نهاية الحملة الصليبية السابعة ونتائجها
المواجهة الحتمية ونتائجها

نجلاء محمد في الجمعة ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

  في هذا المقال سوف نعرف أحداث المواجهة بين الحملة الصليبية وبين جيش المماليك ودور شجرة الدروما قامت به من بطولات ومواقف يذكرها لها التاريخ           

كانت نهاية المقال السابق عن ما قررته شجرة الدر من أن ترسل في الحال رسولاً ليحضر توران شاه من  معسكره . وكان من الضروري أن يحمل هذا الرسول رسالة ممضاة ومختومة بخاتم السلطان وألا فإنه لا يمكن لفخر الدين أن يأتي إلى القصر ويترك الجيش في هذا الوقت الحرج من الحرب .

وكان ينبغي أن يقوم شخص ما بتقليد إمضاء الصالح ، وبعض الوثائق الرسمية وهناك شخص واحد فقط هو الذي يستطيع ذلك وهو الطواشي الرقيق سهيل ،الذي غالباً ما كان يتولى منصب السكرتير الخاص للسلطان في أثناء مرضه وكان يمكن لشجرة الدر أن تشتري خدماته لها

 . فهل هناك شخص آخر لتشركه السر ؟ كلا فإنه كلما قل عدد من يعرف السر كان ذلك أفضل وأكثرأمناً .

    فبعد ان اجتمع حلفاء شجرة الدر الثلاثة في القصر في اجتماع خاص وأقسموا على أن يحفظوا لأنفسهم بسر موت السلطان ومن يفشيه من بينهم يحق عليه الموت ... وأعدوا أمراً سلطانيا وختموه بالخاتم السلطاني ومهروه بامضاء الصالح الذي قلده سهيل بإتقان وكان الأمر يقضي بتعيين فخر الدين قائدا للجيش ونائبا للسلطان في فترة توعكه كما جاء في حض الجيش على أن يقاتل في سبيل الله ورسوله بكل ما يستطيعه من بأس وان يلقي بالكفار فى البحر وترك فخر الدين القصر وقد تسلح بهذا الأمر السلطاني وكر راجعا إلى المعسكر لينظم عرقلة جيش الصليبيين الزاحف – واعدا بجائزة مقابل كل راس من رءوس المسيحيين- ويقوي تحصينات "البحر الصغير".

وكانت المشكلة الثانية أمام شجرة الدر هى كيف تتخلص من الجثة ، وكان من الميسور أن تربط بحجر وتلقى في النهر ، ولكن ربما يجرفها التيار في مجرى النهر ويكتشفها أحد الملاحين ويتعرف عليها .

وفضلا عن ذلك فقد كان الصالح زوجها وكانت تحبه وكان سلطانا من سلالة نبيلة يجب أن يدفن باحتفال مهيب وأن يشيد له ضريح لائق.

ثم فكرت في خطة جريئة وهى أن تأخذ الجثة سرا بطريق النيل في مركب شراعي إلى قلعة المماليك البحرية بجزيرة الروضة بالقاهرة وأن تخفيها هناك حتى يصبح الوقت آمناً لإخراجهاوودفنها بكل مظاهر الفخامةوالأبهة في ضريح يليق بمقامه ومكانته.

وقد نفذت شجرة الدر هذه الخطة بنجاح وتخلصت من الجثة في مكان أمن ودون أن يشعر بها أحد ممن كانوا في القلعة.

كانت لا تزال هناك اشياء كثيرة لابد من إنجازها ، فقد أرسلت لتوران شاه الرسالة العاجلة لاستدعائه ، وكان لابد من إعداد وثيقة يعينه فيها الصالح وريثه الرسمي وكان لابد من توقيعها بامضائه وختمها بخاتمه السلطاني .

 وكانت على شجرة الدر أن تحتفظ بهذه الوثيقة في حوزتها الأمنية لكي تنشرها على الملأ عندما يعود توران شاه ،ومن الممكن أن تحتاج إليها أيضا قبل ذلك إذا ما ذاع السر وعرف الناس أمر موت السلطان .

ولكن السر ظل محفوظاً  وكان المغني يغني والموسيقيون يعزفون ويأتون بالوجبات ويتذوقها ذواق السلطان ثم يحمل الطعام إلى الحريم حيث كان الصالح مريضا وتقوم زوجته المخلصة بالسهر عليه ، وكان الأمراء وقواد المماليك وشيوخ البدو يحضرون للمثول بين يدي السلطان – كما كانت العادة في العالم الإسلامي .

