إنتخابات الزيت والسكر وانابيب البوتجاز!

حمدى البصير في الأحد ١١ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً


 حصاد الجولة الاولى من إنتخابات مجلس الشعب ، يؤكد أن مصر دخلت بشكل عملى مرحلة ديمقراطية حقيقة ، تليق بثورة 25 يناير ، وتليق أيضا بتضحيات الشهداء والمصابين من الثوار الأنقياء ،وان المصريين على أعتاب مرحلة جديدة من التعددية السياسية، وستشهد حراكا حزبيا فى المرحلة المقبلة ، يعوض الجمود الحزبى الذى كان موجودا خلال الستين عاما الماضية ، وان أكذوبة الحزب الواحد قد ذهبت إلى غير رجعة .

فهناك إيجابيات كثيرة ودروس مستفادة من الجولة الأولى للإنتخابات ، ولكن هناك سلبيات عديدة أيضا يمكن تداركها فى المرحلة الثانية التى ستبدأ بعد غد الأربعاء ، وفى المرحلة الأخيرة للإنتخابات بعد ذلك .

فمن الطبيعى أن تحدث أخطاء فى الإنتخابات ، لإنها تجربة ديمقراطية ثرية ، ومن المؤكد أننا سنتعلم من تلك الأخطاء لإثراء العملية السياسية ، ولكن المهم أن السلبيات والأخطاء لم ترق إلى مرحلة التزوير المنظم الذى كان يحدث " رسميا " خلال العهد السابق ، ولم تحدث تدخلات أمنية فجة ، التى تعودنا عليها خلال الثلاثين عاما الماضية ، ولم نجد بلطجية امام اللجان الإنتخابية على مستوى المحافظات التسع التى جرت فيها الإنتخابات فى الجولة الأولى ، أى أن التدخل السافر للدولة لم يكن موجودا ، وكان الامن محايدا ، والجيش منضبطا ، والإشراف القضائى لاغبار عليه إلا قليلا ، ومعظم الناخبين مسالمين ومتعاونين ، ومثقفين سياسيا ، ولكن بعض المرشحين – للأسف – لم يكونوا على مستوى المسؤلية إطلاقا ، وهؤلاء يجب أن يطبق عليهم قانون "العزل السياسى " فى المستقبل بسبب سلوكياتهم الرديئة .

فهناك مرشحون بنوا دعايتهم الإنتخابية على أنهم " متدينين " وخلطوا بين الدين والسياسة فى تلك الدعاية ، بل قلة من هؤلاء – مسلمين ومسيحين - إستخدموا دور العبادة فى الترويج لأنفسهم ولحزبهم وكتلتهم ، وتحولت الدعاية فى بعض الأحيان إلى حرب دينية بين المسجد والكنيسة !.

بل هناك معركة فقهية ذات طابع سياسى كانت بين مرشحى الإخوان المسلمين والسلفيين ، وصلت إلى حد التكفيير فى بعض الدوائر خاصة فى الأسكندرية ، وقاموا بتجاوزات انتخابية لاتتفق مع أخلاقيات المرجعيات الإسلامية ، وكان من المعتاد  -على سبيل المثال - إطلاق الشائعات بين الطرفين ، مبررين ذلك بأن " الحرب خدعة " !

مرشحون أخرون من الأثرياء الذين ترشحوا فى مناطق شعبية فقيرة ، أو فى قرى محرومة إستخدموا سلاح المال أبشع إستغلال ، وأصبحت الرشاوى الإنتخابية تعطى نقديا أو فى صورة خدمات مؤقتة ، وتراوحت ، الرشاوى " الحلال " التى تعطى  " كصدقة سياسية " بين الملابس واللحوم فى عيد الأضحى ، ثم إلى إهداء أكياس السكر وزجاجات الزيت أثناء الحملات الإنتخابية ، وإرسال البطاطين وأنابيب البوتجاز إلى المنازل  يوم التصويت فى الإنتخابات ، ولاسيما أن الإنتخابات تزامنت مع قدوم الشتاء ووجود ازمة موسمية فى اسطوانات الغاز، وبالطبع قد يتكرر توصيل الأنابيب " ديليفرى " إلى منازل بعض الناخبين " الغلابة " ، فى الجولتين الثانية والثالثة ،لأن الرشاوى الإنتخابية لم يتخذ ضدها أى إجراء حاسم فى الجولة الأولى ، ولإن أزمة أنابيب البوتجاز مازالت مستحكمة ، والعيب ليس فى قبول ناخبين فقراء لهدايا خاصة السلع التموينية واسطوانات الغاز ، ولكن العيب فى المرشحين الراشين الذين إعتقدوا إن زجاجة زيت وكيس سكر قد يجعل بعض الناخبين يصوتون لهم ، ونسوا هؤلاء أن غالبية الشعب المصرى لديه وعى كبير وليسوا قطيعا .

لم يعجبنى أقاويل وتفسيرات من بعض كبار النخبة و سياسين مخضرمين ومثقفين ، والذين أرجعوا الإقبال الشديد للناخبين على التصويت فى الإنتخابات  رغم الأمطار والبرد فى بعض المناطق ، بأنه خوف من الغرامة الكبيرة المقررة على من يتخلف عن التصويت والتى تصل إلى 500 جنيه ، أو طمعا فى كيس سكر أو زجاجة زيت أو أنبوبة بوتجاز من مرشحين راشين.

وأعترض بشدة على وصف ليساريين وليبرالين لبعض الناخبين بالأمية والفقر وقلة الوعى السياسى ، والطيبة الشديدة وسهولة التأثير عليهم - وكأنهم للأسف قطيعا من البشر - ، وذلك بعد أن جاءت نتيجة الإنتخابات فى الجولة الأولى لصالح حزبى الحرية والعدالة التابع للأخوان المسلمين ، والنور السلفى ، فى مقابل تراجع اليساريين والليبرالين ، وقدإستند هؤلاء على سلوكيات خاطئة وغير قانونية كانت تحدث فى يوم التصويت ، مثل التأثير على الناخبين قبل دخولهم إلى اللجان ، وتوجيههم إلى إنتخاب قائمة بعينها ، أو التصويت على المقعد الفردى لمرشح ما ، منتهكين بذلك فترة " الصمت الإنتخابى " وهى إنتهاكات وإتهامات يمكن وصفها بالترف السياسى أو" الدلع الإنتخابى " ، مقارنة بما كان يحدث فى إنتخابات عهد مبارك التى كانت تدار بواسطة البلطجية ، أو بالتحديد عن طريق " البلطجة الأمنية " برئاسة حبيب العادلى ، والبلطجة السياسية بقيادة أحمد عز ، والذى وصل بهما " الإستهزاء والإستهتار "  بالشعب فى الإنتخابات التى جرت العام الماضى إلى إسقاط كل المعارضين وإنجاح كل أعضاء الحزب الوطنى ، وإختيار قلة من المعارضين المستأنسين ، وإنجاحهم والغريب أن أعضاء " الوطنى"  أو " الفلول " الذين ترشحوا فى الجولة الأولى لم ينجح أحد ، بإستثناء " فل " فى البحر الأحمر و"فل " أخر فى أسيوط ، وهذا أسوأ ماحدث فى جولة الإنتخابات الاولى .

حمدى البصير

Elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 9326