توبة أبينا آدم عليه السلام وشجرة التربية في القرآن!

نسيم بسالم في الجمعة ١٣ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

   إنَّه أبُو البَشريَّة وإمامُ التَّائبين وقُدوة المُستغفرين آدَم عليه السَّلام!

   لقَد خَلقَه الله بيَدَيه مِن طين مِن حمأ مسنُون، وأسجد لَه ملائكتَه سُجودَ كرامَة وخِدمَة؛ وأسكَنه جنَّة لا يَجُوع فيها ولا يَعرى! لا يَظمأ فيها ولا يَضحَى! يأكُل مِنها هُو وزَوجُه رَغدا حَيثُ شاءا، إلاَّ أنَّه نَهاهُ عَن الأَكل مِن شَجرَة واحِدة ووَحيدَة اختبارا وامتِحانا!

   تُرى! هَل نَهى الباري عزَّ وجل آدَم عَن تِلك الشَّجرة نَهي حِرمان وتَضييق؟!

 كلا! بل أرادَ أن يُفهِمه هُو وذُرِّيتَه مُنذُ البِدايَة أنَّه ما خُلِق إلا ليُمتَحن ويُبتَلى ويَميزَ الله في النِّهايَة الخَبيثَ منَ الطَّيِّب، والمُحسِن مِن المُسيء، ويُثوِّب كُلَّ واحِد جزاءَ عملِه إن خيرا أو شرا! فالدُّنيا دارُ عَمل والآخِرَة دارُ جَزاء!

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب : 72].

   وتُرى لِم نَهاه عَن قربان شَجرة واحِدة؟! ولِم لا تَكون اثنَتان أو ثَلاث؟ أو نَوعا مِن الثِّمار رُبَّما؟!

   كذلكَ ليُرسِل لَه ولعقِبِه مِن بعدِه رسالَة واضِحَة فَحواها أنَّ في الحَلال الكَثير غُنيَة عَن الحَرام؛ وأنَّ نسبَة الحَرام الخَبيثِ إلى الحَلالِ الطَّيِّب هيِّنَة وبسيطَة؛ ومَع ذَلِك يُزيِّنُ الشَّيطان ذَلك الحَرام ويُضخِّمُه؛ ويُخيِّلُ للإنسان وكأنَّ الله لَم يُرِد بِه إلا الكَبتَ والحِرمان؛ وأنَّه قَد فاتَه بامتِناعِه وتأبِّيه عَن ذَلكَ الحَرام خَير عَظيم؛ في حينِ أنَّ الخَير كُلَّه فيما شَرعَ الله، والشَّر كُلُّه فيما نهَى الله؛ بُكلِّ المقاييس!

* لَقَد استَعجَبَ المَلائِكة بادئ الأَمر إرادَة الباري عزَّ وجل؛ جَعل مَخلُوق في الأَرض يُفسِد فيها ويَسفِك الدِّماء! كيفَ وهُم يُسبِّحُون بِحمدِه تَعالى ويُقدِّسُون لَه! ثُمَّ إنَّهُم رضُوا بعدَ ذَلك وسَجدُوا لِحكمَة الله وسابِق قضائِه لمَّا علَّم آدَم الأسماء كُلَّها؛ وأدركُوا فضلَه عَليهِم؛ وتعهَّدُوا خالِقَهُم بِخدمَته دُنيا وأُخرَى!

- أمَّا إبليس فلَم يُكن مِن السَّاجِدين عُجبا واستِكبارا؛ وشَمخ بأنفِه على أمر ذي العزَّ والجَلال؛ فكانَ هذا سَببا في طَردِه مِن رحمتِه ولعنَته إلى يَوم يُبعثُون! ثُمَّ إنَّه أعلَنها حربا شَعواء عَلى هذا المَخلُوق الضَّعيف حَسدا وبَغيا؛ وتعهَّد ربَّه أن يأتيَه مِن بين يَديه وَمن خَلفِه حتَّى لا يكُونَ مِن الشَّاكِرين فيَكُون بذَلك قسيمَه في سَواءِ الجَحيم! وهذا طَرفٌ مِن قصَّتِه في سُورة الأَعراف لنتأمَّلها!

{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18)} الأعراف.

* أمَّا تفصيلُ عالَم المَلائِكة وعالَم الشَّياطين؛ فذَلك مَوضُوع يَطُول؛ وأسأل الله أن نُفرِدَه بَحديث مُستَقل؛ وإنَّما يهمُّنا في هذه الأسطُر مَوضُوع آدَم وتَوبته وكَيفَ غوَى؟ وكيفَ أنابَ إلى ربِّه؟ ثُمَّ نَصيحَة الله تَعالى إلى كُلِّ ذُرِّيته حتَّى لا يَقَع فيما وَقع فيِه أبُوهم.     وما كاَنت قِصص القُرآن أحاديثَ تُفتَرى أو أساطير يُتفكَّه بِها في المَجالس؛ بل كُلُّها عِبر وقَوانين تُنيرُ البَصائِر وتُوقظ الضَّمائِر، وتُرشِدُ كُلَّ حائِر؛ وتُعلِم أيَّ ضال إلى أيِّ مصير هُو صائِر قَبل أن تَحيقَ بِه الدَّوائر، ويتلظَّى في نارِ جهنَّم وهُو مذمُومٌ داحِر!