ومن المؤكد أن شجرة الدر قد عقدت هذه الاجتماعات بنفسها من وراء ستار باسم زوجها ، وأعلن كبير حجاب القصر أن مرض السلطان كان يصطره إلى الراحة الكاملة في ذلك الوقت ، وأنه قد عين بدلا منه السيدة شجرة الدر نائبة له ، وسوف تستقبل مقدمي العرائض وتستمع إلى قضاياهم وأن الصالح سوف يصدر فيها قراراته وبراءاته من فراش مرضه بعد أن تعرضها عليه ، وسوف تٌنقل كل أوامر السلطان عن طريقها إلى أن يحين الوقت الذي يمن فيه الله عليه بالشفاء .

ولكن هل اضطربت شجرة الدر قليلا عندما أٌذيع هذا الأعلان ، هل شكت في قدرتها على تضييع شكوكهم وتقوم في نفس الوقت بحكم البلاد وتنظم دفاعها ضد المسيحيين الغزاة ، وأن تٌبقي على استمرار الجيش على نظامه وشجاعته وتمام الاستعداد لملاقاة الأعداء .

كانت شجرة الدر في نظر الشعب هى زوجة الصالح ونائبة السلطان المؤقتة ، ولكنها كانت بينها وبين نفسها أرملة الصالح الحزينة ولمدة ثلاثة اشهر من نوفمبر إلى فبراير ظلت الخدعة مستمرة ولم يشك أحد من رجال القصر أو من المماليك . وظل الجيش مخلصا حتى وصل توران شاه واعتلى العرش في شهر فبراير .

وقلما يعرف أهل الغرب الآن شيئا عن شجرة الدر . ولكنها بالنسبة للعرب إحدى بطلات العالم وامتلأت قصصهم بمدائحها : شجرة الدر الجارية السابقة والزوجة والأم المخلصة ومنقذة مصر وملكتها المسلمة الوحيدة.

وكان الصليبيون في ذلك الوقت يلاقون مشقة في الوصول من دمياط إلى المنصورة بسبب شبكة قنوات الري المتقاطعة ، وكان  تقدم الملك لويس بطيئا ويتسم بالحذر ، وخاصة عندما أصبح في مقدور الفرسان المصريين الذين أرسلوهم ليعقبوا جيشه وهو يعبر الطرق المائية ،أن يحصدوا زهرة رجاله ، وفي إحدى المواقع خالف الفرسان الدوارية أوامر لويس وطاردوا المسلمين بعيدا ليجدوا أن التقهقر صعب وغالي الثمن ، وكان ذلك قبل عيد الميلاد بأسبوع عندما تمكن الجيش الصليبي من الوصول إلى المكان الواقع على شاطيء "البحر الصغير" في قبالة المكان الذي الذي كان المسلمون يعسكرون فيه على بعد ميلين شمالي المنصورة .

وبقى الجيشان المتحاربان لمدة ستة أسبايع بعد ذلك يواجه بعضهما البعض على جانبي (( البحر الصغير )) وكل منهما يتساءل ما الذي يفعله الآخر . لقد كانت حرب أعصاب .

وذهبت سدى كل المحولات التي بذلها الجانبان لإنهاء الحرب . وحاول لويس أن ينشأ خندقاًَ يوصل إلى جسر يعبورن القناة فوقه ، ولكن نيران المسلمين أجبرته على أن يتخلى عن ذلك ، وأرسل فخر الدين فرسانه عبر برزخ دمياط من الناحية الجنوبية ليفاجئوا مؤخرة الفرنجة ، ولكنهم عندما أصبحوا على مشارف المعسكر تقريباً حاصرهم فرسان الصليبيين بقيادة شارل أنجو وقهورهم .

وبعدئذ ، وفي أوائل فبراير ، جاء إلى معسكر الفرنجة رجل من قرية السلامون متخفياً وعرض لويس أن يبيعه معلومات عن وجود مخاضة عبر (( البحر الصغير )) وفي فجر يوم ثلاثاء رافع ، خرج لويس بعد أن ترك حماية قوية لتحرك المعسكر تحت قيادة دوق بورجاندي ، ليعبر النهر عند المخاضة وقد أرسل أخاه المتحمس روبير دوق أرتوا في المقدمة ومعه قائد الفرسان الداوية ، ووليم لوجنسورد أيريل سالبوسري ، ولديهم أوامر مشددة من الملك بألا يهاجموا المسلمين إلا إذا أمر هو بذلك .

