الإعلام المصري قبل وبعد 25 يناير

د. شاكر النابلسي في الأربعاء ١٣ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-

 

لعب الإعلام بكافة وسائلة المختلفة قديماً وحديثاً دوراً بارزاً، في تنمية المجتمع والوطن بصفة عامة.

ولعب الإعلام دوراً كبيراً في الماضي في نشر أفكار الفلاسفة والمفكرين انتشاراً كبيراً. فلجأ معظم الفلاسفة، والمفكرين، وقادة الرأي في العالم إلى الإعلام، وساهموا فيه مساهمة كبيرة. واعتبر هيجل أن قراءة صحف الصباح كصلاة الفجر.

ولجأ طه حسين في العشرينات من القرن الماضي إلى الإعلام، لكي ينشر آراءه في كافة النشاطات الإنسانية. ويقول حلمي نمنم في كتابه (طه حسين والصهيونية) أن طه حسين عندما عُين في العشرينات أستاذاً للتاريخ القديم في الجامعة المصرية، وعضواً في لجنة إعداد دستور 1923 ، الذي ألغاه رئيس الوزراء اسماعيل صدقي فيما بعد، لم يكتفِ بدورة الأكاديمي والسياسي هذا، بل استخدم الإعلام والصحافة بالذات، للمساهمة في الشأن العام، ونشر أفكاره السياسية والثقافية. و حرصْ طه حسين على الكتابة، في جريدة "الجريدة" التي كان يصدرها أبو الليبرالية المصرية ومربي الجيل أحمد لطفي السيد (1872-1963)، وتنطق باسم "حزب الأمة".  كما حرِصَ لطفي السيد على كتابة مقاله في جريدة "المؤيد" التي أسسها مصطفى كامل عام 1889. وفيما بعد حرِصَ طه حسين على  كتابة مقاله الأسبوعي المشهور (حديث الأربعاء) في جريدة "السياسة" المصرية، التي كان يرأسها محمد حسين هيكل، وتنطق باسم "حزب الأحرار الدستوريين" الذي تأسس بعد ثورة 1919. وكذلك حرِصَ طه حسين على إنشاء مجلة "الكاتب المصري" (1945-1948) التي كانت ممولة من مجموعة من رجال الأعمال اليهود المصريين من أسرة "هراري"، وعلى رأسهم  فيكتور هراري باشا، الذي تولى الخزانة العامة في عهد الخديوي اسماعيل، والتي اتُهمت – باطلاً – بميولها الصهيونية، وبمناصرتها لإسرائيل. ولكن طه حسين ومواد المجلة، التي استمرت بالصدور لمدة ثلاث سنوات، أثبتت بأنها لم تقم على الإطلاق بمساندة الصهيونية بأي وجه من الوجوه، بل إن ممولي هذه المجلة، رفضوا تأييد وايزمان (رئيس المنظمة الصهيونية العالمية)، في دعوته لإقامة دولة إسرائيل، عندما كان في زيارة للقاهرة عام 1918، كما قال حلمي النمنم في كتابه ("طه حسين والصهيونية"، ص 156). وبعد أن تم إغلاق مجلة "الكاتب المصري". أصرَّ طه حسين على مواصلة الاتصال بالجمهور عن طريق الإعلام، وعن طريق الصحافة خصوصاً. ورأت الثورة المصرية 1952، في تكليف طه حسين برئاسة تحرير جريدة "الجمهورية" كسباً سياسياً وشعبياً كبيراً لها. فرئِس طه حسين في عهد الثورة تحرير جريدة "الجمهورية"، والكتابة فيها كل يوم اثنين، ولكن في عام 1964 ، توقف نشاط طه حسين في الإعلام، وفي الصحف خاصة، بعد أن تمَّ الاستغناء عنه في جريدة "الجمهورية" بسبب واه، وبسبب جراحة قاسية في عموده الفقري، وبلوغه الخامسة والسبعين.

ولم يكتف طه حسين بالكتابة في الصحافة بل أخذ يستعمل وسيلة إعلامية أخرى لنشر أفكاره، وهي الإذاعة، التي كان يذيع منها أحاديثه السياسية ضد وزارة اسماعيل صدقي في الثلاثينات، مما يؤكد أهمية الدور الإعلامي لنشر الفكر والثقافة عامة.

