الفصل الختامى فى موضوع الزكاة : ( 3 ) بين الزكاة و الجهاد بالمال

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٥ - يوليو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا : الزكاة المالية نوعان : حق الله وحق الأفراد والمجتمع

يلفت النظر الى أنه من مصارف الزكاة الرسمية للدولة الاسلامية الثمانية نوعان : ( فى سبيل الله ) و(المؤلفة قلوبهم )، جاء هذا فى قوله جل وعلا (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْوَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِوَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ( التوبة 60 ) ، ولأن الدولة الاسلامية تقوم دعائمها على العدل وحرية الدين والسلام فمن المنتظر أن تهدف الى الانفاق فى سبيل الله فى مجالى الدعوة وفى الاستعداد الحربى لردع من يحاول الهجوم عليها وتخويفه حتى لا يفكر فى الاعتداء ، ويشمل هذا التحبب الى الأعداء بالمال إتقاء لشرهم وتأليفا لقلوبهم، لأن شراء مودتهم أرخص بكثير من الدخول فى مشاكل وقلاقل وحروب، أى إن هناك فى الصدقة الرسمية حقا لله جل وعلا ( المؤلفة قلوبهم ، وفى سبيل الله ) بالاضافة الى حقوق البشر من فقراء ومساكين وغارمين ..الخ . وبجانب الصدقة الرسمية السابقة التى تجمعها الدولة الاسلامية فهناك أيضا صدقة للأفراد يتصدق بها المؤمن على والديه والأقارب واليتامى والمساكين وابن السبيل (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) ( البقرة 215 )، وهناك أيضا حق الله على الأفراد بالجهاد فى سبيله بالنفس والمال.

ثانيا : جهاد النفس وجهاد المال

1 ـ وإذا كان واضحا حق الله جل وعلا فى مصارف الزكاة الرسمية ومستحقيها مع حقوق البشر من الفقراء والمساكين وابن السبيل فإن أوامر الانفاق فى سبيل الله جاءت أيضا موجهة للأفراد بصفتهم الشخصية تدعو الى الانفاق فى سبيل الله فى صور مختلفة تحت بند الجهاد بالنفس والمال ، منها : ربطه بالايمان الحقيقى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)( الحجرات 15 )، وجعله أعظم درجة عند الله لو ارتبط الانفاق فى سبيل الله جل وعلا مع الايمان والهجرة :(الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )(التوبة 20 : 22 )، وجعل المؤمنين يتفاضلون فى الدرجات طبقا لدرجة الانفاق ووقته:( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ )( الحديد   10 : 11 )، وجعله فى موضع المقارنة بالبخل والامساك عن الانفاق فى سبيل الحق جل وعلا ، فكما أن الانفاق فى سبيله مرتبط بصحة الايمان فإن البخل قرين بالكفر: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قَرِينًا وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِم عَلِيمًا)(النساء 37 : 39 ). وهناك التحذير من أن الامساك عن الانفاق فى سبيل الله يؤدى الى التهلكة لأن عاقبة البخل هنا تعنى الهلاك ، فبعد أن ذكر رب العزة تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام دعا الى الانفاق فى سبيله خوف التهلكة  يقول جل وعلا :( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( البقرة 195 ) وقال جل وعلا يحذّر الصحابة :( هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) ( محمد 38 ). إنّ الدولة الاسلامية المسالمة تحتاج الى أن تكون قوية حتى لا يطمع فيها معتد باغ ، لذا فالاستعداد الحربى فى الاسلام هو لحقن الدماء وردع العدو المعتدى مقدما حتى لا يغامر بالهجوم على دولة الاسلام المسالمة طالما كان قوية عسكريا، وهذا المجهود الحربى يستلزم إنفاقا وجهادا ماليا مستحقا للجزاء الحسن من الله سبحانه وتعالى ، والله جل وعلا يقول : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)(الأنفال 60 ).

2 ـ وفى كل الدعوات للجهاد بالنفس والمال يأتى الجهاد بالمال مقدما على جهاد النفس لسببين :لأن الحرب فى الاسلام دفاعية وإستثنائية لأنه دين السلام . ولأن الجهاد بالمال هو المعين على نوعى الجهاد : جهاد الدعوة وجهاد القتال ، فكلاهما يحتاج الى الانفاق فى سبيل الله جل وعلا ، أى يحتاج الى الجهاد بالمال. وبالتالى يكون لدينا جهاد بالنفس و جهاد بالمال والجهاد السلمى العقلى والعلمى . ونتوقف مع الجهاد السلمى بالدعوة .