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف : 111].

* لا يَشتَفي غَليلُ إبليس ولا يبرُدُ سُعارُه حتَّى يَحرِم الإِنسان مِن جنَّتِه التي يتقلَّبُ فيها آمِنا مُطمئنَّا؛ إن جنَّة الدُّنيا أو جنَّة الآخِرة! وعبارَة أُخرى هَدفه الرَّئيس إخراجُ الإنسان مِن النَّعائِم والخَيرات إلى الضُّر والجَحيم؛ ومِن حياة الهَناء إلى حياة الشَّقاء! ولِذا جاءَ أوَّلُ تَحذير لأبينا آدَم "عليه السَّلام" مِن قبَل خالِقه أن اتِّخذ حذرَك واجمَع أمرَك تُجاه هذا الذي يُريدُ أن يُخرِجَك مِن جنَّتِك بُكلِّ ما أوتِي مِن مَكر ودَهاء!

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)} طه.

- ليسَ آدَم وَحدَه قَد أُكرِم بالجنَّة؛ بل قَد حبانا الله جَميعُنا بجنَّة عَظيمَة وارِفة الظِّلال؛ نستَطيع أن نتنعَّم بخيراتِها ونتفيَّأ نَسائمَها متى صَدقنا في ابتغائِها! إنَّها جنَّة الوَحي التي ذَكرَها الله في مُستَهل سُورة طَه.

{طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3) تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى (8)} طه.

ما أروَع هذا التَّوافُق وما أحلاه! { فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}. { طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}!!

وهذه الآيَة الجامِعة المانِعة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} طَه.

- ما حُرِم أبُ البَشريَّة مِن جنَّتِه التي كانَ يتقلَّبُ فيها هُو وزَوجُه إلا لمَّا فتَرت عزيمَتُه في لَحظَة مِن لحظات الضُّعف الإنساني التي تَنتابُ أيَّ واحِدٍ مِنَّا؛ فجَنحَ عَن أمرِ ربِّه وغَوى؛ وكذا يَخرُج الإنسانُ أيًّا كانَ مِن الحَياة الرَّغدة المُطمئنَّة لمَّا يحيدُ عَن الوَحي ويَنأى عَنه على تفاوُت لَدى البَشَر بينَ مُقل ومُكثِر!

{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام : 26].

- جنَّتُنا في وَحي ربِّنا ورسالاتِه؛ والشَّيطان خَبير بِهذا فتراهُ يقعُد كُلَّ مَرصَد حتَّى يُطوِّحَ بالإنسان بَعيدا عَن هذه الجنَّة الرَّبانيَّة الخَضرة النَّضِرَة؛ كَما فَعل بأبينا آدَم لمَّا أخرجَه مِن الجنَّة تَماما ولا فَرق! فتَرى كَثيرا مِن السَّادِرين بَدل أن يهتمُّوا بِهذا ويُؤكِّدُوا عَليه يتساءَلُون تساؤلات عَقيمَة لا جدوَى مِنها عمليَّا! هَل جنَّة آدَم كاَنت في السَّماء أم في الأَرض؟! ما هي الشَّجَرة التي أكَل مِنها آدَم؛ هل كانَت شَجرة مَوز أم تُفَّاح؟! أينَ نَزل أبُونا آدَم بعدَ خُروجِه مِن الجنَّة؟! وَغيرِها مِن الأسئلة التي لا تُقدِّم ولا تُؤخِّر في جَوهَر المَوضُوع شيئا!

- همُّ الشَّيطان الأكبَر أن يُضعِف همَّتَنا للطَّاعَة والاِمتثالِ لأَمر الله بالإكثارِ مِن الوَساوِس التي يأتي بِها اللّعين في ثَوب نَاصِح أمين! فإذا نَسيَ الإنسانُ عهَد ربِّه وذِكرِه، واستِسلَم لتِلك الوَساوِس فتُر عَزمُه وتلاشَت قِواه، ووَقع في حبائل المَعصيَة ولَو مِن غيرِ رضاه!

{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه : 115].

   ما هُو عَهد الله يا تُرى؟! الجَواب في سُورة يس: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}.

- مَعركتُنا مَع إبليس وجُنودِه باقيَة ما بَقيت السَّماوات والأرض؛ سلاحُنا فيها ضدَّه غَيبيٌّ مَحض! إنَّه الإكثارُ مِن ذِكر الله والالتِجاءُ الدَّائم إليه لحمايَتنا مِن شرِّ الوَساوِس! أمَّا إن استَحوذَ عَلينا وأنسانا ذِكر الله؛ فبئسَ القَرين هُو ! وبئسَت الحَياة هيَ بعد ذَلك!{ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً} [النساء : 38].

