الشفاعة والخلود في النار

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

R-SA" dir="ltr" style="FONT-WEIGHT: normal; FONT-SIZE: 16pt; mso-bidi-font-family: 'Traditional Arabic'"> الثقافي ، وهو واقع تحت تأثير وضغط الواقع من حيث عدم قدرته على تغيير الظروف مع حساسيته المرهفة وإرادته الخير للناس ، وهذه المرحلة التي يمر الإنسان بها على درجة من الخطورة إذ قد تدفعه إلى التطرف والغلو ، وإذا كان في عمر الشباب وصفة الانفعال تقوده ، وبعيد عن الدراسة العميقة ، وغياب القيادة الراشدة الفاعلة الواعية !! مع وجود الظلم والاستبداد والاستعباد للشعوب!! يؤدي عند ذلك الشاب إلى الجنوح نحو العنف وتكفير الناس , بل إلى أكثر من ذلك إذ ينصب نفسه قاضياً في أعراضهم ودمائهم وأموالهم فيستبيحها وفق المفاهيم الثقافية التي تمكنت في نفسه نتيجة قصوره الثقافي, وغفلته النفسية وغياب المنهج العلمي ، واتباعه لمن هم مثله  في التطرف !!! وحركته الانفعالية كردة فعل على الظلم والاستبداد . وقد قال الله لنبيه :

