بين مبارك وأبى لهب ( 2 / 2 ) : التشابه فى الزوجة

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٥ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

 فى المقارنة والتشابه بين مبارك وأبى لهب عشنا مع سيطرة المال عليهما وكيف ما أغنى عنهما مالهما وما كسبا . وفى هذه الحلقة نتعرض للتشابه بين زوجتيهما : أم جميل وام جمال أو سوزان مبارك.

أولا : أم جميل :

 1 ـ هى أروى بنت حرب بن أمية اخت ابي سفيان. كنيتها أم جميل. فى كراهيتها للاسلام والرسول عليه السلام أرغمت ولديها عتبة وعتيبة ـ وكانا متزوجين بنتي الرسول وهما ام كلثوم ورقية ـ على تطليقهما. واشتهرت بحمل الحطب والشوك فتطرحه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم وفى داره ،ولهذا قال عنها رب العزة :‏{‏وامرأته حمالة الحطب‏ ‏في جيدها حبل من مسد‏}‏ أى حبل من نار‏. أى جزاؤها من جنس عملها. وهناك روايات أخرها عن تعمدها إيذاء النبى عليه السلام ، ولم يتفوق عليها فى هذا إلا زوجها أبولهب.   2 ـ وواضح من روايات السيرة أن (أم جميل ) الأموية وزوجها كانا يريان فى الاسلام خطرا على مكانتهما فى قريش ومكة . تزعم قريش فى هذه الفترة الأمويون ( قادة الحرب وقافلة الشتاء والصيف ) وأبناء عمومتهم الهاشميون القائمون على رعاية الحجيج والبيت . وأبولهب كان واسطة العقد فى هذا النفوذ لكونه ابن عبد المطلب زعيم قريش كلها ورأس الهاشميين ، ولأنه صهر أبى سفيان والأمويين ، ثم لأنه من أثرياء قريش المعدودين . الاسلام كان مصدر تهديد لهذا الوضع ، وأم جميل فى تعصبها لأهل بيتها من الأمويين ترى أن الصدارة ستكون خارج بيتها ولأهل زوجها الذين يمسكون بزمام الحياة الدينية بحكم سيطرتهم على البيت وخدمة الحجاج ، ثم سيتأكد هذا بظهور نبى منهم ، وبالتالى لن يكون للأمويين دور قيادى. وواضح أنها كانت شديدة السيطرة على زوجها أبى لهب وولديها ،وبتاثيرها ظل أبو لهب شديد العداء لابن أخيه محمد عليه السلام ، لذا استحقت أن يذكرها رب العزة مقترنة بزوجها فى اللعن والعذاب الذى ينتظرهما . ولكن سوزان مبارك ( أم جمال ) تتفوق فى الشّر على (أم جميل ).

ثانيا : أم جمال ( سوزان مبارك )

