قرآنا عربيا
بحثا عن محمد في القرآن [ 12 ]

امارير امارير في الأحد ٢٥ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

إنّ مسألة ملائمة الكلمة للدلالة التي تعبّر عنها داخل النّص أمرٌ يحيط به القرآن جيّداً ، و هو ما يُغفله الفقهاء و المفسّرون في معظم الأحيان ، حيث انتقل المفسرّون من الإقتصار على توضيح المعنى اللغوي للكلمات منفصلةً في العصور الأولى وصولاً الى الإستنباط السطحي لمعنى ذات الكلمة إنتصاراً لمذهبٍ أو رأيٍّ فقهيٍّ في العصور المتأخرة ، مبتعدين عن سياقات ورودها و التراكم المعرفي لسياق الكلمة داخل النّص في تفاسير لا تملك من الصواب إلا قيمة السند الإفتراضيّة ، فعلى سبيل المثال نجد التميّيز في ورود الإشارات الى الخوف من الله و الخشية منه في سياقاتٍ متّصلةٍ عبر اتّجاهين  إثنين ، فالله لا يخيف أحداً من عباده المؤمنين ، هو الرؤوف ، الرحمن ، الرحيم ، هو الودود ، العطوف ، و هو الحليم ، [ الخوف من الله ]  شيء ، و [ الخشية منه ] شيءْ آخر ، رغم كون المعنى المُعجمي للكلميتن واحدٌ كما يرد في معظم القواميس ، حيث [ الخوف ] هو [ الخشية ] و [ الخشية ] هي [ الخوف ] ، لكن معنى دلالة السياق القرآني مختلفٌ جدّاً ، متّصل بمعنى التميّيز المتضاد بين [ الوعد ] و [ الوعيد ] ، فالخوف من الله لم يقل به سوى إثنان : [ الشيطان ] و المقتول [ أحد إبني آدم ]  في قوله تعالى : ]لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة 28 ، ]وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال 48 ، ]كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [الحشر 16 ، حيث يرتبط الحديث في كلا الحالتين بالمعصية ، و التي صدق فيها [ وعيد ]  الله بسوء العقاب : ]نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ [ق 45  ، و على الجانب الآخر فإن الخشية مرتبطة بالنفس المؤمنة دوماً : ]إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ [المؤمنون 57 ، حيث يبتعد الإيمان بالمؤمن بعيداً عن المعصيّة في إتّجاه ما [ وعد ] الله به عباده المؤمنين : ]إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [يس 11

فيكون الإستخدام المختلف للكلميتن [ خشية ] و [ خوف ] للإستدلال على فاعليّة المعنى في الإتجاهين المتضادّين [ الوعد ] و [ الوعيد ] ، و ليس أكثر وضوحاً لصحّة هذا الإستدلال سوى قوله تعالى : ]يَخَافُونَرَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل 50 ، حيث الحديث هنا عن [ الملائكة ] التي لا تسير في اتّجاه [ الوعد ] مطلقاً ، حيث لا جنّة وعد الله الملائكة جزاء طاعته ، بل هنالك فقط [ الوعيد]  بجهنم في حال عصو أوامره : ]وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [ص 78  ، و هو يسير في نفس إتّجاه [ الخوف ] لا [ الخشية ]   .

 