{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة : 19].

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6)}. النَّاس

- كَثيرٌ مِن الوُعَّاظ للأسَف عِوضَ أن يشتَغلُوا بِعمارَة قُلوبِ النَّاس باللَّه وردِّهم ردًّا جَميلا إليه؛ يتفنّنُون في وَصفِ المعاصي، ورُبَّما حتَّى ذِكر أماكِنِها؛ حتَّى يستَشعِر مَن هُو بعيد عَن مُستَنقعها الآسِن أنَّه مُتخلِّفٌ وأنَّه قابِعٌ في مُؤخِّرَة الرَّكب؛ فالنّاس قَد وصلُوا إلى ما وَصلُوا إليه وهُو غافِل خارِج مَجال التَّغطيَة كَما يُعبّرُ العَوام؛ فتَراه رُبَّما يُفكِّر في العِصيان بعَد أن كانَ بعيدا عَنه! وهذا المَنهَج في الوَعظ ليسَ مِن مَنهَج القُرآن في شَيء! فالقُرآن يُحارِب النِّسيان الذي هُو سَببُ المَعصيَة بالذِّكر الكَثير لله وآلائِه ونِعمه وآياتِه في خَلقِه؛ ولا يذكُر المَعاصي إلا غِبَّا مِن بابِ التَّعريفِ فَحسب!

* إذَن! لقَد تسلَّل اللَّعينُ إلى آدَم وزوجِه على حيَن غَفلَة مِن أمرِهِما وألقَى في قَلبَيْهما وَسوسَته؛ فصادَفَت مَحلا قابِلا فآتَت أُكلها! والوَسوسَة بمُجرَّد أن تُلقِّحَ القَلب تتولَّد المَعصيَة في أقلَّ مِن لَمح البَصر! !

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}. الأَعراف

- عَجيبٌ مَن يقُول أنَّ آدَم عليه السَّلام أوتِيَ مِن قِبل زوجِه؛ وفرَّخَ عَليه زُورا وافتراءً أنَّ أصل الشُّرور المَرأة! والحالُ أنَّ البيَان القُرآني صَريح في أنَّ الشَّيطان استَهدَفهُما مَعا على قَدم سَواء! فلِم الافتِراءُ على الله والتَّقوُّل عَليه؟!

{ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل : 117].

- عدُوُّ الله خَبير بالنَّفس الإِنسانيَّة وأنَّها دائِمة التَّطلُّع إلى الكَمال اللانِهائي في الخَلقِ والوُجود! فأتاهُ مِن هذين البَابَين، واستَطاعَ أن يلُفَّه في مصيدتِه بُكلِّ خُبثٍ ومَكر!

- دَوما يهمسُ في أذن الإنسان أنَّ اقتِرافَك للمَعصيَة الفُلانيَّة سيَزيدُك تَرقِّيا ورُجولَة، وسيُدرُّ عليك أمَوالا، وسيجعَل لكَ وجاهَة في مُجتَمِعك؛ ويُقسِم لَهُ إنَّه لَمن النَّاصِحين! حتَّى يُدلّيه عَن مَقامِه الرُّوحاني العُلوي بِغرُور؛ أي يُنزِلُه مِن مقام المَلائكيَّة الذي أرادَه الله لَه وحثَّه عَليه إلى أدنَى مِن مَقام البَهيميَّة! هذه هيَ خُطَّة الشَّيطان السَّرمديَّةِ التي يُجلِب عَلينا بِخيلِه ورَجلِه مِن أجل تنفيذِها وتَحقيقِ حُلمِه الأَكبَر؛ بِأن يُجاوِره أكبَر عَددٍ مُمكِن مِن أبناءِ آدَم في جهنَّم والعياذُ بالله!

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر : 39- 40].

-  هُو أدرَى مِن كَثير مِن البَشر التَّائهين الشَّارِدين أنَّ الوِقايَة الوَحيدَة لَلإنسان مِن عذابِ الدُّنيا وعذابِ الآخِرَة إنَّما هيَ في امتِثالِ أوامِر الله عزَّ وجل بالتَّمام والكَمال! فتَراه لِهذا يَجتَهد بُكلِّ مَا أُوتِيَ  كَي يُوقِع الإنسان في العِصيان حتَّى يَحيقَ بِه الخُذلان؛ ويُحرَم مِن نَعيم الجِنان، ولا يكُونُ لَه مِن الله مِن وليٍّ ولا واق!! وقَد نَجحَ في هذا أيَّما نَجاح بِشهادَة القُرآن!

{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ : 20].

- الحِكمَة البالِغَة مِن نَزع لباسِ آدَم هيَ أن يُريَه خالِقَه شُؤمَ المَعصيَة ونذَالَة الإباقِ عَن طاعَة الله سُبحانَه وتَعالى؛ فانكِشاف السَّوأة يسُوءُ الإنسانَ فِطرَة وجبلَّة لا يشُذُّ عَن هذا إلاَّ مَن تجرَّد عَن إنسانيَّتِه وتدنَّى إلى دَركات الحَيوانيَّة!

