شيوخ الاعتدال والرقص على الحبال

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


1 ـ فى قناة الجزيرة فى معرض التعليق على ردود الأفعال لتنصّر عبدالرحمن الأفغانى ظهر أحد شيوخ الاعتدال ليؤكد تسامحه بتاليفه كتابا عن أنه لا اكراه فى الدين ، ويقول انه احصى مائتى آية فى القرآن تدعو لحرية الايمان والكفر، (وقبله قال الشيخ الغزالى انه أحصى خمسمائة آية فى هذا السياق ، وقد قلت أنا قبل الغزالى انها حوالى الف آية). وقال الشيخ المعتدل اياه ما أكّدناه منذ عشرين عاما من ارتباط عقوبة الردة فى فكر المسلمين بتهمة الخيانة والخروج على الدولة، أى أن لها طابعا سياسيا . وتوقف الشيخ دون أن يأخذ من هذه النقطة دليلا على انعدام حد الردة من الأساس. بل انه خلط بين حد الردة وحرب الردة فى خلافة ابى بكر دون أن يوضح الخلاف بينهما ، وهو خلاف جوهرى بين انسان مسالم يمارس حقه الطبيعى فى قبول دين ما او الخروج منه وبين حركة حربية سياسية هاجمت المسلمين فى عقر دارهم ، وكان قرار الحرب سياسيا جاء بعد اختلاف بين عمر وأبى بكر كما تقول الروايات ، وفى النهاية فما يفعله ابوبكر او عمر ليس تشريعا الاهيا ، وانما هو رأى بشرى سياسى ولا شأن له بدين الله تعالى.
المهم ان الشيخ المعتدل سار بين الأشواك يحاول التوفيق بين حد الردة المعمول به فى الدول الخاضعة للوهابية وبين المائتى آية قرآنية التى يقول انها تؤكد على حرية الاعتقاد ، فقال ان حديث ( من بدّل دينه فاقتلوه ) حديث مرسل ، ونسبه فى نفس الوقت للنبى محمد ، وكان الأولى به أن يقول ما أثبتناه فى كتابنا ( حد الردة ) من أنه حديث كاذب لاشان للنبى محمد به ولم يقله عليه السلام أصلا ، الا ان الشيخ المعتدل لا يستطيع نقض حديث مذكور فى البخارى.
كان المراد من كلامه أنه لاعقوبة على المتنصر طالما لم يقع فى جريمة التخابر مع العدو . ومعروف أن جريمة التخابراو التعاون السلمى مع العدو ليس لها عقوبة منصوص عليها فى القرآن بل متروك العقاب فيها لله تعالى كما جاء فى القرآن ( النساء 139 & 141 )، الا انها اصبحت عقوبة سياسية مرتبطة بمدى الولاء للحاكم المستبد وتصل العقوبة فيها أحيانا الى الموت. أى أن الشيخ المعتدل أجاز قتل المرتد بطريقة أخرى فى مجتمعات يسيطر على نظام القضاء فيها الاستبداد والفساد والتطرف والتعصب ، ويمكن بسهولة ترتيب محكمة بأدلة مزورة يتم بها قتل من ارتد بزعم أنه خائن أو عميل لجهة أجنبية.

2 ـ نجح الشيخ ببراعة فى تخطى كل الحبال وفى القفز بين ألغام التناقض بين الاسلام والوهابية لصالح عقيدته الوهابية ، الا أنه كالعادة ـ سرعان ما كشف نفسه بنفسه حين تطوع بالتعليق ـ منفعلا و بدون داع ـ مطالبا بمنع هيئات المساعدة الغربية من دخول بلاد المسلمين لأن المبشرين بالمسيحية يصحبون تلك الهيئات ويستغلون فقر المسلمين فى دعوتهم للتنصير.