من خصائص [ العقل ] استنباط التأويل أو التفسير ، و من خصائص [ النّص ] استدراك المنهج أو الإستدلال ،  و النّص القرآني فقط هو المعيار ، المقياس و المرجع لكل التأويلات و التفاسير التي تحاول فهمه أو استنباط معانيه و تأويل مقاصده ، هذه العمليّة التي تمرّ عبر عمليّاتٍ [ عقليّةٍ ] عاليةٍ في الدقّة أولاً ، ترتكز على مفاهيم [ النّص ] ، عبر سبر أغوار معانيه من الداخل ثانيّاً ، كلّ هذا بعيداً عن الصراع الأيديولوجي الذي تمسّك به الفقهاء ، حيث تم حصر قدرات هؤلاء العقليّة في تكرار الإستنباطات السابقة عبر التركة الفقهيّة المُجحفة في حق النّص أولاً و أخيراً ، تلك المقيّدة بغائية الحالة التي أوجدتها ، عبر الإتجاهات الفكريّة و المذهبيّة الكبرى كما الصغرى ، فضاع النّص في غياهب التاريخ و التأريخ ، و حضر الفقه بديلاً عن الدين ، فكان أن تحوّل القرآن الى موسوعةٍ عجائبيّةٍ لا يمكن فهمها إلا عبر الإستعانة بكتبٍ تملأها الطلاسم التي لا تعني شيئاً حقيقةً ،  و كان أن تحول المعنى اللغوي للنّص الي قيود تورّط فيها الجميع نحو سوء التفسير ، ممّا قاد الى كارثةٍ فكريّةٍ اسمها [ التديّن ] ، الإنسان لا يصل الى وجهته فقط لأنه يخبر بها الجميع بلسانه ، الإنسان يصل الى وجهته بعد أن يبدأ في المسير نحوها مجتازاً كل العوائق المحيطة به ، عندما يذكر المسلم اسم الله على لسانه ، أو عندما يقرأ القرآن ليل نهار دون أن يحاول طرح الأسئلة بحثاً عن الإجابات ، لا يجعله هذا مسلماً بقدر ما يجعله مجرد انسانٍ تائهٍ لا يعلم الى أين هو يسير ، ليجد نفسه مضطّراً لخداع نفسه متجاهلاً بل متناسياً رحلة  الوصول إلى الإيمان من أساسها ، فغياب المنطق في الخطاب الديني لا يجعل الناس مجانين ، بل يجعلهم فقط يفقدون عقولهم لتحملهم غرائز الفقيه بعيداً في عالمه السحري الذي لا يعني فيه أي شيءٍ شيئاً ، لتتحوّل الأمّة الى مجموعة من الأصحاء يكوّنون كتلةً فاقدةً للعقل ، و على أحدٍ ما أن يعي أنّه هنالك شيء ما على امتداد الحالة يدعو للملاحظة ، فكل النّصوص التي تُعلن نفسها [ تفسيراً ] للقرآن ، محاولةً إغلاق الطريق أمام الناس للتدبّر في النًص ، هي في واقع الأمر ليس سوى تعبيراً على محنة الأمّة التي جعلتها تفقد شريعةٍ استباحها الفقهاء من أعلنوا أن قدر كتاب الله بقاءه مهجوراً ، فكرة وجود [ مفسّرٍ ] نفسها ينكرها النّص نفسه : ]قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف 109 ، الإعجاز هنا هو كون كلام الله [ القرآن الكريم ] هو