الوطنية خط أحمر

ابراهيم عيسى في الإثنين ٢٥ - يوليو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 الجيش قلعة الوطنية المصرية لا يجب أن يتورط جنرال فيه أبدا في الطعن على وطنية مواطن واحد في مصر.

لكن المؤسف المؤلم أن بعض الجنرالات يفتحون باب الجحيم هذه الأيام بمنتهى الحماس والثقة فيلقون تهم العمالة والخيانة على قوى سياسية وطنية بشكل يوحى بأنهم يقرؤون من ملفات أمن الدولة أو يستمعون لنصائح تأتيهم من اللواء حسن عبد الرحمن مدير جهاز أمن الدولة المنحل (الجهاز لا اللواء)، وهو المسجون حاليا أو الله أعلم هو فين بالضبط، فالواضح أنه لا يزال يمارس مهامه من مكتب هنا أو هناك!

والسؤال: من أين يأتى الجنرالات بهذه التهم؟

هل لديهم وثائق ومستندات أو أدلة وبراهين؟ فإذا كانوا يملكون هذه الأدلة فعلا وليست مجرد قصاصات فارغة كتبها زبانية أمن الدولة الذين كانوا يتجسسون على جنرالات الجيش أنفسهم فليتفضلوا ويذهبوا بها إلى النائب العام ليحقق ويتحقق، فهل يعقل أحد أن خمسة أو عشرة شبان شاركوا في دورة أسبوعين تلاتة لتعلم حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية وسفرهم ودوراتهم ومشاركاتهم كلها كانت تتم تحت عين أجهزة الدولة وبمعرفة كاملة ولم تكن أمورا سرية ولا تتم في سراديب أو خنادق، فإذا بهؤلاء الخمسة أو العشرة يقدرون على تحريك ملايين من الشعب ويسقطون حاكما ديكتاتورا بنظامه البوليسى القمعي؟!

مرة أخرى من أين حصل هذا اللواء أو ذاك على معلوماته؟ فالمؤكد أن الجيش لم يكن جهة مراقبة أو متابعة أو تنصت فى الداخل أو الخارج، إذن حصل هذا أو ذاك على معلوماتهم من أمن الدولة، فهل يمكن لأحد أن يطمئن إلى هذا الجهاز وتقاريره التى أغرقت مبارك بكل سلطانه وسطوته ورمت بنظامه وحزبه في سلة مهملات التاريخ؟!

حسنا، مطلوب إذن ممن يصدق هذا الخيال أن يعلن أدلته ويقدمها للقضاء بدلا من الإدلاء بها في مداخلات البرامج التليفزيونية التي يبدو أنها صارت من مهام عمل بعضهم هذه الأيام، واللى ناقص يطلعوا يقولوا إن أفرادا من حركة حماس وحزب الله هم الذين اقتحموا أقسام الشرطة والسجون وهم الذين قتلوا المتظاهرين بالمرة وإن معلومات طلعت زكريا الذكية والثمينة هى التي تحرك الاتهامات تجاه الثوار والمتظاهرين والمعتصمين.

ساعتها لو ثبت ذلك سنطلب من المجلس العسكري إعادة حسني مبارك فورا من شرم الشيخ ليحكمنا وبالمرة يجيب ابنه ما دام الجنرالات يقولون نفس كلام الديكتاتور وأجهزته ويعتقدون في صحته وسلامته، يبقى بلاها ثورة وحماية ثورة وعد كما كنت، وبالمرة نتأسف جدا للريس.. جميعا يعنى جميعا شعبا، وجيشا!

أتصور أن المجلس العسكري عليه أن يعيد النظر في ظاهرة المداخلات التليفونية التليفزيونية لبعض جنرالاته، فمن الواضح أن المجلس لم ينجح في بناء علاقة إيجابية مع قوى شباب الثورة، وأشهد أنه حاول لكن العلاقة طول الوقت يشوبها توتر وسوء تفاهم، وهذا مفهوم.

ليه مفهوم؟

لأن الجنرالات ينتمون إلى جيل أعمار وثقافة مختلفة تماما عن الشباب، الجنرالات محافظون وتقليديون والشباب ثائر ومتمرد، واللغة مختلفة تكاد تكون لغتين متباعدتين تماما تحمل الفجوة الزمنية بين جيل تجاوز الستين وجيل يسكن معظمه بين العشرين والثلاثين من عمره، ثم جنرالات حرب وقتال وجبهة يؤمنون بالربط والضبط والحزم وطاعة الأوامر بينما الشباب ينتمى إلى أجيال عصية وعصبية ومتعجلة لحصاد ثورة أسهموا فيها وبعضهم مات أصدقاؤه شهداء من أجلها، ثم جنرالات عسكريون ليست لديهم الخبرة السياسية بل ولا يحبون السياسة ولا يطيقونها أصلا، أما الشباب فهو لا يجيد السياسة، فقد تعرّفها حديثا ولا يقدر حتى الآن على تحويل ثورته إلى عمل سياسى على الأرض، فيحرضه حماسه وإخلاصه وعاطفته أكثر مما يحركه عقله ونضجه ومصلحته!

الحقيقة أن تناقضا يثير الدهشة بين ما قاله المشير حسين طنطاوي لوزراء حكومة شرف في اجتماعها الأخير لحلف اليمين، وما يتطوع جنرالات ويقولونه في فضائيات، لقد قال المشير في اجتماعه المغلق (أرجو القارئ أن يتجاهل أن المشير وزير فى الحكومة ولم يلق اليمين فى أى حكومة بعد ١١ فبراير) قال لهم «إننى ضابط منذ عام ستة وخمسين ولم أتعود أو أعرف إلا احترام الأوامر والتعليمات والقيادات، وعندما أشاهد بعض البرامج الآن أبقى عايز أحطم التليفزيون، لكننى أقول هذه هى الديمقراطية ولا بد أن نحترمها ونصونها ونتعامل مع مصر جديدة ديمقراطية يتقبل حكامها ما كانوا لا يتقبلونه أبدا» ، وأضاف للوزراء «أنتم حكومة سياسية، فتحملوا النقد والهجوم، فمهمتكم الحفاظ على الديمقراطية وتسليم السلطة لحكومة منتخبة » .

هذا ما سمعه الوزراء من المشير، فما هذا الذى نسمعه من غيره؟!

اجمالي القراءات 9382