   فتَرى الإنسانَ السَّوي إذا كانَ في ملأ وجَمع مِن النَّاس يُسارِع إلَى رَفع إزارِه فَور سُقوطِه عَن خاصِرتِه بهُبوبِ ريحٍ مَثلا؛ ولَو تَمادى ولَم يأبَه بالأَمر؛ لا يشكُّ مَن رآه أنَّه قَد أُصيبَ في عَقلِه أو أنَّه قَد حلَّ بِه خَبل وجُنون؛ وهذا مِن آيات الله عزَّ وجل في خَلقِه؛ فلسائِل أن يسألَ: ما الفَرق بين انكشافِ الظَّهر (مَثلا) وانكِشافِ السَّوأة؟! أليسَا جَميعا مِن لَحم ودَم؟! فمَن الذي فرَّقَ بينهُما؟!

   الجَواب: أنَّ الحَكيم الخَبير هُو الذي فرَّقَ بينَ المُتماثِلين خِلقَة؛ حتَّى يُعلِّم عبادَه الإنابَة والتَّوبَة فَور الوُقوع في السُّوء والمَعصيَة مِن غَير تَمادٍ وإصرار؛ كَما يُسارِعُون إلى تغطيَة سَوءاتِهم فَور انكشافِها مِن غَير تراخٍ! والعَجيب أنَّ "السَّوأة" و "السُّوء" مِن نَفس الجِذر اللُّغوي!

{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[الأعراف:26].

- إنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أن يَنزِع عَن الإنسان لِباسَ التَّقوَى بإيقاعِه في المَعصيَة حتَّى يضمَن كَونَه خارِج العنايَة الرَّبانيَّة التي آلى الباري عزَّ وجل أن لا تكُون إلا للأولياءِ والأصفياءِ مِن عبادِه! ولكن الإنسان الجاهِل يَحرِصُ على تجميل نَفسِه باللِّباس المادِّي، والتَّفنُّن في سَتر نَفسِه عن التَّبذُّل والعُري؛ ولا يُولي أيَّ اهتِمام للتَّوبَة النَّصُوح، والمُحافَظة على لباسِ التَّقوى في كُلِّ حين وفي كُلِّ آن!

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس :62- 64]..

- ويُعجبُني في هذا الصَّدد إشارَة بعض العُلماء للَطيفَة مليحَة؛ هيَ أنَّ الشَّيطان يأتي الإنسان أكثَر ما يأتيه مِن جانِبِ شَهوَة الفَرج والجِنس؛ وعَلامَة ذَلك كَثرة السُّفور والعُري، وانتشار الأَفلام الإباحيَّة وأوكار الدَّعارَة؛ ولا يبعُد مِثلُ هذا المَلمَح في هذا السِّياق؛ ولَكن مِن غَير أن نَحصِر مداخِل الشَّيطان للإنسان في هذا فقَط؛ فاللّعين لا يَترُكُ ثَغرَة يستَطيعُ أن يلَج مِنها للإنسان إلا طَرقَها، ولا يهمُّه أيُّ سُبل الضَّلال يسلُك الإِنسان! المُهم عِندَه أن يَجتَمع مَعه في نارِ جهنَّم وفقَط!

* الآن وبَعد أن ذاقَ آدَم وزوجُه مِن الشَّجَرة التي نَهاهُما الله عَنها ووَقعا في حبائِل المَعصيَة كيفَ تصرَّفا بعدَ ذَلك؟!

يقُول الله تَعالى واصِفا المَشهَد: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف : 22].

- لقَد تحرَّكَت الغَريزة الفِطريَّة التي تحدَّثْنا عَنها آنِفا في تغطيَة السَّوأة وحِفظِها لَدى آدَم وزَوجِه؛ فهبَّا في سُرعَة إلى خَصفِها بما ألفَياهُ أمامَهُما مِن ورَق الجنَّة؛ وفي هذا دَرس بَليغٌ مِن الباري عزَّ وجل أن تُوبا وأنيبا إلى ربِّكُما مِن قَريب؛ واستَحِيا مِن المَعصِيَة كَما استَحيتُما مِن بدُوِّ عَورتيكُما فسارَعتُما إلى تغطيَتهما!

- مِن الفِطرة السَّويَّة للإِنسان أيضا تلويمُه لنَفسِه وشُعُوره بِوَخز في الضَّمير كُلَّما وَقع في إحدَى مَحارِم الله عزَّ وجل؛ وإحساسِه أيضا أنَّ هُنالِك عدُوًّا ما يتربَّصُ بِه؛ وإن لَم يُدرِك الكَثير مِن تفاصيل مَكرِه ورِجسِه! ما لَم يَطبَع الله على قلبِه بِإصرارِه الدَّائِم على ذُنوبِه، ويَختِم – والعياذُ بالله- على سَمعِه وبصَرِه فلا يُميِّز حقا مِن باطِل؛ ولا هدايَة مِن ضَلال!

