لا بد من ثورة مصرية أخرى لانقاذ الثورة المصرية الأولى

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠١ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 مقدمة:

فى رصدنا التحليلى للحال المصرى بعد مذبحة ماسبيرو تعرضنا لمراحل الثورة المصرية ودور  جنرالات مبارك فى محاولات إجهاضها ، وعملهم على أن ينسى الناس محاكمة مبارك بتدبير هذه المذبحة ، وكان ذلك فى الحلقة الأولى ( السّر تحت السرير : سرّ مذبحة ماسبيرو مع مبارك وتحت سريره ) .

فى الحلقة الثانية ( تحليل موقف السعودية من الثورة المصرية : الجذور التاريخية ) أكّدنا أنه لا سبيل للبقاء للدولة السعودية الراهنة إلا بسيطرتها على مصر وجعل مصر تابعة لها . ومن هنا فالعلاقة بين مصر والسعودية لا تحتمل التوسط ، فإمّا إن تكون مصر تابعة للأسرة السعودية سياسيا ولدينها الوهابى فكريا وعقيديا ودينيا ، وإمّا أن تسقط تلك الدولة الأسرة السعودية . وفى المقال الثالث (السعودية وجنرالات مبارك ضد الثورة المصرية ) توقفنا مع علاقات السعودية بجنرالات مبارك وعملهم على إجهاض الثورة . ونتوقف فى هذا المقال مع وجوب قيام ثورة مصرية أخرى بمواصفات جديدة لا نقاذ مصر وثورتها الفريدة فى 25 يناير 2011 .

أولا :  سبل نجاح الثورة الثانية

1 ـ المناخ مهيأ لها محليا واقليميا ودوليا : مصر رائدة فى الربيع العربى ، سبقتها تونس ، ثم لحقتها ليبيا وسوريا واليمن ..ولكن ليبيا التى كانت الأكثر معاناة والتى احتاجت الى تدخل الناتو وشهدت تدميرا ومذابح وعشرات اللوف من القتلى ستكون الأسرع فى التحول الديمقراطى بسبب القضاء التام على جنرالات القذافى ، وبسبب مشاركة الشعب نفسه فى النضال المسلح . وبالتالى فلو ظل جنرالات مبارك فى تسويفهم ومماطلتهم فستسبق ليبيا مصر فى إقامة نظام حكم حقوقى مدنى ليبرالى . تونس التى سبقت مصر فى ثورتها تعرضت لاضطرابات مبعثها جنرالات بن على البوليسية وفلول بن على الحزبية فاستمرت ثورتها  بمعاضدة قائد الجيش التونسى وهو نموذج مشرّف للعسكرى المخلص لوطنه وقومه وهو بن عمّار الذى وقف مع الثورة من البداية . وهذا النموذج التونسى يذكرنا بالقائد السودانى الجنرال سوار الدهب الذى تولى الحكم عسكريا ثم سلّم السلطة لحكومة منتخبة معطيا مثلا أعلى فى الوطنية . وهذا يجعلنا نتحسر على جنرالات مبارك الذين رضعوا منه الخيانة للشعب المصرى المسكين . يأكلون خيره وبدلا من أن يدافعوا عنه يوجهون نحوه سلاحهم . والوطنية فى العسكر لا تعرف التوسط فإما أن تكون وطنيا تدافع عن الوطن والشعب وتوجه سلاحك الى العدو ، وإما أن تحكم الشعب الذى أئتمنك على حمايتك فبدلا من من حمايته توجه نحو الشعب سلاحك الذى اشتريته بأموال الشعب . ومن هنا فإن أى جيش يتولى الحكم هو خائن للشعب . نموذجا تونس وليبيا يكشفان خيانة جنرالات مبارك لمصر وشعبها ، مع الأخذ فى الاعتبار دور مصر وريادتها ومكانتها وما فعله بها مبارك الذى وصل بها الى الحضيض ، ثم يأتى جنرالاته ليواصلوا مسيرة الانحطاط والخيانة . هذا غير مقبول مصريا ولا عربيا ولا دوليا .