1 ـ حضرت ندوة فى أحد المراكز الأمريكية الشهيرة فى مجال الدفاع عن الديمقراطية ، والتى تربطنى بالقائمين عليها صداقة وعلاقات وثيقة حيث سبق لى العمل فيها استاذا زائرا . كانت الندوة عن أحوال المرأة فى دولة عربية خليجية ، وكان المنظم للندوة أحد العاملين الكبار فى هذه المؤسسة ، وهو يتولى بحكم وظيفته وتخصصه وأصله العربى تدعيم علاقة تلك المؤسسة بالتيارات الديمقراطية فى العالم العربى . ولكن الذى يحدث هو شىء مخالف ، إذ تقام الندوات للحديث عن مآثر مستبدى الخليج وجهدهم الدءوب فى خدمة وطنهم ومواطنيهم،وفى هذا الاطار كان الحديث عن روعة أحوال المرأة فى تلك الامارة الخليجية . والمتحدثات فيها كنّ من تلك الدولة الخليجية ، وتبدو عليهن رونق النعمة والارتواء الجنسى والسعادة والرفاهية والترف . إنطلقن فى لغة انجليزية راقية يتحدثن عن النعيم الذى ترفل فيه المرأة فى وطنهن ، ورعاية ( صاحب السمو ) لحقوق المرأة . والأمريكيون يستمعون بانبهار يصدقون تلك الأكاذيب لأن تلك المؤسسة تعتاد إقامة ندوات جادة ، وليس للدعاية مدفوعة الثمن من تحت المائدة. جدية هذه المؤسسة فى تعرضها للشأن الأمريكى أكسبتها صدقية جاءت فى غير محلها فى (الشأن الخليجى ) إذ كان المستمعون الامريكيون يصدقون كل ما يقال لهم . كان الدم يغلى فى عروقى وأنا أسمع هذه الدعاية الرخيصة الكاذبة . وقتها تذكرت أن نفس الحال تمارسه سوزان مبارك فى جمعياتها عن الطفل والنساء والأمومة، وندواتها فى مصر وخارجها ، وأن ندواتها الخارجية يتكلم فيها نفس صنف المنافقين والمنافقات ، وهى مجرد سيرك أو ( شو ) إعلامى ، ولكن تحتضنه مؤسسات محترمة فيكتسب صدقية ، ويخرج الحاضرون من الغربيين مصدقين مايقال . طلبت التعليق ، وتكلمت موجها كلامى للحاضرين الأمريكيين ، مؤكدا لهم إنهم يتعرضون لحملة أكاذيب تستخف بعقولهم ، وقلت إن مدير الندوة لو كان صادقا فى تصوير الحال الحقيقى للمرأة فى تلك الدولة فكان واجبا عليه ألا يدعو هؤلاء السيدات المترفات ورجال سفارتهم بل أن يدعو ضحايا ذلك المستبد الذى يحكم بلا دستور ولا قانون طبيعى معتقدا أنه يملك الأرض ومن عليها . كان مفروضا أن يدعو للكلام نساءا من الشعب الفقير ممن فقدن أزواجهن وأولادهن وأخوانهن بالقتل والتعذيب . وقلت إن كل ما سمعتموه هو دعاية رخيصة تستخف بعقولكم وهى إهانة لهذه المؤسسة قبل أن تكون إهانة لكم . وخرجت غاضبا . بعدها انقطعت صداقتى بالمشرف على تلك الندوة.وانتقم منى بنفوذه داخل تلك المؤسسة، إذ كان من حق موقعنا ( أهل القرآن ) الذى يعمل فى مجال نشر ثقافة الديمقراطية أن يحصل على منحة من تلك المؤسسة، فتم رفضها، وتقدم أخى عبد اللطيف لهم للحصول على منحة معززا بالمؤهلات والتوصيات فرفضوه . ولم أحزن .. فقد قلت كلمة حق واسترحت . العامل المشترك بين هذه الحادثة وزوجة مبارك ( ام جمال ) قرينة ( أم جميل )هو التشابه بين تلك الندوات المترفة الدعائية التى تفتعلها دول الخليج فى واشنطون واوربا وتلك الندوات واحتفالات التهريج المماثلة التى إحترفتها سوزان مبارك . الفارق الوحيد هو ان دول الخليج تنفق على تلك الندوات الملايين بينما كانت سوزان مبارك تستخدم تلك الندوات والجمعيات كى تتسول الملايين. لم تكتسب منها الملايين فقط بل نالت أيضا دعاية وشهرة وتصفيقا لا تستحقه بأى حال. المضحك أن سوزان  مبارك صدقت هذا التصفيق فكانت تطمع فى الحصول على جائزة نوبل للسلام . !!.. كانت سوزان مبارك تجنى الشهرة والتصفيق و الملايين وتحولها الى حساباتها على حساب ضحاياها من المصريين المعدمين ، ثم تطمع بعدها فى الحصول على جائزة (نوبل للسلام العالمى )بينما تستحق هى جائزة( نوفل للإجرام العالمى ).! هل تصلح حرامية قاتلة الأبرياء للحصول على جائزة نوبل للسلام ؟!

