أيها العسكريون: أجِّلوا الانتخابات إلى أن يستعد الجميع

سعد الدين ابراهيم في السبت ٢١ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

من فضائل المجلس العسكرى الأعلى، الذى فوّضه الرئيس السابق حسنى مُبارك، السُلطة لحكم البلاد فى ١١/٢/٢٠١١، أنه يستمع ويستجيب للقوى السياسية الفاعلة فى مصر، ولا تأخذه العزة بالإثم. ففى الشهور الأربعة الأخيرة، كان أداؤه معقولاً للغاية. فحتى إن لم يُرض كل الناس، كل الوقت، فإنه لم يغضبهم، أو يُثير نقمهم إلى الآن.

وخلال الأسبوعين الماضيين، أى منذ عودتى النهائية من الخارج، لم أسمع إلا شكوى واحدة مُتكررة من كل الأطراف التى يُهمها الأمر العام. وقد تركزت تلك الشكوى على موعد الانتخابات النيابية فى سبتمبر المُقبل. وقد يقول قائل إن ذلك الموعد كان مُقرراً سلفاً، حتى قبل ثورة ٢٥ يناير.

ورغم أن ذلك صحيح، إلا أن أغلبية المواطنين لم يكن يُهمها كثيراً، سواء عُقدت الانتخابات فى سبتمبر ٢٠١١، أو سبتمبر ٣٠١١، مادام ذلك فى عهد حسنى مُبارك. فحقيقة الأمر أن نسبة لا تتجاوز ١٠ فى المائة هى التى كانت تذهب إلى مراكز الاقتراع للمُشاركة فى مثل تلك الانتخابات.

فأغلبية المواطنين كانت تعتبر المشهد الانتخابى فى عهد مُبارك مسألة عبثية، لا تستحق الاهتمام، أو المُشاركة، أو حتى المُتابعة. نعم كانت تبدو لهم مسرحية هزلية، بطلها الحزب الوطنى الحاكم، الذى يُزوّر الانتخابات، للتأكد من حصول أعضائه على أغلبية الثلاثة أرباع، تحسُّباً للمهزلة الكبرى التى كان ينتويها نظام مُبارك، وهى توريث عرش مصر للوريث، أو ولى العهد، جمال مُبارك.

أما الآن، وقد أيقن مُعظم المصريين أن بلدهم قد عاد إليهم، فإنهم أصبحوا أكثر حرصاً على المُشاركة السياسية، بما فى ذلك الإدلاء بأصواتهم. وآية ذلك أنه بينما لم تتجاوز نسبة التصويت فى آخر انتخابات فى عهد مُبارك، عشرة فى المائة (نوفمبر ٢٠١٠)، فإنها قفزت أربعة أمثال، أى إلى ٤٠%، فى أول عملية تصويتية بعد ثورة يناير ٢٠١١.

ونقصد بذلك الاستفتاء على تعديل الدستور فى ١٩ مارس ٢٠١١، أى أن زيادة إحساس المصريين بالانتماء ضاعفت من سعيهم لترجمة هذا الإحساس إلى سلوك انتخابى. ولذلك نتوقع أن يستمر هذا الإقبال على المُشاركة فى الانتخابات النيابية، المُقرر لها شهر سبتمبر، والانتخابات الرئاسية، المقرر لها شهر نوفمبر ٢٠١١.

وهذا تحديداً ما أريد أن أتوقف عنده، وأتوجه لقرّاء هذا المقال أن يُشاركوا بآرائهم فيما أقترحه هنا، وهو تأجيل تلك الانتخابات ستة أشهر أو سنة، عن المواعيد المُعلنة من قبل. وحيثيات هذا الاقتراح ما يلى:

١ - إن حدث الثورة التى مر بمصر فى مطلع هذا العام، مثل كل ثورة كُبرى فى التاريخ، قد أحدث بدوره فورانات نفسية، واجتماعية، وسياسية، واقتصادية. ولم تهدأ أو تستقر هذه الفورانات بعد. بل ربما تحدث انفجارات أخرى. وقد رأينا بالفعل قوى كانت تحت السطح وظهرت فجأة بوجه لم يكن مألوفاً عنها من قبل، ومن ذلك القوى الإسلامية السلفية المُتشددة، والقوى الشبابية القبطية الغاضبة.