وكانت خطته هي بناء مركز قوي على جانب القناة من ناحية المنصورة وأن ينشئ جسراً من القوارب عبر ليضمن وسيلة التقهقر والأتصال بمعسكره وقوات دوق بور جاندي التي تركها وراءه في المعسكر . وعندما يتم ذلك كله ، وليس قبل ذلك بأي حال من الأحوال ، يصدر أمره بالهجوم العام على جيش المسلمين ويصدر أمره بإحتلال المدينة .   

ووجدت جماعة المقدمة أن المخاضة صعبة وتتطلب التأني

في عبورها ، وعندما أتم روبيرعبور المخاضة أصبح  الخوف من أن يبغته المسلمون ويقتلوه وقال لمن معه "فلنفاجئهم ولنركب إالمنصورة رأسا" . ولكن قائد الفرسان

الداوية ، ووليم لونجسورد اختلفا معه . وقالا له " تذكر أو أمر الملك يتحتم علينا أن ننتظر وألا نهاجم حتى يصدرالأمر"

فرد عليهم "هل أنتم جبناء فتتركونى أهاجم المسلمين بمفردى "؟. وكان ذالك أكثر مما يحتملون . وخـطواالخطوة

الخطيرة ، الخطيرة والمهلكة نتيجتها الأنفسهم وللكثيرين 

غيرهم . ولم يكون لدى أى فرد في المعسكرالأسـلامي

شمالي المنصورة ،عندما أستيقظوا في الصباح من نومهم

     أية فــكرة عما كان يجرى بين الآخرين . لقد كانوا هم وجيش الفرنجة في حالة سكون منذ فترة طويلة ،

ولهذا كان أول شىء قامو به هو ما اعتادو عليه كل يوم

من الأغتسال والصلاة والأكل واللبس . ولما كان الجميع

لا يتوقعون شيئا، فقد ذهب فخرالدين في الصباح الباكر

من ثلاثاء الرفاع ، ليأخذ حمامة المعتاد وليصبغ لحيته

الرمادية بلون الحناء الأحمر ، وعند ذلك سمعوا  وقع حوافر خيل وصياح وصوت أسلحة معدنية . أخترق

روبير وقوته المعسكر العربي وهم يجرون بخيولهم ويصرعون الرجال العزل من السلا ح والذين لم يكونوا ق أكملوا أرتداء ملابسهم بعد .

نهاية القائد فخر الدين

وثب فخر الدين فوق جواده قبل أن يرتدي زرده ودخل غمار المعركة ليصرعه في التو أحد فرسان الداوية( فرسان هيكل سليمان ) .

 أما هؤلاء الذين نجوا من المذبحة فروا إلى المنصورة وأبلغوا أخبار الكارثة إلى القصر . يجب أحاطة السلطان علماً في الحال .

لقد مات القائد فما ينبغي على الجيش عمله الآن ؟

كانت هذه اللحظة أعظم أختبار لشجرة الدر . إذا عرفوا في هذه اللحظة أنه ليس لهم سلطاناً ، فإن حالتهم النفسية ستنهار في الحال ، وسوف يتحول المماليك لمحاربة بعضهم البعض من أجل الوصول إلى السلطة . وكانت الأمور تزداد تعقيداً وأصبح أمر الخدعة طويلاً من الأمور الصعبة . لماذا لايستطيع أي شخص أن يرى السلطان ؟

ما هى حقيقة أمر صحته ؟ وكانت شجرة الدر تعرف أن كلمات الهمس بدأت تنتشر في كل مكان . ولم يجرؤ أحد بعد على المجاهرة علانية بذلك الهمس .

ولم يكن هناك إلا شئ واحد يجب عمله : أن تصدر النشرة اليومية ممهورة ومختومة باسم زوجها ، تحض الجيش على الثبات وأنه تجب عليهم بالرغم من أستشهاد قادئهم ، أن يستمروا في القتال حتى الموت في سبيل الله تحت قيادة أمرائهم المماليك وأنه يجب الأحتفاظ بالمنصورة وأنقاذ بلاد مصر المباركة .

وبموت فخرالدين فقدت شجرة الدر صديقاً وفياً ووزيراً مخلصاً ، ولكن لم يكن هناك وقت للأحزان الشخصية .

لقد كانت المدينة وطفلها الصبي في خطر وبالرغم من أنها لا تستطيع القتال من أجلهما بالسلاح كما يقاتل الرجال فقد كانت لديها أسلحة أخرى وكان ينبغي أن تحسن أستخدامها إلى أبعد الحدود .