ثالثا :  المجاهدون بالدعوة السلمية فى الاسلام:

1 ـ هو جهاد بالقرآن الكريم ، إحتكاما اليه وتدبرا فيه ودعوة لفهمه والتمسك به مهما كره المشركون ، يقول جل وعلا عن القرآن الكريم:(فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ) (الفرقان 52 ). العادة إن هناك ما يعرف بالشرك العلمى أى إتخاذ أسفار مقدسة والتمسك بتراث والانحياز اليه وتقديسه مهما خالف القرآن الكريم ، ومن أجله يكذبون بالقرآن بينما ينسبون تراثهم كذبا لله جل وعلا كما يقال عن (السّنة ) لدى السلفيين ، وهو ترديد لما كان فى الجاهلية حيث شاع تقديس أسفار تعكس ما وجد عليه الجاهليون آباءهم ، ومن أجلها عارضوا القرآن الكريم ، والله جل وعلا جعلها محنة عقلية عامة تسرى فى كل زمان ومكان ، يقول سبحانه وتعالى عن هذا الصنف الذى يمثّل الآن الأغلبية العظمى من شيوخ المسلمين وممثلى أديانهم الأرضية والمذهبية :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ). وفى المقابل فإن من يتصدّى لهم متمسكا بالقرآن طالبا الهداية من الرحمن سيجد الهدى والتأييد من رب العزة ، يقول جل وعلا فى الآية التالية متحدثا عن الجهاد السلمى الثقافى بالقرآن الكريم :( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )( العنكبوت 68 : 69 ). أى لدينا طريقان متناقضان : تمسك بالتراث وتدين به واتخاذه دينا مهما خالف القرآن الكريم ، ثم جهاد بالقرآن ضد هذا الدين الأرضى طلبا للهداية ورضى الله جل وعلا.

2 ـ كلمة السبيل أو الصراط تعنى الطريق ، ومن معانى مصطلح ( سبيل الله) أو ( الصراط  المستقيم )أنه القرآن الكريم ، وقد جاء فى الوصية الأخيرة من الوصايا العشر التمسك بالقرآن الكريم وحده : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )(الأنعام 153  )، ويقول جل وعلا عن وجوب التمسك بالقرأن الكريم :(وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )( الأنعام 126 ). فالقرآن الكريم هو الصراط المستقيم الذى لا عوج فيه:(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا)( الكهف 1 )(قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ( الزمر 28 ). أمّا الأسفار المقدسة لدى اصحاب الديانات الأرضية هى ( العوج ) الذى يناقض الحق القرآنى ، ولهذا فإنّ الدعوة الى هذا ( العوج ) تكون صدّا عن سبيل الله جلّ وعلا ، وقد توعدهم رب العزة جل وعلا فقال:(وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)( ابراهيم 2 : 3 ). هم يستحبون الدنيا على الآخرة ، ويعملون من أجل الدنيا ويأكلون بها الدين، يخلطون الدين بالسياسة ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، وهذا هو الكفر الحقيقى باليوم الآخر ، لذا كان من وصف أصحاب النار إنهم يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون:(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ )( الأعراف 45 ).

رابعا : المجاهدون بأموالهم فى سبيل الله فى الدعوة السلمية

1ـ أصحاب الباطل يقومون بشراء وتمويل ونشر وتوزيع أباطيلهم من (لهو الحديث ) ليصدّوا عن سبيل الله الذى هو ( أحسن الحديث ) أى القرآن الكريم : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )( الزمر 23 ).  يقول جل وعلا  عن أصحاب( لهو الحديث): (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( لقمان 6 : 7 ). ولو تأملت أجهزة الاعلام والفضائيات والانترنت والصحف والبرامج لوجدتها ممتلئة بلهو الحديث من تراث الأديان الأرضية، وهم يولون مستكبرين مستهزئين إذا استشهدت لهم بقوله جل وعلا فى الاكتفاء بحديث الله فى القرآن الكريم وحده: (  أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) (الأعراف 185  ) (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ  ) ( المرسلات 49 : 50 ) (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ )( الجاثية 6 : 9 ).

