الخزى فى الدنيا والآخرة

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٣ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

 قبل الاطاحة بحسنى مبارك تحت عنوان  ( حسنى مبارك والخزى فى الدنيا ) وفى تدبر لقوله جل وعلا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ  فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  " البقرة 114 " وفى سلسلة ( القرآن والواقع الاجتماعى ) قلنا :

 1 ـ العادة في هذه السلسلة من المقالات أن نستشهد بروايات التاريخ الماضى على صدق الواقع القرآني وانطباقه على تاريخ المسلمين بعد نزول القرآن الكريم .ولكن الأحداث التي يعيشها المسلمون في العصر الراهن تؤكد أيضاً صدق القرآن . وبالتحديد في التحول الديمقراطي تونس ومصر والذي اطاح بزين العابدين بن علي والآن يواجه مبارك في مصر نفس المحنة ..فيما يخص موضوعنا نختار حالة " الخزي " التي يعيشها المستبد في محنته ، إذ كان يتصرف كأنه إله مقدس يأمر ويطاع ، ويمنح ويمنع ويقتل ويعذب ويمنح الملايين وينهب البلايين ، ثم فجأة يأتيه الأنفجار من الداخل فيعيش في خزي ورعب إلى أن تنتهي حياته ..) وقلنا ( الآية الكريمة: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ  ...)(البقرة 114 )  تنطبق على رئيس تونس السابق ، الذي أرهب من يدخل المساجد ، وسلط شرطته السرية تراقب من يدخل المساجد ، بل تفتش المصلّين  امعاناً في أرهابهم ،وظل متحكماً في حياة التونسيين   إلى ان ثار عليه التونسيون فحاول التراجع ، ثم انتهى به الأمر إلى الهرب ، وحقت عليه لعنة الخزي قبيل الهرب وبعده ، وسيظل يعيش في خزي وعار إلى أن يموت ، وفي الآخرة ينتظره عذاب عظيم مصداقاً لقوله جل وعلا " لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ".) وقلنا إن نفس الآية الكريمة تنطبق على حسني مبارك " ونحن أهل القرآن على ذلك شهود .قضيتنا تثير العجب ، لماذا كان مبارك يصمم على إضطهادنا عبر اربع موجات من الأعتقال والسجن " 1987 ، 2000 ، 2001 ، 2007 ، 2009 " مع ان عملنا السلمي التنويري موجه أساساً إلى الإصلاح الديني ومواجهة فكر التطرف من خلال الإسلام والقرآن الكريم . المتعجبون يرون في عملنا التنويري خدمة لنظام مبارك نفسه في مواجهة أعدائه الداعين لقلب نظام  حكمه،وبالتالي فالمنتظر ان يساعدنا أو على أقل تقدير ان يتركنا في حالنا . ولكن مبارك قام بتسليط كل اجهزته ضدنا ، من الأمن والاعلام والأزهر والدعاة في المساجد . ولأنه يصعب توصيف اتهام قانوني لنا فقد اكتفى بالتلفيق واتهامنا بازدراء الدين بعد أن تبين ان أنكار سنة البخارى ليست تهمة في القانون المصري ..بل يتطرف مبارك فيتعامل معنا بقانون الطوارئ والحبس الأحتياطي والتعذيب .وتحت التعذيب في مقرات أمن الدولة في شبرا الخيمة ومدينة نصر يستجوب زبانية مبارك أهل القرآن يسألونهم عن كيفية الصلاة ، ورأيهم في الزكاة والحج ،وعما كان يقوله لهم أحمد صبحي منصور في التسعينيات ، وماذا يقولونه لبعضهم في بيوتهم وفى اجتماعاتهم العائلية ، حيث كان معظم المعتقلين من عائلة واحدة كبيرة.