وأصدر روبير كونت أرتوا ، وقد أستفذه نجاح هجومه المفاجئ وأندحار الجيش الأسلامي الذي سالت دماؤه حارة وأصدر القرار المفاجئ بأن يسيروا وراء الفارين إلى المنصورة ، فربما أستطاع الأستلاء عليها بنفسه دون أنتظار اخيه والجزء الأكبر من الجيش .

ومرة أخرى أعترض عليه كل من قائد الفرسان الداوية ووليم لونجسورد . لقد خالفوا من قبل أوامر الملك لويس : وربما كان هناك ما يبرر اندفاعهم ، ولكن من الرعونة أن يتقدموا بمفردهم . فالمدينة لا بد أنها محصنة بكل تأكيد وملأى بجنود المسلمين ولا يمكن أن تهاجم المنصورة بنجاح إلا بجيش الصلبيين الرئيسي بكل عدته وعدده .

وعنفهم روبير ((أيها الجبناء أني أتقدم مع الذين هم رجال )) ومع أن فرسان الداوية والفرقة الأنجليزية كانوا يعرفون حمق ما كانوا يفعلون ، ونظراً لأنهم كانوا يشعرون بعجزهم عن منعه فقد تبعوه على مضض وبهذا حكموا على أنفسهم بالموت .

لقد كان صحيحا أن المصريين والجنود العرب الذي استبد بهم الزعر قد هربوا ، وأن أمراء المماليك قد انسحبوا في غير نظام إلى داخل أسوار المدينة، ولم يكن هناك قائد جديد يلم شعثهم ، وبدا لروبير كما أن الطريق أصبح خالياً. 

ظهور بيبرس وإنقاذ الموقف

 

 ولكن الأمر الذي لم يكن روبير يعرفه هو أن قائدا جديداً قد ظهر من بين صفوف المماليك :  بيبرس البندقداري الفارع الطول ذو الصوت الجهوري المحمر اللون، الرقيق السابق ذو العين الواحدة الزرقاء التي تشوبها سحابة بيضاء ,

والذي يصفه المؤرخون الفرنسيون  بذي العين الواحدة البندقداري الجبار المخيف .

وتنفيذا للأمر اليومي الذي أصدره السلطان تولى بيبرس القيادة ، فوضع الرماة المختفين فوق الأسوار وفي البيوت، وزرع قوات المماليك الكاملى العدة على الأذقة والشوارع الجانبية وترك بوابة المدينة مفتوحة على مصراعيها عمدا.

واندفع روبير وفرسانه من خلال البوابة رأساً إلى داخل الكمين.  وأمطرهم الرماة المختفون بالسهام من فوقهم ومن حولهم وهاجمهم المماليك في الشوارع الضيقة وأصبحت جيادهم لا جدوى منها في ذلك المكان المحصور، ولم تستطع فرارا وهكذا قتلوهم كما يقتل الإنسان الذباب ، وقد استدار بعض الفرسان محاولين الهرب من البوابة سيراً على الأقدام ولكنهم طاردوهم في القناة وأغرقوهم.

وتحصن روبير وحرسه داخل أحد البيوت ولكن المسلمين اقتحموا البيت وقتلوهم عن آخرهم، وسقط جميع الفرسان الداوية ولم يتبقى من عددهم الذي كان يبلغ ثلثمائة فارس تقريبا سوى خمسة فقط .

وثبت وليم لونجسورد وفرسان الانجليز في مكانهم بشجاعة واستمروا يقاتلون حتى النهاية . وأٌبيد الفرسان الرماة من الإفرنج عن آخرهم وقٌضى قضاء تام على أفضل فرسان الصليبيين .

 وقد ذكر المؤرخون العرب أن الفا وخمسمائة من زهرة فرسان المسيحيين قد قتلوا .

وبالرغم من أن بيتر فارس بريطاني جرح في رأسه جرحا شديدا ، فقد هرب وعدا إلى خارج المدينة ليحذر الملك لويس ، الذي كان قد عبر المخاضة وأخذ يتقدم في طريقه نحو المنصورة على راس الجزء الرئيسي من جيشه، وأنذره بأن المماليك كانوا يستعدون للهجوم عليه.

وأصدر لويس أوامره بسرعة بالإسراع بإقامة جسر القوارب الذي قد فكر في تشيده خلفه وأعد قواته لتقاوم الهجوم .