2ـ وقوله جل وعلا:(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا) هو حكم عام يسرى فى كل مجتمع ، يعنى أنه حين يكون هناك (ناس ) فمن أولئك ( الناس ) من ينفق أمواله ليروّج للهو الحديث ليشغل بقية ( الناس ) عن الدين الحقيقى الذى هو (احسن الحديث ) وليصدّهم عن سبيل الله . وهو فيما يفعل يتمتع بجهل هائل (لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ )، لأنه لا يقرأ الأسفار التراثية التى يدافع عنها. ونحن فى برنامج ( فضح السلفية ) نستشهد بالبخارى وهو يطعن فى الاسلام ورب العزة وشرعه ورسوله ، ويأتى برنامجنا مفاجأة لمن يعبد البخارى ويدافع عنه ، لأنهم يدافعون عن شىء لم يقرأوه ، أى إنهم (يضلّون الناس بغير علم ) هم أجهل الجهلاء ، يحملون على ظهورهم أسفارا لا يقرأونها ، لذا ينطبق عليهم قوله جل وعلا (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)( الجمعة 5 ).

3 ـ نحن هنا أمام عادة بشرية سيئة ، وهو ترويج اهل الباطل لباطلهم ، ينفقون اموالهم ليصدّوا عن سبيل الله أى كتابه الكريم ، ويوم القيامة سيكون ذلك عليهم حسرة حين يشهد عليهم الشهداء بما فعلوه ، والله جل وعلا يقول : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) ( الأنفال 36 ). هنا حكم عام يسرى فوق الزمان والمكان ، وفى كل مجتمع ، لا ينطبق فقط على مشركى مكة أو الاسرة السعودية بل يسرى على المستقبل كما يسرى على الحاضر وكما سرى من قبل على الماضى . ومقابل هذا المال الذى ينفقونه فى الصّد عن سبيل الله وكتابه الكريم لا بد من مال للانفاق على الدفاع عن دين الله وكتابه الكريم ، ومن هنا يأتى الانفاق فى سبيل الله ، أو الجهاد فى سبيل الله بالنفس والمال ، ليس فقط فى القتال الدفاعى ـ وهو مقيد بظروف استثنائية ـ ولكن فى الأساس فى الدعوة المستمرة سلميا للحق ، وهذا حتى يكون فى كل أمة أو مجتمع شهداء يوم القيامة يشهدون على المشركين بجرائمهم فى الصّد عن سبيل الله  وتحويل الصراط المستقيم الى عوج .

4 ـ ونستعيد هنا بعض الايات الكريمة التى تحث على الجهاد بالمال فى الدعوة للاسلام الحق والدفاع عنه ضد من يقوم بتشويهه : ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ )( الحديد 7)،وقد جعله رب العزة ( تجارة ) مع الله جل وعلا يكون الكاسب فيها هو المؤمن المنفق فى سبيل الله سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ( الصّف 10 : 13 ) . ومنها نستفيد أن الجهاد فى سبيل الله بالمال والنفس ينطبق ليس فقط على القتال الدفاعى الذى هو حالة استثنائية بل ينطبق اكثر على الدعوة للاسلام الحقيقى وهو جهاد مستمر الى قيام الساعة ، وأصحابه من الدعاة ومن يساعدهم هم الشهداء يوم القيامة ، ويستحقون هذه المنزلة بما قدّموه فى الدنيا من جهد ومن مال .

خامسا : المجاهدون سلميا فى سبيل القرآن الكريم بأموالهم وأنفسهم هم الشهداء على أقوامهم يوم الحساب

1 ـ والمجاهدون فى سبيل الله بالقرآن الكريم ومن يعاونهم فى جهادهم سيكونون شهود خصومة يوم القيامة على أولئك المتاجرين بدين الله الذين أمضوا حياتهم الدنيا فى خدمة دين أرضى يدعو للعوج والانحراف العقيدى والاخلاقى ، يقول جل وعلا عن المواجهة يوم الحساب بين أولئك الظالمين المفترين والشهداء عليهم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ )(هود 18 : 19). تجد فى الآيات الكريمة نفس العبارات من الافتراء على الله جل وعلا كذبا بما يسمى بالسّنة أو غيرها واعتبارها وحيا ، والصّد عن القرآن الكريم أو سبيل الله جل وعلا واتخاذ الدين عوجا ، والكفر باليوم الآخر ليس بمجرد إنكاره ولكن بصناعة يوم آخر على هواهم ملىء بالشفاعات والوساطات يتحكمون فيه ويملكونه بدلا من رب العزة.