    [فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لايوقنون] الروم60  

  بمعنى أن لا تجعلهم يثيرونك فيصدر منك سلوك سخيف كردة فعل لسخافتهم !!!.
       أخي الكريم !! لم أقصدك بكلامي ، ولكن شعرت بصورة خفية أن وراء هذه التساؤلات إشكاليات كبيرة وعميقة ،  وما أدري موقفك منها ، وأين تقف الآن بقناعتك منها !؟!
   فالأمر بحاجة ماسة إلى وقفة طويلة وإعادة الدراسة لكل المفاهيم الثقافية دون استثناء , وحذف من عقلنا مقولة : ما ترك الأولون للآخرين شيئاً ! . واستبدالها بمقولة :كم ترك الأولون أشياء لنا لدراستها وفق معطيات واقعنا وحسب أدواتنا المعرفية. وكتبي وأبحاثي ومقالاتي المنشورة في الموقع الذي ذكرته لك تساعدك كثيراً في عملية النقد وبناء منهج علمي ثقافي تستخدمه في دراسة المفاهيم الأخرى التي تهمك نحو: مفهوم الإسلام وأهل الكتاب ، والجهاد والقتال ، والقرآن والسنة والحديث ، النبي والرسول ، الحق والصواب ، والباطل والخطأ ، الشرك والكفر ، التأويل والتفسير ، الترادف في اللغة ، العقل والنقل ، والناسخ والمنسوخ ....الخ .
وأحيلك إلى دراسة أبحاث هؤلاء العلماء :
الدكتور حسن الترابي من السودان , والدكتور جمال البنا من مصر , والمفكر المتميز محمد أبو القاسم حاج حمد من السودان, والدكتور محمد شحرور من سوريا, والشيخ إياد الركابي من العراق , والدكتور لؤي صافي من سوريا , والدكتور أحمد صبحي منصور من مصر , والشيخ نايف أمين ذياب من الأردن, والمفكر الإنساني جودت سعيد من سوريا..........الخ
أما على صعيد اللغة العربية فمن أهم المعاصرين الذين لهم أبحاث متميزة الأستاذ محمد عنبر من سوريا صاحب كتاب (جدلية الحرف العربي وفيزيائية الفكر والمادة ) . والأستاذ تمام حسان من مصر صاحب كتاب ( البيان في روائع القرآن ) .والأستاذ شريف الشوباشي من مصر صاحب كتاب ( تحيا اللغة العربية ويسقط سيبوبه ) .
وغيرها من الأبحاث الهادفة والجادة في عملية إيجاد منهج علمي لفهم القرآن حسب معطيات واقعنا المعاصر . وكلهم يؤخذ من قولهم ويرد عليهم ، أصابوا في كثير من المفاهيم وأخطؤوا في بعضها ، ويكمل البناء من خلال  تراكم الدراسات والعمل الجماعي .
  لأجوبة عن أسئلتك التالية : الوعد والوعيد ، الشفاعة ، الخلود في النار ؟
1- الوعد والوعيد : وهما مفهومان مبنيان على أساس  واقع الإنسان ) ضرورة .
  [ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ] الملك 2
  [وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد  ] ق 14
  [ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد  ] ق 20
  [قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد  ] ق28
  [ قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ] يس 52
  [ هذه جهنم التي كنتم توعدون  ] يس 63
  ولا يلتفت إلى الأقوال المتطرفة يفعل كذا    وكذا ! وهو ليس جاد في قوله . وبالتالي فجميع الناس بكافة أطيافهم (الصالحون والطالحون ) مآلهم الجنة !! .
2 - والقول الآخر : إن من يدخل النار لن يخرج منها أبداً . وبذلك استوى المجرم العتيد مع الإنسان الذي وقع في ممارسات سيئة . أي  يصير فرعون وهامان وقارون مع عامة الناس من المسلمين الذين وقعوا في شباك المعاصي فكلا الرأيين يناقض صفات الله العلم و الحكمة والعدل والرحمة ! .
2- الشفاعة .
إن مفهوم الشفاعة متعلق بمفهوم الوعيد ، وإذا انتفى مفهوم الوعيد انتفت الشفاعة لعدم الحاجة لها ! .
وكون مفهوم الوعيد ثابت صار ممكن لمفهوم الشفاعة أن يوجد ولكن ليس كشرط وإنما كإمكانية احتمالية ، ومن هذا الوجه صار مفهوم الشفاعة مفهوم غيبي يعتمد على النقل الصادق الصادر من صاحب الأمر الذي بيده زمام الأمور كلها من حيث أنه يسمح للشفاعة أو لا .
  أ- ثبوت الشفاعة من خلال القرآن
  [يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا] طه109
  [ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ..] سبأ23
  [ما من شفيع إلا من بعد إذنه ..] يونس 3
  [من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ..] البقرة 255
  ب- الشفاعة إكرام للشافع وليس للمشفوع له .
  لايملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا] مريم 87
  [يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا] طه109
  ت- الشفاعة مرتبطة بإذن الله للشافع ، والرضى عن مضمون الشفاعة . لأنه ليس من الضرورة أن يتم قَبول  شفاعة الشافع فيما   شفع له . فالإذن بالشفاعة لا يشترط له الرضى بمضمونها.
  [يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ] طه109
  [ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ..] سبأ23
  [وكم من ملك في السماوات لاتغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى] النجم 26
ث- الشفاعة للناس الذين خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيئ ويرجون رحمة الله وعفوه .
فهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون  الصالحات, ولكنهم وقعوا في ممارسات سيئة وفاسدة للمجتمع ، فهؤلاء قد يرضى الله بشفاعة الشافعين لهم ويدخلون برحمة الله الواسعة , وليست الشفاعة للمجرمين بأي حال من الأحوال فهؤلاء لا بد أن يطولهم الوعيد عدلاً وحكمة .
  [ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع  ] غافر18
