في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً
المرجفون في المدينة

محمد عبدالرحمن محمد في الثلاثاء ٠٦ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

ما فجعت أمة في مستقبلها .. مثلما تفجع في أبنائها الذين اتخذوا النفاق ديناً  معيناً لهم في تسلق السلم الاجتماعي..  حتى يحصدوا  المال.. و يحصلوا على الأعمال..   والمكانة الاجتماعية.. والحظوة لدى السلطان وأعوان السلطان..

النفاق آفة اجتماعية خطيرة تكاد تصيب المجتمع في مقتل، وتجعل صاحبها في أن يكون بمعزلِ إذا  هو انكشف أمره.. وبالتالي فالأمة والفرد كلاهما في خطر لو امتلك المنافقون زمام الأمور.. وأصبح لهم الحظوة والقرب من صانع القرار ..

  لأجل ذلك ... أراد الله تعالى لنا ان نتعلم من هدي القرآن العظيم.. مما حدث وما وجرى مع رسوله ذو الخلق العظيم.. والخلق هو الدين وهو الاسلام ..العظيم..!

 تعالوا معاً نتدبر ونتأمل ونتعلم من القرآن العظيم .. وطريقة علاجه لآفة النفاق في المجتمع الانساني سواء كان ذلك المجتمع هو المجتمع الذي عاش فيه النبي محمد عليه السلام او أي مجتمع عاش بعده وكان الاسلام هو الدين الذي ينتسب إليه أبناء هذا المجتمع أو الغالبية الكبرى منهم.. مع الأخذ في الاعتبار شئون الأقليات الأخرى التي تنتمي  لهذا المجتمع..

يقول تعالى : {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً }الأحزاب60... ثلاثة أصناف من الناس تتضمنهم الأية لكي تحذر الرسول محمد عليه السلام  منهم ومن تواجدهم معه في المدينة  التي هى دولة الاسلام وقتها...

الصنف الأول : المنافقون  (المنافقين) حسب موقعها في الجملة أو الآية الكريمة  من الاعراب..

الصنف الثاني : الذين في قلوبهم مرض ..

 الصنف الثالث : المرجفون في المدينة ..

من المؤكد الذي لاشك فيه أن النفاق هو المُفَرّخ الطبيعي للمرض القلبي الذي يصيب المنافقين.. ومتى مرض المنافق بذلك المرض القلبي .. وكلما تدهورت حالة المنافق وتحول إلى المرض القلبي(النفسي) .. تأتيه نوبات من الرجفة.. والقشعريرة..  عندما يمارس النفاق .. وبالتالي  يصبح مرجِفاً إسم فاعل.. لفعل النفاق..  فتصيبه الرجفة الجسدية.. كما تصيبه الرجفة العقلية بمعنى أن عقله لايستقر على عقيدة معينة او قيمة أخلاقية دينية معينة.

والمرجف يمارس النفاق بسرعة الرجفة ... أو الذبذبة .. دلالة اكيدة على عدم الاستقرار القلبي أو النفسي للمنافق المُرجِف.  الذي هو سريع التحول من النقيض إلى النقيض حسب الحاجة إلى ذلك الأمر . لمن يدفع له أكثر لمن يغدق عليه .. مالا أو منصباً أو سلطة..

لذلك فالمرجف (المنافق سريع النفاق والتحول من النقيض إلى النقيض) تجده في شتى الأماكن والأزمان ..

 ومن هنا .. نجد أن المرجفون يقدمون الخدمات لمن يحميهم ويرفعهم اجتماعيا ويثريهم.. ولا أحد يفعل لهم ذلك إلا.. المستبد الحاكم وجنوده وجهاز أمنه التابع له وبالتالي فولاءهم الأكبر يكون للمستبد أو الحاكم الدكتاتور .. ثم  ينافقون باقي أفراد المجتمع كل حسب مقدار ما يقدمه لهم من منافع.

 ولكي نفهم معنى  المرجفون .. وهى جمع مرجف.. تعالوا معا نتدبر  مادة (رجف) في الآيات الكريمات..