 يُمكِن أن نَستشفَّ كُلَّ هذا مِن قوله تعالى: { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف : 22].

   فهذا النِّداء لا يُمكِن حَصرُه في آدَم وزوجِه؛ بل القصَّة عبرَة لَنا وعِظَة نستَخلصُ مِنها ما يُناسِب واقِعنا امتِثالا لِقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 27].

   ومِن هُنا نُدرِك عَظمَة القَسم بالنَّفس اللَّوامَة في مُستَهل سُورة القيامَة؛ لأنَّها الكَفيلَة بإرجاعِ الإِنسان إلى ربِّه إثرَ جُنوحِه عَن أيِّ أمرٍ مِن أوامِره تَعالى؛ فهيَ بمثابَة جِهاز دَقيقٍ حسَّاس يُشعِر الإنسان أنَّه قَد حادَ عَن الطَّريق السَّوي كُلَّما جَمحت بِه نفسُه الأمَّارة بالسُّوء وأردتهُ في الهَلكَة!

{بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة :14- 15].

- ما كانَ مِن آدَم وزوجه بَعد أن تطوَّحا في مُستنقَع المَعصيَة بتزيين مِن إبليس اللَّعين إلاَّ أن رَفعا أكُفَّ الضَّراعَة إلى مولاهما الحقّ سُبحانَه وتعالى مُناشِدين إيَّاه: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف : 23].

  - هذه العبارَة يَنبغي أن تُكتَب بِماء الذَّهب؛ وتُعلَّق على الجُدران، وتُرصَّع بِها اللَّوحات، وتُنشَر على صَفحات الأنترنت حتَّى تكُون تَبصِرة وذِكرى لكُلِّ عَبد مُنيب!! وأَحرى أن يُفعَل بِها هكذا وأكثَر؛ كيفَ لا وهي مناطُ النَّجاة مِن عذاب الخَزي في الحياة الدُّنيا وفي الآخِرة؟!

* مِن خِلال تَوبَة أبينا آدَم عليه السَّلام يُمكِن لَنا أن نكتَشف بعض الأَمراض القَلبيَّة الخَطيرَة التي تصُدُّ كثيرا مِن عُصاةِ المُسلِمين عَن التَّوبَة النَّصُوح إلى الله كَما تابَ أبُوهُم مِن قبلُ؛ وسنَرى بوُضوح سرَّ تَقهقُر المُسلمين وانخِذالِهم؛ لأنَّ الجنَّة التي وعدها الله عبادَه المُتَّقين في الدُّنيا قَبل الآخِرة قَد ضيَّعُوها بأنفُسِهم  بِمحاميلَ شَيطانيَّة زخرفَها لَهُم فَغرَّهُم بِها!

المَرض الأوَّل: مرض تَحديد المَعاصي... فبعضُ العُصاة يقُولُ لَك: أمِن أجلِ معصيَة واحِدة ووَحيدَة تُطالبُني بأن أتُوب وأبكي لله؟! وتُخوِّفُني كذلك مِن عذابِ الله؟! أعمِيت عينُك عَن أعمالِ الخَير الكَثيرَة التي أضطلع فيها بشَكل مُباشِر أو غيرِ مُباشِر؛ وآخِرُها مُساهَمتي بكذا مليون في المَشرُوع الفُلاني؛ وتُندِن عليَّ بعد ذَلك بِهذه المَعصيَة الواحِدة؟! إن هذا إلا تزمُّت ورهبانية ابتَدعتُموها ما أنزَل الله بِها مِن سُلطان!

هَل كانَ لأبينا آدَم "عليه السَّلام" هذا المِعيار الذي يَحمِلُه الكَثيرُون؟! هَل تجرَّأ على ربِّ العزَّة قائِلا لَه: لقَد أطعتُك سَنوات عَديدَة!  أَوَ مِن أجل الأَكل من الشَّجرة كمعصيَة واحِدة؛ تُخرِجُني مِن الجنَّة، وتُهبِطني إلى الأَرض؟!

   كلاَّ ورب الكَعبَة! بَل سارَع وأنابَ واضِعا جُهدَه السَّابِق في سبيلِ الله وراءَه ظِهريَّا! ولَم تُؤرِّقه إلاَّ تِلك المَعصيَة التي أنقضَت ظَهرَه وأرَّقت نَومَه وقال هُو وزوجُه: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف : 23].

- نَفس المَنهَج نجدُه عِند واحِدٍ آخَر مِن أولي العَزمِ من الرُّسل؛ فبمُجرَّد وُقوعِه في مَعصيَة (أو لنقُل شِبه مَعصيَة)؛ بأن سأل لولَده الكافِر النَّجاة رَحمَة ورأفَة؛ حتَّى أدَّبه خالِقَه بلَهجَة شَديدة حازِمَة فصَدح لربِّه بنفس عبارَة أبيه آدَم وزوجه مِن قبل؛ وصَدق الله: ذُرِّيَة بعضُها مِن بعض! في الاستِقامَة والعِفَّة والطُّهر والتَّقوى!

