التبني للأطفال

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

التبني للأطفال

قال تعالى : [ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتِكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً ] الأحزاب 4 – 5

إن مفتاح فهم النص هو فهم دلالة كلمة ( أبناء ) ودلالة كلمة ( آباء ) .

ابن : من ( بن ) وهي تدل على الإقامة واللزوم والتابعية وضم شيء إلى آخر .

قال تعالى : [ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ... ] المائدة 118

ولم يقصد اليهود والنصارى أنهم أولاد الله !! وإنما قصدوا أنهم مصطفون من دون الناس ويحظون بمعاملة خاصة من قبل الخالق ، فأجابهم رب العزة بقوله [ بل أنتم بشر ممن خلق ]

وقال أيضاً [ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ... ] النساء 23

وجملة [ أبنائكم الذين من أصلابكم ] تدل على إمكانية وجود أبناء لنا ليسوا من أصلابنا !! .

قال أيضاً [ والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ... ] النساء 36

فكلمة [ ابن السبيل ] لا تعني ولد السبيل !! وإنما تعني التابعية ونسبة شيء إلى آخر . كقولنا : ابن البلد ، وابن الجامعة ، وابن المسجد ...الخ.

أما كلمة ولد : فهي تدل على خروج شيء من شيء . ومنه الولادة المعروفة . واسم الفاعل ( الوالد ) التي تدل على خروج شيء منه ، واسم المفعول كلمة ( المولود ) .

وقد نفى الله عز وجل عن نفسه صفة الولادة له أو منه ( والد , ومولود ) بقوله تعالى : [ لم يلد ولم يولد ] ونفى عن نفسه اتخاذ الابن أو الصاحبة أو الأسرة والعشيرة بقوله [ ولم يكن له كفواً أحد ]الإخلاص

أما كلمة ( أب ) : فهي من التربية والعناية وهي تدل على الأصل والمركز .

قال تعالى :[ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين] الأحزاب 40

ومن المعروف أن النبي محمد كان والد لأولاد ذكور لم يكبروا ويترعرعوا في كنفه وعنايته ورعايته ولم يبلغوا سن الرجال,فكلهم ماتوا وهم أطفال صغار لذلك نفى الله عز وجل عن النبي صفة الأبوة ولم ينف عنه صفة الو الدية

قال تعالى : [ ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ] الحج 78

وصفة الأبوة للنبي إبراهيم هي صفة ثقافية وتابعية وليست والدية !! .

إذاً ليس كل ابن هو ولد ، ولا كل ولد هو ابن . لاحتمال وجود أحد الصفتين دون الأخرى, نحو أن يلد لوالد ولد ويموت الوالد في أول عمر الولد ، فلا يمارس الوالد عليه دور ووظيفة الأب, ويصير الطفل يتيماً ( فاقد الأب ) ويلتحق الولد بعمه أخو أبيه ,أو زوج أمه إن تزوجت, فيصير هذا الرجل الجديد هو أب للطفل اليتيم .

فوظيفة الوالد : هي وظيفة فيزيولوجية ( ولادية ) تنجب الولد إلى الحياة .

ووظيفة الأب : هي وظيفة اجتماعية ( ثقافية ) تهيئ الولد للعيش في الحياة .

وممكن أن تجتمع الصفتان [ الوالد والأب ] في رجل واحد فيكون هذا الرجل هو والد لطفله وأب بذات الوقت . [ الإنجاب والتربية ] .

وعندما يستخدم النص كلمة أولاد فهو يحصر ذلك بعملية الولادة ,نحو آيات الإرث فجميعها استخدمت كلمة [ أولاد ] وهذا يدل على حصر الإرث في الأولاد فقط دون الأبناء ، لاحتمال أن يكون للإنسان أبناء ليسوا من صلب الآباء نحو قوله تعالى [ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ] فأحكام المواريث وحرمة النكاح محصورة بالأبناء الذين من صلب الآباء [ أولاد ]أما الأبناء الذين ليسوا من صلب الآباء فلا ميراث لهم ولا يحرم نكاح نسائهم إذا ماتوا أو طلقوا زوجاتهم . والنص المعني بالدراسة قد استخدم كلمة [ أبناء ] بقوله: [ وما جعل أدعياءكم أبناءكم ] فالأطفال الذين ادعيتم أبوتهم ليسوا هم أبناء لكم ، فأنتم لم تربوهم منذ صغرهم ، ولم يستخدم الشارع كلمة [ أولادكم ] لأن نفي عملية الولادة تحصيل حاصل, ولم يدعوها أصلاً . وإنما ادعوا صفة الأبوة لهم مع نفي عملية التربية لهم في الواقع فكيف يكونون آباء لهم ؟!. ويتابع النص قوله [ ادعوهم لآبائهم ] ولم يقل [ ادعوهم لوالديهم ] فمسألة الولادة والوالد ليست هي محل نقاش أو خلاف ، وإنما مسألة الأبوة والبنوة هي محل النقاش والنزاع ، فالأب من قام بالتربية ، وبالتالي يصير الطفل ابناً لهذا الأب ، ولا يصح أن يأتي رجل ويدعي الأبوة لطفل وهو لم يمارس ذلك عليه ، فهو مثله مثل من يسرق جهد وتعب غيره !! .

