الله عزّ وجل
الله عزّ وجل

غالب غنيم في الإثنين ١٤ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

 إن أول ما نبدأ به هو "البسملة" واللتي هي مفتاح موضوعي ونقطة بدايته، فالأنسان حين يسلم عليه أن يكون مقتنعا عقائديا بالله لكي يستطيع التسليم له، ولكي يسلم أمره لله مخلصا له الدين، فهو كلّه سيصبح لله في حياته ومماته وما بينهما من عمل صالح " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" الأنعام – 162 فكيف سيفي بهذا إن لم يعلم ويؤمن بالله؟

والله شرح لنا في أكثر من مكان المعنى لأسمه أو المعنى لذاته، ولن أدخل هنا في تفصيلات الأسم والمسمى، فببحثي هنا أعتبر الأسم هو المسمى لكي لا أدخل في المهاترات الفلسفية، والصفة عندي هي الموصوف، ولم أذكر أسماء الله الحسنى، وهذا من مسلمات البحث حتى لا يتفرع، ومن رغب في نقاش حول هذه المسائل فليذهب الى التاريخ فسيجد الكثير منها وكفى. أقول أن الله بين لنا ماهيته على قدر ما نستطيع استيعابها وفهمها، فهو يبين لنا ما هو بقوله في سورة الإخلاص:

1.    قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

2.    اللَّهُ الصَّمَدُ

3.    لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ

4.    وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ

ومن خلالها نفهم أن لفظ الجلالة "الله" تعني أنه واحد أحد ليس له ثان، وأنه الذي لا يُقْضى دونه أَمرويحتاجه جميع الخلق لقضاء أمورهم، وهو الخالد الذي لم يأت من أحد  من قبله ولم يات هو نفسه بأحد يرثه – ليس له ولد، وأنه عزّ وجل ليس من أحد بمكانته وقدراته وصفاته، فالجميع أدنى منه في كل شيء، في قدراتهم وإمكانياتهم وفي صفاتهم كانت ما كانت هي عله فستبقى ناقصة لا تسمو الى صفاته ومهما علت مكانتنا في الأرض فسنبقى صاغرين، ومهما علت مكانة أي مخلوق ملاك أو جنة أو غيرهما فالكل غير مكتمل الصفاة والقدرات والمكانه لا يقرنون ولا يقتربون من الأقران بالله الواحد الأحد.

وهذه السورة هي خلاصة العقيدة اللتي لا يجب لأحد أن يحيد عنها ولا بأي شكل من الأشكال، فإن قال أحدهم الأنبياء أو النبي الفلاني أو قال أحدهم جبريل حامل الروح القدس أو قال ما قال فالله يعود ويقول:

" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" الذاريات – 56

ولن أدخل أيضا في هذه النقاشات، ولكي لا نحيد عن البحث، فالله جل وعلى يبين لنا في هذه السورة ما هو، أي ما سوف نعبد ونسلم لنا أمره، ولكن هل يكفي ذلك لكي " نسلِّم " أمرنا له؟

في آيات كثيرة يبيّن الله لنا ما هو من جوانب أخرى، حيث يستخدم صفاته وأسمائه الحسنى ليقرب لنا ما هو عليه، وما يريدنا أن نعلم عنه، لكي نستأنس به، ونشعر بقربه ورأفته علينا، ورحمته بنا، ورغبته في أن يخفف علينا، وأنه يجب علينا – بعد تعرفنا عليه – أن نقدره حق قدره وان نطيعه جميعا بلا استثناء، ملائكة وجنّة وأنس، في كل ما أمر..

ومن أسماء الله الحسنى نستطيع معرفة قدراته ومكانته وصفاته وعزته وكبريائه ولكن من أين لنا القدرة على فهم واستيعاب " الذات الإلهية" حين يقول عزّ وجل عن ذاته :

" فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  " – الشورى - 11

فعقولنا وقدراتنا وادراكنا لا بد محدودة، فكيف ندرك ونستوعب من " ليس كمثله شيء "؟ بالطبع لن نستطيع، وهنا نحن نقف أمام ذاتٍ بينت لنا "من هي" وتخبرنا بعظمتها وبأنه لا شيء في الكون كله يمكن أن يكون كمثلها، ولكن الإنسان دائم السؤال والطلب، فمن الأكيد أننا نريد فهم " ماهيَّة الذات الإلهية"..!

والله عزّ وجل يعلم خلقه أكثر مما الخلق ذاته يفهم ذاته! ويعرف الحاح خلقه، فلم يبق لنا حجة، وهنا أريد المداخلة بعض الشيء، بطرح بعض الأفكار الخاصة بي، ثم متابعة تبيان الله "لماهية ذاته" لنا ، فأقول هنا، أننا بشر، ولا جدال في ذلك، وأن عقولنا محدودة، ولا أظن أن هنالك من يجرؤ على نقض هذا، فنحن في الصفوف الأولى من دراستنا تعلمنا كيف لا نستطيع فهم "اللانهاية" وناتج قسمة الصفر على اللانهاية ومسألة الخطوط المتوازية...الخ الخ الخ فما بالكم بفهم واستيعاب وادراك " ما بعد اللانهاية "...! عقولنا ديناميكية متحركة متطورة، هكذا خلقها الله ولكنها " محدودة ". وبالنسبة لي هذا أمر أسهل ما يكون علي فهمه والإقرار به بحكم تخصصي ألا وهو أنظمة الحاسوب الذكية وبرمجياته...!