ثم يعمّ الإضطهاد كل اهل القرآن ، يطاردونهم إذا صلوا الجمعة  في بيوتهم ، ويخيفونهم إذا صلوا في المساجد ، وهى تحت تحكم أمن الدولة وعملائهم من المتطرفين الذين يهيجون العوام على أهل القرآن يتهمونهم بالكفر والخيانة والعمالة لأمريكا ،فأصبح دخول القرآنيين للمساجد محفوفا بالمخاطر ، ينطبق عليهم التعبير القرآنى : (أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ  )..ظل هذا سارياً وسائداً إلى أن هبت الثورة الشعبية المصرية المباركة يوم 25 يناير الماضى، فهوى مبارك من عليائه وسقط من تجبره ودخل في مرحلة الخزي،ثم ينتظره بعون الله جل وعلا عذاب عظيم :( أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ  فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ). وقلنا ( الخزي الذي عايشه بن علي قبل هربه يعايشه مبارك الآن قبيل نهايته المحتومة. الخزى هنا هو التناقض بين حالة شخص كان أقرب الى الاله لا يستطيع أقرب أتباعه أن يحملق فيه بل يغض الطرف أمامه فى خشوع وخنوع و انحناء وانكسار، ثم يأتى الوقت الذى يتحول فيه هذا الطاغية المتجبر الى فأر مذعور يستجدى الحماية من كلاب حراسته . مبارك الآن لا يستطيع أن يرفع عينيه خزياً في مواجهة اصدقائه ومعارفه من المستبدين العرب ومن السياسيين الغربيين في اوربا وأمريكا وحتى آسيا وأفريقيا .مبارك الآن لا يستطيع أن يرفع عينيه خزياً في مواجهة المصريين وهم يسبونه ويلعنونه ، مبارك الآن لا يستطيع أن يرفع عينيه خزياً في مواجهة خدمه من الجنرالات ، كان من قبل آمراً لهم فتحول إلى تابع مدين لهم بحياته ومصيره،إذ فقد شرعيته وينتظره حكم الإعدام،ولولا أطماعهم تفرض عدم انفضاضهم عنه لانتهى أمره إلى القتل .مبارك لا يستطيع أن يرفع عينيه خزياً أمام الرأي العام الدولي ، فقد شاهد ويشاهد العالم  جرائم بوليس مبارك ضد أحرار المصريين منذ أن ثاروا عليه فى  25 يناير 2011 . وشاهد ويشاهد العالم  فضائح مبارك تتوالى من أرصدته التي نهبها وهربها للخارج ومن الكشف عن بقية جرائمه وسرقات أعمدة حكمه ، بحيث يضطر نظام مبارك بنفسه إلى محاكمة بعضهم وتقديمهم كبش فداء لأنقاذ مبارك وجنرالاته.  مبارك في خزيه قد يضطر إلى الهرب إلى الخارج ، حيث يعايش الخزي وهو يتعامل مع من أعطاه أماناً إذا وجد من يعطيه مأمناً ..وقلنا ( العجيب في الأمر أن عناد مبارك هو الذي يطيل وقت خزيه وفضائحه امام أعين الناس ، فكل ساعة تمر تؤكد أنه مجرد حرامى و سارق وقاتل ومتآمر على المصريين وخائن لهم . سقط أمام أعين من كان يحترمه من قادة العالم وزعمائه فى العالم الحرّ. وعناده هو السبب فى إطالة محنته .يمتاز مبارك عن بقية المستبدين العرب بإنه يكره المصريين أكثر مما يكرهه المصريون ، وبإنه مستبد عنيد .. لذلك كان معروفاً انه إذا تمتع مسئول مصري بإعجاب الناس يبادر بعزله عن منصبه ، وإذا اشتكى الناس من مسئول ظالم وطالبوا بعزله فإن مبارك يعاند ويحيط ذلك المسئول برعايته، كل ذلك عنادا ، وله كلمة مأثورة حين طالب بعض أساتذة الجامعات ببعض حقوقهم ، فقال عنهم : (إذا كانت معهم دكتوراه فى العلم فعندى دكتوراه فى العند ) .. الآن مبارك لا يزال على عناده ،وهذا منتظر ، لإن الإنسان بعد الستين فاكثر لا يستطيع تغيير طباعه ، فما بالك إذا تجاوز الثمانين قضى منها ثلاثين عاماً يحترف الإستبداد والفساد والعناد .أصبح مبارك الآن أسير عناده ، وأصبح عناده هو سبيله للبقاء قبيل إجباره على الرحيل .. وأصبح عناده أحد  أهم السبل في خزيه ..) انتهى النقل.