يقول تعالى :{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً }المزمل14

عندما ترجف الأرض  فهى تتزلزل ونحن باحساسنا الجسدي عندما ترجف الأرض من تحتنا نشعر بمدى عدد الذبذبات والاهتزازات التي تحدث وقت الرجفة (الزلزال).. وهكذا يمكننا أن نتخيل ونقدر معنى الرجفة  وتهتز القشر الأرضية بنفس سرعة الرجفة او الزلزال.. حسب شدة الرجفة أو الزلزال سواء كان 4 أو 5 أو 6 أو 7 أو 8 ريختر .. حسب ظاهرة الرجفة (الزلزال).

 إذن شخصية المرجف تتحول وتهتز بسرعة الزلزال أو الرجفة فلا يستقر على رأي أو موقف أو قيمة من القيم الأخلاقية النبيلة.. (العمل الصالح).

ومن هنا  يكون خطره على المجتمع أو الدولة او المدينة التي يقيم فيها ويعيش بين افرادها.. يقول تعالى :{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ }الأعراف155  إنه إحساس وشعور مخيف وقاس عندما تهتز الأرض بعنف وشدة تحت قدميك.. إنه شعور مخيف أن تهتز (ترتجف) أعضاء جسدك بشدة عندما تكون على شفا الهلاك.  فيكون  حالك كذلك عندما تمارس النفاق..!

  ولكي يتم الله تعالى نعمته  على الرسول وعلى المؤمنين المعاصرين له ومن يؤمن بعدهم بالقرآن كمصدرا للإسلام .. علمنا الله تعالى في هذه الأية أن نكتشف المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفون.. ولابد للمؤمنين من أن تتكون لديهم حاسة كشف المرجفون واكتشافهم .. وتحذيرهم في البدء .. حتى يتوبوا إلى الله تعالى..  ولا يفسدوا في المدينة .. و المدينة كانت هى النموذج المثالي في عهد الرسول للدولة أو المجتمع الاسلامي. يقول تعالى {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِييهَا إِلَّا قَلِيلاً }الأحزاب60.

كما أن المرجفون يكونون في عداد الهالكين .. إن لم يرجعوا عن نفاقهم ومرضهم القلبي  ورجفانهم.. كما تنوه الآيات عمن أخذتهم الرجفة.. فهم جاثمون في ديارهم  كما ذكرت أربع أيات ذلك بالقرآن الكريم.. يقول تعالى :

{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }الأعراف78 و91

وقوله تعالى :{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ }الأعراف155لكن الرجفة التي أخذت السبعين رجلا كان هلاكهم مؤقتا فيها ولم يكن دائماً وأحياهم الله وأنقذهم من هذه الرجفة.

وفي قوله تعالى : {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }العنكبوت37

 الرجفان: مرض  يصيب عضلة القلب ويخرج القلب عن إيقاعه الفسيولوجي .. وهو سبعين دقة بالدقيقة  وكل دقة او انقباضة تضخ سبعين سنتيمتر من الدماء 70 سم3 .. فعند الرجفان تزداد  انقباضات عضلة القلب ما يزيد عن مائتين ضربة بالدقيقة.. وتنخفض كمية الدم المضخوخ.. أي أن  ذبذبات القلب تزداد .. إلى المدى الذي يخرج عضلة القلب عن تأدية وظيفتها الفسيولوجية.. ويصاب القلب بالاعياء الشديد لدرجة التوقف عن أداء عمله الطبيعي..

وبالتالي  فإن القلب إن لم يرجع إلى المعدل الطبيعي 70 انقباضة في الدقيقة.. فإن ذلك يكون بداية النهاية بالنسبة للقلب..

 وذلك ما يحدث للمرجف المنافق .. إن لم  يتب إلى الله تعالى ويقلع عن هذا النوع من النفاق  فإن ذلك هو بداية النهاية بالنسبة له في المجتمع الذي يعيش فيه فإذا فَُِضح أمره وانكشف فهو يخسر كل المكاسب التي  حصل عليها في مجتمعه .. هذا لو أن المجتمع يحاسب المنافق حسابا رادعاً . وهو في الآخرة من الخاسرين.

هذه دعوة صادقة ونصيحة لكل من يجد في نفسه شيء من نفاق أن يراجع نفسه ويتعظ ويعمل بالآيات الكريمات قبل فوات الأوان وقبل أن يجد نفسه قد خسر الدنيا والآخرة وربما يحسب في قرارة نفسه أنه يحسن صنعا .

جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القرل فيتبعون أحسنه . وللحديث بقية .

اجمالي القراءات 43388