رؤية الهلال ورؤية العلم

خالد منتصر في الإثنين ٠١ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

كل عام وأنتم بخير، وأعاد الله رمضان على وطننا مصر العام القادم وقد استرد عافيته العقلية قبل الاقتصادية، وبالطبع كنت أتمنى أن أكون واثقاً وعارفاً ببداية شهر رمضان قبلها بعام، وأن تكون عندى أجندة هجرية مثل الأجندة الميلادية، فيها كل مواعيد الشهور الهجرية بالضبط وبالتمام والكمال، «بلاش كلمة أجندات، لأنها أصبحت سيئة السمعة» ـ أقول كنت أتمنى أن تكون لدىّ نتيجة حائط فيها بدايات ونهايات الشهور الهجرية معروفة مقدماً، بدلاً من تركنا للتخمينات والاستطلاعات، والسعودية قالت كذا، لأ ليبيا صامت النهار ده، لأ إيران حتصوم بكره... إلى آخر هذه التخبطات التى يحسمها الحساب الفلكى بكل بساطة، ويجعلنا نعرف رمضان بعد قرن من الزمان، ميعاده بالتحديد وظهور هلاله بالتأكيد، ويجعلنا نعرف العيد وميعاد الحج وبداية السنة الهجرية بعد ألف سنة وفى أى بلد مهما قرب أو بعد.

نحن الآن نعتمد على مواقيت الصلاة بالحسابات الرياضية والفلكية، ولم نعد نرى، مثلاً، شخصاً يعتمد فى صلاة العصر على أن يرى مصير ظل كل شىء مثله، أو يراقب مغيب الشفق الأحمر حتى يصلى المغرب!! كل مسلم الآن يحدد وقت الصلاة بالساعة أو بالموبايل أو بمشاهدة نتيجة الحائط، لكن هلال رمضان مازال فى بلادنا يعتمد على الرؤية، وفى بعض البلاد الإسلامية المجاورة يعتمد على رؤية أشخاص آحاد، يمنحهم الأمير صرة الريالات أو الدينارات هدية على سبقهم فى الرؤية، ونحن لا نعرف هل ما شاهدوه وهم أم حقيقة!!

السفن الفضائية صارت تسير فى الفضاء ملايين الأميال، وتهبط على هدفها بالثانية زمنياً وبالسنتيمتر مكانياً بمجرد الحسابات الرياضية الدقيقة، هناك كواكب ومجرات وتوابع تم اكتشافها ومعرفتها أولاً بالحسابات الرياضية الفلكية قبل رؤيتها بالتليسكوب!! هناك مراصد عملاقة تستكشف الكون، وأقمار صناعية جبارة تسجل الهمسة والسكنة فى فضاء هذا العالم، كل هذا لا يكفينا نحن المسلمين لكى نقتنع بأن الحسابات الرياضية والأجهزة الفلكية تتفوق دقتها على رؤية العين التى تخدع أحياناً وترى السراب حقيقة.

القضية ليست قضية هلال رمضان وانتظارنا للمفتى مساء أمام التليفزيون، لكى نعرف الخبر اليقين، لكنها قضية احترام كلمة العلم، واحترام العقل، وعدم الخضوع للتفسيرات الحرفية للنصوص، وجعل الفكر رحباً ومرناً أمام تغيرات الدنيا وتطورات الكون. القضية ليست قضية نتيجة حائط هجرية دقيقة، لكنها قضية اتباع نظام وعدم عشوائية، فمن لايعرف هل غداً رمضان أم لا، يتبرمج عقله على تفكير الصدفة والعشوائية وكراهية العلم، ذلك لأن العلم يحاول أن يفهم ظواهر الكون التى كان قبلها يفسرها بقانون الصدفة أو يحيلها ويلصقها بقوى خارجية، بل يتعدى العلم محاولة فهم هذه الظواهر الى محاولة التحكم فيها وتسييرها لصالح الإنسان. من يستطيع أن يحدد إجازته بعد شهر ويحجز تذكرته بناء على الشهر الميلادى هو إنسان محدد التفكير، لكن من يقول لك أنا لا أستطيع حجز التذكرة، لأننى لا أعرف ميعاد العيد هو إنسان محدود التفكير، لن يستطيع الانطلاق إلى حدود الحلم وشواطئ التقدم.

اجمالي القراءات 11722