وليس منتظرا أن تتدخل دول الخارج ضد جنرالات مبارك . ولكن المنتظر أن يساند المجتمع الدولى الثورة المصرية القادمة ضد جنرالات مبارك ، فقد طفح الكيل ، واتضحت النوايا وظهر العناد .

2 ـ فى ضوء المناخ المهيأ دوليا واقليميا ومحليا لا بد من المحافظة على الوجه السلمى للثورة مهما تكلف الثوار الابطال من دماء . من حقهم الدفاع عن أنفسهم ضد البلطجية لو اعتدى عليهم البلطجية ولكن ليس ضد الجنود. وخارج هذا الاستثناء لا بد أن تكون الثورة سلمية سلمية . فأنجح سبيل فى مواجهة القوة هو استخدام الضعف أمامها ، ولقد شرحت هذا من سنوات عن مقابلة ( ضعف القوة ) ب ( قوة الضعف ).  جنرالات مبارك أقوياء بأسلحتهم وعتادهم وعنادهم وقد أصبحوا بعنادهم شرهين لسفك المزيد من دماء الشعب المصرى المسكين . ولكن هناك حدودا لاستعمال القوة ، وتعرفها حتى اسرائيل فى تعاملها مع غزة وحماس ، فكيف بجنرالات مبارك والشعب المصرى الأعزل . وهم فى حالة ضعف أمام أمريكا والمجتمع الدولى ، وقيامهم بمذابح أخرى يعنى مطاردتهم بجرائم حرب وأن ينتهوا الى نهاية صدام أو القذافى . ويتعزز هذا بأن تكون الثورة سلمية سلمية تنادى بالحرية والحقوق . هنا يكتسب الضعف قوة جبارة تدمر غرور القوة لدى الجنرالات .

3 ـ الأهم فى سلمية الثورة واستعمالها قوة الضعف هو استثارة شهامة الجيش المصرى وعودته الى صوابه ، فلن يرضى الجنود والضباط قتل مواطنيهم المصريين . ولو حدثت مذابح أخرى سيكونون أول الثاثرين على الجنرالات . الأمل معقود على أحرار الجيش . وهذا هو الكابوس الذى يرعب جنرالات مبارك . ولا بد من الضغط عليهم بهذه النقطة . وذلك بالتالى :

4 / 1 : أن تقود الأمهات المصريات المظاهرات ، ولقد كتبت من قبل مقالا بهذا المعنى دعوت فيه الأمهات المصريات لقيادة المظاهرات . ولا ننسى دور السيدة الفاضلة (أم خالد سعيد ) وهى أم لكل شهداء الحرية . أهيب بها ألأن تتزعم الثورة القادمة والى جانبها كل النساء والأمهات اللائى فقدن أولادهن وبناتهن وأزواجهن وآباءهن اثناء حكم مبارك وفى الثورة عليه وفى حكم الجنرالات . ويستلزم هذا قيام لجنة تأسيسية للثورة تستدعى كل الأمهات وأرامل وبنات واخوات الشهداء ليقدن المظاهرات بشعارات تفصح عن حالهن وحال الوطن والاستنجاد بشهامة الجيش المصرى والاستغاثة به لتخليص مصر من خيانة جنرالات مبارك . على أن يقوم الشباب بحماية مظاهرة الأمهات عن يمين وشمال ومن خلف . سلمية الثورة و قيادة أمهات مصر لها سيحمى الثوار من قيام الجنرالات بمذبحة أخرى ويعجل بسقوطهم لأن هذا الوضع يجعلهم على الحافة ،إما الخيانة العظمى باستعمال السلاح ضد أمهات مصر وإما العودة الى الثكنات وترك مصر لحكم مدنى يكون فيه العسكر لحماية الدولة فقط وتحت سيطرة الحكم المدنى لمصر.