3 ـ وجه الشيخ المعتدل ازداد احمرارا وهو فى انفعاله الحاد يطالب بمنع هيئات الاغاثة الدولية من دخول بلاد المسلمين. وجهه السمين المتورد ينم عن تغذية عالية وصحة يانعة برغم تجاوزه العقد السابع من عمره. رحت أقارن بين وجهه الممتلىء صحة وعافية وتغذية وبين آلاف الصوماليين الذين يموتون جوعا وتترى صورهم فىنفس قناة الجزيرة . وأتساءل عن وقوع الكارثة لو أن كلام هذا الشيخ المعتدل قد تم تطبيقه!! فبلاد المسلمين هى أكثر بلاد العالم تعرضا للكوارث الطبيعية من زلازل و جفاف ومجاعات . وبلاد المسلمين هى أكثر بلاد العالم التى يوجد فيها أغنى أثرياء العالم وأفقر فقراء العالم . ومع ذلك فان أفقر فقراء العالم والجوعى من المسلمين لا يعتنى بانقاذهم الا هيئات الاغاثة الدولية المسيحية بينما تبلع الايداعات البنكية المهربة فى بنوك الغرب بيد أغنياء المسلمين ومفسديهم وحكامهم حوالى 42 مليون مليون دولار. ولولا الهيئات الدولية والمساعدات الكنسية لمات من الجوع ملايين من المسلمين من بنجلاديش الى الصومال .
هذا كله لا يحرك شعرة فى وجه الشيخ المعتدل السمين. ما يؤرقه هو فقط احتمال أن يكون فى هيئات الاستغاثة بعض المبشرين بالمسيحية ،لذا لا بد من منعهم والتضحية بملايين الجوعى المسلمين لأنهم لا يساوون عنده شيئا. الذين يساوون عنده شيئا وأشياء هم أسياده المترفون فى المملكة السعودية الذين أطعموه وأترفوه فى الحياة الدنيا كى يبشر بالوهابية فى أمريكا الشمالية.

4 ـ نسى الشيخ المعتدل أن الاعتدال من العدل ، وأن العدل من أهم القيم الاسلامية ، بل هو أساس ارسال كل الرسالات السماوية ( سورة الحديد 25 ). وأن من العدل أن لا نكيل بمكيالين ، فطالما يسمح لك الغرب بنشر الاسلام فى أراضيه ويمنحك التسهيلات لتحوّل الأوربيين والأمريكيين والكنديين الى الاسلام فمن العدل ان نسمح له بأن ينشر المسيحية فى بلاد المسلمين وأن نعطى المبشرين المسيحيين الأجانب فى بلاد المسلمين نفس التسهيلات المعطاة للدعاة المسلمين فى الغرب، وقبل ذلك يجب اعطاء المواطنين المسيحيين من أبناء البلاد ذات الأغلبية المسلمة حريتهم فى شعائرهم الدينية ، بل وحقهم فى التبشير بدينهم بين المسلمين. هذا هو ما يقتضيه العدل ولو كره الظالمون!!

5 ـ الشيخ المعتدل نفسه ظل معظم عمره فى أمريكا يتولى مهمة نشر الاسلام فى أمريكا ويعمل فى أكبر هيئة تخطط لنشر الوهابية فى أمريكا الشمالية، والوهابية ـ لو تعلمون ـ هى التى تنشر ثقافة الارهاب باسم الاسلام. وقد ظل الشيخ يمارس عمله، وتحت لافتة الاعتدال ينشر التطرف الوهابى الدموى فى أمريكا الى أن حدثت مأساة الحادى عشر من سبتمبر ، واستيقظت أمريكا على الخطر الذى يتوغل فى أرضها وبتشجيعها فوضعت قادة الوهابية ( المعتدلين ) تحت المجهر فهرب كل من على رأسه بطحة ، وامتلأت القاهرة بأصحاب البطحات ومنهم شيخنا السمين الذى يعانى من التغذية الجيدة بمثل ما يعانى الصوماليون من انعدام التغذية أصلا.

6 ـ العدل قيمة كبرى من قيم الاسلام نسيها الشيخ المعتدل، ونسى معها القيمة العظمى الثانية وهى حرية الفكر والرأى والمعتقد. وقد عاش فى الغرب يمارس حريته فى اعلان دينه وفى التبشير بدينه ويجد الترحيب والتشجيع والتسهيلات من المجتمع الأمريكى والادارة الأمريكية قبل أن يكتشفوا حقيقته. وهو الآن ينكر على الآخرين حريتهم الدينية فى اختيار ما يريدون، مع ان هذه الحرية حق أصيل قد منحه الله تعالى لكل انسان وجعله مسئولا عن نفسه فقط فى موضوع الهداية ، ان شاء اهتدى وان لم يشأ فهو حرّ فيما يعتقد ولا سلطان لأحد عليه. الا أن الشيخ السمين المعتدل يجعل نفسه الأمين العام لرب العزة جل وعلا ثم يغتصب ارادة الله تعالى ويعطى لنفسه حق التحكم فى القلوب والعقائد فمن شاء فليؤمن بالاسلام الوهابى فمرحبا به ومن شاء الكفر فهو ابن ستين كلب ولا بد من قتله حتى لو كان مهددا بالموت جوعا!!