النّص الوحيد الذي يحوي داخله الكلمة و دلالتها التي لا تتغيّر و في ذات اللحظة تتفاعل مع المكان و الزمان لتُنتج معانٍ تتسع لكليهما على اختلافهما :  ]وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام 115 ، و داخل نفس النّص نقرأ أن كلمات الله بالإضافة الى كونها قرآنه هي أيضاً مخلوقاته التي خُلقت بأمره : ]إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [النحل 40 ، ]إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ [النساء 171 ، فإخراج النّص من سياقه ، يعني إخراجه من معناه الذي يحتويه النّص من الداخل ، [ ... اللعب بالنار لا يجعل النار لعبة ] يقول الصادق النيهوم ، [ اللغة ] هي مادّة [ النّص ] ، لكن معنى الكلمة غير مقيّد بالمعنى اللغوي ، القرآن عربي لا بمعنى اللغة أو الإثنيّة بل بمعنى [ البيان ] و [ الوضوح ]  ، و النظير الأعجمي الذي يرد في النًص لا يعني غير العربي بل يعني غير البيّن ، فالعجماء في المعنى المُعجمي هي الدابة البكماء التي لا تتحدّث أصلاً ، و هذا لا يتّفق مع الإستدلال القرآني لكلمة [ أعجمي ] : ]وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ [النحل 103 ، القرآن أنزل : ]بِلِسَانٍ [ميزته أنّه : ]عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء 195 ، و من هنا ترجمته عبر [ اللغة ] الغيّر متّصلة بيساق أو [ لسان ] النّص و دلالاته المقيّدة بالنّص نفسه الى لغةٍ أخرى يوصل إلى نصٍّ آخر لا يمت للقرآن بصلة لأن معنى النّص المترجم لا يمكن أن يحوي ذات المعنى الأصلي من الداخل فالهدف الأول من اللغة هو إنتاج المعنى ، و هذا غير ممكن في حالة ترجمة الكلمة خارج سياقها ، فاللغة مركزها [ الإبهام ] و النص محوره [ البيان ] : ]قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء 88 ، فالشواهد أو الأمثلة لا يمكن أن تعطي نفس المعنى خارج النّص ، فما بال خارج لسان النّص الأصلي حيث يتحوّل الى إصطلاحٍ إعتباطيٍّ لامعنى له و لا قيمة متراكمة داخله توصل إلى نتائج تبني تراكماً معرفيّاً أو ما يعرف بمنظومة [ البنية ] للنّص ، هذا بالإضافة الى كون المنحدر الذي انحدّره الفقه في اتّجاه السياسة ، و المنطق الشوفيني القومي [ الأموي/النازي ] تحديداً نحو تقسيم الأمم بين [ عرب ] بينهم [ أشراف ] و [ موالي ] هم [ العجم ] عبر رحلة انتحال اسم الرسول : [ ... لا فرق بين عربي و اعجمي إلا بالتقوي ] ، لا يمت للنّص القرآني بصلةٍ ، بل لا يمت للدّين بالأساس بصلةٍ :

