الثورة .. 25 يناير حتى 28 يناير 2011

شادي طلعت في الأحد ١٢ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

يوم 25 يناير كان إنطلاقة الشرارة الأولى للثورة المصرية ، و بما أن الشعب كان يعيش في إحتقان طويل دون أي أمل فأسباب إنتفاضته كانت وجيهة ، و لكن لماذا كان يوم 25 يناير ؟ هنا طرحت وجهتي نظر الأولى هو إنتشار الفيس بوك بين الشباب ! و وجهة النظر الثانية تعتبر أن نجاح ثورة تونس كان هو السبب الرئيسي في إندلاع ثورة المصريين ، و أنا أؤيد وجهة النظر الثانية للأسباب الآتية :

أولاً أن الفيس بوك موجود منذ قرابة 5 أعوام مضت أو أكثر ! و لم تحدث أي إنتفاضات أو محاولات للثورات اللهم إلا إنتفاضة مدينة المحلة الكبرى يوم 6 إبريل 2008 ، بينما بعدها تمت ندوات و ورش عمل و مؤتمرات حول الفيس بوك و كافة وسائل الإنترنت الأخرى و قياس قدرتها و مدى أهميتها في إحداث التغيير، و كانت النتيجة أن أي محاولات للتغيير من خلال الإنترنت هي محاولات فاشلة ! و كان هذا رأي غالبية الشعب المصري الذي كاد يشعر بالملل من محاولات السياسيين قبل الثورة للتغيير .

بينما تغيير الحال في مصر بعد نجاح الثورة في تونس تغييراً غير مسبوق بسبب عناصر عديدة كانت غائبة عن المصريين منها :

أولاً / أن الشعب إكتشف أن التغيير ممكن .  

ثانياً / أن الشعب إكتشف أن التغيير سهل !

ثالثاً / أن الشعب إكتشف أن عزيمة التوانسة أكبر من عزيمة المصريين و هو ما إستفز جموع شعب مصر !

رابعاً / أن المصريون يكرهون مبارك أكثر من كره التوانسة لزين العابدين بن علي !

خامساً / أن الفساد في مصر أكبر من الفساد في تونس .

و مع كل تلك الأسباب حدثت الثورة في تونس أولاً و لم تحدث في مصر ، مما جعل الرجال في مصر يشعرون بأنهم قد ظهروا أقل نخوة من رجال شعب تونس ! فكان لابد من الرد السريع على العالم كله و سرعة الرد هي تعبير عن تقديم إعتذار لمصر عن فترة السكوت عنها و السماح للصوص بإعتلاء مناصب شؤن البلاد فيها ، كان لابد من الرد السريع لإثبات أن الشخصية المصرية هي الرائدة في الوطن العربي و الشرق الأوسط  ، كان لابد من الرد السريع لإثبات أن رجال مصر هم رجال بمعنى الكلمة ، و بعدها بدأت الدعوة إلى الثورة يوم 25 يناير و هو يوم إحتفال عيد الشرطة ! و هو أقرب يوم مناسبة لهروب زين العابدين بن علي من تونس و نجاح ثورة تونس ، و قبل هذا التاريخ كان كافة القادة العرب يعيشون في خوف دائم من تكرار المحاولة في أي بلد عربي و عقد مؤتمر للقمة العربية بمصر و فيه إلتزمت دول الخليج بدعم الدول العربية التي تعاني من البطالة ! على إعتبار أن مثل هذا الأمر قد يفشل أي محاولات لتكرار التجربة التونسية ! و لكن لم يكن لهذا المؤتمر أي قيمة بالنسبة لمصر بل على العكس أثبت هذا المؤتمر أن النظام الحاكم بقيادة مبارك يعيش في خوف نتيجة ثورة تونس ! و بدأ النظام المصري التعامل مع الأحداث بسذاجة كبيرة ساعدت فيما بعد في نجاح الثورة المصرية فقد كان أول رد للنظام المصري هو تقديم موعد إحتفال الشرطة من يوم 25 يناير إلى يوم 23 يناير و في هذا الإحتفال تم الإعلان عن أن وزارة الداخلية قد توصلت إلى المتهمين الحقيقيين في حادث تفجير كنيسة القديسين ، و تم الإعلان عن تنظيم وهمي قيل أنه تابع لتنظيم القاعدة ! و هذا كان بداية غباء النظام البائد فهو لم يلقي أي إهتمام بالإحتقان الموجود لدى الشعب !