2 ـ فى سرقتها لأموال المصريين سمعنا عن سرقات لوحات منها لوحة ( فان جوخ ) وسرقات آثار ذهبية فرعونية لا تقدر بمال ، وكانت وزارة الثقافة المشرفة على تلك الكنوز ـ ومنها كنوز اسرة محمد على ـ تحت السيطرة المباشرة لسوزان مبارك ، وبنفوذها أبقت فاروق حسنى وزيرا برغم كل ما كان يشاع عنه. وسرقات الكنوز هى مجرد بند فى صحيفة الحالة الجنائية لسوزان مبارك فيما يخص جريمة  السرقة والنهب واستحلال المال العام وموارد المصريين وعرقهم . ولم يتفوق عليها فى مجال السرقة سوى زوجها مبارك . ولكن يرجع لها الفضل ـ إن كان هناك فضل ـ فى تعليم إبنيها أصول السرقة منذ نعومة أظفارهما ، وخصوصا ابنها علاء مبارك الذى بدأ الطريق مبكرا. تم النهب برعاية والدته ومستشاريها القانونيين لتتم السرقة وتتحصّن باستغلال القانون ، وهى طرق قد لا يحسنها إبليس نفسه ، ولكن تعلم أصولها مبكرا علاء مبارك ثم تبعه أخوه جمال مبارك . من الطرق ( القانونية ) المشهورة والمعتادة أن يدخل علاء ـ ثم جمال ـ شريكا قانونيا لأصحاب الأعمال ، هم بالأموال وهما بالنفوذ. ولكن عبقرية الشّر لدى (أم جمال ) والتى تفوقت بها على (أم جميل ) بل وعلى ابليس نفسه هو التخصص فى العقارات المصرية وجنى الملايين منها ، وبالمناسبة فأم جمال ( سوزان مبارك ) شريك وعضو مجلس إدارة فى بعض أشهر الشركات العالمية فى مجال السمسرة والعقارات . الوضع المصرى فى العقارات كان مغريا ، منها طرق مشهورة مثل استصلاح الأراضى بيد الدولة بحجة بيعها للشباب للاسكان او الزراعة ثم  الاستيلاء عليها وبيعها للمحظوظين الذين يشترونها بثمن بخس وبقروض ميسرة وتسهيلات غير مسبوقة فى السداد ، ثم يسارع المحظوظون الى بيعها بالمتر وبالملاييين ، ويجنى آل مبارك الجزء الأكبر لأن أولئك المحظوظين ليسوا سوى واجهة وكومبارس فى فنّ الاستيلاء على أراضى الدولة،ولأنها عملية قانونية فمن الصعب استعادة الحق فيها. لم يقتصر النهب على الاراضى والعقارات بل تعداها الى شراء وبيع الديون المصرية وبيع مصانع ومتاجر القطاع العام بما يعرف بالخصخصة والتى بدّد فيها وزير قطاع الاعمال ( عاطف عبيد ) حوالى 730 مليار جنيه مصرى فروق أسعار فقط .!، وتمت ترقيته ليكون رئيسا للوزراء، وعلى نفس النسق ما كان يحدث فى البترول والثروة المعدنية ( مناجم أبى طرطور )ومناجم الذهب ، وهى مجرد أمثلة للنهب المنظم الذى رعته أم جمال وبرز فيه ابناها علاء وجمال مبارك . وقد بات هذا معروفا ومعادا ومكررا .ولكن نشير الى المسكوت عنه فى هيئة الأوقاف المصرية التى تسيطر على اراض شاسعة زراعية وللاسكان ، وعمارات ضخمة ، ونناشد من يهمه الأمر مراجعة أملاك الأوقاف المصرية وما آلت اليه خلال تولى د . محمود زقزوق وزارة الأوقاف حوالى عشرين عاما .   

3 ـ تحولت القاهرة من ملامح العصور الوسطى الى منافسة المدن الأوربية الحديثة بفضل الخديوى اسماعيل أولا ثم ثانيا بفضل الخواجات الأوربيين المتمصرين، وهم الذين استوطنوا مصر من منتصف القرن التاسع عشر الى أن قامت حركة يولية وظهور عبد الناصر بالتأميم والتمصير. خلال مائة عام تقريبا (1850 الى 1950 ) أسس اثرياء أوربا أحياء بأكملها على تخوم القاهرة منها حى ( مصر الجديدة ) الذى بناه البارون إمبان ، وحى المعادى. ولكن الأهم هو تعمير ما يعرف الآن بوسط القاهرة والزمالك والجزيرة وساحل النيل ، حيث أقيمت العمارات الضخمة الشامخة على الطريقة الأوربية الحديثة . ولا تزال تلك العمارت تزين القاهرة حتى الآن ، مع أنها أقدم فى العمر من معظم دول الشرق الأوسط من العراق وسوريا والاردن ولبنان التى أنشئت طبقا لاتفاق سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى ، والسعودية ( 1932 ) واسرائيل ( 1948 ). ونفس الحال فى الاسكندرية التى صارت عروس البحر المتوسط بفضل الخديوى اسماعيل و الأوربيين المتمصرين . بل أنشئت مدن كاملة شهيرة ، مثل الاسماعيلية وبورسعيد وبور توفيق وبور فؤاد  نسبة للخديوى اسماعيل و للخديوى سعيد والخديوى توفيق والملك فؤاد . أولئك الخواجات الأوربيون هم بناة مصر الحديثة مع الخديوى اسماعيل و أبيه محمد على باشا. ومع أن العسكر منذ عبد الناصر تمتعوا بقصور الخديوى اسماعيل كقصور عابدين والقبة ورأس التين ..الخ ، والقناطر الخيرية وسد اسوان ـ أول سد على النيل ، إلاّ إن عبد الناصر  جحد فضلهم، كما طرد الأوربيين المتمصرين وحرم مصر من اسهاماتهم .وحين هربوا تركوا خلفهم تلك العمارات الفخمة يتولى شأنها وكلاؤهم المصريون . بتوالى السنين وبقوانين عبد الناصر فى الايجارات ظلت شقق تلك العمارات ومحلاتها مؤجرة ببضع جنيهات ، نفس الايجار القديم حين كانت عشرة جنيهات تكفى لشراء فدان من الأرض. استغل أصحاب النفوذ منذ الخمسينيات هذا الوضع واستولوا على مئات الشقق فى ارقى العمارات والأحياء. وقتها كان الفساد على الهامش ، ثم تحول فى عهد مبارك و(أم جمال ) الى منهج حياة . وتفنن خبراء السرقات فى تقنين الفساد ، ومنه الاستيلاء على تلك العمارات الفخمة بايجاراتها الزهيدة باسعار زهيدة واعادة بيعها بالملايين، ويقبض علاء وجمال عشرات الملايين. على سبيل المثال : قرب ميدان التحرير توجد عمارة فخمة تنتمى الى هذا النوع . اضطر صاحبها الأوربى الى تأجيرها لمصلحة السجون لتتحول الى مكاتب إدراية لها . أتصل علاء مبارك بورثة المالك الأوربى واقنعه ببيعها لأنه الأفضل له من الايجار الشهرى الهزيل ، وتم البيع وتحولت ملكية العمارة لابن الست أم جمال . وصدرت الاوامر من ام جمال الى مصلحة السجون بفض عقد الايجار ، وتسلم علاء مبارك العمارة خالية فباعها بعشرات الملايين .. ولا غبار على هذه السرقة من الناحية القانونية . ولكن تتبقى عبقرية الشّر التى يعجز عنها سيدهم ابليس نفسه، ولا شك أن إبليس سعيد بهم وفخور وهو يراهم يسرقون بالقانون وبدون القانون .   