2 ـ ومصطلح ( الشهداء ) يوم القيامة لا يعنى من يقتل فى سبيل الله ، بل يعنى من سيكون شاهد خصومة على معاصريه من الكفار المشركين ، سواء مات ميتة طبيعية أو قتلا فى سبيل الله جل وعلا . أى هو الذى أمضى حياته الدنيا أو القسط الأكبر منها مجاهدا بنفسه وماله وعقله وجهده دفاعا عن الاسلام ضد من استغل اسمه فى سبيل الحصول على حطام دنيوى ، ومن قام بتشويه شريعته و احترف الكذب على الله ورسوله يحرّف دين الله ، ومن ينشر هذا الزيف ويدافع عنه صدّا عن سبيل الله ، ومن يبذل المال ويستخدم الجاه والقوة فى الصّد عن سبيل الله والدفاع عمن افترى على الله كذبا وكذّب بآياته ، ومن يستغل جاهه فى إيقاع الأذى والاضطهاد بالمجاهدين المسالمين المدافعين عن كتاب الله جل وعلا. أولئك المجاهدون بالدعوة الى الصراط المستقيم والمؤازرون لهم فى سبيل الله جل وعلا سيؤتى بهم يوم الحساب شهداء على الظالمين المدافعين عن البخارى و مالك و الشافعى و مسلم والغزالى والسيد البدوى ..الخ .  

3 ـ يوم الحساب حيث المحكمة الالهية الكبرى ستأتى كل نفس تجادل عن نفسها : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ  ) ( النحل 111 )، ويكون كل نبى شاهدا على قومه الذين عاصرهم وتعامل معهم ، لأن الشهادة تعنى الحضور و المعاصرة للحدث وأصحابه والمشاركة فيه ، لذا فإن عيسى عليه السلام سيكون شهيدا على من عايشهم من قومه فقط وليس له شأن بمن عاشوا قبله أو بعده : (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ)( المائدة 117 )، ولهذا أيضا سيكون خاتم النبيين شهيدا على من عايشهم من قومه فقط ، وسيؤتى بشهيد على كل أمّة من نفس تلك الأمة ، والله جل وعلا يقول لخاتم النبيين عليهم السلام :( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا)( النساء 41 : 42). ويقول جل وعلا عن أولئك الشهداء والأنبياء فى اشتراكهم فى شهادة الخصومة على الأقوام يوم الحساب : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء)، وموضع الشهادة هنا هو الاكتفاء بالقرآن الكريم وكونه تبيانا لكل شىء يحتاج الى التبيان ، لذا يقول جل وعلا فى تكملة الآية الكريمة:( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) ( النحل 89 )، وهنا إشارة معجزة لمن سيأتى بعد موت خاتم النبيين يسعى فى آيات الله معاجزا يتهم القرآن باحتياجه الى السّنة ، وقد توعدهم رب العزة مقدما فقال : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ  ) (الحج 51 ) (وَالَّذِينَ سَعَوْ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ) (سبأ 5 ) (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ)( سبأ 38 ). فى هذه المحاكمة الالهية سيقول جل وعلا للمشركين الذين يقدسون البخارى وغيره ممن جعلوهم شركاء لله فلا يستطيعون إجابة ، ويأتى الشهود عليهم بالبراهين ضدهم وعندها تظهر الحقائق و يضيع الافتراء ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) ( القصص 74 / 75 ). وتتجلى مكانة الشهداء يوم القيامة فى أنهم يؤتى بهم مع الأنبياء فى أول مراحل يوم الحساب ، يقول جل وعلا عن يوم القيامة:(وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ) ( الزمر69 : 70 )

أخيرا

1 ـ إن العادة أن ينفق دعاة الباطل أموالهم فى نشر أباطيلهم للصّد عن سبيل الله وتحويل الطريق المستقيم الى طريق أعوج. ولذا فلا بد من جهد مضاد ببذل المال فى سبيل الله دفاعا عن دين الله الذى تمّ تشويهه ووصمه ظلما بالارهاب و التخلف والظلم والتزمت و التعصب والتطرف . ومها بذل المخلصون للاسلام دفاعا عن الاسلام فهو ليس بشىء بالمقارنة الى درجة الشهداء أو الأشهاد يوم الحساب حين يؤتى بهم جنبا الى جنب مع الأنبياء ليشهدوا على أقوامهم فى يوم آت قريب جدا ، قال عنه رب العزة : (  اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ) (الأنبياء 1 ) (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا) (المعارج 5 : 7 )( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ) ( النبأ 40)

2 ـ ودائما صدق الله العظيم  

اجمالي القراءات 17676