ثم كان يوم 25 يناير 2011 و هو اليوم الذي شاركت فيه كافة القوى السياسية بإستثناء الإخوان المسلمين و اللذين لم يشاركوا في هذا اليوم ! و في هذا التوقيت كانت الأجهزة الأمنية قد نجحت في إختراق الأحزاب و منظمات المجتمع المدني و كافة الحركات السياسية ، و خشيت الأجهزة الأمنية أن يتجمع كافة المعارضون للنظام و عددهم لا يتجاوز 1000 شخس فقط في ميدان التحرير ، و بدأت في بث أفكارها للمعارضين و إقناعهم بأن تتوزع الإحتجاجات على العديد من مناطق القاهرة ! دون أن تعطي أي أولوية أخرى لباقي المحافظات على إعتبار أن الإعلام لن يكون موجوداً إلا في القاهرة فقط ! و كان هذا هو الغباء الثاني للنظام البائد و أجهزته ! إذ أن مدينتي السويس و الإسكندرية كانتا الشرارة الحقيقية لثورة المصريين ، و بدأ يوم 25 يناير بمظاهرات في ميدان التحرير .. لم يكن مثيل من قبل إذ تجاوز العدد فيها 15000 متظاهر و هو عدد لم يكن موجوداً من قبل في أي مظاهرات سابقة ، بينما حدثت إعتداءات من الأمن على كافة مناطق القاهرة الأخرى التي حدثت فيها مظاهرات في نفس اليوم و كانت الإعتداءات بالسب و القذف و الضرب ، و هذا ما حدث أيضاً بالسويس و الإسكندرية ، و كان لرد فعل الأجهزة الأمنية بميدان التحرير إيحاء للمتظاهريين بأنهم قد كسروا شوكة الأمن ! إذ أن الأمن لم يكن يريد أن يظهر بالمظهر السيئ أمام أجهزة الإعلام ، و ظل المتظاهرون يقبعون في ميدان التحرير حتى تمام الساعة 12.30 ليلاً و إذ بالقنابل المسيلة للدموع تنهمر في ميدان التحرير و إذ بالمتظاهرين يتركون الميدان و يتفرقون ، و يشاء الله أن يجتمعون مرة أخرى بشارع البستان و هو شارع متفرع من ميدان التحرير ، وهم يرددون شعاراً واحداً ((الشعب يريد إسقاط النظام)) و سار آلاف المتظاهرين من شارع البستان إلى شارع محمد فريد ثم إلى إلى نفق أحمد بدوي متجهين إلى شبرا ، و التي كانت مكتظة بالغاضبين من الأقباط نتيجة تفجير كنيسة القديسين إلا أن قوات الأمن كانت هناك بالمرصاد و حدثت المشادات بين المتظاهرين و بين الأمن ، و كان أهم ما يميز هذا اليوم هو كسر حاجز الخوف الذي كان موجوداً لدى المصريين تجاه الأمن إذ أن المتظاهرون كانوا لا يمانعون من الدخول مع الأمن في معارك بالأيدي ! و تفرقت مظاهرة 25 يناير قرابة الساعة الثانية صباح يوم 26 يناير بعد التعزيزات الأمنية الكبيرة .