٢ - إن مُعظم الأحزاب السياسية التقليدية، مثلها مثل نظام مُبارك نفسه، فوجئت بالثورة، والذين انضموا منهم إليها فعلوا ذلك مُتأخرين، وتحت ضغط شبابهم. وفى كل الأحوال فإن هذه الأحزاب القديمة كانت وما تزال ضعيفة، وتحتاج إلى وقت أطول لإعادة فتح وتجديد الدماء فى شرايينها.

وأهم من ذلك أن القوى الشبابية التى أشعلت فتيل الثورة لديها من الحماس والإخلاص، أكثر مما لديها من الخبرة والموارد التنظيمية والمادية. رغم أن بعضها قد بدأ مؤخراً فى تنظيم نفسه، وأعلن بعضهم عن تكوين حزب جديد، إلا أن أغلبية شباب التحرير لم تفعل ذلك بعد، إما لشكّها فى جدوى الأحزاب أصلاً، أو لانشغالها بضرورات الحياة، بعد شهور من تكريس وقتهم وطاقاتهم للثورة. وهؤلاء لا شك يحتاجون إلى عدة شهور إضافية لإعادة التوازن، ثم الانطلاق.

وفى المشهد المصرى الحالى كله، لا تبدو هنالك إلا قوتان سياسيتان مُستعدتان للانتخابات، وهما الإخوان المسلمين والحزب الوطنى سابقاً، والذى أعاد تسمية نفسه باسم الحزب الوطنى الجديد.

ولكثير من المصريين تحفظات عديدة على هاتين القوتين. فبقايا الحزب الوطنى تحمل كل أوزار نظام مُبارك، بما فيها مفاسده واستبداده. والإخوان المسلمون يُخيفون الأقباط، والعلمانيين المسلمين، والنساء العصريات فى داخل مصر، فضلاً عن هواجس القوى الخارجية، خاصة فى الغرب. ورغم أن من أعرفهم من قيادات جماعة الإخوان المسلمين سواء من زاملتهم فى السجن، أو عرفتهم قبل وبعد السجن لا يُثيرون مخاوفى أو مخاوف الكثيرين، إلا أن هناك هواجس بالفعل. وقد يحتاج الإخوان أنفسهم وقتاً أطول لتبديد هذه الهواجس.

وأخيراً، وليس آخراً، فإن المؤسسة الأمنية ما تزال، وما يزال كثير من أبناء مصر لا يثقون فيها، أو يُكنون لها الخوف من ناحية، والكراهية من ناحية أخرى. وفى الوقت نفسه يُدرك الناس أنه لا أمن ولا أمان لهم بدون تلك المؤسسة، ابتداء من خفراء القرى فى الريف إلى لواءات الشرطة فى مبنى وزارة الداخلية بلاظوغلى. ويحتاج هذا الجهاز الأمنى نفسه وقتاً لإعادة توازنه، واستعادة كفاءاته، ومُمارسة مهامه بكفاءة ومسؤولية، خاصة أن هذه المؤسسة، لاتزال هى الجهة المنوط بها إجراء الانتخابات. وكانت بدورها هى الجهة التى تقوم بتزوير الانتخابات، بطريق مُباشر أو غير مُباشر. وبهذا المعنى فإن وزارة الداخلية فى نظر الكثيرين، هى «شر لا بد منه».

ورغم أن الصورة قد تحسّنت قليلاً فى عهد وزيرها الحالى، اللواء منصور عيسوى، إلا أنه ما يزال مطلوباً منه، بمشاركة وزير العدل ومُمثلى المجتمع المدنى، إنشاء «شرطة خاصة» للانتخابات، مثل شرطة المحاكم، وتكون تحت إمرة القضاة المسؤولين عن الإشراف على العملية الانتخابية.

لكل هذه الأسباب والاعتبارات، يجدر بالمجلس الأعلى للقوات المُسلحة، الذى يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى الآن، أن يُعيد النظر فى الجدول الزمنى للمرحلة الانتقالية، ويؤجل كل من الانتخابات النيابية والرئاسية ستة شهور على الأقل، أى إلى مطلع عام ٢٠١٢.

اللهم إنى قد بلغت، اللهم فاشهد.

اجمالي القراءات 9715