 4 ـ سوزان مبارك ظهرت سطوتها أكثر وأكثر مع ضعف مبارك وتركه أمور الدولة فى يدها وإبنها . كان همها توريث ابنها لتظل فى السلطة والثروة والشهرة وتحصل على ( جائزة نوبل ) . هى (أم ) من نوع خاص ، تتفوق فى الشروروالقتل والسلب والنهب على أم جميل زوجة أبى لهب . مشاعر الأمومة لديها (تكدست) حول ولديها ، و( تكلست ) الى وحشية شنيعة فى التعامل مع المصريين الغلابة . سلطت عليهم التعذيب ووزير داخليتها العادلى الذى كان يأتمر بأمر (الهانم ). لم تتحرك فيها أمومتها لصرخات المعذبين والمعذبات والمقهورين والمقهورات والبائسين والبائسات،ولم يتحرك ضميرها لصرخات طفل أو زوجة أو أم أو أب أو أخ أو أخت من ضحايا السجن والتعذيب والاختفاء القسرى والجوع والتشرد وكوارث العبارة والسكك الحديدية والطرق والأوبئة والسرطانات والتهاب الكبد الوبائى وسائر الأمراض التى عرفها المصريون فى عهد مبارك وبسببه. بل كانت فى صفاقة منقطعة النظير تترأس مجالس الأمومة والطفولة وتتسول المنح باسمها متربعة فوق أشلاء ضحاياها من النساء والأطفال والمستضعفين . كان يمكن لها ولزوجها وابنيها ممارسة السرقة والنهب كما يشاءون بدون الحاجة لكل هذا القدر البشع من التعذيب الذى أثار إستنكار العالم ، ولكن سوزان مبارك (أمّ ) من نوع فريد بين الأمهات من البشر والحشرات والأنعام . لا يوجد (أمّ ) مثلها تتسبب فى قتل وتعذيب الملايين من الأبرياء لتزداد ثروتها وثروة ابنيها وزوجها عدة بلايين كل عام مع ارهاب المصريين وقهرهم وإذلالهم وتعذيبهم. هو تفنن فى الشّر يماثل ذلك الذى لا يكتفى بقتل إنسان برىء بل يسلخه حيا ويأكله مشويا قطعة قطعة دون أن يأبه بصرخات الضحية المسكين .!.

5 ـ الفارق هائل جدا بين سوزان مبارك وام جميل زوجة ابى لهب ، ليس فقط  فى الكيف ولكن أيضا فى الكمّ ، أى فى عدد ضحايا كل منهما ، وفى سلطة كل منهما وفى ثروة كل منهما . كباحث فى التاريخ لم أجد زوجة أو أمّا أسوأ من سوزان مبارك ..وربما تتخصص أجيال مصرية قادمة فى لعنها ولعن أسرتها والبصق عليهم حبا فى مصر وحزنا على ضحايا أبرياء تمتعت ( ماما سوزان ) بالتهام أشلائهم أحياء ..

أخيرا : وفى النهاية فإن أم جمال ( سوزان مبارك ) مثل ( أم جميل ) ما أغنى عنها مالها وما كسبت .

اجمالي القراءات 14290