{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)} هُود.

- سنَفهَم بوُضوحٍ الآن سِرَّ اجتباءِ الله لآدَم ونُوح واصطفائِهما على العالَمين؛ ولِم ضُربَت في المُقابِل على المُسلِمين الذِّلة والمَسكَنة وباءوا بِغضبٍ مِن الله كَما باءَ بِه بنُو إسرائيلَ مِن قبل!

{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 34].

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [آل عمران : 112].

المُعادَلة واضِحَة وبيِّنَة: أولئِك اصطُفوا بِما تابوا؛ وأولئك خُذِلُوا بِما عَصوا! هَل بعد هذا البَيان بيان؟!

   المَرض الثَّاني: تَحديدُ حجم المَعصيَة؛ فأبُونا آدَم عليه السَّلام لَم يقُل لربِّه: لقد ذُقتُ شَيئا قَليلا مِن ثِمارِ تِلك الشَّجرة فلم تؤاخِذُني هذه المُؤاخَذة؟! لَو ازدرتُها كُلّها أو على الأقل أتيتُ على أكثَرِها لكانت المَعصيَة بيِّنة! أَما وإنِّي ذُقت مُجرَّد ذَوقٍ فيبدُو أنَّ الأَمر لا يَحتاجُ إلى كُلِّ هذا الاهتِمام!

   هذا المَرض نجدُ لَه تجلِّيات كَثيرَة في حياة العُصاة والفَسَقة نسأل الله العافيَة والمُعافاة! يقُول لكَ أحدُهم: لقَد سَرقتُ مبلغا زَهيدا لا أخالُه معصيَة! هُنالِك مَن يسرِق البنُوك ويَختلِسُ المَلايير، ويغتلُّ ثَروات شُعوب بأكمَلِها فهَل كِلانا مُطالَب بالتَّوبَة؟! اترُكني لِحالي أرجُوك ولا تُضيِّق علينا دينَنا! ويقُول لك آخَر: لقَد شَربتُ كأس شايٍ مِن الخَمر حتَّى أُجرِّب؛ فانظُر إلى مَن يحتسي صُندوقا بِأكمَلِه في الأُسبوع؛ جاري فُلان وعمِّي فُلان! فيبدُو أنَّ الله سيُشغَل بأصحابِ هذه التَّجاوزات الخَطيييييييرة!! أمَّا أنا فلا زِلت مِن المُبتدئين! ويقُول آخَر بعدَ أن تَنهاه عَن الغَيبَة وأكل لحُوم النَّاس: إييييييه! ما حدَّثتُك كُلّه لا يعدُو أن يكُون نُقطَة في بَحر مِن ماضي ذَلك الرَّجل الأَسوَد؛ ولَو استَفضتُ لأذَّن علينا المُؤذِّن لصلاة الصُّبح ونَحن لَم ننتَه بعد! وينتَهرك آخَر: لقَد نَظرتُ نَظرَة واحِدَة إلى تِلك الفتاة الشَّقراء حتَّى ترتَسم في مِخيالي صورَتها وأتمتَّع بِجمالِها الفتَّان؛ وهَل أنا دَعوتُك إلى مُشاهَدة فلمٍ إباحي؟!

- وهكذا!! والأَمثلة لا تنحَصِر جِماعُها التَّهوين مِن المَعصيَة لضآلَة حجمِها في نَظرِ العاصي؛ فيُقدِم على اقترافِها بهُدوء بال وسَكينَة نَفس! وما فِكر تقسيم المَعاصي إلى صَغائر وكبائِر؛ بل والتَّمثيل لَها إلا نَتاجٌ عَن هُجران هذا المَوضُوع العَظيم: مَوضُوع تَوبَة أبينا آدَم عليه السَّلام! فالعبرَة بِمن عُصي لا بالمَعصيَة!

{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور : 15].

- نتَج عَن هذا الفِكر الآسِن تهوين النَّاس مِن كَثيرٍ مِن المَعاصي رُغمَ وَعيدِها القُرآني الشَّديد المُرعِب! ولا أدلَّ على ذَلك مِن معاصي سُورة الحُجرات مَثلا!

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات :11- 12].

   المَرض الثَّالِث: التَّفرِقة بينَ المَعاصي التي يَقتَرفُها العبدُ بينَه وبينَ ربِّه ومَظالِم العباد؛ فهُنالِك فِكر سائِد عِند بعضِ العُصاة حتَّى غدا بِمثابَة القاعِدة المُؤصَّلة لَديهم؛ تَجري بَينهُم مَجرى المَثل: " اجتَنب مَظالِم العباد، وأمَّا ما بينَك وبينَ الله ممَّا لَم تضرّ فيه بأحَد فالله غفُور رَحيم"! يعنُون: ولو بدُون تَوبَة وإقلاعٍ فالله غفُور رَحيم؛ لأنَّها مِن اللَّمم؛ واللَّمم مَغفُور بنصِّ القُرآن!