4 / 2 : توجيه رسائل قوية لزوجات وامهات وبنات وأخوات كل العاملين فى القوات المسلحة بدءا من الجنرالات الى أصغر ضابط وصف ضابط ؛ بأن تقف كل منهن ضد الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن لكى لا يكون خائنا لمصر بأن يوجه سلاحه لاخوانه المصريين العزّل بدلا من أن يحميهم . ممكن توجيه تلك الرسائل عن طريق الانترنت فى الصحف واجهزة الاعلام وفى مقالات بل وحتى اعلانات مدفوعة الأجر ـ بل وبرسائل شخصية عبر البريد العادى والبريد الاليكترونى .

4 / 3  : مطلوب من الفنانين ـ ممثلين ومطربين والشعراء توجيه رسائل مماثلة لأفراد القوات المسلحة ـ بكل طريق عبر برامج التوك شو والتصريحات الصحفية والأغانى والنداءات الشخصية .

4 / 4 : فى حالة حدوث مذبحة تالية مثل التى حدثت فى ماسبيرو لا بد من اعتصام وثورة مفتوحة دائمة بمظاهرات واعتصامات تعم مصر من الاسكندرية الى اسوان لا تتوقف إلا باعتقال كل الجنرالات تحت شعارات (إما نحن وأما هم ) .

ثانيا : معوقاات الثورة الثانية وسبل إزالتها

1 ـ أول المعوقات هو اختلافات القيادات وتفتتها حتى داخل الاخوان والسلفيين وداخل الشباب والليبراليين . وهذا طبيعى بسبب تصارع الجميع على نصيب من كعكة السلطة . وقد نجح الجنرالات فى التلويح بجزرة الانتخابات النيابية والرئاسية فتسابق القادة المدنيون والسلفيون للفوز بنصيب من السلطة ، بينما ينعم الجنرالات بالسلطة الحقيقية يستعملونها (عصا ) للارهاب ، ولن يتركوها طالما إستمر هذا النزاع وذلك التفتت.

والحلّ بنسيان تلك الانتخابات نهائيا فى ظل وجود الجنرالات فى السلطة . أى بعودة روح 25 يناير والاتحاد تحت هدف لا اختلاف فيه وهو رجوع العسكر لثكناتهم وترك الحكم ليتولاه مجلس رئاسى مدنى مؤقت ليس له أن يستمر بعد مرور فترة انتقالية محددة ، ويجب الاتفاق على هذا المجلس الرئاسى سريعا ، ويتكون من أبرز المرشحين المحتملين للرئاسة الذين يمثلون التيارت السياسية فى مصر ، ويعاونهم مجلس وزراء من الخبراء وجمعية تشريعية لوضع دستور واصلاح تشريعى تتكون من الأعضاء المنتخبين من النقابات والجامعات والقضاة وغيرهم مع مخصصين فى القانون . ويقوم أولئك بعد الاصلاح التشريعى باجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وتسليم الادارة ـ وليس الحكم ـ الى حكومة منتخبة ، يتحدد فيها دور الجيش فى الدفاع وليس الحكم ، ويتحدد فيها دور الشرطة فى حماية المواطن وليس تعذيبه وقهره والاستعلاء عليه .

2 ـ خطر الفلول و السلفية واستغلال الفتنة الطائفية . هذا الخطر يتعاظم فى وجود التفتت الحالى ووجود الجنرات فى الحكم . بتأجيل الانتخابات وقيام مجلس رئاسى مدنى ـ يتم فيه تمثيل كل التيارات السياسية ـ وبالتوحد خلف هدف واحد وحيد لا غير هو رحيل الجنرالات ـ يمكن تحييد خطر الفلول والسلفية ومنع استغلال الفتنة  الطائفية ، خصوصا مع وجود الحزم والعزم .

أخيرا : لا مانع من الوصول الى اتفاق مع الجنرالات يرحلون فيه عن السلطة بسلام مقابل حصانتهم من أى مساءلة عما اقترفوه قبل الثورة وبعدها . ولكن لا يمكن الوصول لهذا الاتفاق بدون ثورة موحّدة تضع الجنرالات على الحافة : أى إمّا وإمّا . أى إما الهلاك وأما النجاة . ثم هم وما يختارونه لأنفسهم .

اجمالي القراءات 15515