 

]قُرْآناًعَرَبِيّاً [فصلت 44

قرآناً بيناً واضحاً لا لغو فيه و لا تناقض أو اختلاف

]قُرْآناًأَعْجَمِيّاً [يوسف 2

قرآناً غامضاً ، غير بيّنٍ ، يكثر فيه التناقض و الإختلاف

]يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ [النحل 103

]لِّسَانُ عَرَبِيٍّ[

]لِّسَانُأَعْجَمِيٌّ [

لِسَانٌ مُّبِينٌ = لا يحتاج الى التعليم من الخارج

يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ  = غير بين المعنى من الداخل

     
 

 

اللفظ لا يمكن فصله عن السيّاق كبنيةٍ متّحدةٍ داخل النّص ، توصل إلى [ المعنى ] أو [ المعرفة ] على طرفي نقيض أحياناً ، فمعنى اللفظ أو النّص لا يوصل الى المعرفة لدلالاتٍ ذات اللفظ و ذات الجملة خارج سياق النّص العام الذي يحوي دلالاته  الخاصة في المجمل ، و المشكلة الكامنة في النّص الديني حقيقةً هي المزاوجة بينه و بين لغته ، بمعنى المزاوجة  في [ مُعطى المقدّس ] و [ مفهوم العام ] ، مما يوصل إلى التخشّب و التصّلب في عمليّة تفعيل النّص و فهمه عبر المتغيّرين [ المكان ] و [ الزمان ] ، فالأصوات ليست هي الكلمة ، كما أن الأحرف ليست هي اللغة ، الأصوات كائنٌ مستقلٌ لا يعطي معنى إلا متّصلاً عبر مجموع الأحرف ليكوّن [ الكلمة ] ، و الكلمة لا تعني شيئاً إلا عندما تتّصل بكلماتٍ أخرى لتكوّن [ جملة ] ، و الجملة أيضاً لا تعني شيئاً إلا عندما توصل إلى [ معنى ] متّصل بسياقٍ متّحدٍ داخل [ نصٍّ ] الذي يوصل الى [ المعرفة ] و [ غائيّة ] النّص في نهاية المطاف ، و هو حسب النّص نفسه : ]الْكَلِمَ[، فتنتج [ اللغة ] داخل النّص ، و في حالة القرآن الكريم كان ]الْكَلَامَ[هو [ اللسان ] : ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم 4 ، ]بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء 195 ، حيث النّص القرآني مُتّصلٌ متكاملٌ كونه [ كلام ] الله ، فلكل نصٍّ لغته ، لتتحوّل ترجمة النّص الى عملٍ فارغ المعنى ما لم يتم ترجمة المفاهيم لا الكلمات ،  و اللغة في القرآن هي [ اللسان ] حيث لا يرد إي إشارة الى كون القرآن مكتوبٌ أو منطوقٌ باللغة العربيّة حسب مفهوم اللغويّين : ]وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً [الأحقاف 12 ، بل هو موضوع اللسان الذي يُقرأ به ، فاللغة العربيّة مجرّد وعاء للنص [ القرآن الكريم ] ، حيث أنتج وجوده داخله مفاهيم مغايرة لصورة الوعاء أصلا ، كون النّص مقيّد بمفاهيمه التي تُنتج [ المعرفة ] ، بينما اللغة مفتوحة و مباحةٌ للتصوّرات العامة و الإستدلالات الناتجة عن التفاعل في المجتمع الناطق باللغة نفسه لتنتج [ المعنى ] خارج [ المعرفة ] ، والغير مقيّد بسياقٍ أصلاً :

 

 

صوت

[ حرف ]

 

ç

 

كلمة

[ لغة ]

 

ç

 

جملة

 

ç

 

 

نص

[ كلام ]

 

ç

 

 

لسان

 

ç

 

معنى

 

 

ç

 

معرفة

[ كلم ]

 

 

[ المعرفة ] في عمومها تتّجه عبر اتّجاهين متناقضين إثنين ، الإتّجاه الأول نحو [ الحكمة ] : ]يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [البقرة 269 ، و الآخر نحو [ الضلالة ] : ]فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ [الأعراف 30 ، في حالة الإتّجاه الأول فإن الطريق يمر عبر محطّة [ البحث ] و [ الشك ] : ]قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة 260 ، بينما تمر في الحالة التانية عبر محطّة [ التلقي ] و التمسّك [ بالموروث ] : ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [المائدة 104 ، وعلى جانبٍ آخر فإنّ [ اللغة ] نظامٌ مقفلٌ محاطٌ بين قاعدتي [ قل و لا تقل ] ، تتشابه فيه المفردات خارج الحيّز الإجتماعي من نظام التفاعل الإنساني ، خلاف [ اللسان ] الذي هو أداة التواصل الإجتماعي ، الإنسان الأبكم الذي لا يتكلّم يعرف [ اللغة ] ، لكنّه لا يستطيع التواصل لأنه لا يمتلك [ اللسان ] ، كون هذا الأخير منتوجٌ اجتماعيٌّ يحوي قيمة المعرفة المحدّدة بالنّص ، بينما الأول [ اللغة ] يحوي فقط المعنى المطلق الأجوف ، الصورة السمعيّة ترتبط بالتصوّر الذهني الذي ينعكس داخل اللسان لكي يوصل إلى [ المعرفة ] عبر سياق التعبير و اتّحاد المعاني و الدلالات داخل النّص ، و كون القرآن الكريم أداة تواصلٍ معرفيٍ بالدرجة الأولى يتفاعل ككائنٍ حيٍّ غير جامد فإنه كان : ]  بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [  الشعراء 195 ، لا [ باللغة عربيّة ] التي هي حال أي لغةٍ أخرى أقل من المحسوس و المُدرك ، تخضع لتعريفات و قوانين اللغويين ، و أداوتهم المعجميّة الجافّة .

اجمالي القراءات 10876