   ولَيتَ شِعري! هلاَّ تأمَّلُوا في تَوبَة أبينا آدَم "عليه السَّلام؛ ليُدركُوا مِن أوَّل وَهلَة أنَّ مَعصيَتَه لا علاقَة لَها بِعبادِ الله البتَّة! فهُوَ لَم ينتَهك عِرضا! ولَم يغتصِب أرضا! ولَم يبخَس حقَّ أجير! ولَم يأكُل مالَ يَتيم؛ إنَّما ذَاقَ مِن الشَّجرة فَحسب!!

- ولسائِل أن يسأل هُنا: ما العِلَّة مِن تَحريم الله الأكلَ مِن الشَّجرَة لأبينا آدَم؟! ألستُم تقُولون أنَّ التَّحريم والتَّحليل مَبنيَّانِ على أسبابٍ مَعقُولَة تُعتبَر مناطا لَها تدُور مَعه حيثُما دارَت؟!

والجَواب أنَّ ما ذَكرتَ صَحيحٌ على وَجه العُمومِ الأغلب رُبَّما؛ ولَكن اعلَم أنَّ الله تَعالى قَد يُحرِّم أشياءً لمُجرَّد الابتِلاء والامتِحان مِن غيرِ أن تكُون هُنالِك علَّة عقليَّة مَفهُومَة؛ وإن تكلَّف مَن تكلَّف في استِخراجِها! حتَّى يبتَليَ الرَّب عبدَه: هَل يستَسلِم لحكمَته المُطلَقة، ويُذعن لسُلطانِه أم يُناقِش ويُجادِل ويُماري؛ ويقول لا أمتَثل حتَّى أفهَم وَجه الحِكمَة مِن ذَاك الأَمر أو النَّهي!!

والسُّؤال هُنا: هَل سأل أبُونا آدَم عليه السَّلام ربَّه عَن الحكمَة مِن تحريمِه الأَكل مِن الشَّجرة أم خرَّ لله ساجِدا وسبَّح بِحمدِ ربِّه؟!

طَبعا لَم يكُن مِنهُ في بِدايَة الأَمر إلا الاستِسلام؛ ولَم تصدُر مِنه إلا التَّوبَة النَّصُوح بعدَ ما أغواه الشَّيطان فعصى ربَّه! هذا هُو طريقُ الأوَّابين لِمن أرادَ أن يسلُكَه جَعلنا الله جَميعا مِن رُوَّادِه!

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة : 94].

تُرى ما الحكمَة مِن تحريم صُنوفٍ مِن الصَّيد حالَة الإحرام؟! أليسَ ظاهِر هذا التَّحريم تضييقٌ وحدٌّ مِن حُرِّية الإنسان سافِرة؟!

ولكن مَن أوتِيَ بصيرَة الباطِن؛ وأخبَت قلبُه لخالِقه يُدرِك أنَّ ما عَلى الباري إلاَّ الأَمر وما عليه إلا الإذعان والانقياد؛ لأنَّ الله يحكُم ما يُريد ولا مُعقِّبَ لحُكمِه!

{ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة : 1].

- لا يَعني كَلامي هذا الشَّجب على مَن يبحَثُ عَن العِلل ومقاصِد الأَحكام؛ وإنَّما إنكاري عَلى مَن يتَّخذُ ذَلِك شَرطا للامتِثال والتَّنفيذ؛ فإن فَهِم طبَّق؛ وإن لَم يَفهَم رَمى بحُكم الله وراءَه ظِهريا! هُنا يستبين العَبد الحَقيقي مِن الزَّائِف؛ والمُخلِص مِن المُنافِق!

* هُنالِك مَرضا رابِعا خَطيرا لَم يأتِ في سياقِ قصَّة أبينا آدَم عليه السَّلام؛ ولكنَّه لشُيوعِه لابُدَّ مِن إلحاقِه بِهذه الأَمراضِ الآنِفِ ذِكرُها حتَّى يكتَمل العِقد؛ وهُومَرض النِّيَّة الخَبيثَة!

كثيرٌ مِن النَّاس يتصوَّر أنَّ المَعصيَة لا تُسمَّى مَعصيَة حتَّى تتجسَّد في الواقِع! أمَّا عَزمُ القَلبِ فلا يَراه شَيئا! في حينِ أنَّ القُرآن صَريح في أنَّ مُجرَّد النِّيَّة العازِمة المُصرَّة على فِعل المُنكَر كَفيلَة بإلحاقِ الضُّر بصاحبه، والإِخراج مِن النَّعيم كَما أُخرِج أبو البشريَّة!

والدَّليل الواضِح على هذا قصَّة أصحابِ الجنَّة في سُورة القَلم؛ فقَد بيَّتُوا مِن اللَّيل أن يتصبّحُوا على بُستانِهم فيصرِمُوه؛ ولا يستثنُوا حقَّ المساكِين المَعلُوم في أموالِهم؛ فصَرمَ الله جنَّتهُم قَبلَ أن يصرِمُوها وقَبل أن يسيرُوا قَدما لتَحقيقِ عَزِمِهم الشَّيطاني!

