الثورة .. المدنية و حكم و حلم العسكر

شادي طلعت في الثلاثاء ٢٣ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

ظل العسكر قابعون في سدة حكم مصر منذ عام 1952، و قبل خلع مبارك من الحكم كان التوريث سيدفع بالعسكر إلى خارج سدة الحكم، و علينا قبل الغوص في المقال أن نراجع قوة العسكر لأنها إختلفت فيما ما بين عصر عبد الناصر و السادات و عصر مبارك فالأخير كان يواظب على تقليم أظافر العسكر حتى لا تكون لهم شوكة أو عقبة تجاه التوريث، فــ مبارك قلص من سن التقاعد على رتبة اللواء إلى التقاعد على رتبة العميد ثم رتبة العقيد ثم رتبة المقدم! و جعل الفارق بين الرواتب كالفارق بين السماء و االأرض ! لكل من لم يصل إلى رتبة اللواء، فراتب من لم يصل إلى رتبة اللواء قد لا يكفيه و لا يكفي عائلته ! بينما راتب اللواء في الشهر الواحد يكفي للصرف على 500 أسرة على الأقل، فللواءات مزايا و عطايا و هدايا منها ما هو بالذهب في مناسبات عديدة !

من هنا ضمن مبارك ولاء المؤسسة العسكرية إليه، فالضابط عند تخرجه يظل يعاني مرارة العمل و مرارة ضيق الحال و إذا لم يترقى إلى رتبة اللواء فإنه كمن أضاع في الأحلام عمره، لأن وصول الضابط إلى رتبة اللواء يعد بمثابة التعويض له عما قاساه في حياته من تعب في ظل الخدمة العسكرية، خاصة و أن من لم يخدم في العسكرية المصرية قد لا يعلم مدى التعب و الإرهاق و الجهد فيها!

و بالتالي أصبح كافة الضباط ملتزمون بالعسكرية و مطيعون للأوامر حتى لا تلوث ملفاتهم و يكون لديهم الصلاحية للترقي إلى رتبة اللواء، هذا بخلاف أن تشعب الجيش إلى عدة جيوش لكل منها قائد و تفريع الأسلحة جعل لكل سلاح قائد ! و هذا كله جعل من مسألة مجرد الحلم بإنقلاب عسكري أمر فاشل، فأنت على سبيل المثال لا تعرف أيهما أقدم أو صاحب سلطة أقوى من الآخر إذا ما قارنا بين قائد السلاح و قائد الجيش على سبيل المثال !

و مما لا شك فيه أن نية مبارك لتوريث إبنه كانت على غير رغبة المؤسسة العسكرية، و نحن عندما نقول المؤسسة العسكرية فإننا نقصد الجيش و أيضاً كل من تقاعد منه و تولى وظائف إدارية كرئيس حي أو محافظ أو غير ذلك، و نستبعد من العسكرية الشرطة و قياداتها فهي طبقاً لدستور 71 هيئة مدنية نظامية، أما مسألة أن بها رتب عسكرية فإنها تعود إلى أن وزير الدفاع قد أهدى الشرطة تلك الرتب العسكرية، و هو أمر غير دستوري بالمرة.

و عندما أذكر الفارق بين الشرطة و الجيش فذلك حتى نستكمل معاً مخطط مبارك للقضاء على المؤسسة العسكرية، و دعونا نعود بالذاكرة إلى إنتخابات مجلس الشعب 2010 ، فسنجد أن أكثر من 88 عضو من أعضاء هذا المجلس المزور هم لواءات سابقين بالشرطة! بينما فيهم 2 فقط لواءات سابقين بالجيش، و كانت هذه رسالة واضحة من مبارك إلى المؤسسة العسكرية بأنه لن يكون لهم دور في المستقبل في العمل المدني حتى و إن أحيلوا إلى التقاعد! و قد تم إعطاء كافة الصلاحيات إلى قيادات الشرطة ليكونوا هم الحراس الآمنين على تسليم السلطة إلى جمال مبارك، و مما لا شك فيه أن وجود مبارك كرئيس لمصر كان يريح المؤسسة العسكرية بإعتباره أحد أبناءها، أما المجيئ بجمال مبارك فإنه كان أمر على غير رغبة المؤسسة نظراً إلى أنه لا ينتمي إليهم، و لهذا معنى و هو أن المؤسسة العسكرية تنظر إلى منصب الرئيس على أنه لا يجب أن يكون شاغراً بأحد من غير أبناءها! فهي تعتبر ذلك المنصب حقاً شرعياً لها، و نستطيع أن نستشف ذلك من خلال إحتفالات المؤسسة العسكرية بثورة 23 يوليو 2011، و التي باءت بالفشل بسبب ثورة الشعب التي أطلق عليها الثورة الثانية ثورة 8 يوليو و ما إستتبعها من أحداث العباسية و الإعتصامات في التحرير، و دلالة ذلك هو أن المؤسسة العسكرية لا تعترف بثورة 25 يناير على أنها كانت ثورة على ثورة 23 يوليو إبتداء من محمد نجيب حتى حسني مبارك، أو قد تكون المؤسسة العسكرية غير متفهمة هذا الموقف حتى تاريخنا الحالي!

إن تمسك مبارك بالكرسي لمدة 18 يوماً حتى خلعه لم يكن بالأمر السهل، و نفس الأمر ينطبق على المؤسسة العسكرية، فهي موكلة بأن تنتقل بالبلاد إلى حكم ديمقراطي مدني و ليس عسكري، و هذا أمر في غاية الألم بالنسبة إليها، و القوى السياسية المصرية قد لا تكون متفهمة لهذا الموقف، فسحب السلطة من الحاكم كمن يسحب حرير متعلق بالأشواك.

علينا إذاً أن نبحث عن مخرج أو حل لا يضر و لا يؤلم أي من الطرفين سواء المدنيين أو العسكريين، خاصة و أن العسكر يعتبرون أنفسم قد ضحوا و عانوا من أجل إنجاح ثورة 25 يناير و يعتبرون أنفسم حراساً عليها، فكيف للمدنيين إذاً يطالبون العسكر بالعودة إلى ثكناتهم و الخضوع لهم فيما بعد!

في النهاية أقول أن القاعدة العامة هي أن الجيش ملك للشعب و ليس العكس، و لكن على الشعب أن يتعامل مع العسكر بلطف و ليس بإستعراض العضلات! فالعسكر في النهاية لا يفهمون السياسة و لم يشتغلوا بها، و لو حدث صراع ما، سينتصر المدنيون داخلياً و دولياً، و لكن لا يجب أن نصل إلى هذه المرحلة فــ للمؤسسة العسكرية دور كان مشرفاً في ثورة 25 يناير و يجب أن نعترف بذلك، و أن لا نبخسها حقها، و علينا أن نتفق على أن مشاكلنا لا يجب أن تخرج خارج إطار البيت الواحد، و أن نظمئن المؤسسة العسكرية على وضعها القادم بعد الثورة "ثورة 25 يناير" .

 

أقول قولي هذا وأسشتغرو الله لي و لكم

 

شادي طلعت

اجمالي القراءات 10536