7 ـ الشيخ السمين المعتدل ينسى القيمة العليا الثالثة من قيم الاسلام وهى السلام والتسامح أو الاحسان بمفاهيم القرآن. طبقا للتسامح والسلام فى الاسلام فكل الناس اخوة من اب واحد وأم واحدة ، وقد جعلنا الله تعالى شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعاطف ونزداد معرفة بذلك التلاقى الحضارى السلمى. أى أن البشرية كلها معسكر واحد مع اختلاف الأديان والملل والنحل والمذاهب والثقافات والعناصر والجنسيات واللغات. واكرمهم عندالله تعالى ليس اقواهم أو أغناهم او اجملهم او أعلمهم او اطولهم أو اقصرهم ، انما هو أتقاهم. والتقوى تعامل قلبى خاص بين الانسان وربه جل وعلا، ومن ادعى التقوى وتاجر بها فقد أصبح عدوا لله تعالى حتى لو كان شيخا سمينا معتدلا، ثم يوم القيامة سنعرف من هو المتقى الحقيقى. والى ان يأتى يوم القيامة فليكن الدين والتقوى علاقة خاصة بين كل انسان وربه لا تدخل فيها من البشر أو من المجتمع أو من الدولة.
هذا هو أساس التعايش السلمى فى الاسلام. اما الشيخ اياه فهو ينتمى الى المدرسة الوهابية السلفية التى تقسم العالم الى دار الاسلام ودار الحرب. ومن يخرج من دار الاسلام ليلحق بدلار الكفر والحرب فانه يصبح ( حربيا ) أى بالتعبير الفقهى يصبح محاربا للاسلام يجب قتله لأنه خائن ومرتد. وهذا هو المعنى الذى قصده الشيخ السمين المعتدل فى عقوبة المرتد. وكما يغضب الشيخ اذا خسر معسكره أحد الجنود مثل عبد الرحمن الأفغانى الذى تنصّر ، فان اساريره ـ أى الشيخ المتورد الخدّين ـ تتهلل وتنتفخ أوداجه بكل ما فيها من غذاء ، حين يدخل أحدهم الى الوهابية السنية باسم الاسلام ـ لأن معسكره ازداد واحدا ولأنه قد كسب واحدا من الخدم والأتباع . الشيخ السمين حين كان قائدا للوهابية فى أمريكا كان يدافع عن حد الردة فلما فقد وظيفته وتم تعطيل المؤسسة الوهابية التى كان يعمل فيها فى أمريكا حاول أن يركب موجة الاعتدال فى القاهرة فكتب كتابا جديدا يتحدث فيه عن مائتى آية قرآنية فقط تؤكد حرية العقيدة، وظن انه بهذا يزايد على الفقهاء المعتدلين السنيين أمثال جمال البنا ، مع أنه فى نفس الوقت يحرّض على قتل المرتد بتهمة الخيانة.
ولكن من شأن المنافق أن يفضحه لسانه خصوصا عندما ينفعل ويندفع. فعلها القرضاوى الذى سلط كل أجهزة الدعاية التابعة له لاظهاره بمظهر الاعتدال ثم فقد أعصابه فى مؤتمر صحفى بالقاهرة وأعلن استحلال قتل المدنيين الأمريكيين فى العراق، ثم عاد الى الامارات فتعرض للوم والتأنيب من اسياده فاضطر لنفى ما قاله فى القاهرة.

8 ـ ينسى الشيخ السمين اياه ان الغرب الذى عاش فيه وتمتع بخيره و تسامحه هو أقرب النظم الى صحيح الاسلام فى تعامله وانسانيته، وأنه ـ أى ذلك الشيخ السمين اياه ـ ومن هم على شاكلته انما يقترفون اعظم الاثم بتلويث الاسلام وحربه وهم يرفعون رايته.

9 ـ ينسى الشيخ كل ذلك ولكن لا تنسوا أن اخطر المتطرفين هم من يزعمون الاعتدال بينما هم ( اخوان مسلمون).
اجمالي القراءات 19655