يضاف إلى ذلك كله، دور مجلة "الرسالة" التي أسسها أحمد حسن الزيات، عام 1933. ومجموعة الجرائد والمجلات التي أسسها المفكرون والصحافيون الشوام، الذين لجأوا إلى مصر من بلاد الشام، هروباً من نقمة ومطاردة الاستعمار الفرنسي والعثماني لهم، ومنها مجلة "المقتطف" التي أسساها يعقوب صروف وفارس نمر في الشام عام 1876 ، ثم انتقلت إلى القاهرة. وجريدة "الأهرام" التي أسساها الأخوان بشارة وسليم تقلا عام  1876، ووصفها طه حسين بأنها (ديوان الحياة المصرية المعاصرة، كونها حفظت دقائق الحياة المصرية، منذ تأسيسها على اختلاف ألوان هذه الحياة، وتباينفنونها، ومذاهبها.)  ومجلة "الهلال" التي أسسها جورجي زيدان عام 1892، وكذلك كتاب "الهلال"، وغيرها من الصحف والمجلات، التي لعبت دوراً مهماً في الإعلام العربي، وكانت نافذة  ثقافية واجتماعية وسياسية مهمة للمثقفين العرب عامة، وليس للمصريين فقط. وهذه النشاطات كلها جعلت من مصر منذ عشرينات وثلاثينات القرن الماضي وحتى الآن، في مركز القيادة الإعلامية للعالم العربي.

-2-

ظل الإعلام المصري حراً – إلى حدود معينة - قبل ثورة 1952، التي قامت فيما بعد بتأميم الإعلام المصري المقروء والمسموع عام 1960، ثم المشاهَد بعد ذلك، بعد أن تمَّ إنشاء محطة التلفزيون عام  1960 أيضاً. ومنذ ذلك الحين، وحتى الآن، ما زالت الصحف القومية الكبرى الثلاث، مملوكة للدولة المصرية، بالإضافة إلى مجموعة من المجلات كمجلة "المصوّر" و "روز اليوسف" و "صباح الخير"، وغيرها. كما أن جهازي الإذاعة والتلفزيون ما زالا مملوكين للدولة. وكانت نتيجة امتلاك الدولة لهذه الوسائل الإعلامية الضخمة، التخلف، وظهور إعلام في لبنان والخليج، ينافس الإعلام المصري منافسة شديدة. فكأي جهاز حكومي من أجهزة حكومات العالم الثالث، كان عسيراً وصعباً على الإعلام المصري، أن يتقدم ويأخذ بالأساليب الحديثة للإعلام وأجهزته. ولكن هذا العسر وهذه الصعوبة قد خفّت بعد أن ظهر إعلام المعارضة المصرية من صحف وفضائيات في العشر سنوات الأخيرة، من بداية القرن العشرين.

-3-

كنا نتوقع بعد ثورة 25 يناير 2011 ، أن يتمَّ تغيير النظام الإعلامي والديني والاجتماعي، وليس السياسي فقط. ولكن فوجئنا قبل أيام بقرار  المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإقالة معظم العاملين الرسميين في الصحافة المملوكة للدولة وبأجهزة الإذاعة والتلفزيون. فكان من المفروض أن تتخلى الدولة المصرية الجديدة بعد ثورة 25 يناير، عن ملكيتها لهذه الأجهزة، لتصبح شركات أهلية مساهمة، أو ذات إدارات ذاتية، كما هو الحال في بريطانيا مثلاً، بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية  BBC، بحيث لا تتبع هذه الهيئة، ولا تخضع لأي من الحزبين البريطانيين (حزب العمال، وحزب المحافظين) المتعاقبين على الحكم، وإنما تكون تبعيتها للشعب البريطاني، وولاؤها للوطن البريطاني فقط.

ولكن ما تمَّ مؤخراً في مصر الجديدة بالنسبة لأجهزة الإعلام المختلفة، أن تبدلت الوجوه فقط، فأُقيل رؤساء التحرير، ورؤساء مجالس الإدارة، وجيء بوجوه جديدة موالية لثورة 25 يناير، وهو ما حصل تماماً بعد عام 1952. وبذا تكون مصر الجديدة، قد عادت إلى قديمها، وما كان قائماً قبل وأثناء ستين عاماً مضت.

إن التجديد لا يكون بمجرد تغيير الأشخاص، بقدر ما يكون بتغيير التفكير، والخطط، والأهداف، وبضمان الحريات، وإشاعة ثقافة الالتزام لا الإلزام. 

 

 

اجمالي القراءات 23561