 فى هذا المقال نستكمل تأصيل موضوع الخزى فى الدنيا والآخرة ، كعقوبة الاهية حتمية تلحق بمن يستحقها .

عقوبة الخزى فى الدنيا التى تلحق من يمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ويتحكم فيها يفرض مذهبه ويمنع الآخرين ـ لا تنطبق على الرئيس المصرى المخلوع وحده بل تنطبق أيضا على السلفيين المتحكمين فى المساجد ويستغلونها لنشر ايدلوجيتهم وتحقيق طموحهم السياسى .أولئك السلفيون وغيرهم ينتظرهم الخزى فى الدنيا إن لم يتوبوا.

ونواصل الموضوع :

الخزى فى الدنيا جزاء التلاعب بكتاب الله جل وعلا:

1 ـ يقول جل وعلا :(ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ( البقرة 85 ).

واضح هنا استغلال الدين فى السياسة وتطويع آياته تبعا للهوى السياسى حتى فيما يخص حق الحياة ـ أو قتل النفس البريئة . وما كان يفعله اليهود يفعله الآن وعلى نطاق واسع الارهابيون من السنيين و الشيعة ، من جرائم حرب وقتل عشوائى واستباحة لقتل الابرياء باسم الجهاد . وزعيم القاعدة عاش مختفيا كالفأر المذعور ، عاش فى خزى ومات قتيلا يحمل العار . وليس بعدها خزى وليس بعدها عار.

2 ـ ونفس التحريف وقع فيه أرباب الثقافة السمعية ممن يدمنون الاستماع للكذب وتصديقه ونشره ، ومن أجله يسارعون فى الكفر ويسارعون الى تحريف الكلم عن مواضعه ، ولأن القرآن الكريم محفوظ من لدن الله جل وعلا يستحيل تحريف لفظه فقد قام تلامذة اليهود بتحريف معانى القرآن الكريم عبر ما يسمى بالتفسير و التأويل ومواضع النزول ، كما قاموا بالغاء أحكام القرآن الكريم وإبطال تشريعاته بزعم النسخ ، مع أن النسخ فى القرآن يعنى الكتابة والاثبات وليس الحذف والالغاء ، ولنا بحث منشور فى هذا. 

3 ـ وفى عهد خام المرسلين كان يحدث هذا ، وأخبر به رب العزة محذرا بعقوبة الخزى فى الدنيا والعذاب العظيم فى الآخرة . ولم يهتد السنيون والشيعة و الصوفية بهذا الهدى القرآنى ، ولم يتعظوا بقوله جل وعلا لخاتم المرسلين :(  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( المائدة  41 ).

4 ـ على العكس من ذلك ، بل احترفوا الجدال بالباطل ليصدوا عن سبيل الله جل وعلا ، وهذا ايضا ما كان يحدث فى حياته عليه السلام من المستكبرين الجهلاء محترفى الاضلال ، يقول جل وعلا يصفهم (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) ( الحج 9 ). تدبر الآية الكريمة و تخيل دعاة السلفية و تعاليهم واستكبارهم وجهلهم تجد الآية الكريمة تنطبق عليهم مؤذنة بخزى ينتظرهم فى الدنيا ، وعذاب الحريق إن ماتوا على هذا الضلال والاضلال.

5 ـ وهناك جناح مدنى للارهاب يصدر الفتاوى وينشر إفك السلفية ويدعو لشريعتها المناقضة للاسلام والتى تستحلّ قتل الأبرياء ، ثم هناك جناح عسكرى للارهاب يتكون من عصابات وجماعات ترتكب التفجير والاعمال الارهابية باسم الاسلام الاسلام والجهاد الاسلام. هم بذلك أعدى أعداء الله تعالى ورسوله ، وجزاؤهم فى الدنيا القتل والصلب وتقطيع الأطراف والنفى من الأرض حسب الجريمة المقترفة ، وفى كل الأحوال فالخزى ينتظرهم فى الدنيا ، والعذاب العظيم فى الآخرة .  الآية الكريمة التالية تنطبق على عصابات الارهاب من الجناح المدنى ( الدعاة ) والجناح العسكرى : (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( المائدة 33 )

خزى الدنيا فى إهلاك الأمم السابقة

1 ـ والله جل وعلا لم يقصّ علينا قصص الأمم السابقة للتسلية ولكن للعبرة و العظة ، ونفهم منه أن العذاب مرتبط بالخزى فى تدمير الأمم السابقة. جاء هذا عموما فى قوله جل وعلا (كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر 25 : 26  ).