وأسرع المماليك بقيادة بيبرس إلى خارج المدينة وهم يلوحون بأعلام واشرطة القاهرة الحريرية الصفراء مع شارات اسلحتهم الخاصة بهم ، وهاجموا الجيش الصليبي مطلقين سهاما متتابعة كانت تقابل بسهام تٌطلق عليهم .

وقاد لويس الذي أظهر شجاعة شخصية فائقة هجوما مضاداٌ مما أدى إلى تقهقر المسلمين . ولكن ذلك التقهقر لم يطل بل كان لتنظيم أنفسهم ومعاودة الهجوم مرة أخرى.

ودفعوا بلويس إلى البحر الصغير وحاول بعض الفرسان الصليبيين أن ينجوا بأنفسهم بالنزول بجيادهم في الماء ، ولكنهم أغرقوهم عن آخرهم هم وجيادهم وكيفما كان الأمر فإن تأخر لويس المضاد قد أنقذ حياته وتم إعداد الجسر العائم. وبواسطته استطاع دوق بورجاندي أن يرسل رماة السهام المسيحيين الفرنسيين الذين كانوا منتظرين في المعسكر لمساعدة إخوانهم ، وذلك بعبورهم من فوقه .

وقد شتت سهامهم المتتابعة صفوف المماليك الذين ارتدوا إلى المنصورة واغلقوا في هذه المرة البوابة وحصنوها بالمتاريس الحديدية .

وعسكر الجيش الصليبي حيث كان الجيش المصري معسكراً في الليلة السابقة آملاً أن تكون الاضطربات بين الأمراء المتنافسين الذين كان يدعي كل منهم أنه أحق بالقيادة منذ وفاة قائدهم وربما يطلبون هدنة حربية .

وانتشرت إشاعات غريبة ..أن ما يقال عن مرض السلطان الذي لا يراه أحد ليس إلا حيلة ... فلو أنهم عصوا إطاعة أوامره الصادرة إلى الفرقة المتقدمة.

وفي الوقت الذي كان لويس يبحث فيه عن شيء من الراحة ، حضر قائد فرسان الاسبتارية ليخبرة بوفاة أخيه روبير في المنصورة فانهار لويس وبكى .

وكانت شجرة الدر تستطيع أن ترى وتسمع كل ما دار في المعركة وتتبع الهجوم الشديد والهجوم المضاد لكلا الجانبين من نوافذ الطابق العلوي للحريم في القصر ، ولكن يجب أن لا تضعف وأن لا تتردد وكان لابد من إصدار نشرة يومية اخرى باسم السلطان يثني فيها على همة الجيش ويؤكد له المنح والعطايا السخية عندما يتم اكتساح الغزاة ليس من المنصورة والطريق المؤدي إلى القاهرة فحسب بل من كل أنحاء مصر.

وبعد ثلاثة أيام قاد بيبرس المماليك ، وقد شجعته النشرة  اليومية وعزز جيشه بقوات أتت من الجنوب ، وقام هو بهجوم ثاني فخرج من المدينة بقوة وشجاعة أكثر من ذي قبل وحمل على الأعداء مطلقين سحبا من السهام على معسكر الصليبيين وحافظ لويس على ثبات جيشه وحارب جيش المسلمين وشن عليهم هجوما مضادا .. وشن المماليك هجوما ثانيا ولكن ليصدهم الملك لويس ورماته .

ولكن بالرغم من أن الصليبيين ثبتوا في مواقعهم فإن الفريضة التي فرضها الموت على جيوشه كانت باهظة ، حتى أن بيبرس وقد عٌرف بانه قد أنقذ المدينة من الاستيلاء عليها أوقف الهجوم وارتد في نظام تام إلى داخل أسوار المنصورة .

ولاشك أن شجرة الدر قد ضاعفت استقبالاتها ومنحت هدايا وكساوي شرف كثيرة وبراءات شجاعة وهدايا سخية من الذهب والجواهر والاقطاعات لقواد المماليك ، كما قامت بتصريف جميع أمور القصر بكل ما لديها من شجاعة ومهارة ، وفي آخر يوم من شهر فبراير من تلك السنة وصل توران شاه وكانت المحنة الطويلة قد انتهت .

وبمجرد استلامه رسالة شجرة الدر أسرع إلى دمشق حيث أعلن نفسه سلطانا ، والآن وقد اصبح في الاستطاعة إذاعة نبأ وفاة الصالح . وقدمت له شجرة الدر الوثيقة المزورة  باختيار والده له وريثاً ، وأسرع أمراء المماليك إلى قاعة الاستقبال ليقسموا يمين الولاء ويهللوا له .