  [أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون , قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات  والأرض ثم إليه ترجعون  ] الزمر 43-44
3- الخلود في النار :
يوجد في التراث بضع آراء لهذا المفهوم .
1- استمرار عذاب أهل النار إلى ما لا نهاية .
2- عذاب أهل النار مدة طويلة جداً ثم فناء النار ومن فيها .
3- عذاب أهل النار حسب ذنوبهم ويخرجون من النار تباعاً كل حسب عقوبته فلا يبقى فيها إلا المجرمين [فرعون وقارون وهامان ] ومن تبعهم في إجرامهم فيبقون مدة طويلة جداً جداً [ خالدين فيها أبداً ] إلى أن يأذن الله بخروجهم بعد أن يكونوا قد طهرتهم النار من شرورهم وخبثهم ، فيخرجون إلى الجنة وتسعهم رحمة الله عز وجل . وتفرغ النار من أهلها فيفنيها لانتفاء وظيفتها !!
  والرأي الثالث هو الذي أرجحه وأميل إليه . وسأعرض لك أهم القرائن والأدلة التي اعتمدتها في ذلك :
1- إن النفس للكائن الإنساني متصفة بصفة الدوام لا تفنى أبداً ,هكذا أرادها الخالق تبارك وتعالى . فسواء أكانت النفوس في الجنة أم في النار, فهي متصفة بصفة الدوام . وبالتالي يبطل مفهوم فناء أهل النار, ويبقى للنقاش والحوار المفهومين الأول والثالث .
2- العدل الإلهي يقتضي أن يكون العقاب مناسب للعمل وليس أكبر أو أكثر منه . فمهما كان العمل إجرامي فهو لا شك محدود في النهاية, وبالتالي لا بد من محدودية وانتهاء مدة العقاب . بخلاف الثواب والعطاء فهما مبنيان على العمل الصالح, ولكن غير مقيدان به من حيث الكم والكيف ، وإنما هما مرتبطان بصفة الكرم والقوة والقدرة للمعطي . فالعقاب محدود ، والعطاء والثواب مفتوح . والأصل في استمرار الشيء هو لأساس الخير والصلاح ، وليس للشر والفساد . فالناس يدخلون إلى الجنة بعملهم الصالح وبرحمة الله لهم ويخرج العصاة من النار تباعاً بعدل الله ورحمته .
3- إن صفة الغضب الإلهي واللعن صفة عارضة غير مستمرة ,وذلك يقتضي تحديد العقاب وفناء النار وخروج  أهلها برحمة الله الواسعة إلى الجنة في نهاية المطاف .
4- مفهوم التعويض للناس عما أصابهم في الحياة الدنيا من المصائب, فالإنسان المظلوم يأخذ حقه كاملاً مضاعفاً حتى يرضى ويذهب من نفسه الضيق والحزن, ويعاقب الله الظالم بما يستحق ، فيتم شفاء غليل نفس المظلوم ,وبعد ذلك ينتفي عن المظلوم صفة وقوع الظلم عليه لأخذه حقه ماديا ونفسياً, وفي هذه المرحلة يرجع الأمر إلى إرادة الله وعلمه وحكمته وعدله ورحمته فيفعل ما يريد ليس لأحد من حق بالاعتراض أبداً [ فعال لما يريد ] .
4- لم يأت ولا نص يخبر عن المكوث في الجنة بصيغة زمنية محددة ، بينما أتى في الإخبار عن المكوث في النار بصيغة زمنية محددة . قال تعالى [لابثين فيها أحقابا ] عم 23
  أحقاب : جمع كلمة ( حقب ) التي تدل على مجموعة زمنية طويلة جداً . ولكن في النهاية هي محدودة من حيث الكم . ومجموع   المحدودات محدود ضرورة . بينما اللانهاية لا تجمع !! .
وأتى النص[وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ] السجدة 20 . باستخدام كلمة ( ذوقوا ) وهي كلمة تدل على تناول بعض الشيء لاختباره . فهي تدل على   ، وكيف أنها لا تدل لغة على اللانهاية للحدث :
1- مكث : تدل على توقف وانتظار
2- لبث : تدل على مجرد السكون والتجمع والالتصاق في الشيء .
3- أوى : تدل في عمومها على ميل الإنسان إلى مكان والدخول فيه ليحصل على الحماية . ولذلك يأوون الكفار إلى النار ليتخلصوا من شعورهم بالخزي الذي يحرق قلوبهم !
4- خلد : كلمة تدل على ارتخاء وحركة متصلة لازمة منتهية بدفع شديد . نحو خلد زيد إلى الأرض . إذا التصق بها بشدة .
5- أبد : تدل في عمومها على الزمن الطويل الممتد . ولكن في النهاية هو محدود ضرورة .
    أخي الكريم  !! لاحظ أن آيات الخلود في النار تأت بصيغة اسم فاعل دائماً [ خالدون ] ولم تأت ولا مرة واحدة بصيغة [ مخلدون ] وهذا يدل على أن صفة الخلود تكون منبثقة من إرادة الإنسان الكافر وذلك لشعوره بالخزي والعار فيسارع إلى الخلود إلى النار ليطفئ نار الخزي والندم والألم النفسي الملتهب في داخله !! . ويمكث في النار إلى أن تقوم النار بتطهير نفسه الخبيثة النجسة ,فإذا طهرت نفسه, وذلك يكون بعد أن أدى عقوبته كاملة وتحقق العدل الإلهي فيه, انتفى وجود المبرر لبقائه في النار, بعد أن صارت نفسه طاهرة, فتسعه رحمة الله ,فيخرجه من النار إلى الجنة, ولكن بالحد الأدنى منها, لانتفاء العمل الصالح عنه في دار الامتحان, وسوف يرضى بذلك ويشعر في قرارة نفسه بالكرم والعطاء الإلهي العظيم!! لأنه يعلم أنه لم يحصل على ذلك بعمله وطاعته لله عز وجل !! .
  أما النصوص الأخرى التي تدل في ظاهرها على المكوث اللانهائي ! فينبغي أن تفهم على ضوء المنظومة العامة للمفهوم ، وعدم تحميل الكلمات دلالات لاتحتملها ، فمفهوم اللانهاية لا يدل عليه أي كلمة مما تم استخدامه في النصوص(سرمد ) التي تدل على بدء الشيء واستمراره على ما هو عليه إلى ما لانهاية لذلك نقول : الله أزلي في وجوده وسرمدي في بقائه.  ولم يتم استخدام كلمة ( سرمد ) لأهل النار أبداً !! مع استخدامها في النص القرآني[قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون , قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون]القصص 71-72        



اجمالي القراءات 22690