أيها العسكريون: لا تستبعدوا مصرياً من المُشاركة حتى لو كان من الفلول

سعد الدين ابراهيم في السبت ٠٣ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

تشهد مصر حيوية فكرية وسياسية غير مسبوقة فى حياة هذا الجيل، وآية ذلك كثرة المؤتمرات والحوارات والمُساجلات بين شتى الأطياف، وهى ظاهرة صحية، وينبغى تشجيعها وتعميقها، بل البدء بتعليمها لأطفالنا منذ مراحل التعليم الأولى، ففى برلمانات الأطفال فى المجتمعات الديمقراطية العريقة، يتعوّدون على معرفة واحترام الرأى والرأى الآخر، مُبكراً، ولذلك تأتى مُمارساتهم الديمقراطية، وهم كبار، مُنضبطة وسلسة، ولا تستبعد إنساناً ولا تُسفّه رأياً.

ومن هذا المُنطلق يُساورنى بعض القلق للدعوات الاستبعادية التى تطفو على السطح فى بعض الحوارات العامة، التى تناقلتها وسائل الإعلام مؤخراً. من ذلك ما نشرته صحيفة «المصرى اليوم» عن مُناقشات «مؤتمر الوفاق القومى»، بتاريخ الاثنين ٦/٦/٢٠١١. فقد أوصت لجنة القوات المُسلحة والهيئات الاستشارية والرقابية: «بحرمان أعضاء الحزب الوطنى المُنحل من العمل السياسى لمدة خمسة أعوام، وحرمان من شاركوا فى تزوير الانتخابات من العمل السياسى لمدة عشرة أعوام، وحرمان هيئة مكتب الحزب الوطنى لأمانة السياسات من المُمارسة السياسية والمُشاركة فى منظمات المجتمع المدنى والعمل العام مدى الحياة»!

وها هى حيثيات الاعتراض والانزعاج:

إن لجنة باسم «الوفاق القومى»، يجدر بها أن تكون تصالحية وليست استبعادية، وليكن لها فى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة. أليس هو، وقد عانى الأمرّين من قريش فى مكة، ورغم ذلك حينما دخل مكة مُنتصراً، عفا عنهم وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطُلقاء».

كذلك، وبعد ١٤ قرناً من واقعة الرسول فى مكة، فإن المُناضل الأفريقى الأسطورى نيلسون مانديلا فعل الشىء نفسه مع المستوطنين البيض فى جنوب أفريقيا، فرغم أن النظام العُنصرى وضعه فى السجن لأكثر من رُبع قرن، دون ذنب اقترفه أو جريمة ارتكبها، اللهم إلا المُطالبة «بالمُساواة» وبقية الحقوق الأساسية للأغلبية السوداء فى وطنهم بجنوب أفريقيا، ومع ذلك، فمع الاستقلال، وانتخابه رئيساً لبلاده، فقد رفض اتخاذ أى إجراءات أوسياسات انتقامية. بل استحدث مانديلا ورفاقه من قيادات حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى (African National con) تقليداً جديداً أطلق عليه وصف «الحقيقة والمُصالحة»، (Truth and Reconciliation).

 وبمُقتضى هذه المُمارسة كان من حق كل من وقع عليهم ظلم من أحد رموز أو مسؤولى النظام العُنصرى، أن يطلبوا التحقيق معه ومُحاكمته.. وفقط بعد مُحاكمة عادلة، أمام قُضاة طبيعيين، يكون للضحايا أو ذويهم، حق القصاص أو الصفح عنهم. ولأن مانديلا نفسه ضرب المثل فى الصفح عمن حرموه وحرموا شعبه من الحُرية، فإن معظم بنى وطنه اقتدوا به، وصفحوا عن جلاّديهم السابقين، من البيض.

أستحضر هذه الأمثلة فى الصفح، لا للتقليل من أخطاء وخطايا رموز النظام المُباركى، ولكن لأننا نُريد إعادة بناء مصر، التى خرّبوها معنوياً وأدبياً، قبل أن ينهبوها مادياً ومالياً.

إننى أدعو إلى الحساب، وإلى إصدار حُكم القضاء الطبيعى على كل من أخطأ أو أذنب، وعلى كل من رَشا أو ارتشى، وأدعو هذه الدعوة، وقد كنت أحد ضحايا ذلك النظام، الذى لاحقنى بصحافته طيلة خمسة عشر عاماً، ثم بتلفيق عشرين تُهمة لى، حقق معى فيها المستشار هشام بدوى، وهو الذى أحالنى إلى محكمة أمن الدولة العُليا، حيث حكمت علىّ إحدى دوائرها، برئاسة مستشار آخر، هو عادل عبد السلام جمعة، بالسجن والأشغال الشاقة سبع سنوات، قضيت منها ثلاث سنوات فى سجن مزرعة طُرة، صحيح أن أعلى محاكم الديار المصرية، برئاسة المستشار فتحى خليفة،

قد برّأتنى من كل التهم التى لفّقها لى زبانية نظام مُبارك، لكنى خرجت من السجن مشلولاً على كرسى مُتحرك، وقضيت ثلاث سنوات أخرى لإجراء جراحات فى المُخ والعمود الفقرى، حتى استعدت بالكاد، القدرة على الحركة، ثم المشى، ثم القدرة على الإمساك بالقلم، والكتابة من جديد.

وحينما رأيت، مثل الملايين من كل الدنيا، مشهد حُسنى مُبارك على سرير مُتحرك فى قفص الاتهام، أشفقت على الرجل الذى كان ملء الأسماع والأبصار، والذى طغى وتكبر، ومع هذا الإشفاق تعجبت مما إذا كان الرجل سيتذكر أولئك الذين تم إعدامهم أو سجنهم فى عهده، والذين كانوا أكثر ممن تم إعدامهم وسجنهم طوال المائتى عام السابقة لعهده (١٨٥٠-٢٠١١)، وهى الفترة التى بدأت بمحمد على وبناء مصر الحديثة.

كما تعجبت مما إذا كان نجلاه (علاء وجمال)، ووزير داخليته (حبيب العادلى)، فى نفس قفص الاتهام، سيتذكرون من لفّقوا لهم القضايا، وكالوا لهم التهم زوراً وبُهتاناً، ورموهم فى غياهب السجون، وكنت وآلاف غيرى من ضحاياهم؟

ومع ذلك، فإنى من المُطالبين لهم بمُحاكمات عادلة. وأكثر من ذلك فإننى أدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وحتى لوصدرت أحكام بهذه العقوبة، فإنى أدعو إلى عدم تنفيذها، وليس هذا من أجل سواد عيون المُتهمين لذواتهم أو لأشخاصهم، ولكن من أجل وقار مصر، ومن أجل جلال الثورة المصرية.

فكما كتبنا فى هذا المكان من قبل، حظيت مصر وثورتها بإعجاب العالم كله من الصين شرقاً إلى الأرجنتين غرباً، ومن أيسلندا شمالاً إلى نيوزيلندا جنوباً.

وذلك لسلمية الثورة، ولإبداع شبابها، ولكرم شعبها فى التعامل حتى مع من أساءوا إليهم، وكان لسان حاله الجماعى، هو العفو عند المقدرة.

اجمالي القراءات 8265