مواجهة بين فاطمة وخالد وراء أستار الكعبة

سعد الدين ابراهيم في السبت ١٢ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

فاطمة المعدول هى كاتبة قصص الأطفال المعروفة، وخالد الجندى هو أحد الدُعاة الإسلاميين، والذى يظهر كثيراً على شاشات التليفزيون. والمواجهة كانت فى مكة المكرمة، حيث نظمت شركة «مايا ترافيل» السياحية رحلة حج إلى الأراضى الإسلامية المُقدسة، شارك فيها هذا العام خمسمائة مصرى ومصرية.

واتساقاً مع موسم الحج إلى بيت الله الحرام، استحدثت السيدة المُقتدرة بلكيز أحمد، صاحبة الشركة، ليلة ثقافية، استضافت فيها الشيخ خالد الجندى، والدكتور سعدالدين الهلالى، والدكتور محمود الخيامى والدكتور سيد عبدالبارى حسين، وثلاثتهم من عُلماء الأزهر، ليُحدثوا المُشاركين فى هذه السياحة الدينية عن فضائل الحج، كأحد أركان الإسلام الخمسة. وكان يمكن لهذه الليلة الثقافية أن تنتهى على خير عميم، كما مضت الأيام الأولى، حيث الخمسمائة حاج، المُشاركين معنا فى هذا الحدث الروحى، مُهيأون لاستقبال رسائل التوعية التى تُدعّم مُعتقداتهم، وتوسع من معارفهم الدينية، لولا أن أحد المُتحدثين، وهو خالد الجندى، ملأ مُحاضرته بأحكام قيمية تفضيلية، انطوت على تحامل كبير على المرأة، وعلى الثقافات الأخرى، الأوروبية والآسيوية والأمريكية. من ذلك توصيفه للمرأة عند غير المسلمين بأنها مُجرد «مُستودع لإشباع الغرائز والملذات الجنسية عند الرجل»!، وأنها مع ذلك عِندنا نحن المسلمين أفضل حالاً مئات المرات من المرأة عندهم فى البلاد الأجنبية.

وكانت هذه الفقرة تحديداً، مسار استياء معظم الحاضرين فى حديث الشيخ خالد الجندى، كما كان تأكيده أن كل غير المسلمين، سيكون مصيرهم فى الآخرة هو جهنم وبئس المصير!

ورغم أن عدة أسئلة وجّهت إليه مكتوبة، لمُراجعة تأكيداته القطعية حول المرأة وحول غير المسلمين، فإنه لم يتراجع... ولم يقل، حتى، الله أعلم، كما كان يقول الأتقياء وكبار رجال الدين من قبله ومن بعده، كما كان إصراره على تلقى الأسئلة مكتوبة من القاعة، فى حد ذاته، قرينة على تفضيله نموذج خطيب يوم الجمعة، الذى يتحدث من أعلى المنبر، وينصت إليه المصلون فى صمت وخشوع دون فرصة للحوار والخلاف أو الاختلاف معه! ولكن فاطمة المعدول لم تكن من الصامتين ولا الخاشعين تجاه الرجل، فبمُجرد نزول خالد الجندى من عليائه، أطبقت عليه، سائلة إياه: «لماذا لم تدع الله لنصرة مصر وحماية ثورتها؟»، فجاءت إجابته لتصبّ مزيداً من الزيت على نارها، وعلى نار آخرين شاركوها نفس مشاعر الغضب، وإن كانوا أكثر احتشاماً وأقصر لساناً منها. فقد فاجأهم خالد الجندى بإجابة مُستفزة، وهى «فلتحترق مصر، ولست أريد أن يُزايد أحد على مصريتى..!»، فأطلقت فاطمة صوتاً غاضباً، مثل ذلك الذى تعودت بعض نسائنا أن يطلقنه بمُصاحبة «اللطم» فى الجنازات.. ولولا أن حاجاً فاضلاً، وهو المهندس الوقور محمد الرفاعى، قد تدخل للفصل بين الشيخ العنيد والمرأة الأكثر عناداً، لتحول الخلاف فى الرأى إلى تشابك بالأيدى، ولخسر كلاهما وغيرهما ثواب حجهم إلى بيت الله الحرام.

أكثر من ذلك، سارع المهندس محمد الرفاعى باستدعاء ثلاثة شيوخ آخرين من مُعسكرين قريبين من مُعسكرنا، خلف الكعبة، وهم الشيخ سعد الدين الهلالى والشيخ سيد عبدالبارى حسين، والشيخ محمود الخيامى، ليتحدثوا إلى نفس الخمسمائة حاج، الذين أغضب معظمهم حديث خالد الجندى.. وبالفعل نزل حديث الشيوخ الثلاثة برداً وسلاماً على حُجاج مُعسكر شركة «مايا ترافيل» السياحية، وأنقذ حسنات السيدة بلكيز أحمد، وربما تمحو سيئات الشيخ خالد الجندى، سامحه الله.

قبل وبعد واقعة خالد وفاطمة، كنت وابنتى راندا وزوجها المهندس نبيل مع ما يقرب من أربعة ملايين حاج أكثر اندماجا وانفعالاً بتجربة هذه الفريضة الفريدة فى حياة أى مسلم قادر على أدائها. وبحكم مهنتى، كمُشتغل بالعلوم الاجتماعية، كنت أراقب وأتحدث إلى كل من تمكنت من الاقتراب منهم، فإذا كان للأسفار عموماً سبع فوائد، فإن للحج، خصوصاً، فوائد لا تُحصى. ومن ذلك، إعادة إحياء ما كان قد مات أو أوشك أن يموت من نوازع دينية فى وجدان الإنسان.. ويكفى أن يتأمل أى مُشارك فى هذه الرحلة الروحية، أراضى وتضاريس هذا الجزء من أراضى شبه الجزيرة العربية، فهى فى معظمها تلال وجبال قاحلة، لا زرع فيها ولا ضرع، ومع ذلك فقد قام البشر بتعميرها على امتداد الأربعة عشر قرناً، التى هى تاريخ الإسلام والمسلمين، منذ ظهور سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وبدء دعوته إلى الدين الجديد (٦١٠ ميلادية).

ولم يُكتب لديانة أخرى فى التاريخ المُسجل أن انتشرت بالسرعة التى انتشر بها الإسلام. ورغم أن الرسول محمداً قد جاء هادياً لكل البشر، فلا أظن أنه كان يخطر ببال المسلمين الأوائل أن دينهم سينتشر على هذا النطاق الكونى الهائل.

اجمالي القراءات 11869