وكان توران شاه بالرغم ما هو عليه من خلق غير كريم وانغماسه في الملذات إلا أنه كان قائدا قديراً، أدرك أنه لو تمكن من أن يقطع امدادات الجيش الصليبي من دمياط فإنه سوف يقع في مأزق حرج لأن سكان القرى سوف لا يبيعونهم شيئاً .

وفي الوقت الذي ترك فيه لويس مشغولا بمناوشات صغيرة حمل هو على ظهر جمال أجزاء أسطول من القوارب الخفيفة إلى فروع النيل السفلي، وهناك جمعت أجزاؤها واٌنزلت إلى الماءوسرعان ما كانوا يهاجمون ويغرقون المراكب المسيحية . حتى أصبح لويس وجيشه معرضين للمجاعة والأمرض ، وانتشرت الدوسينتاريا والتيفود انتشارا وبائيا وأخذ الجنود يموتون ..

وكان لويس في مركز ميئوس منه ، لقد أضعفت موقعة المنصورة قواته إلى حد أنه لم يعد يفكر بعد ذلك في شق طريقه عنوة إلى القاهرة.

ورأى أنه كثير على نفسه أن ينسحب عبر الجسر العائم إلى معسكر دوق بورجاندي وأن يحاول من هناك أن يسير راجعاً إلى دمياط ، وكان السبيل الكريم الوحيد الذي يمكنه أن يسلكه هو أن يحاول التفاوض مع المسلمين، لقد رفض منذ عدة شهور مضت عرضهم بتسليم بيت المقدس له مقابل دمياط، فهل فات الأوان لقبوله لهذا العرض ؟ نعم لقد تاخر الوقت جداً جاءت الإجابة بالرفض القاطع ، وكان لا مناص من الانسحاب ولكن كبرياءه العنيد ظل يمنعه . وأمر بهدم المعسكر الصليبي واخذ مكانه في مؤخرة رجاله ليشجع الضعفاء في رحلتهم الشاقة .

وكانت هذه فرصة المسلمين فهاجموهم وقد قتل وجرح مئات من الفرنجة وقد نسى الذين عبروا الجسر العائم فارين من قتال المسلمين لهم نسوا أن يدمروا الجسر – كما نسى رجال بني كنانة من قبل -  وترتب على ذلك أن المماليك تابعوهم وحاربوهم حتى وصلوا إلى معسكرهم . ولم يمضي وقت طويل حتى استسلموا وسلموا أسلحتهم بدون علم الملك .

ووقع لويس فريسة للمرض ولم يستطع أن يمتطي صهرة جواده بعد ذلك ووجده المماليك فجذبوه من فراش مرضه فصفدوه بالأغلال وأخذوه أسيراً ووضعوه في منزل خاص بالمنصورة .

وفي المقال القدم بعونه تعالى تكون الخاتمة.

وأخيراً فقد حدثت المواجهة بين القوتين الصليبيةعن المسيحية والمملوكية عن مصر والإسلام ،فهل هذه النهاية تعطينا الأمل في إزاحة كل معتد علينا حتى ولو كان من أبناء جلدتنا وينتصر الخير في النهاية؟، أم أنها سوف تظل أمنيات مستحيلة المنال؟

أعلم أنه لابد من إصلاح أنفسنا أولا وتغيير ما بداخلنا من سلبية وتعصب لكي نكون قدوة  ونقنع الآخرين بالتغيير والإصلاح

   التاريخ مليء بالعبر والعظات ومن لم يتعلم من خبرات السابقين فلا جدوى من محاولاته الإصلاحية فما نتعلمه من هذه الغزوات والحملات الكثير،  من بينها أن من يطمع - أياً كان هذا الطامع محتل خارجي أو محتل داخلى - ويحاول الاسيلاء على مقدرات الشعوب تكون نهايته بشعة ومحزنة إن عاجلاً أو آجلاً وهذا ما لمسناه وعايشناه  ويؤكده التاريخ.

وأن من يجعل كل همه السعي وراء حٌطام دنيوي فانٍ فلا طائل من وراءه في الآخرة فإنه يخسر الإثنين ويٌحبط عمله .

المراجع الاستعانة  بكتاب (كانت ملكة على مصر) للكاتبة البريطانية (ونفرد هولمز)

اجمالي القراءات 10495