وما شأن هذا بذلك؟! بكل بساطة، نحن نصنع الحاسوب لكي يقوم بأمور محددة، فهو لا يستطيع الحياد عنها، وهذا يشمل "الأنظمة الذكية" – مجال تخصصي- فحتى هذه الأنظمة الذكية لن تستطيع أن تحيد عن مجال تخصصها، بل هي في الأساس تعتمد على ذكاء من صنعها ودقته في الحسابات ودقة المعادلات الرياضية والفيزيائية اللتي قام بتغذية تلك " الأنظمة الذكيّة " بها، وبالتالي لن يستطيع نظام ذكي لرصد الصواريخ الحرارية والأجابة عليها بأسرع الطرق من رصد صاروخ غير حراري، وهذا يعني أننا بحاجة لنظام آخر لكي نلتقط الأثنان معا، وهكذا...

الفكرة اللتي أريد إيصالها أن الحاسوب لن يصل لمستوى البشر الفكري والعلمي مهما غذيته بالبرامج، فكلها برامج مسبق حسابها من " إنسان " وبالتالي نقول عنه أنه محدود. وهكذا نحن، بل نحن أكثر تعقيدا وتطورا من حواسيب الأرض أجمع، ففينا العاطفة واللاشعور والحب والكره والخير والشر والكفر والإيمان مجتمعةً...وهذا إن دلّ فيدل على الخالق وقدرته، وفينا القدرة على اتخاذ القرارات بجميع أشكالها، والقدرة على القبول والرفض كيفما أملت علينا رغباتنا أو أفكارنا، ويكفينا فخرا أن فينا القدرة على التعلم وتطوير أنفسنا...........ولكن بحدود........هذه الحدود اللتي وضعها الله فينا حين خلق أبانا آدم، وهي حدود منطقية، بحكم صغرنا أمام الخالق، وعودة الى ما بدات به، من أن الله عزّ وجل لم يبق لنا حجة، فضرب لنا مثلا عن "ماهية ذاته" ليقرب لعقولنا ما أمكن ذاته العليا، فنستطيع بعد الذي بينه لنا عن " ما هو " وأنه " ليس كمثله شيء" أن نقترب من الإيمان به كاملا ولكي نسلم له أنفسنا كاملة خالصة، حيث نرى الأنبياء أنفسهم يطلبون بعضا من الآيات لكي تطمئن قلوبهم، فمنهم من كلمه الله ومنهم من أراه من آياته في الخلق ومنهم من أرآه من آياته الكبرى ، وهذا كله ذكره الله عزّ وجل ليس من عبث، بل ليذكرنا بأننا بشر مهما رقينا بالأسباب، ومهما كنا، أنبياء ، رسل أو غير ذلك فنحن بحاجة للأدلة والبراهين، وهذا دليل آخر على محدودية العقل عند الأنسان، وهنا يذكر الله عزّ وجل في كتابه العزيز مثلا لكل البشر يقول يبين لهم فيه " ماهيّته " في أقرب صورة يمكن شرحها وتقريبها للعقل البشري، وبما أن " ماهّية الذات الإلهية " غاية " لن ندركها ولن تستوعبها عقولنا " – تماما كما الحاسوب لن يصل الى ادراكنا – فلقد قرب لنا الله ما نستطيع " جزئيا " إدراكه بضرب مثل عن نوره وهو " جزء منه " ، وهذا ما حصل مع موسى عليه السلام، فلقد قال له الله " لن تراني "، فهذا فوق طاقات البشر وهم في الأرض، والله أعلم ما وراء ذلك، بل من نعم الله على موسى أنه نفسه بقي " جسدا "  ولم يندك مع الجبل  :

" وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ*اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "  النور- 34:35

ومن هذه الآيات المباركات يتأكد لنا ما قلته سابقا، فقبل أن يبين لنا الله عزّ وجل مثله يذكرنا بأن الذين من قبلنا سألوا مثل تلك الأسئلة أو الطلبات، وأن هذا القرآن واضح بيّن عسى أن نتعظ من ذلك كله، ثم يبدأ بضرب المثل عن "نوره" جلّ جلاله، ولن أتعرض هنا لشرح ما هو واضح، بل إن الإعجاز يكمن هنا في ترك كل أنسان يقرأ هذه الآية بأن يتصوّر بنفسه هذا النور المشع الذي ليس يبهر الأبصار فقط، بل تشرق الأرض كلها يوما ما به، وهنا – مع اعتذاري للجميع – يحق لك التصوف شيئا قليلا، فما أجمل أن تتخيّل هذا النور المشرق النقيّ العذب الذي يسعد الأنظار ويطرب النفس الزكيّة، ويرضي الرغبات ويهديء الأنفس ويلين القلوب....

ألا بذكر الله تطمئن القلوب، وسلّمت أمري لله ربي وأنا أول المسلمين...

" اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ  "

اجمالي القراءات 10829