في أثناء أحداث يوم 25 يناير كانت كافة القنوات الفضائية لا تنقل أي شيئ عن هذا اليوم إلا القليل جداً ، فالنظام البائد كان قد عقد إتفاقاته مع قطر و أمريكا و أوربا حتى يضمن مرور مرحلة غضب المصريين التي توهجت بعد ثورة تونس ، إلا أن يوم 26 يناير كان مختلفاً فقد بدأت كافة أجهزة الإعلام العالمية في نقض عهودها مع النظام ، و بدأت تستشعر بقرب قيام الثورة ، بينما لم يستشعر النظام الغبي البائد بها ! و أصدرت وزارة الداخلية قراراتها بمنع أي مظاهرات صباح يوم 26 يناير و حذرت من أن قيام أي شخص بأي محاولات بالتظاهر سيعاقب عليها القانون ، إلا أن المظاهرات قد خرجت أيضا و لكن على إستحياء بعد الدعوة إلى مظاهرات ثورة الغضب بعد صلاة يوم الجمعة 28 يناير ، و التي دعت إليها القوى السياسية المختلفة و حدثت إعتداءات أمنية على المتظاهرين و إعتقالات ، ثم قام عمال المحلة الكبرى بالتظاهر و قاموا بإسقاط صور مبارك في إحتفالات ضخمة ، و مر يوم 26 يناير ثم جاء يوم 27 يناير وحدثت فيه إعتقالات أخرى لبعض رموز القوى السياسية و مر يوم 27 يناير ، في ظل ترقب العالم كله لثورة الغضب يوم 28 يناير 2011 .

كان يوم 28 يناير 2011 يوم غير عادي و سيظل يدرس هذا اليوم الذي يعد البداية الحقيقية للثورة المصرية ففي هذا اليوم مجموعة كبيرة من الدروس و العبر لمن يريد لمن يتعظ ! فقد كان اليوم منذ الصباح غريباً على المصريين !

في هذا اليوم العظيم قام النظام البائد بقطع كافة وسائل الإتصال بداية من الإنترنت و الهواتف المحمولة و الهواتف الأرضية أيضاً ، و في نفس الوقت خرج الرجال حتى يؤدوا صلاة الجمعة دون أن تمنعهم النساء عن أداء واجب الصلاة ، و لكن ما من رجل خرج إلا قرر أن لا يعود إلى منزله بإستثناء قلة قليلة لا تكاد تذكر فالمشهد كان عظيماً و ما من عاقل لا يريد أن يراه ، و قام الأمن بعد الصلاة مباشرة في إلقاء القنابل المسيلة للدموع و هي قنابل منتهية الصلاحية أثرها مدوي و مؤذي في نفس الوقت و كانت ذات تأثير عالي على المتظاهرين إذ أنها قد زادت من عزيمتهم على الإنتقام من مبارك و نظامه الحاكم الذي يلقي عليهم بقنابل منتهية الصلاحية !

و قد تغابت الأجهزة الأمنية إذ أنها كانت تلقي بالقنابل و في نفس الوقت أغلقت كافة المنافذ أمام المتظاهرين حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم ! بل و كانت تجبرهم على الدخول بين المناطق و الأحياء الشعبية حتى ينتهي اليوم ، و لكن مع كل شارع دخله المتظاهرون كانوا يخرجون منه و هم أضعاف مرددين شعارين ((الشعب يريد إسقاط النظام)) و شعار (( إنزل يا مصري )) و وقتها صمم المصريون على إسقاط النظام و قرروا جميعاً دون أي ترتيب ! أن يلتقوا في ميدان التحرير مهما كان الثمن حتى و لو كانت حياتهم هي الثمن .

