمعيات ؟ أى هو مجرد إخطار بتكوين الجمعية ، مع إستمارة موحدة تصدرها الادارة المحلية لمن يريد إنشاء جمعية ، وتحوى هذه الاستمارة البيانات المطلوب إثباتها عن الجمعية ، فيملأها من يريد إشهار الجمعية ، وتشمل هذه البيانات : إسم الجمعية وعنوانها وتليفونها وأسماء أعضاء مجلس إدارتها والمسئولين الفعليين عن إدارتها ورقم حسابها البنكى ، وأهدافها ووسائلها فى تحقيق هذه الاهداف، وقواعدها فى التعامل الداخلى مع إعضائها مع تعهد الجمعية بعدم مخالفة القانون والدستور، والالتزام بعدم عسكرة الجمعية والالتزام بتحقيق أهدافها المعلنة . هذا فى الصفحة الأساسية من الاستمارة ، أما فى الصفحة الأخرى فتحوى بعض المعلومات والارشادات والقواعد القانونية فى إنشاء الجمعيات ومالها وما عليها ، والفارق بينها وبين الشركات التى تسعى للربح ، وتعاملها مع الضرائب ، وحدود إعفائها الضريبى ، وضرورة إخضاع ميزانيتها لمحاسب حكومى لمراجعة دخل الجمعية من التبرعات والتمويل المحلى والأجنبى ، ومصروفات الجمعية ، كل ذلك وفقا للقانون العام فى الدولة ، حتى يسترشد مؤسسو الجمعية سلفا بما لهم وما عليهم .وبعد ملء بيانات الاستمارة يسلمها مؤسسو الجمعية الى الادارة المحلية الخاصة بالجمعيات لاعلامهم باشهارها فتعطيهم رقم التأسيس ، وبعدها يتم تعاملهم مع الضرائب ومع المحاسب الذى يمثل إدارة الجمعيات . وبالتالى فإن الاشراف على الجمعيات يقع فى إختصاص الادارة المحلية فى كل محافظة ،أى يكون لها مكتب يصدر التصريح ، ويراقب عمل الجمعية  ولو أخلّت الجمعية بواجباتها يكون من حق الادارة حلّها . كما يمكن حلّ الجمعية من الداخل بمجرد إخطار إدارة الجمعيات مع بيان السبب.

8 ـ  : إذا كان هذا المشروع للقانون ممتلئا بكل هذه المساوىء مقابل بعض تسهيلات ضرائبة واعفاءات جمركية ، فالأفضل تعديله بأن تقتصر التعقيدات على الجمعية التى تقبل التمتع بإعفاءات الحكومة وتسهيلاتها الجمركية . فمن حق الحكومة حينئذ أن تتدخل بكل هذه الغلظة مقابل المميزات التى تمنحها للجمعية . أما الجمعية التى لا ترغب فى أى مميزات أو تسهيلات فليس للحكومة سلطان عليها سوى فى محاسبتها ضريبيا ومراجعة دخلها من التمويل والتبرعات وأوجه الصرف والانفاق .

9 ـ وفى كل الأحوال لا يجوز للحكومة التدخل فى موضوع التمويل . لا نريد من الحكومة تشجيع التمويل بخصم من ضرائب المتبرع كما يحدث فى أمريكا . لا نريد منها تشجيعا ولا تعويقا وتجريما. نريد منها فقط عدم التدخل فى التمويل ، فالحكومة أكبر مستورد للتمويل الأجنبى والعربى ، وهى تستهلكه دون إستفادة للشعب منه ، أمّا التمويل الآتى للجمعيات فالمستفيد منه أفراد الشعب مباشرة . وتعويق الحكومة لهذا الرزق الذى يأتى للأفراد مقابل عمل شريف هو سيئة تضاف الى كبائرها من السيئات والجرائم الى تتسبب فى فقر المصريين وتجويعهم . أى لا تنجح الحكومة فى التنمية وتحقيق الازدهار ولكن تنجح فى حرمان المصريين من خير آت لا فضل للحكومة فيه فتقوم بتعويقه وتجريمه .

بل يمكن أن تفرض الحكومة رسوما على طلب الترخيص ، ورسوما سنوية على الجمعية ، وضرائب على دخلها من التمويل ، وعلى مكافئات أعضائها ، وعلى مشروعاتها الانتاجية والتعاونية ، وأن تخضع الجمعية لإشراف ضرائبى ومحاسبى دقيق وصارم بحيث تكون تلك الجمعيات مصدرا لزيادة الدخل القومى دون أى إعفاءات ..هذا مقابل تركها تعمل فى حرية .

أخيرا

فى الأحياء الشعبية تعرف النساء ما يسمّى بالجمعية ، أى اتفاق بين أفراد على دفع مبلغ شهرى خلال عام مثلا ، يقبضه واحد منهم كله فى أول الشهر ، ويظل كل منهم يدفع الى أن تنتهى مدة الجمعية. وبهذه الطريقة يحصل الفرد على مبلغ مناسب يتمكن به من الزواج مثلا . ( الجمعية ) هذه تمثل أبسط فكرة عن الجمعية الأهلية و دورها فى مساعدة وتنظيم حياة الموظفين وأصحاب الدخل المحدود والثابت . وهى نشاط نسوى تتميّز به المرأة المصرية التى يطحنها الغلاء وبطالة الأولاد ، وأهم الوسائل فى مساعدة الأسرة المصرية والمرأة المصرية التى يطحنها الغلاء وبطالة الأولاد. وهناك عشرات الملايين من النساء المصريات لهن عشرات الملايين من الأطفال والعاطلين . إمرأتان فقط تتحديان هذه العشرات من الملايين من النساء والعاطلين والعاطلات . واحدة منهما أغلقت بعض الجمعيات التى يتعيش منها عشرات الأسر ، والأخرى أصدرت مشروع هذا القانون لتقضى به على ما بقى من أمل ..

آخر سطر

نريد تكاتف أحرار مصر للوقوف ضد أى تشريع يحتقر المصريين ويزدريهم .! 

اجمالي القراءات 12743