يقُول تعالى: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)} القَلم.

- سنعُود لِهذه القصَّة تَفصيلا بِحَول الله حينَ نُفرِد حَلقة عَن مَوضُوع الضُّر والعَذاب الأَدنى في القُرآن الكَريم؛ وإنَّما يهمُّنا هُنا – إجمالا- أنَّ اللَّه يعتبِر المَعصيَة مَعصيَة متَى ما عَزم عليها المَرء عَليها عَزما أكيدا ولَم يتبقَّ لَه إلا اتِّخاذُ الأسباب والتَّنفيذ فَحسب! فحينئذ لا يَنتَظره الله سُبحانَه حتَّى يَفعَل! بَل إنَّه قَد يُوقِع بِه الضُّر والمُصيبَة حتَّى قَبل أن يتقدَّم خُطوَة كَما فَعل بأصحابِ الجنَّة أولئِك!

- وهُنا نُدرِكُ يقينا أنَّه يَجبُ عَلينا الوُقوف أمام نيَّاتِنا طَويلا في كُلِّ أمرٍ مِن أُمور حياتِنا صَغير أم كَبير؛ فإنَّه لا يَأمَن مَكر الله إلا القَوم الخاسِرُون!

أنتَ أيُّها المُستَخدِم وربّ العَمل هَل نَويتَ مِن أوَّلِ يَوم أن تُوفِّي أجُور عُمَّالِك، وتَحفَظ لَهُم حُقوقَهم؟! أم إنَّ نيَّتَك مِن أوَّل يَوم فتَحتَ فيه مَحلَّك أن تُماطِل وتَبخَس؟!

وأنتَ أيُّها المُتزوِّجُ حديثا هَل دَخلتَ مِن أوَّل يَوم على زَوجِك بنيَّة الصَّفاء والنَّقاء والعِشرة الطَّيِّبَة؟! أم إنَّك تُخفي في نَفسِك ما الله مُبديه، وتَخشى النَّاس والله أحقُّ أن تَخشاه؟!

وأنتَ أيُّها الشَّاب المُلتَحق بالجامِعة: هَل نيَّتُك التَّحصيل العِلمي وحِفظ دينِك ما استَطعتَ إلى ذَلك سَبيلا؛ أم إنَّك تَنوي تسريح بصَرك في السَّافِرات، وإقامَة علاقات مُحرَّمة مَع الفَتيات؟! هَل تطلُبُ العِلم لله تَعالى وَحدَه أم إنَّك تطلُب ليُقال مُتعلِّم ودُكتور، وتَعطى لَك الأوسمَة والنَّياشين؟! وهكذا... صُور لا تَنتَهي نسأل الله أن يُصفّي قُلوبَنا ويُخلِص نيَّاتِنا للعبادَة والطَّاعَة، والوُقوف عِند حُدود الله عزَّ وجل حتَّى يكتُبنا الله في الصَّالِحين ويُلحِقنا بأوليائِه المُتَّقين!

* هُنالِك مَرض خامِس مَذكُور في سياقِ قصَّة إخوَة يُوسف عليه السَّلام خُلاصَتُه: "أعصي ثُمَّ أتُوب" يعني أنَّ هذا العاصي قَد استَبطَن نيَّة المَعصيَة والتَّوبَة في آنٍ واحِد!

{اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} [يوسف : 9].

   مِثلُ مَن يَحمِل هذا الفِكر لا يُوفَّقُ للتَّوبَة لتجرُّئه على الذَّاتِ الإلهيَّة بالعِصيان؛ وغفلتِه الصَّارِخَة عَن المَوت وأنَّه قَد يكُونُ أقرَبَ إليه مِن شراكِ نَعلِه! فمَن أدراه أنَّه سيَزيدُ لَحظَة في هذه الحَياة؟! هَل هُو زَعيمٌ عَلى نَفسِه بِذَلك؟! ألَم يَر أنَّ إخوَة يُوسف لَم يُوفَّقُوا للتَّوبَة إلا بَعد سَنوات عَديدَة في آخِر مِشوارِ القصَّة! فماذا لَو ماتُوا قَبلَ ذَلك وهُم مُصِرُّون على ما فَعلُوا مِن تغريبِ أخيهِم وإغضابِ أبيهِم؟!

* أُسدِل السِّتار عَن هذه القصَّة العَجيبَة بآيَتين عَظيمَتين في سُورة النِّساء هُما خُلاصَتان لكُلِّ ما سَبقَ ذِكره؛ ولي عَودَة إلى تفصيلِ مَوضُوع التَّوبَة أكثَر في حَلقَة تاليَة ما أطالَ الله في العُمر وأنسأَ في الأَجل بِحول الباري وقُوَّتِه وَحدَه!

يقُول تَعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء : 18].

والحَمد لله ربِّ العالمين

B

#بقلم الطَّالب: نسيم بسالم

اجمالي القراءات 18654