2ـ  وجاء بالتحديد عن قوم نوح حين توعد الكفرة من قومه بطوفان قادم فقال لهم :( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) ( هود 39  ).

3 ـ وحين استكبر وطغى قوم عاد أخزاهم الله جل وعلا بأن سلّط عليهم الريح تقتلهم تقتلعهم وتلقى بهم هنا وهناك كأنهم أعجاز نخل خاوية ، وفى هذا خزى عظيم لمن طغى وتكبر ، يقول جل وعلا : (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ   ) ( فصلت 15 : 16  ).

4 ـ ولم يتعظ بعدهم قوم ثمود فكذبوا نبى الله صالح ، وكانت النتيجة نجاة صالح عليه السلام والمؤمنين معه وإهلاك والخزى للكفرة من ثمود : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ   ) ( هود 66 ).

5 ـ وتكرر الخزى عقوبة مع إهلاك قوم مدين. قال لهم نبى الله شعيب عليه السلام يحذرهم من خزى قادم للمعاندين : (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ   )  (هود 93 ، 94  )فلم يتعظوا ، فحاق بهم الهلاك والخزى.

6 ـ  واستفاد قوم يونس من تجارب السابقين الهالكين فنجوا من عقوبة الخزى و الاهلاك ، يقول رب العزة عنهم : (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) ( يونس 98 ).

الخزى فى الآخرة:

1 ـ هو مرتبط بالعذاب الخالد الأبدى ، فإذا كان خزى الدنيا يأتى عرضا مؤقتا فى مرحلة من العمر فى حياة دنيا زائلة فالخزى فى الآخرة خالد مخلد ، لا يمكن تصوره بزمننا الدنيوى المتحرك المؤقت الزائل .

2 ـ من هنا يدعو خليل اله ابراهيم عليه السلام رب العزة قائلا:(وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) ( الشعراء 87 ) وعلى نفس النسق يدعو كل مؤمن تقى يخشى الخزى فى الآخرة لأن من يدخل النار فقد حقّ عليه الخزى الأبدى :(رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) ( آل عمران 192 )،(رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ  ) ( البقرة 194 ). والله جل وعلا يعظ المؤمنين بالتوبة طلبا لأن يلحقوا بخاتم النبيين محمد عليه السلام و الفائزين من المؤمنين معه حيث لا خزى بل تكريم ونعيم ، وهذا هو ما ينتظر التائبين المؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( التحريم 8 )

3 ـ أما الكافرون الذين يموتون بلا توبة معاندين محاربين لله جل وعلا ورسوله وكتابه فإن رب العزة يقول عنهم ( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ) ( التوبة 63 ). فالخزى العظيم الهائل هو فى الآخرة .

4 ـ ويقع الخزى عليهم بمجرد البعث والحساب ، أى قبل دخولهم النار ، فالله جل وعلا حين يستجوبهم يحلّ بهم الخزى والعار و المهانة وتكون تلك هى إجابتهم عن سؤال رب العزة ، وهنا هم لا يتكلمون ولا ينطقون من الخزى ، بل يصف حالهم المؤمنون ، وهذا معنى قوله جل وعلا :(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ   ) ( النحل 27 )

ختاما

 هل  يتعظ بهذه الآيات الكريمة دعاة السلفية الوهابية السنية و الشيعية و سكرهم من الارهابيين مستخدمى الاسلام العظيم فى الارهاب والقتل ؟ هل يتوبون قبل فوات الأوان ؟ أم هل ينتظرون الى أن يحل بهم الخزى فى الدنيا و الخزى العظيم فى الآخرة ؟

هم الذين يختارون مصيرهم ، فلا يمكن لنا أن نهرب من الله جل وعلا . واليوم الآخر ينتظرنا جميعا ولا يمكن لأحد أن يفرّ منه ، وحريتنا فى الايمان والكفر و فى الطاعة و المعصية سنحاسب عليها يوم الدين : (كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) ( الانفطار 9 : 19 )

ودائما .. صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 39540