و قد رأيت مشهداً لا يمكن أن أنساه فقد كنت واحداً من المتظاهرين من ميدان الجيزة ، و قد مررت بحديقة الحيوان مع مجموعة قليلة لا تتجاوز 100 متظاهر بعد أن فرقتنا القنابل مباشرة فور الخروج من صلاة الجمعة و إذا بالعاملين في حديقة الحيوان يغلقون الأبواب على كل زوار الحديقة ، و وقتها ذهبت مجموعة منا لمحاولة فتح باب الحديقة و الذي يقترب سمك الحديد المحيط به من نصف متر تقريباً و لكن إذا بباب الحديقة يسقط و يكسر الطوب الذي يحيطه و كأن القدر يقف مع المتظاهرين و يريد أن يخبرهم بذلك ! و لكن بعد أن إقتربنا من أمام كوبري قصر النيل إذ بالقنابل المسيلة للدموع تنهمر على الجميع من كل ناحية و فجأة و نحن بين نادي القاهرة و برج الجزيرة وجدنا أن هناك من يقوم بإلقاء القنابل من داخل نادي القاهرة فأشرت لشابين تحت سن العشرين بأن يكسروا السور الحديدي لنادي القاهرة ، و إذا بالشابين يصعدان على السور و ييمسكانه فإذا به يسقط أمامهم ! ثم توالى صعود المتظاهرين على السور الحديدي للنادي و إذا به يتساقط و إذا بالمتظاهرين يدخلون النادي لإلقاء القبض على رجال الأمن اللذين كانوا يطلقون الرصاص الحي و القنابل المسيلة للدموع !

بعدما وجدت الحديد يلين بأمر من الله وحده ، أدركت أن الله قد أمر بأن يأخذ الملك من مبارك و أعوانه فآية الله كانت واضحة ! و قد ظلت محاولات الكر و الفر جارية حتي خيم الظلام على المتظاهرين ، و لم أكن ممن إستطاعوا المرور إلى ميدان التحرير ، و عدت إلى ميدان الجلاء بمنطقة الدقي مرة أخرى في محاولة مني للبحث عن أي وسيلة مواصلات أصل من خلالها إلى ميدان التحرير ! و وقتها لم أكن بمفردي فقد كان مع سيدة تعمل بالمحاماة و أخي و بعض الأصدقاء و حاولنا أن نقوم بإيقاف بعض السيارات الملاكي لتنقلنا إلى ميدان التحرير فإذا بأول سيارة كان فيها رجلين علمت منهما أنهما قد نزلا بحثاً عن أحد أقاربهما قد خرج للمشاركة في الثورة و لم يعد ! ثم أوقفت سيارة أخرى فإذا بها سيدة علمت منها أنها خرجت لتبحث عن أبناءها اللذين خرجوا للمشاركة في الثورة ! ثم تكرر معي الموقف مرات و مرات !

وقتها شعرت بأن النظام البائد قد ساهم في إنجاح ثورة الغضب بغباءه الشديد ، إذ أنه قد قام بقطع وسائل الإتصالات ، مما جعل إتصال الأهالي بأبنائهم أمر مستحيل ، مما أجبرهم على النزول إلى الساحة ، و لكن ما من أحد نزل إلى الساحة و عاد إلى منزله ! فجميع من نزلوا أخذوا على عاتقهم واجب تحرير مصر من العصابة الحاكمة ، حتى أن أحد الرجال إستشهد له إبنه الأكبر و إذ به يأتي بإبنه الأصغر و يقول لقد أستشهد إبني الأكبر و ها أنا ذا أتيت بإبني الأصغر ليكون هو الآخر شهيداً فكلنا فداء لمصر !

موقف صعب و جميل و فيه ملامح كثيرة لعبر جمة كالخيانة و الغدر و الوفاء و المروءة و الشهامة ، و طبعاً الخيانة كانت من النظام البائد و رجاله من الشرطة ، اللذين دخلوا مع الشعب في معارك حياة أو موت ، لكن الله الذي أمر الحديد بأن يلين بين يدي الشعب أعطى للشعب الطاقة و القدرة على الصمود أمام النيران و القنابل و إنتصر الشعب في نهاية يوم 28 يناير 2011 .

و ليحفظ الله مصر من كل سوء  

شادي طلعت

اجمالي القراءات 15376