الثورة .. النوبة دموع و إضهاد

شادي طلعت في السبت ١٩ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

تعداد سكان النوبة يتجاوز 3 ملايين و مساحة الأراضي النوبية الصالحة للزراعة يتجاوز المليون و نص المليون فدان، و النوبيون ينتشرون فيما بين أسون شمالاً و الخرطوم عاصمة السودان جنوباً، و قد لا يعرف العديد من المصريين شيئاً عن النوبة و عما تعرض له أهلها من إضهاد طوال 59 عاماً مضت منذ قيام ثورة 1952حتى ثورة يناير 2011، و لا يعيب من لا يعرفون قضية و مشاكل أهالي النوبة شيئاً ! إذ أن الحقبة النوبية قد سقطت من التاريخ المدرسي كما سقطت الحقبة القبطية من قبل ! و الواقع أن ما يعاني منه أهالي النوبة مؤثر و مخيف في نفس الوقت، نظراً لما تعرضوا له من ظلم و إضهاد لعقود مضت، و لم يعبروا حتى الآن عن غضبهم و لم ينتفضوا، و هو ما يعد نذيراً بخطر قادم إذا ما خرج النوبيون عن صمتهم.
تعود بداية معاناة أهالي النوبة إلى العام 1899 عندما تم إنشاء خزان أسوان لتنظيم مياه النيل مما تسبب في إهدار مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي كان يملكها أهالي النوبة، و زادات المعاناة أكثر عندما قام جمال عبد الناصر ببناء السد العالي، عندما قرر أن يكون مكان السد على أراضي و أملاك أهالي النوبة، و قام بتعويض الأهالي بثمن بخس، فعلى سبيل المثال تم تعويض الأهالي عن النخلة الواحدة بقيمة نصف جنية مصري و تم تعويض النوبيون من السودان عن النخلة أيضاً بقيمة خمسة جنيهات، في حين كان ثمن النخلة في القاهرة كان خمسة و أربعون جنيهاً !
و لم تكن المأساة فقط عند هذا الحد من إغتصاب الأراضي دون تعويض مستحق و لكن كانت في أمور أخرى منها إنتهاك حرمة الأموات، فكافة مقابر النوبيون لم يتم نقلها بل كان مآلها إما الغرق و إما البناء عليها ! لقد كان السد العالي رمز إنتصار للدولة و لكنه كان رمز إنكسار لأهالي النوبة ! زاد من المأساة أيضاً تصوير النوبين في سينما الخمسينات و الستينات و حتى وقت قريب دائماً على أنهم إما عبيد أو خدم أو في مهنة حراسة العقارات "بواب" كما لم يأتي وزير نوبي طيلة 59 عاماً منذ ثورة يوليو و لم يتولى أي نوبي أي منصب رفيع من الدولة، إلا شخص واحد و هو المشير طنطاوي و الذي شاءت الأقدار أن يكون رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بعد ثورة 25 يناير 2011، إلا أنه أيضاً يقف عاجزاً عن خدمة أهالي النوبة نظراً لطبيعته العسكرية و لإبتعاده عن النوبة أغلب سنوات عمره.
بكل أسف زاد الإضهاد في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، و تعدد الإضهاد ليشمل المرأة و الأقليات الدينية و أيضاً العرقية كبدو سيناء و أهالي النوبة، إلا أن معاناة أهالي النوبة هي الأشد و الأكثر إيلاماً، فالإضهاد لا يشمل الإستبعاد السياسي فقط نظراً للون البشرة فقط، و لكنه تمثل في الإستيلاء على ألأراضي و إنتهاك حرمات الأموات ! و كان مصير كامل الأراضي التي تم الإسيلاء عليها أن تم بيعها إلى المستثمرين اللذين حتى لم يقوموا حتى بزراعتها، فقد تركوها لسنوات على أمل بيعها بأثمان أكبر فيما بعد، مثل الوليد إبن طلال و غيره، و لكن و بعد قيام ثورة 25 يناير كيف يكون الحل لمشاكل أهالي النوبة :
 أولاً/ لابد من الإعتراف بالأخطاء التاريخية ضد شعب النوبة.
ثانياً/ لابد من تعويض أهالي النوبة عن أراضيهم التي إغتصبت منهم تعويضاً مناسباً، و ليكن في تمليكهم أراضي بقيمة الأراضي التي فقدوها، طبقاً لما معهم من مستندات ثبت ملكياتهم القديمة لأراضيهم السابقة.
ثالثاً/ تدريس الحقبة النوبية في التاريخ المدرسي.
رابعاً/ تجريم التمييز بين الناس على أساس اللون أو العرق أو الدين.
خامساً/ الحفاظ من قبل الدولة على التاريخ النوبي، و الهوية النوبية و السماح لأهالي النوبة و مساعدتهم على الحفاظ على تراثهم و لغتهم الخاصة.
خامساً/ مساواة النوبين بباقي المصريين في العمل و الوظائف العليا. 
 
قد يتخوف البعض من الجهلاء أو دعاة الأنظمة الشمولية من أن يطالب النوبيون فيما بعد بالإنفصال عن الدولة ! و هو في الواقع تخوف لا يمكن أن يأتي إلا في ظل حكم شمولي فقط، فلو أن النوبيون يعيشون في مجتمع بدون تمييز لهم ما للمصريين جميعاً من حقوق و عليهم ما على المصريين من واجبات، فإنهم سيكونون بكل موقع بالدولة، مما يزيد إنتمائهم الوطني و من ثم يكونون هم الأحوج إلى الرابط بينهم و بين سائر أبناء الوطن، إن الخوف الحقيقي من أن يطلب النوبيون الإنفصال هو الإستمرا في إضهادهم و محاولات إقصائهم.
 
أقول قولي هذا و أستغفروا الله لكم
شادي طلعت
اجمالي القراءات 9516