لذلك أمر الشارع أن يدعى الطفل الربيب لمن قام بتربيته ، ولم يستخدم الشارع كلمة [نسب ] كما في قوله تعالى : [ وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً ] الفرقان 54 فلم يقل : انسبوهم لآبائهم . أي لا يصح أن يقال هم أولاد هذا الرجل وهم ليسوا كذلك في الواقع ، وإنما ادعوهم لآبائهم بقولكم : ابن فلان بالإدعاء وليس بالنسب ، وبالتالي لا ميراث لهم ولا يَحرم نكاح نساءهم .

إذاً النص ينهى عن ادعاء أبناء الغير أنهم أبناءنا ، وينبغي ادعاؤهم لآبائهم الذين قاموا بتربيتهم ، فإن لم يُعلَم آباءهم فإخوانكم في الدين . وعملية الأبوة للأبناء مستمرة إلى بدء سن البلوغ الذي هو سن رفع صفة اليتم عن الأولاد .قال تعالى : [ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم] النساء 6

فالنص يتكلم عن مسألتين : وهما : البلوغ الجنسي ، والبلوغ الرشدي . فعندما يصل الطفل إلى البلوغ الجنسي ينبغي أن يرافقه البلوغ الرشدي ، وقد يتأخر الرشد عنده بسبب ثقافة المجتمع في إطالة عمر الطفولة .فالشارع ربط

الأحكام الشرعية والمسؤولية ببلوغ سن الرشد الذي يأتي قطعاً مع البلوغ الجنسي أو بعده ، ولا يمكن أن يأتي قبله [ فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم .. ] أي دَعوهم يتحملوا مسؤولية إدارة أموالهم ,وبالتالي يصح بيعهم وشراؤهم وهبتهم وأي تصرف في مالهم ,فهم أحرار فيما يملكون لأنهم بلغوا سن الرشد .

ودلالة هذه النصوص تفيد أن الأب يمارس أبوته إلى سن بلوغ الطفل مرحلة النكاح وسن الرشد ، وهذا يدل على أن الأطفال هم أبناء لهذا الرجل في تلك المرحلة التربوية, وهو مسؤول عنهم وعن تصرفهم . وهذا يوصلنا إلى أن سن ادعاء البنوة ينتهي كحد أقصى عند بداية سن البلوغ الجنسي والرشدي ، فإذا تفرقا يكون الحد الأقصى هو بداية سن الرشد الذي يخضع في تحديده لمعايير ثقافية اجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر . وبالتالي لا مانع من تبني الأطفال في أي سن كانوا ماداموا تحت سن الرشد, ولكن لا يصيرون أولاداً,وإنما يبقون أبناء ,وبالتالي لا ميراث لهم ولا يَحرم نكاح نساءهم كما أخبر الرب في كتابه بقوله تعالى

[ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ]النساء 23 .

وهذا الوجه هو الذي أمر الله به نبيه أن يفعله ويبطله في المجتمع الجاهلي ، الزواج من زوجة الابن بالادعاء ، فأمره أن يتزوج زينب زوجة زيد بن حارثة, الذي كان يطلق عليه سابقاً زيد بن محمد, وأمر الله عز وجل أن تُرجَع بُنوة زيد إلى أبيه حارثة, لأن النبي لم يكن في واقع الحال أبوه ، غير أن الله عز وجل لم يرد لنبيه أن يصير أباً لأحد من الرجال لاعتبارات إيمانية وسياسية ونفسية تؤثر على المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله .

قال تعالى : [وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً ] الأحزاب 37

فعندما أراد زيد أن يطلق زينب كان عند النبي علم من الله أنه سوف يأمره بالزواج منها لإبطال حكم تحريم الزواج من زوجة الابن الذي ليس من صلب أبيه عملياً, وكان المجتمع العربي يحرم ذلك ، فخشي النبي (صلى الله عليه وآله) من إثارة الرأي العام ضده في هذه المسألة, وهو يعتقد بأنها مسألة صغيرة ليس وقتها الآن لوجود المسائل الأكبر منها, نحو صراع الإيمان والكفر ، والتوحيد والشرك ، غير أن المجتمع الإسلامي حديث عهد بالولادة وغير ذلك [ وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ] فكان النبي يأمر زيداً بإمساكها حتى يؤخر هذا الزواج ما استطاع ، ولكن زيد طلقها [ فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها ] فجاء الأمر الإلهي بتنفيذ الزواج من زينب لإبطال حكم الجاهلية [لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً ] فالقصة كلها هي لإبطال حكم جاهلي ، وتنفيذ لمضمون قوله تعالى : [ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ] فالتحريم محصور في نساء الأبناء من الأصلاب فقط .

وخشيةً من أن يتخذ الناس زيداً وريثاً لمحمد (صلى الله عليه وآله) في مقام السلطة والإمامة فقال تعالى : [ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين]الأحزاب 40 وهذا خاص للنبي محمد( صلى الله عليه وآله ) وليس نفياً للمؤمنين بأن يكونوا آباء لأبناء من المجتمع يقومون بالعناية بهم ثقافياً وتربوياً ,ويحملون اسمهم بالتبني دون النسب ، ويحسبون حسابهم في الميراث وصيةً وليس إرثاً من باب التعاون والعمل الصالح .

اجمالي القراءات 27102